يوم نبتت لنا أجنحة
نُشرهذا المقال مترجما
بصحيفة النيويورك تايمز الأمريكية
22-23/8/2011
قصف عنيف متواصل وسط البلاد ، طائرات التحالف تقصف
مواقع القذافي البارحة خبر هروب سيف وبتبجحه بقتل الليبيين هذا الوريث الذي له أن
يحقد على طلاب الحرية هؤلاء الذين كسروا تاج التوريث على رأسه الأملس ، الخبر كان
صادما لنا جميعا لكن الشباب الذي لم يعد أمامه إلا التقدم صرخوا "حتى
لو" الله معنا وإننا منتصرون بإذن الله .بسرعة اختفت اثار الصدمة واستبد بهم
حماس شديد لاقتلاع هذا الألم المزمن
أشاهد أعمدة الدخان خلف البنايات الكبيرة وسط المدينة
حيث المقر ،سيارات العائلات المحيطة تتجه بكثافة جهة
سوق الجمعة وتاجوراء المؤمنة جيدا بعد رفع علم الاستقلال
فوقها وأسر أمرها وقد حطت بها جحافل
الثوار من مصراتة والجبل وغيرها من المناطق المحررة ، كنت أسمع التكبير
والتهليلوزغاريد النساء بهؤلاء الشباب الذين استقروا هناك وأقاموا في بعض مدارسها
الآن قافلة سيارات من الصليب الأحمر تجوب المدينة ترفع
أعلامها والثوار يوقفونها
في احد محطات التفتيش
التي اصبحت بين أتمركز فيها خوفا من أن يعتليها أحد
القناصة كما اشاهد سيارات نص نقل عليها شباب يكبرون وبين ايديهم جثمان شهيد اللهم
تقبله برحمته وهم ينادون للصلاة عليه اليوم الظهر ويتجهون به إلى مقبرة سيدي بوكر
أو ربما مقبرة الهاني اللتان دخلتا الخدمة مؤخرا هما الأخريين حيث كانتا حكرا على
القذافي وشهداءه أو قتلاه فمن يعتبره القذافي شهيدا يكرمه بدفنه هناك لكن ثوار
طرابلس مثلما افتكوا الحاضر كذلك افتكوا الماضي وثرى الشهداء فمقبرة الهاني
لشهدائنا الذين سنكتب أسمائهم بحروف من نور في سجل تاريخ ليبيا الذي لا ينقطع ،
أسمع تكبير الأطفال والنساء من المساجد القريبة كما أننا
نتابع بعضا من المحطات المسموعة مثل إذاعة مصراتة الحرة وإذاعة طرابلس الحرة التي
أصبحت في حوزتنا الآن وقد كنت البارحة
فيها بعد قتال عنيف قام به الأبطال أقصد إذاعة "الشط" التي كانت تسمم
أفكار جيل لم يتخرج من جامعة بل تخرج من مرقص باب العزيزية ليهتف بنشيد الكفر الذي
يترنم باسم الكافر مبيد شعبه
ــ تواصل القصف ، أسمع فقط أصواتا وأشاهد اعمدة دخان
واصوات طائرات تحلق عاليا جدا وبعض المدافع التي لم أحدد جهة انطلاقها سمعت ان
القصف طال هذا الصباح سيدي خليفة اللهم احفظ سيدي خليفة بحفظك الدائم وسمعنا ان
شارع الصريم به جثث قتلى لقناصة وهم متروكين في الشارع لم يستع احد الاقتراب منهم
بينهم اطفال ونساء اللهم احفظ شارع الصريم بحفظك الكريم يا كريم
ــ الان هناك اطلاق نار كثيف في الجوار احد الثوار على
دراجته ينتقل بين نقاط النفتيش محذرا ردوا بالكم هناك سيارات مدنية تطلق النار
وتهرب لقد استخدموا هذا التكتيك من قبل الأيام الماضية كنا تعرضنا لاستهداف من قبل
