الأحد، 13 فبراير 2011

لا غالب إلا الله


خالد درويش /الشمس الثقافي

في غابر الزمن، حين كانت الصولة لنا نحن العرب المسلمين في تلك البقعة الأجمل، وأتساءل اليوم وأنا أقرأ الشواهد وأتلمس الآثار هل كنا هناك حقا أم هي فذلكة مؤرخ لم يجد ما يحبر به الصفحات المطلوبة منه من أمير نزق .
هل كنا هناك حقا،
وهل تركنا كل هذا الإرث من الجمال والحضارة والرقي والأخلاق والمدنية، أم هم قوم غيرنا وأناس سوانا، منذ بداية تعرفي على إحسان عباس وعناني مبكرا جدا، ثم الدخول عميقا في تاريخ تلك المنطقة عبر الإحاطة في أخبار غرناطة والمعرب في أخبار الأندلس والمغرب وأعمال الأعلام للسان الدين بن الخطيب، ثم نفح الطيب للمقري وكتاب إبن خلكان في تراجم الأندلسيين وغيرهم، وغيرها من الكتب مرورا بتلمس الشواهد الباقية والأحجار العالية لقصور الحمراء ومطالعة سير ملوكها وشعرائها الداخل وولديه الحكم والناصر مرورا بذلك الفتى الذي ألقته الجزيرة الخضراء لا يملك إلا عقله وساعده، وقد كانت الدنيا في ذلك الوقت هي الأندلس وليبتني الزهراء وليسجل اسمه في سجل الملوك العظام محمد بن أبي عامرالمنصور، إلى المعتمد بن عباد أشهر من حكم وعشق وأنشد، وأتساءل هل حقا كانت لنا تلك الربوع। أسائل حي "خوانتا فاكيوس" وأستنق جبال السييرا نيفادا، وأنا ألوح بيدي أستعير من جون ميلتون فردوسه المفقود فيطل من وراء كورة ألبيرا وجه موسى بن نصير وهو مؤرق العينين لأسأله؛ أين كنت يا أبتاه؛ أيها الفاتح الأكبر، يا من أهديتنا درة الأرض في ذلك الزمان؟ فيجيبني لقد كنت أستجدي الناس أمام مساجد سبتة। في ذلك المكان الذي انطلقت منه خيول الفتح العربي إلى الجزيرة المباركة وفي يدي رأس ابني عبد العزيز مضرجا بدمائه، وما هي إلا لحظات أخرى حتى أفاجأ بطلة "بوعبديلا" كما ينطقها ويكتبها الإسبانيون اليوم। أو عبدالله الصغير، حاملا صك عبوديته ممهورا بتوقيع الفونس وزوجته في وثيقة استسلام غرناطه ودموعه تملأ عينيه، ليردد مع الشاعر العربي المعاصر عبد الوهاب البياتي:

(لا غالب إلا الله
فلماذا يبكي عبدالله؟)

اتركوا الكتاب في عرض البحر دون شفاعة من احد


خالد درويش 
استطلاع حول مقدمات الكتب نشر بصحيفة نوافد الثقافية
بدون مقدمات مسهبة سأتحدث حول هذا الموضوع المهم والطريف الذي اقترحته إدارة تحرير المجلة ،وسأناقش أسئلة ثلاث أبدأ منها مقالتي هذه وهي : هل المقدمة ضرورية للكتاب ، وهل أهتم بأن تكون كتبي ذات مقدمات أو تقديم من أخرين ، وهل أهتم شخصيا بمقدمة أي كتاب .. ولعل أشهر المقدمات في تاريخنا العربي هي "مقدمة ابن خلدون" تلك التي طغت على الكتاب الأصلي بحيث أصبحت هي ذاتها الكتاب على الرغم من أن الأصل هو (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربرومن عاصرهم من السلطان الأكبر) فهذا لعمري أطول عنوان في التاريخ فنحن العرب مولعون بالطول على غرار"الأخبار الطوال " للدينوري و "طويل العماد" للخنساء و"طويل العمر" وأطول رواية" للفقيه .. وحسنا فعل الناس باختصارهم هذا فعنوان الكتاب ثقيل وممل لكن الحاجة دعت إلى الاقتصار على المقدمة وهذه إحدى المرات القليلة التي تطغى فيها المقدمة على المتن وبما اننا نتحدث عن المقدمة فقد أكدت الدراسات أن ابن خلدون لم يقم بتأليف هذه المقدمة ولكنه نقل فصولا كاملة من كتاب إخوان الصفا وقد أشار إلى ذلك محمود اسماعيل ومن قبله دريني خشبة ..


