الأحد، 13 فبراير 2011

اتركوا الكتاب في عرض البحر دون شفاعة من احد


خالد درويش 
استطلاع حول مقدمات الكتب نشر بصحيفة نوافد الثقافية
بدون مقدمات مسهبة سأتحدث حول هذا الموضوع المهم والطريف الذي اقترحته إدارة تحرير المجلة ،وسأناقش أسئلة ثلاث أبدأ منها مقالتي هذه وهي : هل المقدمة ضرورية للكتاب ، وهل أهتم بأن تكون كتبي ذات مقدمات أو تقديم من أخرين ، وهل أهتم شخصيا بمقدمة أي كتاب .. ولعل أشهر المقدمات في تاريخنا العربي هي "مقدمة ابن خلدون" تلك التي طغت على الكتاب الأصلي بحيث أصبحت هي ذاتها الكتاب على الرغم من أن الأصل هو (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربرومن عاصرهم من السلطان الأكبر) فهذا لعمري أطول عنوان في التاريخ فنحن العرب مولعون بالطول على غرار"الأخبار الطوال " للدينوري و "طويل العماد" للخنساء و"طويل العمر" وأطول رواية" للفقيه .. وحسنا فعل الناس باختصارهم هذا فعنوان الكتاب ثقيل وممل لكن الحاجة دعت إلى الاقتصار على المقدمة وهذه إحدى المرات القليلة التي تطغى فيها المقدمة على المتن وبما اننا نتحدث عن المقدمة فقد أكدت الدراسات أن ابن خلدون لم يقم بتأليف هذه المقدمة ولكنه نقل فصولا كاملة من كتاب إخوان الصفا وقد أشار إلى ذلك محمود اسماعيل ومن قبله دريني خشبة ..


وإذا أجلنا النظر فيما قدم به الأولون كتبهم خصوصا في عصور المسلمين الزاهية فإننا سنجد أنماطا متعددة وطرائق مختلفة وأساليب متنوعة تبدأ كلها بالحمد والتهليل والصلاة على النبي العدنان والدعاء بالنفع للمسلمين ثم يورد الكاتب أو المحدث او الفقيه المشقة التي عاناها في تأليفه هذا كل ذلك في سجع طويل او قصير وجمل مترادفة تكسوها حلاووة البيان المقصود أحيانا ،، ثم لا ينسى الكاتب في ختام مقدمة كتابه ان يهدي هذا العمل إلى الملك الأجل وحامي حمى العلم والعلماء امير زمانه وملك عصره وأوانه ..أما في زمانا هذا فقد امتلئت الكتب والدواوين والروايات بصفحات طائلة مما يطلق عليه أصحابه "مقدمة" بل وسعى كثيرون منهم لأن يلاطفوا فلان الشاعر الكبير أو الأديب الفذ أو ان يتمسحوا بركابه ليكتب لهم مقدمة تصبح لهم جواز مرور إلى القراء بل ووصلت السخافة والتوسل ببعضهم أن يكتب على اسم هذا الكاتب الذي قدم له روايته فنجد ه يكتب على سبيل المثال : الغول والحسناء المزيفة رواية لفلان بتقديم الكاتب الكبير فلانن الفلاني .. وهذا من أبشع التكسب والتوسل والتمترس خلف الأسماء الكبيرة التي لايكون تقديمها إلا من باب الوصاية والأبوة والتربيت على الكتف أو من باب الحياء و"الحشمة" وأن هذا الكاتب الشاب قد ترصد الكاتب النجم مرارا وتكرارا وألح عليه فلم يجد بدأ من ان يطيب خاطره ببعض كلمات من المجاملة يجعلها هذا الشاب على الغلاف الخارجي بخط بارز وكبير ..إنني لا أميل إلى هذا الأسلوب ، ولا أحبه وقد نصحت أصدقائي دائما بألا يتركوا أحدا يربت على أكتافهم بكلمة .. عليهم أن يتركوا الكتاب في عرض البحر دون مسوغ من احد ، دون شفاعة من أحد ، على الكتاب أن يجاهد بنفسه لكي يعيش ويتنفس ، حتى المقدمة التي يضعها الكاتب لنفسه بنفسه أجدها غير ضرورية لآنها ليست جزء من العملية الإبداعية فالقارئ ليس له علاقة بظروف العمل له علاقة بالعمل ذاته ، وإذا كان الكتاب غير جيد أو ضعيفا فلن تنفع فيه مقدمة غارسيا ماركيز أو شهادة أبو الطيب المتنبي وسيكتشف الناس التواطؤ بين المقدم والمقدم له ..تجربتي الخاصة خلت فيها دواويني من التقديم ، لا مني شخصيا ولا من أي أحد ، ليس غرورا او تبجحا لكنه رأي ومبدأ وإيمان بما أكتبه ، فأنا اريد أن يقرأني الناس لذاتي دون غش ، دون ابتذال وشفاعة ، رغم أنني على علاقة شخصية بكبار المبدعين العرب والتقيت بهم وحاورتهم ولكنني لم أطلب من أحدهم أن يقدمني أو أن يكتب لي كلمة على الغلاف أزين بها كتابي وأتبجح بها ..أذكر تلك القصة التي أوردتها أحلام مستغانمي في بداية روايتها عن الأستاذ الذي يمر على طلبته في أول حصة من العام الدراسي حاملا سلة المهملات أمرا تلاميذه بتمزيق مقدمات الكتب ووضعها في السلة لكي يبتدئ عامهم الدراسي أعجبتني جدا هذه القصة وهي ذات دلالة رائعة ..أما أجمل مقدمة قرأتها في حياتي فهي تلك المقدمة الذي وضعها الكاتب البرازيلي "فرناندو سابينو" في مقدمة كتابه " رقعة الشطرنج والرجل العاري" ترجمها المستشار الاقتصادي للسفارة البرازيلية في العراق الروائي والكاتب"عوني الديري" ولعلها أجمل من الكتاب ذاته وهي شبه مدرسة لتعليم الكتابة والحياة .. وأنصح كل من لم يطلع على هذا الكتاب بأن يفعل لآنه ممتع جدا وعميق .

ليست هناك تعليقات: