الخميس، 3 يوليو 2014

"الانطلاق الشعبي" للمهرجان الثقافي الإفريقي





محمد الاصفر
الشمس الثقافي


جميل جدا أن يسبق الافتتاح الرسمي للمهرجان افتتاحا شعبيا تشارك فيه الناس بعفويتها وحبها للحياة والمرح والسعادة عبر قافلة إفريقية تسير في أرض خضراء كلها ينابيع وفواكه وكأنها الجنة تختلط فيها قرع الطبول مع اهتزاز أوتار الآلات الموسيقية الإفريقية الأصيلة مع رقصات الحرية الممزوجة بالعرق الإفريقي الطاهر عرق الحياة والذي لا يخرج من الجسد إلا نتيجة صدق وجداني وجهد نقي فطري بري.. في هذه التظاهرة ستختلط دماء القارة الإبداعية وسيتهاطل مطر العرق على أرض افريقيا التي يبسها الاستعمار لتزهر وتنبعث من جديد .. هذا الاتحاد الفني الثقافي ما هو إلا انعكاس لمجهودات الساسة عبر تفعيل مناشط الاتحاد الإفريقي وآخرها حضورهم جميعا إلى سرت برعاية الزعيم الليبي القائد معمر القذافي واتفاقهم على خطوات متقدمة تجعل منهم قارة قوية منحازة للحق ومتماسكة وآمنة ومرتوية ولا تشعر بالجوع في أرضها ولا تكون مثلما كانت من قبل نخلة أو شجرة مطر مائلة ترمي بخيرها بعيدا .. فإفريقيا للآفريقيين شعار أطلق منذ عقود وها هو نراه اليوم واقعا ملموسا لا ينكره إلا جاحد أو مريض .. وسيبدأ الافتتاح الشعبي للمهرجان مساء الأحد   
الرابع من ناصر(16.30) ليكون العالم على موعد مع الثقافة الإفريقية حيث تشهد "الانطلاق الشعبي" للمهرجان الثقافي الإفريقي، في استعراض شعبي كبير يسبق الحفل الفني الذي يحضر له الفنان كمال والي بمشاركة 350 راقصا و120 تقنيا، بالإضافة وبمشاركة أسماء فنية لامعة على غرار الفنانة وردة الجزائرية ويوسو ندور وسيزاريا إيفورا وأمازيغ كاتب والنجمة السينمائية إيزابيل عجاني .
وبالعودة إلى تفاصيل العمل الفني الاستعراضي الضخم الذي يشرف على إنجازه الديوان الوطني للثقافة والإعلام، ستعكس 53 شاحنة ممثلة لدول الإتحاد الإفريقي، حجم الإرث الحضاري والثقافي للقارة السمراء في عمل انتقائي لأهم الرموز والميزات والمعالم الخاصة بكل دولة وفق عمل إبداعي بأنامل جلها جزائرية، تلخص التنوع والثراء الذي سيعيشه الجمهور الجزائري في الافتتاح الشعبي انطلاقا من ساحة "صوفيا" إلى ملعب الشهيد فرحاني بباب الواد، وقدأشرف على تحضير هذا الحفل الاستعراضي الشعبي الكبير الذي استغرقت مدة إنجازه والتحضير له 60 يوما، 17 فرقة تابعة للديوان الوطني للثقافة ،وقد بلغ عدد الفنانين الجزائريين المشاركين في العملية 60 فنانا بين نحاتين ورسامين يتوزعون على عدد من ولايات الوطن منها مستغانم، بجاية، وهران، تمنراست، غرداية، باتنة، إليزي، عين الدفلى، تيزي وزو، سطيف، برج بوعريريج، سيدي بلعباس، قسنطينة، بسكرة، ميلة، المدية، البليدة والجزائر العاصمة .. 

