الجمعة، 21 نوفمبر 2014

مقاطع مستهلكة



                                                               شعر/ خالد درويش
         (1)
ما أشرقت شمس فإن الليل قائم 
وأومن بالظلام 
بالمحيا في سواد الماشطات 
على قلب تضرج بالكلام
 معللتي تكاد أضلعنا تقر 
فهيا للمواجع والغرام 
لأسمع من صليل النار حرفا 
 يؤجج مهجتي يكوي عظامي

         (2)
وحدي 
كما الأطلال والدمن
انتقي حلمي بلا كدر
 وأبصق ملء وجوههم
 حزني 

        (3)

أصدقاؤك من شجر 
لا بل من حجر
 مرّوا كلمح بالبصر
 لا تبك الوفاء ولاتنح 
 كالريح أرقها الضجر 
هذي جبلتهم 
والغدر من طبع البشر 
        (4)
ماذا دهاك اليوم يا بحر
 لأنت كمرجل يغلى 
وقلبي موقد جمر 
علاك جنون لست أعهده 
وعلاني التهويم والضجر

       (5)

قفص أنا
 فيا عصفور الشجرة
 خذني 
حيث الجدة تحكي لليل العربي 
أقاصيص الحرية 
         (6)

جئت تسعى مثلما العاصفة 
تواري زمانا من العار
 والمستحيل 
 غارسا قبلة الصمت الذليل
 بأحداق هذا العناق الطويل 
لا بد من دفتر الغيب الكئيب
ولا بد من أغنياتك النازفة
 بالصدى والعويل   



الاثنين، 13 أكتوبر 2014

في مديح الصمت أو (مت بداء الصمت)


من الذي شرّع  حكمة الصمت
  وحثّ عليه ، 
وتسابقت النصوص المقدسة في مديحه .
 اللسان الذي يدل على العورات 
والذي يقضي حاجة العقل بالإفصاح  ،
 والذي ينشد قصائد الذم والمدح 
 ويهمس في الآذان معرضا بعيب ،
 أو ناقلا لخبر أو باثا لإشاعة .
        ــــ  اللسان الذي تقول له الجوارح في كل يوم : اتق الله فينا فبك نؤخذ ، فإنك الحربة التي  تجر علينا الداء ، فاصمت ولا تنطق جزافا .
       ــــ  ( واعلم  أن لسانك أداة مصلتة ، يتغالب عليه عقلك وغضبك ، وهواك وجهلك ، فكن غالبا عليه مستمعا به ، وصارفه في محبته ، فإذا غلب عليك عقلك فهو لك ، وإن غلب عليه شيء من أشباه ما سميت لك فهو لعدوك ، فإن استطعت  أن تحتفظ به وتصونه فلا يكون إلا  لك  ولا يستولي عليه أو يشاركك فيه عدوك فافعل ) 
فهذا ابن المقفع  في هذه الفقرة يوصي بحفظ اللسان  وأن لا يستولي عليك فيشاركك فيه عدوك ، وهنا يرسل عبد الله رسالة إلى الخلق ، وأولهم جماعته بالإحاطة بالكتمان  في تدبير شؤونهم فهو ابن المقفع  ربيب القصور ويعرف ما يحاك فيها جيدا و قريب من الإدارة السياسية بل وأحد صناعها وستختلف عليه ،  فيقع بين براثنها ويحمى في تنورها  .
أما أبو نواس في أبياته الشهيرة فيرسي قاعدة لست أدري من المستفيد منها هل الحاكم وحاشيته أم المعارضة المستترة ؟ فالصمت مفيد في كلا الحالين ، فجهاز الدولة  يروّج لهذه الفضيلة من باب الترهيب وأن يموت المرء بدائه  خير فاللسان مصدر القلاقل (والنكت السياسية)  فعليه أن يخرس من جهة وأن يحذر من الجهة المقابلة  لأن فيه إفشاء لأسرار وتحوطٍ لمكيدة أو انقلاب ناجح إن أُحكمت الأفواه جيدا .
             مت بداء الصمت خير  لك من داء الكلام 
              إنما السالم من ألجم  فاه بلــــــــــــجام  3

فالصمت أصبح منهجا تؤلف فيه الكتب وتصاغ له الأمثال وتصرف الأموال في سبيل ترسيخ هذه الفكرة ، فالجاحظ في كتابه البيان والتبيين جمع هذه الأمثلة وأكثر منها أنتقي بعضها هنا مثل :                        ( اسمع فاعلم واسكت فاسلم )
                         ( رحم الله  من سكت فسلم ) 
                         ( مقتل الرجل بين فكيه )
                         ( اللسان سبع عقور ) .
وهذا الجاحظ أيضا الذي ألّف الكتب وخالط الدولة والسلطان وأخذ عطاياهم وأجريت عليه الأرزاق ، الجاحظ ابن المؤسسة العقلية يحث على السكوت وأن يموت المرء المسلم بدائه ، لعله داء الحسرة والقهر  خصوصا حين يعلم أن خراج بغداد وحدها  بلغ في عام واحد ( ثلاثمائة ألف ألف  ) في ذلك الوقت أو حين يعلم أن زواج  بنت الفضل بن سهل ( كان يعادل خراج البصرة لعام  )
و يأمرنا عبد الله بن المقفع  في أدبه الكبير والصغير  بالسكوت وإن اختلفت غايته عن غاية الجاحظ فيقول : 
( إلزم السكوت فإن فيه السلامة )
( أفضل خلة العلماء السكوت )
( أعضل ما استضل به الإنسان لسانه ).
والعلماء  الذين هم ورثة الأنبياء هم المأمورون  بالسكوت خصوصا لأنهم يعرفون أكثر ويقيسون الأمور و الأحوال بمقياس غير مقياس العامة  فإن تكلم  العلماء أو أشاروا إلى  خطأ ما فإن الرأي معهم وكذلك الناس فالأوجب أن  يصمتوا وإلا ! ( إلزم بيتك ) كما حدث للإمام أبي حنيفة.
ولعلنا نلاحظ في هذه الأمثلة  كلمة السلامة وتسلم وسلم والتي توحي بأن خلفها تهديدا مبطنا من القائل فاسكت تسلم وإلا فإن لك معيشة الضنك إذ ليس لك أن تغير من الأمر شيئا  إلا بقلبك وذلك أضعف الإيمان .
إن نظرة خاطفة إلى كتب التراث التي وصلتنا والتي نشأت عليها حضارة أمة وفكرها ووجدانها ، تجد تلك السيطرة الواضحة لمفاهيم نرتع فيها  لحد الآن  من غياب الحرية وتكميم الأفواه بغية عدم التعبير ( مت بداء الصمت) وتلك الأمثلة التي تكرس الخنوع والذل وتجرع المهانة  فكل ذلك لصالح من ؟ هذه الكتب التي تأمر وتنهى في ذاكرتنا ووجداننا وعقلنا اللاواعي  لصالح من  يا ترى؟  فحتى ابن المقفع نفسه لم يكلمنا صراحة وإنما مرر ما يريد  خلال الفيلسوف الهندي وعلى لسان الحيوانات  فهذه التقية اللسانية المرتجفة من يؤجج سعيرها  ويضع لبناتها ؟ إنها حلقة تتسع منذ أن أبحر أول سيف في عنق صحابي  غيلة وغدرا لتلقى التهمة على الجن 4 ومنذ أن قال البشر الفاني  ( أنا ربكم الأعلى ) وظله في الأرض .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــخالد درويش / ليبيا