إحدى هذه السيارات التي غدرت بنا ثم هربت لم أجد نفسي إلا منبطحا والزحف تذكرت
الزحف المقدس والزحف الأخضر فواصلت الزحف حتى انكسرت نظارتي هكذا يريدنا معمر
القذافي "زواحف" لكن هيهات لقد نبتت لنا أجنحة
ــ المزيد من الحواجز الان سيارات نصف نقل تحمل بكرات
الكوابل الكهربائية الكبيرة وتغلق بها الطرق كسواتر لقطع طريق هذه السيارات
اتصلنا بجامع مولاي محمد قالوا ان امورهم تمام ثوار
فشلوم يطوفون ب14 ونص
القصف مؤكد الان في باب العزيزية فوق رأس الكفر بالله
ملك ملوك شياطين افريقيا وماحولها
الله اكبر .. جامع القبطان
الله اكبر .. جامع فشلوم الكبير
الله أكبر جامع الباز
اسمع التكبير عاليا والتهليل والتحميد .. الله اكبر
اللهم اتم نصرك
البارحة رأينا اسود مصراتة يملئون تاجوراء وسوق الجمعة
المحررة كانوا متواضعين جدا شباب نظيف اللهم اتم لنا نصرنا يا الله .
الله اكبر اسمع الرزم
الله أكبر رزم شين الله أكبر
الله اكبر .. كول يا اصلع انت وبوك
دخان كثيف يتصاعد .. اخبرونا الان أن الثوار دخلوا باب
العزيزية ، الحمد لله ، منذ البارحة في "هربة الضي" وعندما خرج سيف على
الشاشات أبلغنا ان الثوار سيدخلون مع الفجر فانتبهوا وامنوا المدينة من خلفهم .
الشباب لم يقصروا تسحورا تمر وماء وتناوبوا على الحراسة .ايضا في الليل تم تسريب
معلومة ان "بوسليم" تتحرك نحو زناتة لتهاجمها صديقي الكاتب محمد سحيم
والذي رافقنا طيلة عمر هذه الثورة حيث بدأها هناك في بنغازي وعاشها في طرابلس يتكئ
في هدوء عجيب يقرأ من مصحف قريب أيات من القران الكريم أما محمد البوسيفي الذي لم
يهدأ هاتفه عن الرنين والاتصال فهو من اخبرني بهذه المعلومة وصرنا تحرى دقتها من
اصدقاءنا هناك اتصلت بأخوتي الذين يسكنون في ابوسليم اخبرني حكيم ان الأمر ليس واضحا
صعد فوق المنزل ليستوضح اخبرني ان الطريق السريع خال من السيارات وان مخاريم أم
درمان يحاصرون الثوار في العمارت خلف مستشفى الخضراء وقد فجروا المسجد هناك
لانطلاق التكبير منه
بعد مدة علمنا ان المعلومة لم تكن صحيحة فاسترحنا .
ــ الثوار يدخلون بيت الصمود
ــ ثوار فشلوم أحالوا سماء فشلوم إلى دخان كثيف من اثر
الرصاص الذي يطلقونه في الهواء وزغاريد حرائر طرابلس وبناتها حافيات في الشوارع
نسين ان يرتيدن أحذيتهن فخرجوا إلى الشارع ومنهن من نسيت ان تغطي شعرها وهي تضع
يدها على فمها وتطلق زغرودة تشق عنان السماء سماء الحرية .
ــ ابني محمد يمسك بعلم الاستقلال وصورة احد الشهداء وهو
يهتف :
دم الشهداء ما يمشيش هباء
ـــ من جامع البار ينطلق البيان ألاول يعلن انتصار الشعب
الليبي
ـــ البيان رقم2
ايضا من جامع الباز والذي يدعوا الثوار إلى الالتزام بمادئ ثورتنا السلمية
هذه الثورة التي يحق لنا ان نفخر بها المتحدث من المسجد يكلم عن حقوق الانسان
والديمقراطية ويؤكد ان هذه الثورة ليست ثورة الجياع بل هي ثورة الكرامة والحرية
.