إضافة إلى أن 34 وزيرا قد أكدوا حضورهم في مراسيم الافتتاح، ومن بين ضيوف الجزائر، تشهد التظاهرة مشاركة مثقفين وشخصيات سياسية وثقافية وفنية وإعلامية من بينها الحبيب، بن يحيى الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، والسيدة كاتلين كليفر، أرملة إلدريج كليفر والسيدة سامية نكروما، ابنة الراحل كوامي نكروما، والسيدة جاكلين كيزربو، أرملة جوزيف كيزربو، ومدير مجلة "رونيسونس أفريكان، الأمريكي كوينسي تروب، بالإضافة إلى المخرج الأمريكي الكبير داني غلوفر، إلى جانب ميراي وأوليفي فانون، نجلا الراحل فرانتز فانون، وأميناتا درامان تراوري، كاتبة وشخصية سياسية مالية، والشاعرة الأمريكية جاين كورتيز،والمطربة الجنوب إفريقية دوروتي مازوكز ومواطنتها سونتي منديبال التي تعد "مريم ماكيبا الجديدة" بالإضافة إلى حضور صديق الثورة الجزائرية جاك فارجيسكما تشارك الجماهيرية العظمى بوفد ثقافي رفيع المستوى يرأسه أمين المؤسسة العامة للثقافة نوري الحميدي .

المهرجان الثقافي الأفريقي الثاني ينطلق مسرحيا وغياب موجع للمسرح الليبي وأول العروض دون المتوسط







الجزائر ـ محمد الأصفر
الشمس الثقافي

انطلقت مساء أمس الاثنين 6ـ7ـ2009 م في قاعة المسرح الوطني الكائن بميدان المجاهد عبدالقادر الجزائري بوسط الجزائر العاصمة  فعاليات مهرجان الجزائر الدولي للمسرح في طبعته الثانية وقد بدأت الفعاليات بكلمات ألقاها مدير أو محافظ المهرجان الأستاذ إبراهيم نوال والأستاذ الفنان المخضرم امحمد بن قطاف وهو مدير المسرح الوطني الجزائري والجدير بالذكر أن الفنان قطاف كان من ضمن المشاركين في الدورة الأولى من المهرجان الإفريقي الأول المنعقد منذ أربعين سنة عام 1969 , حيث شارك في ذلك المهرجان كممثل في مسرحية من تأليف الأديبة الجزائرية العالمية آسيا جبار .. وقد حضر الافتتاح العديد من أعضاء الفرق المشاركة ومن الفنانين الأفارقة الضيوف والكثير من الجمهور العاشق لفن المسرح والمسرح هو تحفة معمارية ومجهز من الداخل بكافة التقنيات الحديثة ويسع المسرح لعدد كبير من المشاهدين وبه ثلاث شرفات نصف دائرية كالتي نراها في مسارح الأوبرا بالإضافة إلى الكراسي المريحة والجمهور الذواق وحسن الضيافة التي قابلتنا بها مضيفات جزائريات يرتدين الزي التقليدي الجزائري المكون من السروال الواسع والكردية المزركشة المنقوشة .
بعد إلقاء الكلمات تم عرض شريط وثائقي قدم للجمهور نبذة مفصلة عن مسيرة المسرح اللإفريقي لمدة أربعين عاما عارضا عدة وجوه لأسماء إفريقية تألقت في مجال المسرح من عدة دول أفريقية وللأسف لم يطل علينا أي فنان ليبي تم تكريمه أو ذكره في هذا الشريط الوثائقي على الرغم من أن عمر المسرح الليبي تجاوز 100 عام ونترك السبب للمختصين في مجال المسرح الليبي والمسؤولين عليه وعرابيه الدائمين في المهرجانات المحلية والدولية .
بعد الشريط الوثائقي تم تكريم عدة أسماء مسرحية جزائرية وإفريقية وبالطبع خلت القائمة من اسم أي ليبي وأيضا لم يكن في البعثة الليبية لهذا المهرجان اي اسم مسرحي ليبي باستثناء المخرج عبدالله الزروق الذي اختار أن يتابع المهرجان السينمائي لقربه أكثر من فن السينما .
بعد التكريمات والكلمات بدأت المسرحية المبرمجة لليلة الافتتاح وهى مسرحية جزائرية بعنوان البطون المملوءة والبطون الفارغة نص دانيال بوكمان وإخراج وسينوغرافيا أحمد حوذي وقد كانت المسرحية ذات مستوى عادي بل ان الكثير من المسرحيات الليبية التى عرضت في المهرجان المسرحي الاخير بالبيضاء وشحات أرقى منها مستوى وهذه المسرحية تناقش موضوع مستهلك وتيمة مكررة وهي العلاقة بين الخير والشر والاستغلال والظلم بأداء متواضع ولم تشفع لها استخدامها للغناء الأوبرالي وحشوها بالعديد من الرقصات والمشاهد الكوميدية أن تضعها في ضفة الفن المحركة للأحاسيس والمنتجة للدهشة ولكن إجمالا العمل جيد وشيء أفضل من لا شيء .
وللأسف شعرت أنى غريب في هذا الحفل المسرحي الكبير حيث لم يتم ذكر اسم ليبيا لا من قريب ولا من بعيد على الرغم من دعمنا الكبير للقارة الإفريقية ولكل مؤسساتها الحيوية ومن ضمن المكرمين في هذا المهرجان مجموعة من الفنانين الجزائريين منهم ولد كاكي عبدالرحمن وهو فنان راحل استلم ابنه الجائزة نيابة عنه والفنانة نورية والفنانة كلثوم والفنان طه العامري والفنان المعروف امحمد قطاف والفنان سيد علي كويرات بالإضافة إلى فنانين أفارقة كبار منهم الدكتور عصمان دياكتي من السنغال وسويتيجي كوياتي من مالي برنارد بينلي من ساحل العاج وسيديكي باكاكا أيضا من ساحل العاج ومحمد ادريس من تونس وغيرهم كذلك شهد المهرجان احتفاء بصاحب نوبل النيجيري وول سوينكا . وسيشهد هذا المهرجان بالإضافة إلى العروض المسرحية الكثيفة التى تعرضص في ثلاث قاعات مسرح ابتداء من بعد الظهر وحتى منتصف الليل ورشات عمل مسرحية يشارك فيها الفنانين والمشاركين والطلبة تحت إشراف أساتذة مسرح كبار كذلك سيشهد هذا المهرجان المسرحي ملتقى علمي تناقش فيه آخر ما وصل إليه المسرح من تطور سيتم فيه التناول الأنثروبولوجي والعلمي الإفريقي للمسرح في القارة السمراء بعيدا عن عن الأعراق  والإختلاف الحاصل بين الغرب والشرق والجنسيات والسماح لرجال ونساء المسرح الإفريقي بتناول راهن وأفق المسرح ، حيث يصنعونه هم وهن على المسارح الإفريقية من اجل تحديد وضبط مع استرداد المصطلحات الفنية التي تنطلق من هوية وتقاليد الثقافة الإفريقية حيث يجتمع دكاترة ومختصين من المعهد العالي لفنون العرض وفنون السمعي البصري بالجزائر العاصمةبرج الكيفان- وجامعة وهران ، جامهة عنابة وجامعة سيدي بلعباس.
محاور الملتقى :
 سيتوقف الملتقى العلمي عند ثلاثة محاور رئيسة وهي :
 الحكي والرواية 
القناع : كعنصر في الخطاب المسرحي 
الماريونات- عرائس القاراقوز- : الوظيفة الدرامية التمثيلية والجمالية 
  