خطى يعقوب


( حلم المهدي ذات ليلة أنه أعطى لأبنيه قضيبين فأورق أحدهما ، ولم يورق الأخر فقام فزعا  )  الطبري

كأني أعطيت لهذا سيفا من نار
 ولهذا درعاً من ثلج
 أيهما يصل الشاطئ 
يورق أخوان بفرعين،
 ويكسر ثلج الأحزان
 بنيران الصلح ليمرق سهم العرش 
على كف تختلج،
ولداي على مركبتين،
 ونيران الثورة في أقصى البرج، 
تسبّح للخبز الغافل،
 في حقل الدم الراكض، 
عبر شقوق الملك،
 لكني أسمع صوت القارئ، يقرأ نهلكهم 
ويرتل بالزنج 
مفاتيح الباب المرصود،
 ابناي، تعالا اشتم خطى يعقوب،
 وأرمي بالجب على قدمي يوسف ، 
جبة صوفي، 
كاحل غانية، 
كرسي يعبق بالند،

 سروج الهبة ، مغاليق الفتح لشعراء القصر العاري ،
 من وشم طقوس الحارات السفلى ، والناس السفلى ، 
ليقام الحد
 على فاطمة إن سرقت مُد ، 
ابناي الموجة تكتح إصبعها في وجهي ،
 وأنا سأغادر كي أترك إزميل القلب ، 
سيورق ، 
والأخر بالأخر يهلك،
 هل نملك للأتي الموحش من رد .
 ينثال الترتيل على ريشة حداد ، 
تحنو كالمخطوط الطفل ، 
دماثته كهف العشاق وقبر الأخطاء ، 
جنته فص الشهوة ، قدح 
وما بين القوسين دماء ، 
 الفقد مليمُ والثابت مرفقه ، 
كالبجع البيت يلوذ بمهجته ،
 علّ السعي يلامس آهة لقياه ُ .
وعول التوق، ال تستل الحزن بذاكرة الأسماء، الحزن الغارق في القيلولة، بنشيج الأركان الرثة يرمق أشباح، السفر المأمول يناجز أرشيف، الرغبة الموت قصيدة دم وردة نوم، الوحشة تذهب كالذئب القاطع، بمخاض، شغفُ الناسك يرمي الشعر بسكين الجثة، يتكاسر كفن منتخب، مخطوف البرق مداه الفاتن صندوق ذهبي كامرأة تلثغ بالغابة لاتحسن توديع الرائحة بدن الوحش المكبوت نبيذ أزلي الكحل، نجمة وعد تتلقف بوصلة الديدان الأول يشكمني الموقف والموت وحضرة طرقات المزبلة بلا وحش يوغل في جرح الشاعر في السقف تهدج أسئلة الموقف ذاكرة النص القصل المثقوبة بالوحل الغزو الواسع كجيوش النصل المخلوق الأول، يلبس هذا الموت المجاني أجمل حلته يستأذن كي يدخل لكنه يعرف أن الهيكل مشكاة والصدر مضاء بوصلة الروح ابناي تئن .. 
بأحلام الناس وبالخبز المشنوق على الطرقات . 
____________________________________ خالد درويش


سبتيموس سفيروس ( الليبي الذي حكم عرش روما )