ــ لقد هزم القذافي .. لقد انتصرنا .. على كل من يقرأ
كلماتي هذه من الليبيين أن يصلي لله ركتعين شكرا لله وإلا فستكون دينا عليه يوم
القيامة لايوفى أبدا .
ـــ لم أنم منذ البارحة والمدينة لم تهدأ من الرصاص .
كنا في سوق الجمعة لاننام من ازعاج كتائب القذافي فهل سننام والثوار منتصرون على
اكبر طاغية في العصر الحديث وما جاوره .سأنام ولو ضربوا بالمدافع حتى ولو
ساعة .
تصبحون على وطن.
يوم نبتت لنا أجنحة
(2)
اليوم الذي يعقب سقوط الطاغية كان
يوما مميزا ففي هذا الصباح زادت الشعة الشمس من كمية انتاجها أما مياه البحر
المتوسط المالحة فقد تحولت إلى عسل مصفى
لعلي نمت أكثر من اللازم مثلما
نامت ليبيا أكثر من اللازم أو نومت أخذت حمامي ورددت على المكالمات الكثيرة من
الأصدقاء الصحفيين الذين تنادوا لتحريك المطبعة واصدار صحيفة تنطق باسم طرابلس
متحدين الوقت وأنفسهم
حوالي الساعة 1 كان لدينا اجتماع في منزل احد المخرجين
"زكريا العنقودي"بشارع الشيخة راضية اربع صحفيين منهم "سمير جرناز ونوري عبدالدايم"
عزمنا على الصدور مررنا على عمارة الصحافة فوجدناها قد قصفت والنار تشتعل فيها .
ربما هي أعلى مكان في المنطقة القريبة من باب العزيزية لذلك تم استهدافها
بالدبابات أو المدافع الثقيلة
ركبني الحزن الشديد لهذا المنظر . تطلعت إلى مكتبي هناك
بالدور العاشر وتذكرت دواوين الشعر بمكتبي وجهازي الماكنتوش الجديد والهارد دسك
الذي أخزن فيه جميع المعلومات بكيت لهذا الخراب وهذا الدمار الغير مبرر . استهداف
المبنى كان فاجعة لي
حوالى الساعة 2 اجتمعنا باستوديو الإذاعة لم نتمكن من
البث المباشر لكن طرابلس لم تعدم الوسيلة قمنا بالربط المباشر مع قنوات ليبيا
الاحرار في الدوحة وأوصلنا صوت الصحفيين الطرابلسيين الأحرار للعالم
حوالى الساعة 3 جائني خبر خروج أهلي من منطقة ابوسليم
كلمني ابي وهو يرتعد قال لي أنهم أخذوا سيارتهم وعبأ أخواتي الثمانية وانطلق فارا
والدموع في عينيه ، كانت الكتائب المتواجدة هناك تطلق النار على السيارات المدنية
التي تفر اخبرني ان امرأة شابة وزوجها قد انفجرت سيارتهما بقذيفة اربي جي أطلقها
الأفارقة كما يسميهم . دست على البنزين وهربنا يقول .
المرتزقة موجودون في فندق "القلعة" بأبي سليم
خلف عمارات حي ناصر وأيضا موجودون في "المعهد الصناعي" هناك كما ان
المدافع تنطلق من الحديقة التي خلف فندق ريكسوس والتي يربي فيها الشيخ الساعدي
نموره وأسوده .اتمنى من الناتو أن يقصفهم ويبعد شرهم عنا اللهم احفظ اهلنا في ابي
سليم .