  قائمة المحاضرين :
من الجزائر:
حاج ملياني 
ادريس قرقوة 
لخضر منصوري
أنوال طامر
نور الدين عمرون 

من افريقيا
عصمان دياكيت - السينغال 
أشو وير - ساحل العاج
بوسون كليمون أني - ساحل العاج  
مبوسي جورجالكونغو برازافيل
  والسؤال هنا أين أساتذتنا المسرحيين الليبيين الذين لديهم قدرات في تقديم محاضرات مسرحية علمية ؟
ولم ينس المهرجان المرأة والأنوثة فخصها ببرنامج متكامل سماه جويلية ـ يوليو ـ الأنوثة ,, وذلك احتفالا بهذا الشهر الذي شهد استقلال الجزائر وانتصارها على المستعمر الفرنسي هذا البرنامج الذي ستشهده أروقة المسارح الجزائرية والذي يحتفي بفن المرأة سيجمع بين فنانات نسوة لتمكين المرأة من التعبير عن طريق الفن ، والحساسية الشعرية وشجاعة السؤال على الشراكة بدون تحويلات مع الرجل والمجتمع الإفريقي.
البرنامج سيتمحور حول ثلاثة 3 فنون
          والفنون التشكيلية  الشعر 
     الحكاية 
المسرح
تراكيب شعرية ومختارات من الشعر للنساء 
اوركسترا نسوية
حكايات جدتي في عروض مسرحية
     
  تراكيب شعرية   
      
     النص الإبداعي الحر هو سحر الممارسة الدائمة ، الشعر هو اللغة التي نتكلمها جميعا لأنها أجمل درب للاتصال للالتقاء وللبوح بالسر وأيضا للتعارف وللمعرفة ، للذة النابعة وراء تحطيم وتكسير الكلمات والمعاني ، للحياة وللأحياء ولإفريقيا من الجزائر أيضا سيكون الفضاء للشعر وللكلمة.  
  
