الأربعاء، 19 مارس 2008

(طرابلس الغرب) للشاعر محمد الفقيه صالح



جرْحَانِ ..


إيقاعُ المَدَى


و الخَاطِرُ المفتونْ


جُرْحِانِ . .


إيقاعُ المَدَى


و الخَاطِرُ المفتونْ


جُرْحِانِ . .


ذاكرَتِي التي تهمِي


و جَمْرٌ في اشتهاءَاتِ العيونْ .


جُرْحَانِ يَا قَلْبي


وصَمْتُكَ حَائطٌ يمتدُّ في المَنْفىَ


لماذا كلما انتابتْ حديقتَكَ اخْتَلاَجَاتُ النِّدىَ والعِشْقِ


سَرْبَلَكَ السّكُونْ ؟





أَخْتَارُ مِنْ بَيْنِ اللغات : الصَّخرَ ،




مِنْ بَيْنِ الجهاتِ : البَحْرَ ،




مِنْ بَيْنِ المَرَايا : وَجْهَهَا ، 


ويسيلُ دربٌ مِنْ رُبَى قلبي 


إلى ميعادِهَا 






في ساحةٍ للحلْمِ إبَّانَ الهطولْ . 






ليكُنْ حضورًا قاصمًا . . 


ولْتجرفِ الرِّيحُ العفيَّةُ ما تبقَّى من صُراخٍ يَابِسٍ 


في الأرضِ ، 


ولْتَعْصِفْ غيومُ الوَجْدِ بالأشعارْ . . 


ها هُنا انشقَّتْ غيوبٌ عن هبوبٍ ، 


فَانْجَلى عن كلِّ عينٍ حَاجِبٌ 


عن كلِّ قلبٍ ليَلُهُ ، 


وهُنَا ازْدَهى في نبضِك الدَّامي 


أريجٌ مِنْ صَهيلِ الحلْمِِ 


وانداحتْ سهولٌ خصْبةٌ ، 


فهفَتْ إلى النَّبْعِ الطفوليِّ الرهيفِ رصَانةُ الأحجارْ . 


سبْحَانَ من خلَقَ النساءَ 


وأَضْرَمَ الإيقاعَ في أجسادهنْ ، 


وسُبْحَان الذي لا يكتئبْ . . 


قال السجينُ وَقَدْ تَلَفّعَ بالحَنينِ وبالسحبْ ، 


وتهاطلتْ في القلبِ جُدرانُ الأزقةِ والحَوَاري والقِبابْ 


وتقاطَرَ الصُّنَّاعُ : 


أَيْنَعَت المطارقُ في الأكفِّ ، 


فأَزْهَرَ الإِيقاعُ 


أَشْعَلَنِي . . 


وكان النبضُ موصولاً بمَنْ رَفَعَ السقوفَ 


وموغلاً بالصبحِ في جَسَدِ المدينةِ وهيَ ترفُلُ في الأيادي 


يا أبي . . . . . . 


واستَغْرَقَتْنِي في جنونِ الطَّرْقِ حُمَّى القارِعَةْ . 


" الحُلْمُ يا محبوبتي زادِي 


دِمُ الرُّؤيا الذي أحيا بهِ 


مَوْتِي وميلادِي 


والحبُّ ميعادِي 


وذاكرةُ الهَوَى المخضرِّ في وجهِ الخريفْ ، 


والحلُمُ لم يَصْهَرْ دمي صهرًا 


ولم يشهقْ عميقًا في يدي جرحُ الرغيفْ 


هذا اعترافي فاشْهَدِي "". 


لمدينتي يتهدَّجُ الحَرْفُ العنيدْ 


وبطيبةِ الصُّنَّاعِ والفقراءِ يختلجُ النشيدْ . 




مسَّتْ يدي – في الصُّبْحِ – خاصرةَ المدينةِ


فاستفاقتْ في المواعيدِ النَّديَّةِ " كوشةُ الصفَّارْ "


وارتحلتْ بيَ الصبواتُ


حين تَفَتَّقَتْ في " زنقة العربيِّ " شمسٌ طفلةٌ


وانشقَّ بابٌ عن قوامٍ عامرٍ بالخوخ والنوَّارْ .


البرقٌ . .


يَالأَنَاقةِ التكوينِ . . يالَعراقِة الأسرارْ .


البرقُ قَدْ يَأْتي مِنَ الحِنَّاءِ ،


إذْ يَتَفَتَّحُ الصبحُ البهيجُ على أصابِعِهِنَّ


باقاتٍ من الضَّحِكَاتِ والأشعارْ


ومِن البخارِ الصاعدِ الموَّارِ أزمنةٌ تطلُّ وتختفيِ


في كلِّ منعطفٍ ودارْ . .


وفتحتُ صدْرِيَ – عند " بابِ البحرِ " – للريحِ التي تَنْحَلُّ


فوقَ الشاطئِ الصخرِيِّ في الزَّبَدِ الكثيفْ


البحرُ ، حين تَخُضُّهُ الأشواقُ ،


والبَحَّارُ حين يؤَوبُ ،


محتدمانِ في قلبي إلى حدِّ النزيفْ .