                                                                خالد درويش / ليبيا
تبوأ لوكيوس سبتيموس سيفيروس عرش الإمبراطورية الرومانية يوم 9 أبريل 193 م إلى أن توفي في مدينة يورك بانكلترا خلال شتاء 211 م بعد حكم استمر 18 سنة واستمر حكم أسرته لغاية سنة 235 م  وبعد مضي 50 عاما من نهاية حكم آخر آباطرتها تردت الامبراطورية الرومانية في مهاوي الأزمات والانقسامات والفوضى ، وبعد أن قضى الجنرال الليبي الأصل بودينة على الامبراطور كومادوس بالتعاون مع الجنرال لواتيس الليبي الأصل أيضا أتيح لرجال لبدة من الإمساك بزمام الأمور وكان ممثلهم (سبتيموس سيفيروس) .
ولقد تحامل المؤرخون الغربيون على سفيروس ونعتوه بأقذع الصفات فقد ذكر  هاسبيروك : ( كان من الخطأ أن يتسلم مقاليد امراطورية الروم هؤلاء القساة الذين يحملون عنصر التدمير الذاتي ويجهزون على حضارة البحر الأبيض المتوسط ) ، يقول الكاتب ميللر ( نقش الامبراطور سيفيروس  هويته على قطع النقدوأعلن عن جنسيته وأصله في سياسته الواضحة لقد كان هذا الرجل بعيدا كل البعد عن العادات والتقاليد الرومانية .
أما بيقانيول في معرض حديثه عن الأباطرة الروم فيقول ( لايحمل سفيروس شعورا وطنيا لبلاد الروم وإنما كان يسعى لاستعادة ذكرى هنيبعل ) .
ولكن من هو سبتيموس سيفيروس هذا الذي حكم روما ودوخ الامبراطورية الرومانية وزرع الهلع في قلب اوربا وكتب ابنه كركلا انتصاراته على معابد بعلبك وصور ؟
في اليوم 11 أبريل سنة 145 م أنجبت ( فوليفيه ) زوجة المواطن اللبدوي ( نسبة إلى لبدة ) المدعو سبتموس غيظه الطفل الذي سيكون بعد ذلك سبتيموس سيفيروس كان ذلك في مدية لبدة الغنية المستعمرة الرومانية منذ جيل واحد خلال عهد الامبراطور انطونيو بيوس الذي تميز عصره بالرخاء والسلام
وقد اطلق على المولود اسم جده لأبيه (سبتيموس سيفيروس ) وكانت مدينة لبدة مع مدينتي أويا وصبراطة على درجة من الغنى والرقي والحضارة .
لعبت مدينة لبدة دوراً رئيسياً في المجالات التجارية والثقافية والمعمارية فكانت همزة وصل ما بين المشرق والمغرب وبين أفريقيا وأوربا وكانت مركزا للقوافل بعد ظهور الإبل لأول مرة خلال هذا العصر وسوقا مكتضة بسلع الشرق والغرب بالإضافة إلى كونها حقلا منتجا لكل أنواع البقول والحبوب والفواكه .
كانت قبائل كتامة ومعدان زأنواجه تقطن مدينة لبدة وضواحيها وتتحدث اللغو الليبية القديمة وهي مزيج من الأرمية والفينيقية والعربية التي كانت متداولة منذ الألف الثاني قبل الميلاد ، وإلى هذه القبائل القديمة ينتسب آل سيفيروس الذين استطاعوا أن يحافظوا على لغتهم بجانب اللغة اللاتينية كما حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم التي لم يستطع أباطرة الروم تذويبها في المجتمع الجديد ، كلن سكان ليبيا القديمة على صلة وثقى مع سكان نوميديا ( الجزائر وجنوب تونس حاليا ) وقرطاجنة وكثيرا ما تحالفوا ووقفوا صفا واحدا ضد مطامع الروم .
كانت ليبيا وفنيقية ونوميديا وقرطاجنة تشكل وحدة متجانسة وقدانتجت جميعا حضارة يشار إليها بالبنان في منطقة شمال أفريقيا وأسماها المؤرخون (PUNIC  CIV ) حضارة المغرب .
لقد اشرأبت أعناق الروم متطلعة إلى هذه المنطقة التي أسموها مخزن الغلال والكروم والزيت في العالم القديم وبدا الصراع بين الفريقين واوشك هنيبعل قائد جيوش افريقيا الشمالية أن يدك معاقل روما بعد 13 عاما  من القتال المرير فوق هضاب روما وجبال اللب ولكنه أخفق وانسحب ولاحقته جيوش الروم ثم منيت بهزيمة سنة 256 ق م وأقدمت على محاولة أخرى وفشلت ولكنها أخيرا انتصرت في معركة( زامه ) وفي سنة 149 ق م وأعلنت روما الحرب للمرة الثالثة وقضت على قرطاجنة بعد كفاح طويل وأضرمت فيها النيران ثم حرثتها حرثا كدليل على محوها من الوجود .
كان سفيروس الطفل يذكر أهله وهم يودعون شقيقه الذي غادر مدينة لبدة في مهمة رسمية ثم التحاقه بفرقة أغسطه الثانية التي كانت تقمع تمردا في انكلترا ، وفي سنة 161 م مات الامبراطور بايوس وخلفه ابناه بالتبني  ماركوس اورليوس وفيروس على العرش ، كانت الامبراطورية في حالة توتر شديد وتلوح في الأفق بوادر التمزق منذ أن انتهكت بنود اتفاقية أنطوين للسلام الطويلة الأجل وتصدعت التخوم الشرقية وبدأت قبائل الجرمان تهدد التخوم الشمالية وحدثت قلاقل في بلاد الانكليز .
تلقى سبتيموس سيفيروس دراسته الأولية في مدارس مدينة لبدة ، كانت لبدة تحمل سمات المدينة العصرية بمظاهرها التي تتجاى في المسرح والملعب وميدان السباق والرياضة العنيفة ، فقد كان مسرح لبدة مشادا منذ منذ أكثر من قرن ونيف وتمثل على خشبته المسرحيات الفكاهية وشتى وسائل اللهو والتسلية والروايات الهزلية والمحزنة والهادفة التي تعالج المشاكل الاجتماعية .
واصل سبتيموس سفيروس تحصيله في روما حيث تعلم اللغة اللاتينية وترقى من الكتابة والقراءة إلى تفسير النصوص والتدرب على الجدل والخظابة ، كان قليل الكلام لكنه قوي الحجة تغلب عليه اللكنة البربرية عندما يخطب باللغة اللاتينية .
كانت الجنسية الرومانية المفروضة على السكان داخل أسوار لبدة واويا وصبراطة قد أفقدت أولءك الليبين جنسيتهم الأصلية عنوة ولكنها مهدت لسبتيموس سيفيروس أن يواصل دراسته في روما وان يتدرج في سلك العمل الرسمي والعسكري حتى يتبوأ على عرش قياصرة الروم ، وعندما وصل إلى روما كانت المدينة في حالة توتر شديد بعد استقرار دام ربع قرن في عهد أنطونيموس بايوس ، اتخذ ماركوس اورليوس الامبراطور الجديد تدابير سريعو على جميع الجبهات المختلفة فقد توجه شقيقه لوكيوس فيرس إلى الشرق  فعين الجنرال بريكيوس حاكما لشمال تركيا  وكذلك عين أفاديوس ابم معلم الامبراطور وهو ليبي الأصل حاكما لألمانيا العليا ، كانت هذه التغيرات في المناصب الادارية العليا قد حصلت قبل وصول الطالب سبتيموس سيفيروس إلى عاصمة الروم وبعد ذلك عين سبتيموس سيفيروس نائب مامور منطقة باتيكه تحت إمرة كورنيلوس ثم تقرر أن يغادر روما متوجها إلى جنوب اسبانيا .
أصدر الامبراطور ماركوس اورليوس وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة امرا بترقية سبتيموس سيفيروس إلى رتبة أعلى بعد أن تألقت عبقريته العسكرية المبكرة في حروب الجرمان والغالة والقوط بشمال أإوربا وقد أسندت لع قيادة الفرقة الرابعة ( سكايثيكه) في سوريا خلال الفترة التي مات فيها الامبراطور وفي تلك الفترة تعرف على زوجته السورية ( جويليه ) وكانت فترة واجه متاعب كثيرة أبان المدة الأولى لحكم كومادوس المفعم بالدماء والمؤامرات ، كان قد تعرف إلى جويليه ابنة باسوس السوري في هيكل بعل ببلاد الشام .
في جو مكفهر مشحون بالتوتر والاضطرابات والاعدام بالجملة بدأ نجم سبتيموس سيفيروس في الصعود منذ تعيين لواتيس ــ من قيبيلة لواتة الليبية ــ  قائدا للحرس الامبراطوري وشقيقه ( بوذينه) ياورا للامبراطور فانتقل سبتيموس سيفيروس حاكما لولاية بانونية ( المجر والنمسا) ، وقد جرى هذا التغيير في أعقاب حمامات الدم وتصفية أعضاء مجلس الشيوخ والاغتيالات السياسية التي أضحت أمرا مألوفا اعتاد عليه الناس كل يوم وقد قدر بعض المؤرخين المعاصرين لتلك الفترة بأن عدد القتلى قد قفز في أحد الأيام إلى ألفي قتيل وقد سام وباء الطاعون في ذلك على الأرجح .
                           سبتيموس سيفيروس يحتل روما   
يقول المؤرخ الرومي ديو : دخل سبتيموس سيفيروس روما ممتطيا صهوة جواده وكانت البلاد مكسوة بحلل من أكاليل الزهور وأغصان الغار وكانت وجوه الناس مستبشرة متفائلة وسار الموكب إلى مبنى الكابيتول ثم إلى القصر وتوزع الجنود على المرافق الحيوية في المدينة .
ويذكر بيرلي أن سبتيموس سيفيروس أصدر قرارا بتسريح الجيش الذي كان مواليا لخصمه وفرض الاقامة الجبرية على افراده في منطقة تقع على بعد مائة ميل خارج روما وسيق بالفعل حوالي 5000 مقاتل وفارس من إصل إيطالي عنوة إلى المكان الذي اختير لهم خلال النصف الثاني من شهر يونيو 193 م وذلك بعد تجريدهم من السلاح والزي العسكري وقد مزقت ألبسة المترددين وأخذت الجياد من الفرسان وأجبروا على قطع المسافة سيرا على الأقدام .
أعاد سبتيموس سيفيروس تشكيل الجيش واستعان ببني قومه وبدأت دار صك العملة في اصدار نقد يحمل صورته وصورة لزوجته السورية والعهد المميز ( الرخاء الكرم الولاء) وكذلك صورة بعل وعمون الالهين المعروفين في شمال أفريقيا أنذاك.
واصل سبتيموس سيفيروس رحفه حتى بيزنطة وشمال افريقيا واسيا الصغرى فبعد هزيمة الامبراطور البنوس في معركة ( لوقدنوم) تشتت فلوله جيشه في جميع أنحاء اوربا الغربية التي استشرى فيها الفساد والسلب والنهب والفوضى وكان لابد من إعادة النظام وفرض سيادة القانون ، وقد عين سبتيموس سيفيروس بوذينة الليبي الأصل حاكما لآلمانيا السفلى وذلك خلفا للجنرال لوبوس الذي عينه حاكما لبريطانيا وعين الجنرال ماكس حاكما لبلجيكا وكلف الجنرال كندي دوس بالتوجه إلى اسبانيا ليتعقب الفلول هناك بالتعاون مع الفرقة السابعة المرابطة هناك والموالية له ، ومما يذكر أنه اتضح للامبراطور  سبتيموس سيفيروس أن الانكليز كانوا يؤيدون ( ألبونس ) تأييدا مطلقا وعندما تناهت إلى إلى أسماعهم أنباء هزيمته وانهيار السلطة واختلال ميزان الأمن تدفقت قبائل الانكليز الشمالية على قلاوشتسر ويورك وغيرهما وأخذت في افغارة والسلب والنهب وغتلاف المحاصيل وقد ذكر هيروديان المؤرخ الروماني المعاصر ( لقد قسم سبتيموس سيفيروس بلاد الانكليز مثلما فعل في الشام من قبل إلى مقاطعتين انكلترا العليا ويحكمها قنصل مقره في لندن وانكلترا السفلى ويحكمها نائب الامبراطور واختار لهذا المنصب أحد أقاربه ويدعى ماركلوس ،، وقد اتخذ تدابير رادعة ضد الفوضويين وصادر ممتلكات كل النبلاء الذين تحالفوا مع الامبراطور ألبونس ، وعلى إثر معركة لوقدونوم وصلت إلى الميدان في فرنسا وفود كثيرة للتهنئة ومن ضمنهم وفد من نوميديا ( الجزائر) وقد منح الامبراطور سبتيموس سيفيروس حكما ذاتيا لنوميديا وسمح لحنود الفرقة الثالثة بالمرابطة فيها وأن يستقروا  خارج المعسكرات مكافأة لهم على مابذلوا من تضحيات في سبيل سفيروس كما قرر إجراء اصلاحات في شمال أفريقيا وخاصة لبدة مسقط رأسه . 
في يوم 9 أبريل سنة 202 م أي بعد وصوله إلى روما بفترة كبيرة احتفل سبتيموس سيفيروس بالذكرى العاشرة لتوليه الحكم  وفي هذه الأثناء كانت حالة التوتر على أشدها في شمال أفريقيا بعد انضمام الفرقة العربية الثالثة لقبيلة لواتة في قورينة ( شحات ) واستمرار القتال في بونجين ما بين قبيلة النسامونييس او الجرمنت  والفرقة ( قاليكة) المؤلفة من الجنود السوريين بقيادة الجنرال فاوستوس وهو تونسي الأصل وقد تعرضت الحصون الرومانية من برقة إلى قابس لغزوات رئيسية ومفاجئة .
لقد ثار الليبيون على روما ،، فلماذا جددت القبائل الليبية هجماتها على حصون الروم الذين يتربع على عرشهم مواطن ليبي ؟؟
لقد كان شعار الروم خلال القرن الثاني بعد الميلاد هو :
ROMANOS  VERUM  DOMINOS  GENT )  
 (EMQUE TOGATAM
( إن الرومان الذين يرتدون ثياب السلام هم أسياد العالم ) ، استأنفت قبائل النسامينوس  نشاطها الحربي خلال فترة حكم سبتيموس سيفيروس وأخذت تغزو باستمرار الحصون الرومانية المتناثرة عبر الشريط الساحلي الليبي في سهول برقة ومسعد في أولاد نائل وبونجيم 
وعند زيارة سبتيموس سيفيروس لمسقط رأسه مدينة لبدة أصدر التعليمات للجنرال قالوس بوجوب تعزيز الدفاع ببناء استحكامات دفاعية تصدر غارات القبائل الثائرة وقد استمر بقاء هذه الاستحكامات من بعده خلال فترة ولاية ابنه( كاركلا ) الذي خلفه على عرش روما . داهم الموت الامبراطور سبتيموس سيفيروس يوم 4 فبراير 211 م وقد تفوه بىخر كلمة ناصحا مرافقيه أن يكونوا رجالا تربطهم رابطة واحدة قبل أن يلفظ النفس الأخير كانت آخر كلماته ( كنتُ كل شيء ولم أكسب شيئا فليتقدم الموت مسرعا ) 
 توفي الامبراطور الليبي الأصل سبتيموس سيفيروس الذي تربع على عرش القياصرة مدة 18 سنة وخلفه ابنه ثم حفيده من بعده واستمر حكم هذه الأسرة لغاية 235  م 