  اوركسترا نسائية    
      
     في العادة يجتمع العنصر الرجالي مع العنصر النسوي في تركيب وبناء  الأوركسترا ...لكن ما رأيكم في أوركسترا مئة بالمائة نسوة ، المهرجان يمنح النسوة كل الفضاء للإبداع في مختلف الألوان ولهن فقط ستكون الأوركسترا وللرجل الإفريقي هذه المرة الفرصة التي لا تعوض لمتابعة ما ستجود بها أنامل المرأة الإفريقية  الجزائرية في يوميات المهرجان .

  حكايات جدتي         
     من منا لم يكبر على حكايات الجدة ومن منا من لا تتملكه اللذة ويسكنه الشوق والحنين للعودة إلى حكايا الجدة ، الحكاية هذه المرة ستكون بفصلين ومشاهد ، قد تبدأ بعد لحظات لتدعونا لأخذ أماكننا في فضاءات المسرح الوطني  .       
 والفرق المشاركة في هذا المهرجان عديدة نذكر منها 
14 دولة افريقية
14 فرقة ومسرح جزائري 
المسرح الوطني الجزائري 
07 مسارح جهوية 
06 فرق من الجنوب الجزائري   
   
    وكذلك نشاط مسرحي مشترك تشارك فيه فرق  من السنغال ، السودان، مصر، بوركينا فاسو، جمهورية الساحل العاج، تونس، البنينن وغانا، مالي ، النيجر والصحراء الغربية ، التشاد والكونغو برازافيل و غينيا في لعبة مسرحية مفتوحة على المسارح الجهوية الجزائرية من سيدي بلعباس ووهران  إلى باتنة، بجاية وتيزي وزو، عنابة وقسنطينة وبمشاركة المسرح الوطني الجزائري .



  
  
  