أَمْضي . .


تسيرُ بجانبي الطرقاتُ


والأقواسُ


والدورُ العتيقةٌ


تحتويني في المساءِ نَقَاوَةُ المشْمُومِ


إذْ آوي إلى مقهًى ببابِ البحرِ :


سيدتي تُطِلُّ الآنَ مِنْ شُبَّاكِهَا


وتذوبُ في رِيقي ،حليبٌ صوتُها . .


ورموشُها تنسابُ في لُغَتِي


إلى أنْ لا يصيرَ القيظُ تحتَ جُفُونِها قَيْظَا .


أَشُمُّ عبيرَها ينثالُ من حجرٍ


وأَرْشُفُ سَلْسَبِيلاٍ من تَفَتُّحِهَا


ويَعْصِمُنِي مِنَ الإيغَالِ في الرَّمزِ


اشتعالُ علاقةٍ ما بينَ قهَوتِها وطيبِ ضفيرتيْها .


إنني أَمْشِي على حدِّ الزَّمَانِ الصعبِ


تُفْعِمُني اختلاجتُها


وَأَشْهَدُني مُحاطًا بالبهاءِ


كأنَّ سيدتي استفاضتْ مِنْ كيانِ الصمتِ


وانداحتْ مَعَ الأنفاسِ في عبِق الهواءْ.


فطوبَى للتي فَتَحَتْ خزَائِنها لمن يحتاجُ


طوبَى للتي أَسْرَتْ بعاشقِها إلى لُغَةِ الندَى والارتواءْ .




زَبَدٌ هديرُ القحطِ سيدتي إذا اخْضَلَّ اللقاءْ 


الليلُ والطاعونُ والباشاَ وجندُ الانكشاريينْ 


ماذا يتركونْ ؟ 


حَطَّتْ على رأسي المدينةُ كفَّها الزيتيَّ 


فاشتعلتْ على صدرِي الحبيبةُ بالغناءْ : 


إن البيوتَ كثيرةٌ 


والسقْفُ واحدْ ، 


والأمنياتُ جريحةٌ 


والقلبُ صامدْ ، 


والكادحون تناهَبَتْهُم غابةُ الإسْمنْتِ 


" غولٌ هائلٌ " 


والنفطُ لو أدركتَ شاهدْ 


فارْقُصْ إذا ما شِئْتَ أَنْ يبقى الهوى حياًّ 


على إيقاعِهِ الصَّاعدْ . .

مجمعة من الأصدقاء والدكريات





الوله التركي انطونيو جالا ،، بقلم خالد درويش




يعتبر أنطونيو جالا أحد أهم الأقلام الإسبانية المعاصرة على كل المستويات وذلك أنه كتب ويكتب كل الأجناس الأدبية واللافت للانتباه في أعمال جالا هو موضوعاتها ومحورها فالموضوعات في مجملها لها علاقة بتاريخ العرب في الأندلس أو انطلاقا من علاقة إسبانيا بالعرب والمسلمين بشكل عام ومحورها هو الحب الذي يعتبر الهاجس الأساسي ، فبالحب وحده ينتصر الانسان ومعه وبه كما يحدث في هذه الرواية " الوله التركي" .
تعرفت على انطونيو جالا مصادفة ذات معرض حين عثرت على روايته " المخطوط القرمزي" وهي رواية تحكي سيرة الأمير عبدالله الصغير آخر ملوك بني الأحمر وهو الرجل الذي لم ينصفه التاريخ فقد جاء في زمن كتب عليه فيه أن يشهد تسليم أخرمعاقل المسلمين في الأندلس وبيديه يوقع تلك المعاهدة لتسليم المدينة .. شخصية أبي عبدالله سحرتني منذ تعرفت على نصوص إسبانية لكاتب أندلسي موريسكي الأصل ،،ثم حين قرأت أراغون " مجنون إلزا " والذي أعتبره الوحيد مع أنطونيو جالا من انصفا أبا عبد الله الصغير وحاولا أن يتفهما ظرفه وزمانه وقدره .