السبت، 4 أكتوبر 2014

حفل توقيع نصوص نظلة للشاعر الفلسطيني المتوكل طه .. بطرابلس


حشد كبير تواصل في قاعة المؤتمرات بمجمّع ذات العماد بالعاصمة الليبية طرابلس، احتفالاً بتوقيع مجموعة شعرية جديدة للشاعر الفلسطيني المتوكل طه، تحمل عنوان (نصوص حنظلة) مهداه إلى روح الشهيد ناجي العلي.
حضر الحفل أكثر من مئتي شخصية ثقافية وإبداعية فلسطينية وليبية وعدد من الإعلاميين، وسفراء ودبلوماسيون وأعضاء الجالية الفلسطينية في طرابلس.
افتتح الحفل بكلمة سعدون السويح  صاحب "دار الرواد"، التي أصدرت الكتاب بالتعاون مع "دار حنظلة للنشر والتوزيع"، عَبّر فيها عن سعادته بهذا المنجز الشعري، الذي يسلّط الضوء على نوعية من الأعمال الجادة التي افتقدها القارئ العربي.
ثم قدم الحفل الشاعر والأديب الليبي د. حسين المزداوي مبتدئاً بسرد سريع لقائمة من الشعراء الفلسطينيين، وتحدث عن علاقة السياسة بالشعر وعلاقتهما بالوطن، وموقع الشاعر المتوكل بالوطن والشعر والسياسة.
أما الناقد الإعلامي المعروف يوسف شعبان الفنّادي فقد هنّأ الشاعر على عمله الإبداعي وهنأ نفسه بالتمتع بهذا النص، وتحدث عن ناجي العلي وتجربته، وكيف كانت رسوماته مفجرة لأسئلة مركبة، استطاع شاعرنا أن يجيب عنها ويشرحها ويضفي عليها صوراً لم تكن أقل روعة وتأثيرا من رسوم ناجي العلي. فالشاعر لم يغرّد خارج سربه، ولا يزال يؤمن أن حنظلة موجود بيننا، وتحدث الفنادي عن تداخل الصورة الواقعية مع التخيلية، التي أبدعها الشاعر، بجمل موسيقية مثقلة بواقع فلسطين الذي تجد فيه الثوب المطرز بألوانه، وقرى وسهول وبيارات فلسطين.