محمد ديب وثلاثية الجزائر




                                                                                        
                                                                                    شوقى بدر يوسف
نشر بالشمس الثقافي


     فى مدينة تلمسان التى تقع غرب الجزائر، تدور أحداث الثلاثية السردية الروائية " البيت الكبير " " الحريق " " النول " التى كتبها الشاعر والروائى الجزائرى محمد ديب باللغة الفرنسية وقام بترجمتها إلى العربية الدكتور سامى الدروبى، والتى تزامن صدورها مع صدور ثلاثية نجيب محفوظ " بين القصرين " " قصر الشوق " " السكرية " فى بداية ومنتصف الخمسينيات، وعلى الرغم من أن الثلاثيتان السرديتان الشهيرتان كتبتا قبل ذلك التاريخ بكثير، إلا أنهما تمثلان وقت صدورهما نموذجا جديدا وهاما من نماذج الرواية العربية الممتدة الحدث، أو ما يعرف برواية الأجيال، أو الرواية النهرية، فثلاثية محمد ديب تعتبر من الثلاثيات الروائية المكانية الممتدة الحدث، حيث يحتفى الكاتب فيها بالمكان المنتخب من أحد أحياء مدينة تلمسان مسقط رأس الكاتب، من خلال بيت كبير من البيوت النمطية الواطئة المتواجدة فى المدينة، وأيضا من خلال الريف المجاور لها، وانعكاسات سطوة هذا المكان على الشخصيات المهمّشة، الجائعة الحائرة، والدائرة فى شوارع المدينة وأزقتها وأحيائها المختلفة تبحث عن الحد الأدنى لقوت يومها وحياتها ألا وهو " الخبز "، ومن ثم فهى تبحث أيضا عن المعنى الكبير للحياة وهو الحرية، والأمان، والمعيشة الكريمة وسط عصر ملئ بالقسوة والاستعمار والقمع والاستغلال، أما ثلاثية نجيب محفوظ فهى ثلاثية روائية تحتفى بالأجيال والزمان المصاحب لها والذى تجاوز حدوده فى هذه الثلاثية ثلاث عقود، حيث بدأت ملامح شخصياتها تظهر منذ ثورة 1919، وتتدرج ملامحها ومواقفها الاجتماعية، والأيديولوجية حتى  منتصف الأربعينيات من خلال سطوة خاصة تمتلكها بعض هذه الشخصيات وتمارس من خلالها بعض من انعكاسات العصر، والواقع وممارساته على الأحداث الأساسية للثلاثية وعلى رأس هذه الشخصيات شخصية السيد أحمد عبد الجواد رأس الأسرة التى تمثل نموذجا للحالة الإجتماعية المصرية خلال تلك الفترة التى جسدتها الثلاثية .
     وثلاثية محمد ديب أو ثلاثية الجزائر كما يجسد مضمونها هى تلك الثلاثية الروائية التى قال عنها الشاعر الفرنسى الكبير أراجون " : إن هذه القصة تبشر بولادة عصر القصة فى الجزائر "، وهى كما تبدو من أحداثها ومشاهدها المؤججة، كما لو كانت ذكريات طفولة محمد ديب نفسه، فمن يقرأ الجزء الأول من الرواية " البيت الكبير " يجد أن ذكريات طفولته تتجلى مع الأحداث كما ولو كانت عادت إلى الحياة مرة أخرى، أما من يقرأ الجزء الثانى " الحريق "، والجزء الثالث " النول "، فإنه يجد فيهما بركانا على وشك الثورة، وأن ملامح المقاومة ضد المستعمر الفرنسى أنذاك قد بدأت بشائرها تبدو فى الأفق، حيث يبدو فيها الحريق الكبير المشتعل داخل المكان، وداخل الذات الجزائرية المهمشة من خلال تلاحم صور الظلم، ومظاهره المتشابكة المعقدة، والمحركة لإحداثيات الحياة الساخنة، والثورة التى كانت وشيكة الوقوع، والتى عجلت بها حركة الوعى الشديد الممتدة خطوطها فى الأماكن الجزائرية المتوهجة بوهج البؤس، وقسوة الحياة، خاصة ما هو متواجد فى أرجاء المدينة، فى شوارعها وأزقتها وبيوتها ذات الأبواب الواطئة، وفى ربوع الريف، والقرى المتناثرة فيه، وفى الصحارى وفى سفوح الجبال وقممها، وحول عجلات الأنوال فى مصانع النسيج، وغيرها من الأماكن التى تطأها وتطولها مظاهر القمع والقهر والعنف الإستعمارى الأستيطانى الفرنسى البغيض . ولأن بداياتها كانت فى هذه البيوت الواطئة أمثال بيت " سبيطار" الكبير فى مدينة تلمسان والذى يمثل نموذجا للبيوت الجزائرية المهمشة فى ذلك الوقت، فإن " عمر " وهو الشخصية الأساسية والمحورية فى الثلاثية والرامزة للشخصية الجزائرية الباحثة عن الخبز أولا، أيام البؤس والشقاء، والمتطلعة إلى طموحات الحياة الكريمة ثانيا، والساعية أخيرا إلى الحرية والكرامة والعدل، حتى أن قصة " البيت الكبير " تبدأ بعبارة " أعطنى قطعة خبز "، قالها الولد الصغير عمر وتلاميذ من سنه لا يتجاوز عمرهم العاشرة إلى طفل صغير كان قد أحضر معه قطعة من الخبز، وعمر هذا نشأ فى هذا البيت الكبير " بيت سبيطار "، وكان هو الرمز المحرك لبذور المقاومة، والثورة، وهو أيضا المتحرك داخلها كوقود لهذه المقاومة العارمة التى عمت كل بيت فى الجزائر. من هنا نجد أن صفات أبطال محمد ديب وقيمهم تحاول أن تدلل على أن الصراع من أجل الحياة قد أصبح عاملا من عوامل تكوين الشخصية الجزائرية على إطلاقها، وأن القلق والترقب من اجل هذه الغاية قد أصبحا سمة من سماتها، كما أصبحت الثورة المسلحة هى الشئ الذى لا مفر منه، وهى همها الأول والأخير للوصول إلى منابع الحرية وروافدها التى تؤجج صدور الناس فى كل مكان على أرض الجزائر ، كما أن محمد ديب نفسه فى عالمه الإبداعى الخاص سواء كان فى شعره أوسرده، كان هو ذاته تعبيرا خاصا عن قلق وترقب أفرزته الثورة الجزائرية المرتقبة والتى تنبأ بها فى بواكير أعماله الروائية، خشية أن يصبح المجتمع متحولا من حالة الترقب والجيشان المؤججة للثورة والمقاومة الحتمية إلى حالة من اللامبالاه والعودة إلى حالات الخوف والقلق من المجهول، لذا كان محمد ديب يساعد أبطاله على التحرر من هذا القلق الذى يساورهم ، ويبث فيهم الحب الحقيقى للحياة ، والغرام العظيم المختبئ فى كل مكان من الأرض الجزائرية ، حتى بين الأعشاب الصخرية التى باتت رمزا للمقاومة السرية، من خلال الرجال والنساء والأطفال ، الجميع كان لهم دور عظيم فى المقاومة والثورة والحرب ضد المستعمر الفرنسى . ولعل أحداث ثلاثيتة بما تمور به من وقائع وممارسات يعيشها أبطال الثلاثية تصور بداية الحركة نحو تغيير وضع الأشياء، وتحريك الأمل ناحية مساره الصحيح حتى لو أدى ذلك إلى دفع الثمن غاليا من الدم والروح والعرق، ففى " البيت الكبير " تأتى الشرطة لتحقق مع أحد المجاهدين، ثم تبدأ الحرب العالمية الثانية، وتطول الحرب فرنسا نفسها، وكان أول اجتماع سياسى يعقده الفلاحون، وبداية كفاحهم الفعلى بإضرابهم عن العمل كان رد فعله هو الإنتقام الرهيب من الفرنسيين، حتى وهم فى أوج محنتهم مع عدوهم، نفس السياسة التى لم تتغير من قبل السلطة حتى فى أيام الحرب التى هزمت فيها فرنسا . كما نجد فى الجزء الثانى من الثلاثية " الحريق " تتعمق الأحداث، وتتحدد أبعاد الثورة التى بدأت بوادرها فى " البيت الكبير " ، لتصبح فى " الحريق " وبعد وصول " عمر " ورفيقته " زهور " إلى بلدتها الريفية " بنى بوبلن " ، حيث يبدأ التنظيم السياسى للفلاحين فى التكون ويبلغ ذروته فى الفصل العشرين من الرواية حين يعلن عن الحريق نفسه، وهو بداية الثورة . إن الزمن التاريخى الذى يفيد كخلفية فى هذا النص هو زمن إعلان الحرب العالمية الثانية الذى كان من المفترض أن شخصيات الرواية ستشارك فيها، لذا يتتبع الكاتب " حميد سراج " الشخصية الثورية المقاومة فى النص إلى سجنه فى