وإذا أجلنا النظر فيما قدم به الأولون كتبهم خصوصا في عصور المسلمين الزاهية فإننا سنجد أنماطا متعددة وطرائق مختلفة وأساليب متنوعة تبدأ كلها بالحمد والتهليل والصلاة على النبي العدنان والدعاء بالنفع للمسلمين ثم يورد الكاتب أو المحدث او الفقيه المشقة التي عاناها في تأليفه هذا كل ذلك في سجع طويل او قصير وجمل مترادفة تكسوها حلاووة البيان المقصود أحيانا ،، ثم لا ينسى الكاتب في ختام مقدمة كتابه ان يهدي هذا العمل إلى الملك الأجل وحامي حمى العلم والعلماء امير زمانه وملك عصره وأوانه ..أما في زمانا هذا فقد امتلئت الكتب والدواوين والروايات بصفحات طائلة مما يطلق عليه أصحابه "مقدمة" بل وسعى كثيرون منهم لأن يلاطفوا فلان الشاعر الكبير أو الأديب الفذ أو ان يتمسحوا بركابه ليكتب لهم مقدمة تصبح لهم جواز مرور إلى القراء بل ووصلت السخافة والتوسل ببعضهم أن يكتب على اسم هذا الكاتب الذي قدم له روايته فنجد ه يكتب على سبيل المثال : الغول والحسناء المزيفة رواية لفلان بتقديم الكاتب الكبير فلانن الفلاني .. وهذا من أبشع التكسب والتوسل والتمترس خلف الأسماء الكبيرة التي لايكون تقديمها إلا من باب الوصاية والأبوة والتربيت على الكتف أو من باب الحياء و"الحشمة" وأن هذا الكاتب الشاب قد ترصد الكاتب النجم مرارا وتكرارا وألح عليه فلم يجد بدأ من ان يطيب خاطره ببعض كلمات من المجاملة يجعلها هذا الشاب على الغلاف الخارجي بخط بارز وكبير ..إنني لا أميل إلى هذا الأسلوب ، ولا أحبه وقد نصحت أصدقائي دائما بألا يتركوا أحدا يربت على أكتافهم بكلمة .. عليهم أن يتركوا الكتاب في عرض البحر دون مسوغ من احد ، دون شفاعة من أحد ، على الكتاب أن يجاهد بنفسه لكي يعيش ويتنفس ، حتى المقدمة التي يضعها الكاتب لنفسه بنفسه أجدها غير ضرورية لآنها ليست جزء من العملية الإبداعية فالقارئ ليس له علاقة بظروف العمل له علاقة بالعمل ذاته ، وإذا كان الكتاب غير جيد أو ضعيفا فلن تنفع فيه مقدمة غارسيا ماركيز أو شهادة أبو الطيب المتنبي وسيكتشف الناس التواطؤ بين المقدم والمقدم له ..تجربتي الخاصة خلت فيها دواويني من التقديم ، لا مني شخصيا ولا من أي أحد ، ليس غرورا او تبجحا لكنه رأي ومبدأ وإيمان بما أكتبه ، فأنا اريد أن يقرأني الناس لذاتي دون غش ، دون ابتذال وشفاعة ، رغم أنني على علاقة شخصية بكبار المبدعين العرب والتقيت بهم وحاورتهم ولكنني لم أطلب من أحدهم أن يقدمني أو أن يكتب لي كلمة على الغلاف أزين بها كتابي وأتبجح بها ..أذكر تلك القصة التي أوردتها أحلام مستغانمي في بداية روايتها عن الأستاذ الذي يمر على طلبته في أول حصة من العام الدراسي حاملا سلة المهملات أمرا تلاميذه بتمزيق مقدمات الكتب ووضعها في السلة لكي يبتدئ عامهم الدراسي أعجبتني جدا هذه القصة وهي ذات دلالة رائعة ..أما أجمل مقدمة قرأتها في حياتي فهي تلك المقدمة الذي وضعها الكاتب البرازيلي "فرناندو سابينو" في مقدمة كتابه " رقعة الشطرنج والرجل العاري" ترجمها المستشار الاقتصادي للسفارة البرازيلية في العراق الروائي والكاتب"عوني الديري" ولعلها أجمل من الكتاب ذاته وهي شبه مدرسة لتعليم الكتابة والحياة .. وأنصح كل من لم يطلع على هذا الكتاب بأن يفعل لآنه ممتع جدا وعميق .

اسماعيل كادريه وقلة الأدب

إضافة تسمية توضيحية

خالد درويش
نشر هذا المقال بصحيفة أويا

اه يا حسرة .. منو اللي ما قراش للألباني إسماعيل كادريه
طبعا مش حنحكيلكم قداش انا انحب هالراجل ،،

 قصدي قادش نقراله ونموت في الحروف اللي تطلع من تحت ايديه .. خصوصا رائعته "جنرال الجيش الميت "
والجسر وطبول المطر وغيرها هلبة ..

 هالراجل يحكي على واقع شبيه بواقعنا العربي ولما قريت الحوار معاه اللي يتكلم فيه على الأدب واقتطفت منه هالجزء
.. فكرت قلت كان الأدب مش جماهيري
أمالا قلة الأدب اللي نشوفوا فيها شن لازم اتكون ؟
كانه الأدب لازم ما يكون نخبوي
امالا البطيط اللي كل يوم متربع غادي
 وهنا شن اسمه
ومشيت في دوخة كبيرة ..
وحاولت تعريف الأدب
وشفت عمك محمد مندور متاع ماهو الأدب ؟
وقريت وقصقصت من هنا وهناك وعرفت شوية عن الأدب ..
لكن السؤال اللي ما عرفتش عليه الإجابة
هو شن هو قلة الأدب ؟

حاولت والله جاهدا لكن قلت خلي ننزل للشارع ونسأل .. بالك يدلني حد على تعريف يشفي غليلي .
.شفت جارنا "عمي الساهل "
سألته عن قلة الأدب فأجابني بنظرة بيضاء
ما فيهاش إلا تعبير واحد ؟؟
خليته على جنب وركبت الأفيكو ،،
حاولت نسأل السواق الصغيرون
 اللي معلي السبيكروات ويلوي في وحدة
 هو والمساعد اللي معاه
لكن ماسمعنيش فصرخت صرخت لين وقفلي ،،
نزلت بسرعة وما تمكنتش من سماع إجايته
وحذفتله الربع جنيه من الروشن .
كانت طرابلس مليانة ،،
قصدي بالناس 
والسؤال قريب يفتتني من داخل.
حاولت نسأل التشادية اللي من أول ما وعيت على الدنيا
 وأنا نشوف فيها هذا مكانها
 ونفس البضاعة سواك وحنة وشخاشير
ومقصات وخلالات ومسك وعنبر وغيره .
لكن قبل ما نوصل فيها ضمت بضاعتها في رمشة عين
وعرت سيقانها وشدت الفيافي
 ولا ونه البلدية في جرتها بعصاة مكنسة ،،
تصوروا قعدت ريحة الطيب والصنة بحذاي 
وقعد السؤال أيضا .
زدت لقدام .. شوية في الرشيد وفي المأمون ،،
ويا خوي ما نحكيلكش على الأدب اللي متربع في زناقينا
اللي معبي صناديق صناديق
لقيت اسماعيل كاداريه بطوبته ،، 
أهلا سلمت عليه ،، 
شن جابك قاللي اللي ؟جابني جابك ..

أنا ــ قصدك حتى انت اتدور في تعريف لقلة الأدب
هو ـــ قلة الأدب ؟؟ لا أنا جاي اندور في اسبيدرو 42 قالوا رخاص عندكم .



عام مضى ..