بدوره تحدث الشاعر خالد درويش قائلا: هذه ليست ورقة نقدية أقدمها.. إنها قُبلة حبّ على وجه الشاعر المتوكل طه، فالقصائد التي يحتويها هذا الكتاب وتلك النصوص التي بين دفتيّه إنما هي وقداتٌ متوهجة لشاعر سكب روحه ألماً وفجيعة وتذكّراً، إنها استحضار لرمز لا زالت صورته ماثلة بين قلوب مُحبّيه، لا زالت تلك اليدان المعصوبتان خلف الظهر والسروال القصير والنظرة الهازئة للبعيد، لا زالت تلك الاستدارة التي تهزأ بواقع مُرّ استحضره المتوكل طه عبر الرمز القيمة للراحل الشهيد  ناجي العلي:
صلّى على دمك الورديِ نوّار 
          أم غيّرت طبعَها في حُّبّك النارُ
أم البلادُ وهل أبقــوا لنــا بلداً                   

وكلّهم في مزاد البيع ثــــوّار
حنظلة هنا هو واحدٌ من أبناء الأرض التي اتخذت، ربما صدفة أو ضرورة، شكل الخنجر المغروز على شواطئ أرض الرباط، لتقول بملء ترابها وحنوّها وأغانيها القاسية الصعبة إنها لن تكون إلا لإخوة ناجي ورفاقه، هكذا يُعمّد شاعرنا هذه الأيقونة ويجعل منها راية النضال وأخوّة الأرض والتراب.

إن هذه الملحمة التي ينسجها المتوكل طه مرتكزاً على مخزونه الشعري الفذّ واللغوي السلسبيل، ومعرفته بتفاصيل موضوعه وظروف استشهاد حنظلة، ومواقفه وآرائه السياسية التي دفع ثمنها حياته، ولاءاته التي زرعها في ثنايا لوحاته سكاكين تنغرز في خاصرة المتخاذلين سدنة التجارة والمال  وأرباب البيع.

هنيئاً لأخي وصديقي الشاعر الكبير المتوكل طه هذا الإنجاز الشعري الذي يُضاف إلى رصيده الشخصي قيّماً متعالياً، وإلى رصيدنا العربي شعلة تُضيء.. ونخلة تطرح رُطباً جنياً من حدائق الكلام الرقراق، تلك الحدائق الفلسطينية الغنّاء، وهنيئاً للشعر بشاعرنا المتوكل.
 ثم قدم المزداوي الشاعر المتوكل طه ليقرأ بعضاً من قصائد مجموعته الشعرية الجديدة التي تحمل الرقم الواحد والأربعين من إصداراته، إذ صدر له قرابة عشرين ديوان شعري وأكثر من ذلك دراسات ونصوص وأبحاث في الثقافة والفكر والسياسة والإعلام.
وقالت الأديبة الليبية د.كريمة محمد: إن الشاعر المتوكل أخذنا إلى منطقة أخرى، وجاب بنا شوارع فلسطين وأزقتها، ونثر أريج الأرض المعجونة بطهر الشهداء، وأضاء حنظلة الواقف كالصخرة في أبواب القدس وشرفات منازلها، كأنه غنّى للحب وللغربة وللوطن وللأشياء التي حضرت مثل حجارة تلك الأرض، وحكت عن الأطفال الذين سينتصرون على الجلاد.

صاحب الشاعرَ عزف للفنان الفلسطيني نضال فارس الذي رافق القصائد بعذوبة ورقة وانسجام، ما أضفى عمقاً آخر للقصائد وشحنها بروح جديدة.
وانتهى الحفل بتوقيع الشاعر على ديوانه الجديد للعشرات من الذين باركوا هذا الإبداع.
* --- - ---

الأربعاء، 16 يوليو 2014

دلاع في مطار شارل ديغول ( رحلة باريس الثانية)