تلمسان، فى هذيانه الناجم عن التعذيب، حيث يتداخل الماضى والحاضر والزمن وما وراء الزمن ، لنعود إلى " بنى بوبلن " لنشهد إعلان الإضراب، وحريق الأكواخ، ويأس الفلاحين ومقاومتهم، والقلق الذى تلبس كل من فى هذه القرية عشية بداية الحرب العالمية الثانية وهو الحدث المروى عام 1954 زمن صدور الرواية والذى تزامن صدورها قبل عدة أشهر من تفجر وظهور بوادر حرب التحرير الجزائرية، لذا كانت وجهة النظر الروائية التى توخاها محمد ديب فى ثلاثيته التى حدثت وقائعها عام 1939 ورويت عام 1954 كان تبشيرا من سرد محمد ديب لرؤية تنبئوية فاعلة لما سيحدث على أرض الجزائر من مقاومة وثورة وحريق .
     إن أبطال محمد ديب فى الثلاثية يؤكدون على منطق ضرورة تغيير الأوضاع، لإيجاد حياة أفضل، ويطاردهم البوليس لمجرد أنهم يريدون الخير لوطنهم ولشعبهم ويريدون حياة طيبة لمواطنيهم، وواقعية الكاتب تظهر فى أحداث الثلاثية من خلال استخدام الشخصيات الطبيعية فى كل مكان فى الجزائر خاصة فى البيوت ذات الأبواب الواطئة، وفى الريف، وهو ليس واقعيا فقط لأنه أختار أبطاله من صميم الشعب أو لأنه يقدم لنا صورة حقيقية لما يدور على أرض الجزائر، ولكن لأن أبطاله بدءوا يشعرون بالظلم الواقع عليهم، وبعدم عدالة هذا الوضع، ولعل البطل الرئيسى " عمر " قد بدأ يفهم، وتدور فى نفسه ثورة عارمة على هذه الأوضاع من كثرة ما رأى، ومن كثرة ما أحس، وشعر به من هوان، وقمع، وذل ، والآخر الذى تبدو فى شخصية " حميد سراج " الذى عرف وبصر طريق الخلاص الوحيد لهذا الوضع وهو أن يعمل من أجل تغيير هذه الأوضاع، مهما كلفه ذلك من دم وجهد وعرق .. ثم أحاسيس الناس سكان البيت الكبير " بيت سبيطار " سكان الجزائر واعترافهم بأن هذا هو طريق الشرف كما قالت زينة أحد شخصيات الثلاثية " : إن السجن لمن يسير فى نفس الطريق قد أصبح شرفا له " ، ويكشف لنا محمد ديب بنفس البراعة التى جسد بها الشخصيات المحركة لأحداث الثلاثية أعماق نفسية الشعب الجزائرى عن طريق تلك الأحاديث التى لا تنتهى بين الفلاحين، و بين الفلاحين ومواطنيهم، وبينهم وبين أسيادهم، ثم ذلك الموقف الواعى من السيد والذى يعبر عنه ذلك السيل من الشتائم والعبارات التى تنم على الازدراء والاحتقار والحقد تجاهه ، إن الشخصيات الجزائرية التى عبر عنها محمد ديب فى ثلاثيته السردية تدل على أنهم يكدحون طول اليوم ويراودهم أمل واحد هو الحصول على قطعة صغيرة من الأرض تكون ملكا لهم، ولكن هذا الأمل لا يتعدى مجرد الحلم، فهو طول حياته سيظل عبدا لهذا السيد، ولن يتحقق هذا الأمل مطلقا مع إن الأرض أصلا ملكا له، والهواء ملكا له، والحياة كلها فى الجزائر أصبحت ملكا له . كما تعطينا الثلاثية أيضا أبعادا وإحساسا بالمرارة عاشها شعب الجزائر فى ظل القمع والقهر الفرنسى إبان الإحتلال، ومن خلال هذه المشهد الرائع الذى جسده محمد ديب فى ثلاثيته نجد هذه اللوحة والمشهد الموحى من خلال هذه الفلاحة التى تبدو فى مظهر يرثى له والجالسة على قارعة الطريق تمسك بيد طفلتها التى تموت والجموع المارة تنظر لها بلامبالاة متناهية، وهى تقول لها : لا تموتى، فما زلت صغيرة .. وحين تكبرين ستعرفين وستفهمين " . ماذا ستعرف هذه الصغيرة وماذا ستفهم ؟ هذا هو السؤال الضخم الكبير الذى عبرت عنه هذه الثلاثية الرائعة التى بدأت أحداثها فى أواخر الثلاثينيات مع بداية الحرب العالمية الثانية وكتبها محمد ديب فى الأربعينيات ونشرت فى الخمسينيات وكانت على موعد مع الثورة الجزائر التى بدأت بعد أن صدرت الثلاثية بعدة شهور .