خالد درويش


عام مضى ..
مرت أحداث جمة ،
كوارث ،
فيضانات ،
في هذا العام تقلبات كثيرة ،
وأحزان أكثر ،
انتصارات ، واخفاقات ،
الحدث الأهم شاغل الناس كان ويكليكس ،
قطر تفوز بتنظيم كأس العالم
فرح عربي بحجم الفرح ،
فوز الروائي يوسا بنوبل
رحيل سارامجو البرتغالي صاحب الرواية العظيمة "العمى"
سرقة لوحة "زهرة الخشخاش" لفان جوخ من متحف محمود خليل بالقاهرة ،
سقوط العقل العربي برحيل مفكريه ومبدعيه والحسرة تملؤ محبيهم
اراكون ، عابد الجابري ، نصر حامد ابوزيد ،
أيضا الشاعر الكبير والعزيز صديق المثقفين الليبين محمد عفيفي مطر الشاعر الانسان ،
اما فارس الترجمة والشعر والكلمة خليفة محمد التليسي ،
وقف عليها الحب ، القصيدة القلب ،
ليبيا التي تحضن البحر ،
الصديق القاص يوسف بالريش الدمث الهادئ ،
كذلك القلم الصحفي المبدع والمتميز محمود النطاح
والذي غابت عنا متابعاته وكلماته فافتقدنا لتلك الجملة العزيزة
"كتب محمود النطاح" والتي لم تعد تطالعنا ..
أما الفاجعة التي قصمت قلبي ،
هي رحيل الزميل والصديق الشاعر أبوالقاسم المزداوي
مشرف الملف الثقافي بصحيفة الشمس
والذي ازدهر في أيامه بكل جديد وجميل ،
فوداعا لكل هؤلاء ، ووداعا للأحزان ،
ولتشرق شمس الثقافة ساطعة كما نرجوها
باختيار مدينة سرت الليبية عاصمة للثقافة العربية .
وكل عام وانتم بخير

لقاء مع الشاعر محمد الغزي




استمرارا لزاوية بدأتها قبل عام ونصف حين كنت رئيسا لتحرير "ملحق الشمس الثقافي" رحمه الله ، وكنت التقي فيها بمبدعين ليبين وعرب لا لأسألهم الاسئلة المعتادة عن الحداثة ومستقبل الشعر وغيرها من الأسئلة الكبرى التي استهلكتها الحوارات الرصينة ॥ هنا أعامل المبدع كنجم فأبدأ بمكتبته ومن خلال الكتاب والمكتبة يتعمق الحوار أو (الهدرزة) لتبعثر إلى مناطق أخرى .. وزوايا اقرب إلى الشخصي منها إلى العام .. في هذه المرة ألتقي مع شاعر مبدع .. ابن القيروان العريقة .. إنه الشاعر محمد الغزي الذي ولد بمدينة القيروان في 24 فبراير 1949، تونس و صدر له: - كتاب الماء كتاب الجمر: دار ديميتير للنشر تونس - 1982 - للفرح القادم: الدّار نفسها، تونس 1982- ما أكثر ما أعطى ما أقل ما أخذت/كثير هذا القليل الذي أخذت - تونس - دار سراس للنشر