                  
                             دلاع في مطار شارل ديغول 
                                                         خالد درويش
تصوروا .. وهذا حق مؤكد لقد أكلت (دلاعا) و|أنا جالس في محطة القطار السريع بمطار شارل ديغول .. كان ذلك طريف ولذيذا وغريبا .. التقيت بالمغربي (بوحلالة) من القبايل وهو رجل فاق الستين بقليل ، بسمته حادة جدا ، نحيف القوام شديده أسمر سمرة شمس ، خفيف الظل إلي حد بعيد عفوي إلى أبعد ما يكون ، عاش وترعرع في فرنسا وكبر هناك ، وهو الأن عائد من "كازابلانكا"التي جادها كي يتزوج ، تبادلنا الحديث والتعارف السريع والمعتاد بين مسافرين تجمعهما الغربة واللغة و(الوطن العربي الواحد) ،، كان يبعد عني بأمتار قليلة وهو يحادثني وينطلق الكلام من فمه رذاذا ، مما جعله يصرخ بدا أن يتكلم ، كان "يكمي" يدخن في مساحة مخصصة للتدخين ، لم يكن يقف تماما في المكان المخصص للتدخين ولكنه قريب منه ، وبحكم زننا الوحيدين في هذا المكان كان لابد من تجاوز بعض الأمتار للتقريب بين وجهات النظر العربية .
حكى لي قصته كاملة مكملة ، كنت مأخوذا ببراعة القص لديه التي تضاهي "زفزاف" في ذلك .. حكى لي عن الحادث الذي تسبب في كسر يديه أثناء العمل وعن وحدته القاتلة والمرة في فرنسا ، غربته النفسية والروحية ، أخرج لي من حقيبته نسخة من القرآن مترجمة إلى الفرنسية وكذلك صحيح مسلم بجزئيه الزول والثاني وكتاب منهاج المسلم كل ذلك في طبعات أنيقة وفاخرة ، قبل المصحف قبل زن يعيده إلى مكانه كعادة عجائزنا في بساطتهن نسي أنه كان قبل قليل يدخن الحشيش "يكمي" .. ثم أخرج لي المفاجأة التي لم أكن أتوقعها : دلاع أحمر ،، أخرجها وهو يقول :
ــ خير من تفسد ،، أخذت منها شوي ودسيت الباقي .
قلت له وأنا أموت من الضحك والمفاجأة :
ـــ ماذا تسمونه عندكم ؟
أجاب بسرعة وتلقائية :
ــ دلاع ،
مد لي قليلا منه فتذوقته ، كان بوحلالة يُغرق المكان بمياه الدلاع التي (تشرشر) من كيس النايلون الذي يغلفه بها ، لم يعبأ بشيء ، إنه نوع من الرنتقام من المستعمر ، كان ميزاب صغير من المياه يطرطش من خلال الكيس ،لكنه ظل يبتسم وهو يقرقش الدلاع بلذة ، لم أستطع إلا أن أجاريه في مزمزة هذه الفاكهة التي أحبها والتي لحقتني إلى هنا عن طريق بوحلالة المغربي الطيب والتلقائي والكريم كرم أهل المغرب وأصالتهم .
                                         2
الرحلة إلى باريس ثم ليون ثم الريف الفرنسي حيث مهرجان الشعر الذي يستضيفني هذا العام ممثلا للشعر الليبي وبترشيح من المعهد الثقافي الفرنسي بطرابلس ، والتي انطلقت من طرابلس حيث رهاب السفر وحزم الحقائب والأوراق ولوازم أخرى لابد منها كمعرفة المكان والسؤال عن فنادق فب باريس عبر الانترنت وحجوزات متعبة لشاعر محدود الدخل مثلي .
محطة النزول ستكون مطار شارل ديغول والتي ستكون شبه تعب حقيقي لبدوي مثلي ، المحطات كثيرة والترمينات اكثر واحد واثنين وثلاثة وكذلك لغياب المعلومات فمن الصعب أن تسافر مقتحما أوروبا على جوادك العربي وخصوصا عاصمة النور بالتحديد دون أن تعرف المكان الذي ستصل إليه بالتحديد زغم أن الوسائط متعددة وما عليك إلا أن تتأهب ببعض منا .
                                       3
الريف الفرنسي امتداد أخضر جميل ، غابات كثيفة من الأشجار منمقة بعناية ومهذبة كأنها صورة فوتوغرافية لمنظر سياحي ،، كان الجمال يحوطني من كل جانب ، أما الجانب الأيسر لي حيث كنت في المقعد الملاصق للنافذة فقد احتلته أو توجته بالأحرى (جميلة فرنسية) ـ (صقع) ،، بالنسبة لي صمٌ بكمٌ ،، ولكن ليسوا عميا بل عشرة على عشرة ففي هذا المكان أنت محتاج إلى حاسة واحدة فقط هي : النظر ،، تذكرت قول الشاعر العربي :
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا   
            يوما لعينيك أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله قادر 
       عليه ولا عن بعضه أنت صابر
تتجول عيناك في هذا القطار الذي يخطف مجموعة من البشر الحقيقين ينغص عليهم رحلة الخطف هذه بعض البشر غير الحقيقيين ، زردة ، محل حلويات مكتوب على بابه (بالمجان) ،،أما خلفي فكانت تجلس عائلة جزائرية بطفلتين ، الصغرى (الله لا تروعك ، عياط على وذنه) مناحة  ، أما أمها فلم تقصر في إسكاتها فقد كان الكف شغال والظرب شغال والقرص من تحت شغال ، البنت قلبت اللوحة القطارية إلى "جيوكندا متجعدة" لوحة صوتية تصم الآذان ، استمر هذا الإزعاج إلى أن فتح الله رحمته وأطلق منها الاختراع الأفضل في الكون والذي يسمى النوم ،، نامت البنت ونمت أنا أيضا .
وما ذاك إلا لأنني من النوع الذي لاينام ليلة السفر ، أصاب بفوبيا من نوع خاص لا أنام بل تضل حقيبتي مفتوحة إلى ما قبل المغادرة بقليل في كل مرة أضيف شيئا أو أنقص شيئا ، وأسجل تفاصيل الرحلة في ورقة فتراني أدور في الغرفة بورقتي وقلمي كأنني سفرادجي يسجل الطلبات ، بين يدي خريطة الرحلة والأشياء التي سأفعلها والأشخاص الذين سأتصل بهم ، أعد في هذه الورقة أرقام هواتفهم والغرض من الاتصال بهم رن كان أمرا شخصيا أو ثقافيا زو للاطمئنان والتواصل ، أسجل في هذه الورقة الخريطة معلومات عن الأماكن التي سأزورها عن المتاحف التي سأرتادها المكتبات المقاهي الشوارع الكتب الأفلام التي سأقتنيها ، محطات القطارات القريبة من كل ذلك ، أسجل أرقام المترو وعلاماته التي تؤدي إلى معلم ما أو أثر ما فتجدني مثلا أسجل الملاحظة التالية : لزيارة برج إيفل نأخذ من م شاتليه إلى م ليزال ثم بيرحكيم . ويكون النزول في محطة بير حكيم القريبة جدا من برج إيفل وهكذا مع متحف الشمع او متحف رودان او 
بيكاسو ،
                                       4
الجميلة النائمة التي بجانبي بردت ، استيقظت ولبست كنزة خفيفة سوداء لكنها جميلة من نوع كشميري ناااااعم ، طبعا لقد بردت من فوق أما متحف الشمع الطبيعي الذي من تحت فلم يعرف مفردة الزمهرير التي تفجرها شركة هذا القطار عبر مظخات قاتلة تسمى مكيفات تحتية تجعل من بدوي مثلي يتجمد من البرد مع زن الشمس في الخارج أي خاري هذا القطار تشوي الوجوه .