"الوله التركي" رواية حازت على جائزة بلانيتا عام 1993 وهي من أهم الجوائز الروائية في اسبانيا ثم طبعت وأعيدت طباعتها أكثر من عشرين مرة وهي قصة إمرأة أنساها عشقها لجميع الأسئلة التي تعبر في الحالة الطبيعية في ذهن الإنسان حين يدخ في علاقة مع أخر ، فهي تراه بل تهيم به بل تموت هياما فتنسى محيطها واناسها ولا ترى في معشوقها غير تماهي الروح والجسد ، لكنها ما أن تطرح سؤالا فرضه الواقع حتى تبدأ سلسة من أسئلة تدور لتبقى دون جواب او جوابها الوحيد يؤدي إلى الخروج من هذا الواقع والاصطدام به بقسوته المؤدية حتما إلى النهاية التي انتهت إليها الرواية .
شخصية " دسيدريا" التي خرجت من أعمق أنطونيو جالا لترسم حالة من العشق والوله على حافة التفرد والجنون ، خرجت في الحقيقة من تراكم الموسيقى والشعر العربيين والغناء الأندلسي العميق في ذاكرة الكاتب ." يمام " دليل سياحي لمتاهة الجسد والحب وديسيدريا امرأة إسبانية تزور تركيا والباسيفك لأول مرة .. يقطعانه سريعا ثم تعود إلى الأندلس لتطلّق زوجها وتهدم بيتها وتذهب إلى "يمام " تعيش تحت قدميه مهربة ، وحشاشة، عاهرة ، عميلة ، عاشقة ، يفعل بها عشقه الأفاعيل لكنها لاتتركه ." صفعني بقفا كفه صفعة كانت من الهول بحيث كادت تفقدني الوعي ، كان يملك كل الحق ، وهكذا وضح له و لي بأنني عدت مذعنة ، كانت رحلتي الرابعة إلى استنبول امتثالا لمالكي ، بدون عبدة هربت من المزرعة واصطادتها البنادق والكلاب ، كنت رهن ما يقرره المالك " 214" ما أغبانا حين نستبدل هذه اللوائح الطبيعية بأخرى مماثلة تموهها ، اقتربت بأنفي من فمه كان مطبقا ويخرج منه نفس ارتشفته برهة طويلة دون أن ألمسه بفمي كيلا أوقظه ، فكرت : ربما كانت الرقة هي التي جعلتني أقترب من ذلك الجسد الغافي ، لا ، لم تكن الرقة بل الامتنان ، دافع معرفة كل شيء عنه ، كل ما يخدعني في نائم ، حرفية المحارب الذي يلمع وينظف ويتفقد بين معركة وأخرى سلاحه الذي سرعان ما ستتعلق حياته به " 126تمضي بنا الرواية في هذا الخدر اللذيذ من جمل شاعرية غاية في الرقة فديسيدريا أدمت حياتها الجديدة واصبحت عبدة عشقها بل متعتها بل جنونها " كثيرا ما فكرت أن ولهي أشد عنفا حتى من رغبتي الجنسية وأكثر شخصية ، لكن المفجع أنه أقل امكانية للنقل للأخر ، يمكنك إثارة الرغبة في كائن آخر ، لكن ليس الوله ، الآني منه نعم ، لكن ليس السابق واللاحق ، لذلك فالوله أقرب إلى الموت من الرغبة حين يخلط السعادة بالألم ، الألم الممتع لأنه ينبع ممن نحب ويأتي من يده حتى وإن لم يع ِ أنه سببه فينا ، وليس هو أكثر مايؤلمنا ، لذلك فإن الوله يتغذى من ذاته مثل السرطان وهو بالنتيجة نهم كالسرطان زلكي يتم لا يحتاج إلا لذاته حين يستنفره وجود أحد ما ، لأن غياب هذا الأحد رهيب ،لكن يبقى لنا أمل اللقاء به بينما إذا لم يرافقنا حضوره لا يتبقى لنا غير اليأس " 124يقول أنطونيو جالا عن الكتابة " الكتابة بالنسبة لي هي التنفس ، الكتابة هي طريقتي بالكلام وبالغناء وبالتأثر وتحريك المشاعر إي أنها طريقة عيشي في النهاية ، وإذا لم أكتب فأنني سأموت ، لكن إذا قال لي ابني أنه يريد أن يصبح كاتبا فإنني سأخنقه ، وإذا عاش بعد الخنق ساجعله يدرس اختصاصات عديدة كما درست أنا من أجل الاستعداد لما سيأتي ، أما الصفحة البيضاء عندي فهي صحراء مرعبة لذلك اكتب في أوراق مستعملة من الجهة الأخرى من أجل امتلاك الاحساس بعدم تحطيم أو تلطيخ أي شيء لم يكن ملطخا أصلا .وفي رأيه عن الحب الذي كتب عنه وحرر أبطاله منه وأوقعهم في شباكه فيقول : الحب هو رد فعل ضد الجماعي ، وحيث يعتقد المجتمع انه ينظم كل شيء وأن هذا " الكل شيء " مستقر من اجل اتحاد زوجين ما كي يمتلكا صغارهما ويرعيانهما وذلك ليس هكذا ، إذا لجأ الحب إلى العتمة و الحميمية و لا علاقة للمجتمع به ، فالحب هو ظاهرة غير قابلة للتحويل ، كما أنه خالص بشكل مطلق وطبعا متعارض مع المجتمع وهو لايذهب ضده ولكنه يعيش على هامشه .أنطونيو جالا يكتب الجملة الشعرية في رواياته المختلفة ، لم أشعر أبدا بثقل الكلمات ولكنها تتسلل إلى قلبي في تناسق مريح ، والرواية بلغة شاعرية استمتعت بالمخطوط القرمزي وانتشيت مع الوله التركي وكذلك حديقة عدن الخضراء .الروايات صدرت عن دار ورد وترجمها رفعت عطية .