التقاه بسوسة/ خالد درويش

إذا بدأنا من بداياتك حول تلمسك للمعرفة والكتاب هل تتذكر ذلك الزمن؟
طبعاً أتذكره جيداً، تجربتي الأولى مع الكتاب كانت حين يأخذ أبي كتاباً من الكتب القديمة ويقرؤها علينا ويقرأ علينا بضعة من الحكايات التراثية القديمة، وكنت أتسائل دائماً وأنا ذلك الطفل الصغير كيف يمكن لكتاب أن يحمل كل هذه الأحداث ويحمل كل هذه الوقائع ويحمل كل هذه الشخصيات وفعلاً في عصرنا لم يكن هناك تلفزيون ولم تكن هناك هذه الأشياء، كانت متعتنا ولذتنا الكبرى أن نحيط بالوالد وهو يقرأ علينا هذه الصفحات والقصص.
مكتبة الوالد كيف كانت؟
كانت المكتبة تحتوي على الكتب الدينية والكتب التقليدية، وبالإضافة لذكانت هنالك السير مثل سيرة سيف بن ذي يزن وسيرة الهلالية ومن هذه الكتب كان يقراً، ومن حين إلى آخر كان يقول "الآن سوف أتوقف عن قراءة هذه الأشياء" لأنه كان قد قيل له أن من ينهي هذا الكتاب يصاب بالعمى، ويذهب إلى كتاب ثاني ويتركنا في شوق لمعرفة النهاية.
هل تتذكر كيف كانت المكتبة، في أي ركن من البيت؟
بصراحة لم تكن لدى والدي مكتبة بالمعنى التقليدي للكلمة، كانت هناك كتب مبعثرة في كل مكان من المنزل، لم تكن هنالك رفوف على الطريقة الحديثة وهذه الأشياء ، مثلاً فوق السرير بعض الكتب وفوق الخزانة بعض الكتب وبخاصة كانت هناك بعض الكتب في دكانه كان يأخذ تلك الكتب معه من حين إلى آخر ليقرأها، ولكن لم تكن هناك مكتبة بالمعنى التقليدي للكلمة.
هل تتذكر أول كتاب اشتريته من مصروفك الخاص في أي سن كان ذلك؟
كنت في نهاية التعليم الابتدائي وكان معلمنا رحمه الله مهووساً بالرومانسيات وكان دائماً يحدثنا عن جبران خليل جبران ويطلب منا أن نقرأ جبران خليل جبران، وفعلاً أول كتاب اقتنيته كان الأجنحة المتكسرة لجبران خليل جبران، وأتذكر أنني أخذت هذا الكتاب أقرؤه بمتعة كبيرة وأنا تقريباً في الثانية عشرة من عمري وكنت آخذ تلك الجمل الجميلة التي يصف بها المرأة أو التي يصف بها الطقس، أتذكر إلى حد الآن تعرف الكثير من الجمل وهذه التشبيهات التي نعرفها جميعاً لجبران مثلاً "كان يضحك ضحكة تضارع عواصف الجبال" وأشياء من هذا القبيل وكنت أحفظها عن ظهر قلب لأستشهد بها في الإنشاء حتى يتفطن معلمي أنني قرأت جبران خليل جبران ويضيف لي عدداً.
في الزقاق أو في المدينة التي كنت تسكنها هل كانت هناك مكتبات؟
طبعاً.. القيروان أنت تعرفها كانت فيها الكثير من المكتبات وخاصة كانت هناك مكتبة عمومية أي مكتبة عامة فيها الكثير من الكتب في ذلك الوقت كنت أستعير منها أو أجلس هناك وأقرأ الكتب.
غير المكتبة العمومية ماذا كانت المكتبات التي كنت تشتري منها؟
كانت هناك المكتبات الخاصة التي أشتري منها الكتب هل تعرف أصحابها؟ أعرفهم إلى حد الآن، أشخاص أعرفهم جيداً والمكتبات إلى حد الآن مازالت موجودة وهذه المكتبات كانت تأتينا في الستينات بكتب من مصر وكانت تلك الكتب فعلاً أسعارها منخفضة جداً، وكان بالفعل مالدي من المال يمكنني من أقتني العديد من الكتب والمجلات، في مصر في الستينات كانو ينشرون الأغاني في كتيبات صغيرة، وكنت أشتريها دائماً وأقر بأنني لم أكن أفهم ما أقرأ خاصة وأن الأغاني فيها لغة صعبة نسبياً بعض الشيء إلا أنني كنت أشتريها، ولكن إلى الآن صدقني وجود الكتاب قربي فوق منضدتي أو فوق مخدتي أو فوق سريري يشعرني بالكثير من الأمان، ليس بالضرورة أن أقرأ ذلك الكتب وإنما أن أتصفحه وأن أنظر إلى أوراقه وأن أتلمسه هذا في حد ذاته متعة تضاف إلى متعة القراءة.
الآن مكتبة محمد الغزي كيف هي وكيف تبويبها ومامدى ماتحويه من كتب؟
الآن خصصت أستطيع أن أقول غرفة لجمع هذه الكتب الكثيرة التي امتلكتها على امتداد سنوات عديدة، وعلي أن أقر أيضاً بأن العديد من الكتب الرائعة التي أعرتها يوماً إلى الأصدقاء ولم تعد إلى تلك المكتبة كم هي حسرتي كبيرة على جملة من الكتب ضاعت مني وإلى الأبد ولم أستطع إيجادها بعد ذلك أبداً.
لو قلت لك أنك الآن موجود في مكتبة ضخمة فيها كل العلوم وكل شيء وطلب منك أن تقتني كتاباً واحداً يكون معك فماذا تختار؟
كتابا واحدا هو ديوان المتنبي، ديوان المتنبي هو إلى حد الآن منذ دراستي في المعاهد الثانوية إلى الآن لا أستطيع أن أتخلى عن ديوان المتنبي، أعود إليه حيناً كقارئ للشعر وأعود إليه حيناً آخر كناقد وأريد أن أتأمل منه بعض الصور الشعرية وأقرؤه مرة أخرى للبحث عن العلاقات التي تربط المتنبي بباقي الشعراء، لكن في كل الحالات مازلت إلى اليوم أقبل على ديوان المتنبي وعلى شعره بكثير من الشغف.
في المدرسة في تونس هل كانت هناك مكتبة؟ ومن من الأساتذة كان يدفعك للقراءة ولارتياد المكتبة؟
طبعاً كانت هناك مكتبة في المدرسة وكانت لدينا حصة تسمى حصة المطالعة وكان في التعليم الابتدائي والثانوي وكنا في هذه الحصة نطالب بأن نلخص كتاباً من الكتب وأن نقرأ التلخيص على التلاميذ وكانت هناك درجة نتحصل عليها من الأستاذ بعد ذلك، أستاذ كان يدفعنا جداً للقراءة وهو معروف جداً هو الأستاذ محمد الحريري صديق الشاعر أبو القاسم الشابي، وكان مهووساً بالفعل بالكتاب عندما درسني كان عمره قريباً من الستين سنة وكان دائماً يتأبط كتاباً، وكنت دائماً أراه في المقهى يضع ساقاً على ساق ويقرأ كتاباً، وكان يدفعنا دفعاً للقراءة وكان يعيرنا من مكتبته العديد والعديد من الكتب.
هل لديك طقوس في القراءة؟ هل تقرأ في الضجيج مثلا؟
أنا أقرأ في كل مكان أقرأ وخاصة في السرير، ليس بهدف انتظار النوم فأنا أقرأ في السرير وأكتب في السرير، عندي علاقة خاصة بالسرير.
على ورق أبيض أم مسطر؟
على ورق أبيض
بأي الألوان تفضل أن تكتب؟
بالأسود
هل تكتب على مكتب؟
كلا يزعجني أن أكتب فوق المكتب أفضل الكتابة في السرير
من هو شاعرك المفضل غير المتنبي؟
بصفة عامة في الشعر العربي بعد المتنبي... أنت شاعر وتعرف الآن في شعرنا الحديث نحن نحب قصائد أكثر مما نحب شعراء فعندما أتأمل الآن من هم الشعراء ربما أجد قريباً لي شاعرين اثنين رغم المسافة التي تفصل بينهما على مستوى الأسلوب وعلى مستوى طرق الكتابة، أجدني قريباً من سعدي يوسف من ناحية كما أجدني قريباً من *** من ناحية أخرى، رغم الاختلاف الكبير في طرق الكتابة وفي الأساليب المستخدمة بينهما.
ما هو بيت الشعر المفضل لديك ودائماً تردده في نفسك وليس من شعرك؟
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا *** وحسب المنايا أن يكن أمانيا
تمنيتها لما تمنيت أن ترى *** صديقاً فآعياً أو عدواً مداجيا
حببتك قلبي قبل حب من نأى *** فقد كان غداراً فكن أنت وافيا
فإن دموع العين غدر بربها *** إذا كن إثر الغادرين جواريا
خلقت ألوفاً ولو رجعت إلى الصبا *** لفارقت شيبي موجع القلب باكيا