الجميلة النائمة استيقظت وهي حائرة في هذا الكافر الذي بجانبها والذي يمسك بورقات وقلم ويكتب ؟ يكتب هذا التيس البارد ويتركها بجانبه بقضها وقضيضها وكأنه آلة أو جماد لا تحركه ( هذي المَدَامُ ولا تلك الأغاريد) ،، أيها العاجز  إرفق بالقوارير ، انظر لها وابتسم على الأقل ، حرك شفاهك ( اعمل اي حاجة تحسسها إنها بشر واللي جالس بجانبها بشر بردو) ،، أين هي نخوة العرب وإغاثة الملهوف وإجارة الخائف .. آه ياجارة الوادي أو يا جارة القطار .. سكتُ وعاد لي ما يشبه الإطراق من محياكي) ،، مع الاعتذار لشوقي وفيروز ، إيه أيها البدوي الجبان هاهي الجنان والغيد الحسان فاملاء الدنان ، فإن تحت التراب نوما طويلا كما يقو الخيام .
                                     5
انغمست في قلمي وورقتي وكتابي ، كان الكتاب دائما أنيسي الذي لا أتخلى عنه ولا يتخلى عني ،كنت أقرأ كتابا للبرتغالي سراماجوا عن تجربته في الكتابة والحياة بترجمة ركيكة من منشورات الهيئة المطرية للكتال لكني مجبر على قرائته حبا في سراماجوا صاحب (العمى).
أخرجني من كل هذه الأفكار الجبانة صراخ البنت الصغرى للعائلة الجزاىرية ، لقد استيقظت هي الأخرى وحل رمضان باكرا ، أصبحت تتقافز في القطار من مقعد لمقعد آخر ، اشتغل حاتم الكور في العربة فمن هدرازي بين الركاب إلى العدة وين ؟ إلى شدني وانشد معاك إلى مسلسلات الأطفال مرورا بهيا بنا نلعب .
                                      6
وأنا جالس في محطة القطار وقبل أن ألتقي بأبي حلالة ودلاعه اللذيذ ، سألت ألف سؤال وسؤال تذكرة الطائرة كانت سهلة وصلتني بالايميل أما  تذاكر القطار فقد أرسلت لي من إدارة المهرجان عبر (آرامكس) بالبريد الجوي لغاية بيتي ، وصلتني التذكرة التي حجزت لي ولأن الرحلة متقطعة وبها تفييرات كثيرة كي تصل المدية الريفية التي يقع بها المهرجان ، لذلك كان على وأنا في المطار لابد لي من السؤال ، لم أفلت أحدا حضر في يوم 16يوليو إلى هناك إلا وهبكته بسؤال : أين محطة مونبلييه منين نطلعلها ، أحدهم يقول لي خذ قطار المطار الداخلي الذي يوصلك إلى ترمينال 2 ثم ابحث عن vga أما الأخر فيدلني على snfs ، صعود ونزول صعود ونزول وأنا الذي لم يعرف مترو ولا محطة قطارات ولا ترمينالالااات بل أقصى غايتي محكة الأفيكوات بجامع بورقيبة ، واستمر مسلسل البحث ب
أقرأ ترجم اخبط اضرب إلى أن اكتشفت أن الأمر سهل جدا ، الحل بسيط ، ما عليك إلا أن تتبع الإشارات مثل بطل باولو كويلهو في (الخيمائي) وهي سوف تدلك ، اقرأ المكتوب على شاشات العرض فما دام لديك التكت فانتهى الموضوع لكن أيضا السؤال مية مية وما يضرش ، في رحلتي السابقة والتي كانت ميسرة جدا من طرابلس آلى باريس ومن باريس الى مونبليه بالطائرة أيضا ثم أجد سيارة المهرجان في استقبالي أسلم لهم نفسي وأنام ، لكن هذه المرة البحث عن محطة القطار والاتجاه سيكون ليون مونبيليه ثم الجن الأزرق .
المهم اهتديت بعد مشقة إلى المكان المطلوب والذي سينطلق منه القطار على تمام الساعة الرابعة ، تنفست الصعداء ،واسترحي أخرجت من حقيبتي بعض المأكولات الخفيفة التي تناولتها بشهية ، وأنا في حالة انهماك وسد ثغرة الجوع الذي آلمني حياني بلطف وبلهجة ليبية شخص قائلا :
ــ السلام عليكم الأخ ليبي ؟
كان السؤال مخيفا لي إلى درجة أن غصصت بطعامي خصوصا وأنا في اللقمة الأخيرة والتي إزدردتها بغضب شديد مع جرعة كبيرة من العصير ،
أجبته بضعف :
ـــ نعم أيوا ليبي 
أخذ عقلي يدور جيئة وذهابا ، يفكر في هذا الرجل الذي يقف على رأسي ويسأل عن جنسيتي ،ظننته أحد رجال المخابرات (جالك الموت يا تارك الصلاة) زاغت عيناي وتململت قليلا ، ازدردت لعابي وأنا أفكر في جريمتي التي اقترفتها ، فاذا فعلت يا ترى ؟ هل هو من الأمن الداخلي أو من الأمن الخارجي ؟ هل كان يتعقبني م هناك أم من هنا ؟؟ دارت في خلدي كثير الأحتمالات هل سببت القذافي في سري أو تهكمت على النظام الجماهيري هل سمعني أحد فوشى بي ؟ كل ذلك مر في ذهني كلمح بالبصر .
سألني :
ـــ تتكلم فرنسي ؟
وقع في يدي .. آه هاهو يلقي بتهمتي أمامي ، أكيد لديهم معلومات عن علاقتي بالمعهد الفرنسي ونشاطي الثقافي أليس هذا جريمة زليس عمالة للغرب ، خصوصا أن اللغات الأجنبية محرمة أو مغضوب عليها . ماذا زفعل يا ترى ؟ 
أجبته :
ـــ شوي يعني انخلص روحي 
وأضفت : تفضل .
عرفني بنفسه فقد كان مديرا لإحدى الشركات التي إسمها "يخلع" شركة كبيرة وهو متوجه إلى ليون مع أصدقاءه وأشار رليهم التفت فوجدت شبابا ينز المني من أعينهم تعرف في وجوههم نظرة الشبق . مد الشعبي رجليه ، وتنفست الصعداء وهون علي (الحمد لله) نهضت معه ومنحته خبرة ساعتين من التيه والضياع والسؤال في هذه المحطة وعنها . وبطريقة الساحر الذي يعرف كل الزسرار أوصلته إلى الــ quai الذي سيركب منه ورقمه المكتوب على التذكرة فأحسست بعظمة أن أُسأل فأجيب بدل ذل السؤال وأن تكون أنت السائل لا رد الله سائلا .
                                         7
في مطار طرابلس التقيت (بأم ناجي) مديرة المعهد الثقافي الفرنسي بطرابلس ، كانت مصادفة سعيدة فقد كانت تسافر إلى أمها في الجبال لتقضي معها الإجازة صحبة(ناجي) ابنها الصغير وقد سمته بهذا الاسم تيمنا بناجي العلي الذي كانت تحبه جدا وقد كانت عملت قبل أن تأتي إلى هنا في إحدى دول الشام . كان حديثنا حول المشاكل الثقافية التي تعترض التمازج بين المثقفين الفرنسيين ونظرائهم الليبين (كلمة نظراءهم هذه الكلمة كلما قرأتها آو كتبتها أو عنّت في ذاكرتي أتذكر ذلك المشهد الرائع بفيلم الرسالة حين يصرخ عتبة : يا محمد أخرج إلينا نظرائنا من قومنا،، إلى أن يرد عليه حمزة : ألسنا نظرائكم ؟)