اليوم هو يوم تحريرالصحفيين بجدارة جائني ثلاثة اخبار طرت
بهم فرحا الأول هو تحرير الصحفيين المحتجزين من قبل الكتائب في فندق ريكسوس كنت
سعيدا بتحريرهم لأني كنت اعرف انهم كانوا في كماشة سيف الديمقراطية التي تقبض بيد
من حديد على المعلومة وتتحكم في مسارها . كنت اتمنى الأ يكون بينهم مراسل العربية
الجبان والمرتشي بقدر سعادتي بتحرير الصحفيين الأجانب بقدر غيضي من هذا المراسل
الصحفي الكاذب ، كنت اريده ان ينظر كيف هو هذا السيف وكتائبه ويتذوق طعناته
المعسولة بشكولاته الديمقراطية والشفافية وحرية الإعلام التي كان يتشدق بها في
ليبيا الغد مشروعه الفاشل.
اتصلت بي الصديقة الصحفية رنا العقباني وهي تحثني على
البحث عن سجون مخفية محتملة كان النظام يسجن فيها الثوار وسؤال أي أحد عمن يعرف
إذا كان هناك سجون ما يحتمل ان يكون فيها "ربيع شرير" طمأنتها خيرا
وأننا نواصل البحث بكل جهدنا ، لم أخبرها أنني شبه متاكد ان ربيع في سجن أبي سليم
، عرفت ذلك في حوالي شهر 6 أو أواخر شهر 5 حين سجن أصهاري الخمسة هناك والتقوا
بزقروبة وبجمال الرازقي وسمعوا ان ربيع هناك .
حوالى الساعة 5 اتصلنا بالمجلس المحلي بفشلوم واعتمدنا
المكتب الإعلامي للمنطقة واخبروني ان رسالة التكليف ستكون جاهزة غدا وسيخصصون لنا
ما تيسر من مكاتب ومعدات متوفرة .
موعد افطار المغرب انتقلت على قدمي إلى باب تاجوراء حيث
ثوار سوق الجمعة أفطرت معهم كانت السيارات الخاصة للمواطنيين تتوافد لتفرغ حمولتها
من الأكل والطعام والمشروب والشاي بالنعناع والقهوة بالحب هان . أفطرت معهم كانوا يمسكون بصناديق مليئة بالتمر
والحليب والحلوى والماء المثلج ويقدمونه للسيارات المارة . كان منظرا رائعا والشمس
تميل إلى الغروب تحرك في داخلي الحس
الصحفي فأخذت اتجاذب وإياهم الحديث ، الشاب الملتحي الذي يحمل بيده قاذفا اخبرني
انه مهندس طرق وعمره 24 عاما اما الأخرون فطلبة ومحامون وتجار . كان اجمل أفطار
منذ مدة . اشاروا لي بفخر إلى كتيبة مصراتة التي تنزل ضيفة لديهم اخذت كاميرتي
والتقطت لهم صورا مع هذه الكتيبة المدربة التي يحسون انها جاءت لتحريرهم.
بعد الإفطار بنصف ساعة : اتصلت بي رنا العقباني الصحفية
التي احتجزتها كتائب القذافي والتي حققت معها المذيعة هالة المصراتي في اعلام
القذافي سابقا لتخبرني بأن حبيبها عاد .لم أصدق أخذت منها الرقم وأمرت شركة ليبيا
بأن تطير على جناح السرعة ليصل لي صوت صديقي الشاعر السجين ابن مدينة الزاوية
" ربيع شرير" والذي حرره الثوار بعد معاناة ومكابدة وأيام مريرة قضاها
هناك وقد شاهدنا تعذيبه والتحقيق معه على شاشة القنفود ، لم اتمالك نفسي من البكاء
اصبح ربيع هو الذي يصبرني ويواسيني . حمدت الله كثيرا وشكرت ثوارنا البواسل الذين
انقضوا على سجن ابوسليم واطلقوا من فيه
ليلا.. كنت على الهواء مباشرة في ربط خاص مع قناة ليبيا
الأحرار فجأة قرأت على شريط الأخبار التالي : الثوار يحررون الصحفي حبيب الأمين
والفنان محد لامين .. انه يوم السعادة الصحفية بامتياز.