إذا طلبت منك أن تسمي من واحد إلى خمسة روائيين عرب ومن واحد إلى خمسة روائيين عالميين أنت تأنس إليهم وتحب أن تقرأ لهم فمن تختار؟
بالنسبة للعرب بصراحة لحد الآن لازلت مشدوداً كثيراً إلى نجيب محفوظ وأعتقد أنه فعلاً مدرسة كاملة متكاملة ولايمكن لأي إنسان أن يقرأ السرد العربي دون أن يمر على نتاج هذا الكاتب الكبير، وبالنسبة للغربيين أنا أحب كاتباً أعتقد أن رواياته هي أقرب للشعر هو آرنست هيمنغواي، كل كتاباته وأعماله ولكن بخاصة الشيخ والبحر لازالت إلى حد الآن تشدني بل وتسحرني وصدقني كل سنة أو سنتين أعود إليها وأقرؤها بمتعة كبيرة.
هل تتذكر أول فيلم سينمائي شاهدته وكيف كانت السينما في ذاك الوقت؟
أتذكر أن أول فيلم شاهدته كنت بصحبة والدي ووالدتي، كانت عندنا قاعة سينما واحدة في القيروان اسمها باريس فالفيلم الآول كان شخصية طرزان الذي كان يعيش في الغابات وكان ينتقل من شجرة إلى شجرة وكانت له علاقة بتلك القردة التي اسمها شيتا، وكان بالنسبة لي عالماً ساحراً جداً وكنت استطيب الإقامة فيه.
من من الفنانين الممثلين العرب الذين تحب مشاهدتهم أو من الغربيين؟
بالنسبة للعرب هناك من القدامى الممثل الكبير عادل إمام إنه ليس ممثلاً فقط بل أعماله تنم عن فطنة وذكاء كبيرين، من الغربيين أحببت
من من الممثلين تحب مشاهدتهم ؟
انطوني كوين في زوربا الإغريقي وما زلت اذكر إلى الأن تلك النهاية الرائعة عندما وقف يرقص مع صديقه رقصة زوربا على الشاطئ ، كم هي جميلة تلك الرقصة ، التي بقيت محفورة في الذاكرة والوجدان
ومن الممثلات ؟
ايرين بارباس ، هذه المرأة ذات العينين الجمرتي ، والتي استطاعت أن تترك بصمتها واضحة على العديد من الأفلام التي ادتها .
ماهي الأفلام التي تحبها ؟
شريط سينمائي قديم أحببته جدا واتمى أن أراه مرة أخرى (عندما تمر النوارس) هذا الفيلم الرومانسي جدا والذي ينبني على قصة حب في زمن الحرب ، ايضا فيلم (دو كيت) لشارلي شابلن والذي يحكي عن الطفولة
من المطربات ؟
أنا فيروزي الهوى
المطربين ؟
عبدالحليم حافظ ربما لانه يذكرني بمراهقتي
ومن العالميين ؟
الفرنسي شارل دازانفور Charles Aznavour‏
مطرب لاتحبه ؟
اكثر المطربين المعاصرين
صحيفة تحرص على قراءتها ؟
اللومند ، والحياة اللندنية
صحيفة لاتحرص على قراءتها ؟
الكثير .....
صحفي او كاتب زاوية تحب قراءته ؟
جهاد الخازن
صحفي او كاتب زاوية لا تحب قراءته ؟
................
ممثل لايستهويك ؟
......................
بماذا تنصح شاعر مبتدئ ؟
ألا يقتصر على قراءة الشعر فقط لأن الشعر الحديث أصبح يستمد قصيدته من مجالات معرفية عديدة
ماهي اكلتك المفظلة ؟
أحب السمك كثيرا
هل انت طباخ ماهر ؟
كلا طباخ فاشل
ما هو برجك ؟
الحوت


السبت، 12 فبراير 2011

سيرة الألم والرحيل


                                                                                                        خالد درويش
الشمس الثقافي

ماذا بقي من تلك الفترة ياترى ، كنت صغيراً حينها ، لكني كنت مأخوذا بطريقة الأداء وانسياب النغم ، بطريقة الفرجة والتقديم وبتلك الأغاني التي تخرج من صميم القلب .كان التلفزيون الليبي يملؤنا بهذه الأغنية الثورية إنها فرقة "ناس الغيوان" وكان بطلها بحق "العربي باطما" والذي رحل في مثل هذه الأيام في الأسبوع الأول من شهر ( النوار) فبراير.. هذا العربي الذي خلق نمطا ثوريا في أغنية شعبية اكتسحت الناس فرددت معه ( صبرا وشاتيلا ،، المجزرة الكبيرة) وغيرها الكثير ..كان شعره منسدلا وحراً كأغانيه ، أما لباسه وهندامه فهو بسيط وزاهد كانما هو سيف مشرع منذ زمن اما آهاته وحزنه فكانا مفاتيح القلوب ، مثل فارس عربي الملامح مبعثر القسمات ، صوفي أو مجذوب ، يهتز مع النغم ويرقص مع المجاذيب وهو معلمهم عبر (لوتار، الربابة،السنتير ، الطبلية والبندير) .ظاهرة فنية خرجت من عمق الشارع من الفقر والجوع والمخدرات لتنطلق صوتا مكابدا باعثا الأسطورة ، الأغنية ، الثورة ॥
الأغنية التي ترددها جموع الناس ،
الأنين الذي يخرج من الأعماق ليصل إلى الأعماق ،
ويكتسح حاملا معه فلسفته الخاصة عبر سيرة مؤلفيها وملحينيها ومغنيها ।
لقد خرجت من الأرض ،
من القاع ، وطفت فعانقت أحلام الناس دونما تعال أو يكبر او فذلكة ،
بكلمات بسيطة كان العربي باطما يؤجج الحزن
ومشاعر مختلطة في القلوب كانت (الربابة ) ملكة الآلات الموسيقية
اما البندير فإنه الإمتياز الأوفر لمكنونات الروح ॥
خارج أنساق المألوف خرجت هذه الأغنية ।
وأنا أقرأ سيرة الألم والرحيل والتي كتبها (باعروب) وهي سيرة تراجيدية مأساوية بطلها الصراع الدمي ضد الداء الخبيث (السرطان) ليجرد العربي باطما قلمه مثلما جرد من قبل فنه ليحارب هذا الداء اللعين بالكتابة والفن والدعاء عبر لغة بسيطة وإسلوب خال من التعقيد إنه يمزج الحرف بالألم ويحلّي الوجع بالكلمات مستهزئا بالأطباء مدينا واقعا طبيا ومستشفيات وممرضين جهلة او كسالى .
في هذه السيرة التي بداها منذ الولادة وحتى الرحيل محطات كبرى
॥ ناس وناس وناس ॥ شهرة وفقر ॥ عربدة ومرض ॥
وفي الآخر لايجد العربي باطما إلا التوسل الى الخالق ليعود صوفيا مؤمنا بالله الرحيم مستعطفا في كثير من السطور والصفحات والألم يعصره لا يجد سوى المناجاة فيكتب قصائده التي يسترحم فيها ربه وبمداد قلبه وألمه يكتب تلك الأشعار .