كان ناجي مستسلما للعبته الالكتروية يحارب أقواما بداخلها ويصد هجوما ويقاتل بشراسة ناجي العلي في رسوماته ، أما زمه فكانت تتحدث عن مصاعب عملها ، كانت دائما تتوقف لتشكرني على ما أبذله للتقريب بين المدعين الليبيين و(نظرائهم) مما ساعدها في عملها كما تقول ، أوضحت لها أن الإدارة التي في المعهد هي من ضيع جهود مستر بينوادلاند الذي عملت معه لأربع سنوات كانت من أزهى سنوات المعهد الفرنسي بطرابلس ثم جاءت إدارة فرعون كما يسميه العاملون في المعهد لتهتم لا بالثقافة والمثقفين بل بأشياء أخرى فانعدمت الزنشطة وتقلصت دورات اللغة الفرنسية وبصعود التوتر مع المهدي امبيرش( أمين الثقافة) في ذلك الوقت خصوصا في التحريض من قبل الأمانة على الثقافة الفرنسية والموقف الشهير لسيادته من محاظرة الطاهر بن جلون وصعوده المنطة وكيله السب والشتم للمحاضرة وللحرية الفرنسية المزيفة حسب رأيه وتوجيهه اصبعه للسفير أثناء كلمته هذه دون مراعاة لآداب الحديث زو اللباقة والضيافة مما أدى إلى استياء الحاضرين جميعا خصوصا زنه قُدِم بصفته أمينا للجنة الشهبية العامة للثقافة أي وزيز الثقافة أي هذا هو نموذج المثقف الليبي وما كان منه بعد ذلك من إغلاق ورشة الفنون التي كانت من المزمع تنفيذها بمجموعة فرنسية وفنانين ليبيين ولعل الزجمل في ذلك هو إزادة هؤلاء الفنانين في خلقهم وإبداعهم وتحديهم حيث اتخدو من ورشة لآزواب حديدية في أحد أحياء طرابلس معرضا لهم وقموا أجمل عروضهم ولوحاتهم بعد أن أضافوا على تلك الورشة الخردة لمساتهم الفنية الساحرة ولعل أشهر من وثق لتلك الحادثة مقال جميل بديع كتبه أ. حسين المزداوي يهاجم في الوزير نشرته مجلة المؤتمر تحت عنوان "متهم بالجمال" ثم صدرت جميع الأعمال المعروضة في هذه الورشة في كتاب يوثق لهذه التجربة تحت غنوان (ضفاف) اللقاء الأول للفن المعاصر بطرابلس كانت ورشة نجح في إدارتها المبدع لؤي بوهروس.
                                       8
الجميلة النائمة والتي أخذ الملل يدب في زوصالها وقربها هذا الفأر الأبكم ، ابتسمت بخدر لذيذ مما أوقد في داخلي جهنم أس12 تسمرت في مكاني . هل تقصدني ياترى ؟ أم تقصد أحدا غيري بابتسامتها هذه ؟ ليس أحد سواي سوى زجاج النافدة ، زه لعلها تبتسم لزجاج النافدة ، حاولت ألا أكون فضا أو غبيا لأن أحدنا عليه أن يرد الابتسامة وألا فإن روحا بشرية من أجمل ما خلق الله ستتأذى ، على أحدنا أن يرد إما أنا أو زجاج النافذة ، تأخر الكلب ولم يرد ، لم أجد بدا من أن أفرج شفتي قليلا وكأنني طفل يقاد إلى المدرسة في يومه الأول ، إحدى أسناني الشريفة لمعت ، لقد فعلها بي زجاج النافدة وأوقعني في هذه الورطة .
مرت المعركة بسلام تأكد لهذه الفاتنة أن بعضا من حياة أو حياء تدب في أوصال جارها ،فأر الكتب هذا ، انشغلتْ بهاتف جاءها فردت عليه ، شكرت شركة نوكيا وكل العاملين بها لإنقاذي من هذا الموقف أخذت نفسا عميقا وقد ارتفعت حرارتي ، كان زجاج النافذة يمد لي لسانه ويهمس في أذني : يا شلافطي .
                                     9
كانت تتحدث بموسيقى ونوتات إن سمعها قديس فإنه سينتفض فمابالك وهي تتحدث وتنظر إلى وأصابعها تعبث بخصلات شعرها، ( آه البنت دي فاضية والطريق طويلة وتبي تهدرز ) قلت في نفسي بعد أن هدأت قليلا على بني يعرب الآن غزو بلاد الفرنجة وإنقاذ سمعة 200مليون عربي من الضياع ، اتجهت بوجهي مباشرة نحوها ، كانت هذه هي المرة الأولى التي أفعل فيها ذلك ، كنست عن خدي أمواج الحرارة والسخونة التي أحرقتها نتيجة قربي منا ، من موقد الجمال هذا ، وبدو أي تفكير وقبل أن يستزلني الشيطان وأعدل عن هذه الفكرة قلت لها في مايشبه الصراخ :
ـــ سكوز مواااااا .
افتّر ثغرها عن بسمة لذيذة معناها ، هاهو الغبي البليد قد تحرك وعرف أن بجانبه إمرأة ، وحرام كل الحرام أن تترك وحيدة دون زن تتجاذب معها أطراف الحديث أو حتى أن تسألها أغبى سوال في الكرة الأرضية وهو كم الساعة ؟ لكني لم أسألها هذا السؤال الغبي سألت سؤالا أغبى :
ـــ كم يلزمنا من الوقت لكي نصل مونبلييه أو هي ليون ؟ لم اعد واثقا بالظبط
أجابت في خفقة ريح :
ــ أربع ساعات 
سألتني عن الكتاب الذي أقرأه ،، ويا ليتها ما سألتني ؟ انهمرت أحكي عن سارماغوا وكأنني القابلة التي استقبلته من فرج أمه ، عن حياته عن رواياته عن رواية العمى وعن الفيلم الذي أخرجه ومثلتث به والذي أفتتح به مهرجان كان 
أفرغت ما في جعبتي وكزنني زنتقم لإهداري كل هذه الساعات الفارطة والتي لم زنعم فيها بتزمل وجهها الرشيق ورقبتها المرمر وشعرها الحرير ، وهي تؤنس هذا القطار المختطف ، حتى العائلة الجزائرية وابنتهم الصغيرة أصبح صراخها موسيقى بيانو لذيذ وصفعات أمها لها كمنجات مدوزنة تبهج الروح .
انتبهت إلى أنني أسرفت في الحديث الذي كان خليطا من جميع اللغات وأهمها الإشارة ، انتبهت إلى ضحكاتها وهي تفرقع وسألت نفسي مالذي كنت أقوله لها وبأي لغة ؟ توقفت لأسألها عن دراستها وعن عملها مثلما يفعل شيخ المحلة ، فصصتها . 
كانت باحثة جيولوجية تقيس الأرض وكل عملها في المختبرات مع التراب والصخور أي أنها لا تعرف سراماغوا ولا بوعجيلة الأفرك ، أخذنا الحكي والمسامرة والضحك ، واكتشفت أنا البدوي أن الأمر أسهل بكثير مما كنت أعتقد وأن الحياة تفاحة طازجة ، أقرشها بلذة وتذوق حلاوتها تحت لسانك واترك شيئا للصدفة بعد ذلك .
أمضيت وقتا جميلا وأنا أشرح لها أو تشرح لي بكل اللغات والإشارات والتمثيل والرسم كل شيء مما جعل ضحكاتنا تطرقع ، زمضيت وقتا سعيدا معها بالطبع ولم يفتني أن أتبحج أمامها بأني شاعر وصحفي ولدي مؤلفات وكتب وأعزف الموسيقى وأرقص الباليه وأعشق التصوير وأنا مع حرية المرأة وأكره الانغلاق وأحب باريس وغيره مما لا رقيب ولا حسيب ألست غريبا في بلادها والمثل الليبي يقول (تغرب واكذب) ،، هههه ، كنت أتأمل شعرها الجميل والذي لم زخفي إعجابي به ، أخبرتها بذلك ثم قلت في نفسي لعلها ستفهم ذلك تحرشا بها وأنني (عكيت) من أول لقاء ، وأنها ستظن بي الظنون وزن هذا البدوي المكبوت يراها فراشا وثيرا (وهي والله كذالك) .كان كل ذلك خيالا مريضا في جمجمتي أنا وحدي ، ما كان منها إلا أن أخذت خصلاتها بين يديها ونثرتها أكثر من ذي قبل وهي سعيدة بهذا الغزل والإطراء . ،، كان زجاج النافذة يطرق بعنف إحدى جانبي ويهد كتفى بإصبعه كما يفعل (علي الزويك) دائما ، ويقول لي (نوض يا شلافطي) ياسر القطار وصل .