الخميس، 10 فبراير 2011

علاقتي بالسينما


خالد درويش ..
حين تجتمع كل الفنون فتصبح واحدا .. وحين تتعلق مداركك بمسطح فضي رقيق ، يحقق متعتك العقلية والبصرية والروحية ويشدك إلي ذلك البعد اللامرئي بينك وبين الأشياء من حولك أسمي ذلك .. السنيما (le cenima) ..هذه الساحرة التي لاتملك أية أداة تعبيرية أخرى مثلما تملك هي من جماهيرية وذلك لأنها تتقاسم مع متلقيها المتعة والحدث انسجاما مع ايقاعات العصر الحديثة ، ان استجابة الجمهور لفيلم هي أبعد كثيرا من استجابته للعديد من تلك الفنون التي اختصرتها السينما فالكثير من مصوري السينما استفادوا من اللوحات التشكيلية كما ان آيزنشتاين تأثر بقصائد الهايكو في ابتكار منهجه في المونتاج، والعديد من المخرجين كانوا اصدقاء لكتاب وشعراء وروائيين نقلوا هذه الحروف إلى لغة الناس ولعلني أستشهد هنا بأندريه تاركوفسكي حين يقول : "كنت أحاول أن أجعل الناس يؤمنون بأن السينما، كأداة فنية، لديها امكاناتها الخاصة التي تعادل امكانات النص الأدبي. أردت أن أظهر مدى قدرة السينما على رصد الحياة دونما تدخل، على نحو فج أو بجلاء، في استمراريتها.. اذ ها هنا أرى الجوهر الشعري الحقيقي للسينما"
حين تفتقت تلك الرغبة في الهروب من المدرسة وارتياد السينما أسوة بأترابي في ذلك الوقت كانت سينما"الرشيد" رحمها الله هي الملاذ لتزجية الوقت واللعب ومعاكسة الفتيات أو ربما لإثبات الذات وأنني أصبحت رجلا له عاداته الخاصة حيث كانت تعرض أفلاما مصرية وهندية كنا نرى العالم من خلالها ملونا وزاهيا ..
لعل جيلي بأكمله حفظ سيناريو فيلمين هما "عمرالمختار" و"الرسالة" للعقاد اللذين كانا من أوائل الأفلام التي حببتنا في هذا الفن ، أما حين كبرت اللعبة وصار لي مصروف ثابت ظلت سينما "الودان" رحمها الله هي الأخرى ملاذا آمنا يشع بالفرح والمتعة داومت على حضورها مع أصدقاء أربعة في كل خميس من كل عرض تلك التي كان آخر عروضها "قلب شجاع" قبل أن تنتقل إلى رحمة الله لتصبح طرابلس خواء من سينما تلجأ إليها رغبة في استعادة تلك الأيام ॥

أما في هذه الأيام وباكتشافنا لنهرDVD ومحلات الأقراص الليزرية أصبحت السينما في متناول اليد ، أدركت انه عليّ أن أكون مكتبة سينمائية فتيسر لي ذلك ، انكببت أبحث عن روائع الفن السابع وجذبتني تلك الموجة الواقعية في هذا الفن شاهدت أعمال كبار المخرجين الإيطاليين وسحرتني صوفيا لورين وايرين بارباس وانتوني كوين وهبكنز وجيبسون ودي نيرو والساحرات جوليا روبرتس ومونيكا بيلوتشي وكيدما وغيرهن أما ملهمتي العربية فكانت "شريهان" المفضلة لدي كذلك ادهشتني هوليود بما قدمته من روائع اما تلك الملاحم التاريخية التي عبأتنا بها فإنها تغلغلت في ذاكرتتي وشدتني اكثر إلى هذا الفن









هل لدينا روائيات



خالد درويش
الشمس الثقافي

كثير من اكلام ، كثير من الحكي وملء الصفحات ، الكثير من الحبر المسكوب والمطابع ودور النشر التي تتسابق لإخراج ما يسمى "الرواية العربية" جوائز ، لجان ، فضائح ولكن للأسف على "مافيش" هل الرواية العربية في هذا المنخنق تتجاوز ، تخترق ، تاخذ القارئ إلى عوالم أبعد مسلطة الضوء على الجرح .. إن نظرة سطحية جدا إلى مدونتتنا الروائية العربية وما تحفل به مما يسمى كسر للتابو وخروج عن المألوف لهو بحق سخف وإفلاس وبحث رخيص عن قارئ رخيص وأعيذ القارئ العربي من ذلك ، لكن لومي ينصب على اللواتي ضنن أن الرواية هي الاستسهال والكتابة عن المستور ولا مستور في عصر الفضائيات ، الكتابة بحبر اللذة الفاضحة أو الفضائحية او التهجم على الدين لتصبح الروائية منهن روائية مبدعة ، أحداهن جمعتني بها إحدى الجلسات فسألتها مالذي ستكتبينه بعد مدونة الفضائح التي سبقتك بها زميلاتك في الأدب والفن باعتبارك روائية شهد لك النقاد المرتشون والذين يقرأون الأعمال بمنظار مراهق .. فأجابت لا .. أنا كشفت المستور وقلت الذي لايقال .. ولست أدري ما الذي كشفته هذه الروائية الناشئة جدا جدا ؟ . اتقوا الله في الرواية هذا الفن الراقي ، الذي أحببناه وعشقناه وتعلقنا به .
لقد أساءت البوكر العربية للرواية في حد رأي المتاضع ، وجعلت المنافسة غير حقيقية ليس بين الكتاب بل بين دور النشر باعتبارها من يرشح الأعمال ، وهذه الأخيرة همها الربح فقط .. تريد أن تكسب ، فتقدم شروطها التي يحكمها السوق او الجمهور اللي عوز كده ..العالم العربي ليس به روائيات حقيقيات عدى القليل القليل ، قليلات هن من التزمن بجوهر الرواية وحقيقتها ، قليلات في العالم العربي اتخذن من الرواية منهجا ومتعة وفكرا ، المدونة الروائية النسائية تحتاج إلى الكثير من الغربلة ، هناك أسماء كثيرة في لبنان ومصر وتونس والسعودية تحتاج إلى ناقد جاد يقول لهن .. اخرسن كفى .هناك موجة انسلاخ من الشعر إلى الرواية ، من كثير من الكاتبات ، قصص النوم والبكارة ودموع الخيانة ، واخيرا الطائفية ، عوالم تحسبها بناتنا عوالم روائية ولكنها في حقيقية الأمر امراض نفسية ومكبوتات تصرفها صاحباتها على الورق وتسكبها لنا في غلاف براق وجذاب وسعر خيالي .. وللأسف هناك من يشتري ، والأنكى هناك من يكتب ويمجد ..

أفواه الزمن

خالد درويش
تلك الصور النادرة التي يلتقطها هذا الكاتب في دهشة مرعبة وغريبة وكأنها من عالم آخر ، ترجمت أعماله إلى أكثر من 30 لغة ، يكفي أن الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز قد قدم كتابه "عروق أمريكا اللاتينية النازفة بالدماء" إلى الرئيس الأمريكي أوباما ..
كاتب بهذا الحجم والروعة ، لا يستطيع أي ممن كتبوا أو قرأوا عنه وله أن يصنفوه في مكان أو خانة ، يمزج التاريخ بالأسطورة ، الفلسفة بالحكمة ، الرؤيا بالواقع ، كتابة اللانمط ، خلط الواقع بالسحر ، النقد الذي يمازج السريالية بالبساطة بكل شيء وباللاشيء ..
في لا مكان يعتمد هذا الرجل إيقاظ الذاكرة الحية لقارة أحبها ، يكتب "إدواردو غاليانو" كتاباته الساحرة والتي أحبها جدا بروح الكوميديا السوداء التي تولد الكلمات من رحم المعاناة التي مرت بها تلك الشعوب ، شعوب أمريكا
حين تقرأ له كتاب المعانقات أو كتاب كلمات متجولة فإنك تحس بأنك امام كاتب ليس لديه زوائد كلام ، كاتب لا يثرثر ، كل حرف في مكانه ، كل كلمة تجاور أختها بحب وبعاطفة ..أرخ "إدواردو غاليانو" لأمريكا اللاتينية في ثلاثيته "ذاكرة النار" و"قرن الريح" و" كرة القدم في الشمس والظل " و"المرايا" و"أفواه الزمن" تلك التي تروي الرحلة ..الزمن يقول
من زمن نحن
نحن أقدام الزمن وأفواهه
وعاجلا أو آجلا ، مثلما هو معروف ، ستمحو رياح الزمن الآثار .
عبور اللاشيء ، خطوات اللاأحد ؟ أفواه الزمن تروي الرحلة .
الرحلة
أوريول فال الذي يتولى العناية بحديثي الولادة في أحد مستشفيات برشلونة ، يقول إن أول حركة للكائن البشري هي العناق . فيعد الخروج إلى الدنيا في بدء أيامهم ، يحرك حديثو الولادة أيديهم ، كما لو أنهم يبحثون عن أحد .أطباء آخرون ، ممن يتولون رعاية أناس عاشوا طويلا ، يقولون إن المسنين ، في آخر أيامهم يموتون وهم يرغبون في رفع أذرعهم .
هكذا هو الأمر ، مهما قلّبنا المسألة ، ومهما وضعنا لها من كلمات ففي هذا ببساطة ، يختزل كل شيء : بين خفقتين بالأذرع ، دون مزيد من التفسيرات .. تنقضي الحياة .

قهوة محمود درويش


خالد درويش

كثير منّا لا يعرف جنون الشاعر الكبير محمود درويش"رحمه الله" وولعه بالقهوة .. نعم القهوة , تلك القهوة التي أدمنها وتغزل فيها وكتب عنها أشهر قصائده (أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي).. بل وتغزل في طريقة تحضيرها حين كان محاصرا في بيروت ووحيدا في شقة مطلة على البحر ، وأصوات الانفجارات في كل مكان ، كان يرى الموت وهو واقف أمام البوتجاز الملاصق لواجهة الزجاج المطلة على البحر متوسلا ثانية واحدة ليفتح زجاجة الماء في الغلاية ، ثانية واحدة ليشعل عود الثقاب ، لقد كانت المسافة أقصر دقتي قلب ن كان فقط يريد رائحة قهوة ولا غير رائحتها ، يقول : (أريد رائحة القهوة لأتماسك لأقف على قدمي لأتحول من زاحف إلى كائن حي ، لم يعد لي من طلب شخصي غير إعداد فنجان قهوة بهذا الهوس حددت مهمتي وهدفي ، توثبت حواسي كلّها في نداء واحد وأشرأب عطشي نحو غاية واحدة : القهوة) *.
القهوة عند محمود درويش هي مفتاح النهار ، كان يحب أن يصنعها بيديه لا أن تأتيه على طبق ، كان يتلذذ بصنعها في الصباح الباكر المتأني وحيدا ، يختار ماءه بكسل وعزلة في سلام مبتكر مع النفس والأشياء ثم يسكبه على مهل ، على مهل في إناء نحاسي صغير داكن وسرّي اللمعان ، اصفر مائل إلى البني ثم يضعه على نار خفيفة .
يصفها قائلا : فنجان القهوة الأول هي مرآة اليد واليد التي تصنع القهوة تشيع نوعية النفس التي تحركها وهكذا فالقهوة هي القراءة العلنية لكتاب النفس المفتوح والساحرة الكاشفة لما يحمله النهار من أسرار .
يتبع شاعر القضية الفلسطينية رائحة القهوة بأنف ذئب حاد ويغرق في وصف تفاصيلها والتغزل بها ، ومن منّا لم يأخذه ذلك البخار الخفيف المتصاعد من "الركوة" وتلك الطبقة اللذيذة المليئة بكرات الهواء التي تعلوها حين تستوي ، خصوصا في الصباحات الباكرة إنها الصديق الدائم لإشراقة الصباح الإولى عند كثير من الناس منهم من يغرقها بالسكر ومنهم تغرق شفتيه مرارتها اللاذعة ، إنها القهوة التي يعتبرها درويش رجولة ( الرجل هو الذي يفتتح نهاره بالقهوة أما المرأة فإنها تفضل الماكياج ) .
إنه يعرف قهوته جيدا وقهوة أمه وقهوة أصدقاءه إذ لا قهوة تشبه أخرى لكل واحدة فوارقها التي تميزها ( رائحة القهوة عودة وإعادة إلى الشيء الأول ، لأنها تتحدد من سلالة المكان ، هي رحلة بدأت من آلاف السنين وما زالت تعود ، القهوة مكان ، مسام تُسرًّب الداخل إلى الخارج وانفصال يوحد ما لا يتوحد إلا فيها هي ، رائحة القهوة ، ضد الفطام ، ثدي يرضع الرجال بعيدا ، صباح مولود من مذاق مرّ، حليب الرجولة ، والقهوة جغرافيا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما بين الأقواس مأخوذ من كتابه ( ذاكرة للنسيان )

تاريخ الرقابة على المطبوعات


تأليف روبرت نيتز
ترجمة د. فؤاد شاهين
عرض خالد درويش
في هذا الكتاب الذي يقدمه الصحافي "روبرت نيتز" وهو رئيس سابق للمكتب الثقافي للجريدة اليومية "24 ساعة" الصادرة في لوزان ، وهذا الكتاب يتعرض لتاريخ الكتاب في فرنسا وتاريخ العلاقات المعقدة التي أقامتها السلطة دائما مع الذين يكتبونه أو يصنعونه فعلى خط الالتقاء بين السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي كانت الرقابة "فاعلا" كلي الحضور .. الكتاب في حجمه صغير نسبيا لكنني استمتعت بقراءته خصوصا تلك الحجج التي يتذرع بها الرقيب لتبرير عمله ، إن الحالة التي صاحبت تلك الجمل الرنانة من انتهاء عصر القبضة الحديدية على المطبوعات لم تكن صحيحة مئة بالمئة كذلك إلغاء القوانين كلية التي تحد من حرية المطبوعات (صحف،كتب ،انترنت) ولكن لازالت حجج كثيرة كالمحافظة على الأخلاق والآداب العامة وحماية الأطفال والشباب من الكتب الفاسدة الكتاب يتحدث عن بلد الحريات ، وعن عاصمة النور "باريس" ويستشهد بالكثير من الأمثلة حيث قمعت الرقابة المطبوعات التي كانت تتحدث عن ثورة الجزائر ، كما أخذت تقمع ما ينشر عن اليهود وعن التشكيك في المحرقة النازية ومنع كتابات كثيرة اعتبرت معادية للسامية . في عام 1667 أرسل الطبيب شارل باتان ابن غي باتان الشهير بأمر من الملك الشاب لويس الرابع عشر إلى الفلاندر وهولندا (للعمل على مصادرة ألواح ونسخ العديد من النشرات الهجائية الممنوعة) الآتية من هذين البلدين ولقد قام بهذه المهمة بتكليف أشخاص موثوقين لكي يرسلوا إليه النسخ المصادرة دسها بين سائقي العربات الذين وشوا به ، فالمحتمل انه كان يعمل لحسابه .. كان نقابيو المطابع أعداؤه فعملوا على طباعتها في أماكن أخرى .. فحكم عليه بالسجن المؤبد وأدين غيابيا .. إذا ليس من السهل التكهن بفهم عقلية وتاريخ الرقابة .. فالكتب والنشرات الهجائية تتصدر قائمة المنع في ذلك الوقت ، ثم مراقبة الكتب قبل المطبعة ، وبعد اغتيال هنري الرابع من قبل رافياك في 14 مايو 1610 تدفقت النشرات الهجائية مجددا في شوارع باريس وظهرت عناوين مثل : قصاص رادع ونهاية سيئة وتالفة وغيرها مما رفع أسعار هذه الكتب الممنوعة إلى سبع فرنكات كما حدث مع هجائية "وزارة الدرر الثلاث" .. لقد كتب إيتان تيو :( في القرن السابع عشر كانت تسود فكرة أن المعتقدات هي أحد عناصر السلطة بناءً على هذا فإن الحاكمين يتوجب عليهم إدارة النفوس والأجساد معا ) . إن إدارة النفوس التي هي أدارة الكتب والتي كما هو الحال في نهاية حكم لويس الرابع عشر كان مسئول المكتبة هو رئيس قضاة فرنسا ، رئيس العدلية ،الشخص الأول في الإدارة الملكية ..
مراقبة الكتب : وتنقسم إلى إدارة المكتبة والتي تسند إلى رجل موثوق غالبا ما يكون من الأقارب أو الحلفاء ، أما المراقبون الملكيون فإنهم يعينهم رئيس القضاة وزير العدل بناء على اقتراح مدير المكتبة ، فالمراقب هو مبدئيا قارئ كفء ، محام ، طبيب ، مكتبي ، كاتب او دكتور في السربون ، وكدليل على عبثية النظام فإن عددهم يزداد كل سنة بينما تصبح الرقابة أقل قدرة على إيقاف سيل المنشورات غير المسموحة ، لكن يوجد مراقبون طيبون يمكن الاتفاق معهم وهو أحيانا يُطلبون من قبل الكتّاب أنفسهم .
تمارس الرقابة على مرحلتين : يدرس المراقب الكتاب بانتباه ، يصحح المقاطع التي لا تعجبه أو يوعز إلى الكاتب كي يصححها ، عندما ينتهي هذا العمل عليه بموجب النظام لعام 1723 وضع إشارة توقيعه على كل صفحة في المخطوطة .
شرطة الكتاب : في القرن الثامن كما في القرن السابق يمنع طبع كتاب أو الاتجار به دون إذن ، هذا المنع الذي يجري التذكير به دواما واستمرارا منذ أواسط القرن السادس عشر والذي أعيد تأكيده في في تصريح ملكي ثلاث مرات متتالية في أعوام مختلفة وهو القانون الذي سمي فيما بعد "قانون المكتبة" وتم تدعيمه مرات عديدة بالتهديد وبعقوبات قاسية وهو الذي يعد بالطوق الحديدي أو الأشغال الشاقة لطابعي الكتب دون إذن وبالنفي للكُتّاب ، والإعدام على الجنحة الغامضة إي على تأليف كتب لإثارة النفوس .
المفوض العام للشرطة في القرن 18 هو رئيس الشرطة العدلية وهو دائما ذلك الوزير الملهم هذا (الحاكم لباريس) كما يدعوه أحد المعاصرين وهو الذي يصدر الحكام فيما يتعلق بمخالفات أوامر وأنظمة الشرطة ونجد تحت سلطته جميع المهن بالتالي الطابعين والمكتبيين وفي إمكانه مصادرة الكتب وإقفال حانوت أو محترف .
نقفز الى الجمهورية الثالثة وقانون 1881 حيث الولادة العسيرة والصدام بين اليمين الملكي وبين يسار جمهوري اذ حرر تيار مرسوم 10 سبتمبر 1870 مهنتي المكتبة والمطبعة ففي المادة 2 والتي تقول ان كل شخص يريد ممارسة احدى هاتين المهنتين عليه ان يعلن ذلك ببساطة لوزارة الداخلية .. أما المادة الاولى من قانون 1881 فتنص على مبدأ حرية الصحافة "المطبعة والمكتبة حرتان" .
في الفصل السابع والاخير من هذا الكتاب حيث القرن 20 وفي عام 1970 بالتحديد افتتح بروشييه مدير "المجلة الأدبية" عددا خاصا من مجلته الشهيرة بالعنوان التالي ( لايوجد رقابة في فرنسا ) .