الإقامات الإبداعية الجزائر نصّ مفتوح





خالد درويش


أدباء شباب جمعتهم عاصمة الثقافة العربية "الجزائر" في اسبوعين مرّا كالسحاب من الجزائر واليمن وسوريا والعراق ومصر ولبنان وليبيا .
        فكرة هي الأولى من نوعها في العالم العربي حيث يقيم شاعران وقاصان معا في مدينة من مدن الجزائر الجميلة ليكتبا نصا مشتركا ، شاعر عربي نظيره الجزائري  ثم تتوج هذه الرحلة بإقامة أمسية شعرية تلقى فيها جميع النصوص وبحضور وزيرة الثقافة "خليدة التومي" .
       المدن الخمس هي الجزائر العاصمة تيبازة وهران عنابة تلمسان ، هذه المدن سيؤمها كل من محمد ضعان ، حكيم ميلود ، منيرة سعدة خلخال ، عادل صياد ، نسيمة بوصلاح ،يوسف شقرة و مدني بن عمر ،ميلود خيراز، عفاف فنوح  ، فطيمة بريهوم وعلي حرزالله من الجزائر ، أما الضيوف العرب فقد وجهت الدعوة  إلى محمد مظلوم ومنال الشيخ من العراق ، لقمان ديركي وسناء عون من سوريا ، فيدل زابتي من لبنان ، جمال جلاصي من تونس ، خالد درويش من ليبيا ، مها صلاح من اليمن ،عبدالستار سليم من مصر ،ليلى السيد من البحرين و طه عدنان من المغرب .
الشاعر بوزيد حرز الله وجيلاللي نجاري  هما من سيديرا دفة هذه المغامرة فقد تكفلت وزارة الثقافة الجزائرية بتكاليف هذه الإقامات من تذاكر ومصروف جيب وسكن والذي منه .
       تم توزيعنا على المدن السابقة ، الجميع أحب البقاء في العاصمة ، لم ندرك أن أحسن الحظوظ قد حالفنا حين ركبنا الطائرة إلى عنابة في حوالي 40 دقيقة .. منيرة ومنال ومظلوم ومدني وحكيم ودرويش سيغزون عنابة ، بونة الجميلة ، في عنابة وبعد يومين من الفراغ والملل انفتحت لنا المدينة بتعرفنا على محمد رابحي وجمال صمادي اللذان وفرا لنا لقاءات حميمة مع شعراء المدينة وكتابها وصارا دليلين ولا أروع لعنابة .
      جمال بكل ما أوتي من جعل من رحلتنا ذات فائدة ، كانت حواراتنا في "الكور العظيم" مع مثقفي عنابة اكبر تجمع شعري في الجزائر حيث تعرفنا على المدينة بعمق على شواطئها الرائعة على مسجدها الكبير "أبي مروان الشريف" ، المدينة القديمة بأسواقها وازقتها كذلك كنيسة القديس اوغسطين راعي المسيحية الشرقية .
      بونة التي أضاءت لنا واحتضنتنا على مدى اسبوعين وكان يوما مشهودا ذاك الذي قررنا  فيه زيارة "شطايبي" قادنا إلي ذلك المكان الساحر جمال صمادي ، إلى سيدي عكاشة حيت الزرقة والخضرة في عناق أبدي طويل ، أما سرايدي وهوائها وبحرها فهي متعة أخرى رافقنا فيها " حكيم زرطعي" الشاب الأنيق من مديرية الثقافة .
شريكي في النص والمغامرة سيكون الشاعر الجزائري"الميداني بن عمر" من مدينة واد سوف في الجنوب الجزائري ابن الصحراء بامتياز يقول الشعر عفوا ، تقاسمنا لحظات من أجمل ما يكون واكتشفنا أننا نشترك في خصائص كثيرة حتى على مستوى النص فكان النص المشترك
" كونشرتوالماء" من اختياره ولمساته الشعرية التي استغربت أنها لم تخرج في كتاب مطبوع حتى الآن .
      عنابة الخلابة والجذابة جعلتنا مفتونين بها ، بأبنيتها الكولونالية الرائعة وأناسها الطيبين وجميلاتها الفاتنات ، لقد قدمت لنا هذه الإقامة وجها جزائريا لم أكن أعرفه ، عدت ومعي صداقات جديدة ، كانت مها ناجي صلاح المثقفة اليمنية والقاصة الرقيقة خير سفير لبلادها فكم تندرنا حول التخزين وكم رددت لنا ابيات البردوني الشهيرة كذلك منال الشيخ التي عانت ويلات التفخيخ كما أخبرتنا اما بسمة منيرة خلخال فكانت صافية تحس في حضرتها بطفولة الكون كذلك مظلوم الذي بعث في الرحلةجوا من المرح والحوارية مع حكيم يلود مدير دار الثقافة بتلمسان والمترجم الذي إن حدثك فإنك تزداد علما ومعرفة  هذه كانت مجموعة عنابة أجمل رفقة خالصة ، عنابة التي أقامت في حضورنا ليلة الشعر بساحة الكور العظيم فصدحنا بما تفتقت به قرائحنا .
       حين عدنا للجزائر العاصمة وبمبني الإذاعة بقاعة "عيسى بن مسعود" كان احتفال كبير وتكريم للمشاركين حيث قرأنا نصوصنا اثنين اثنين ، ودموعمنال تنهمر فأبكت الجميع ، كان الطاهر وطار الروائي المعروف وواسيني الأعرج وعزالدين ميهوبي وازراج عمر تتقدمهم وزيرة الثقافة التي حملتنا مجموعة قيمة من اصدارات الجزائر عاصمة ثقافية وأقامت على شرفنا حفل العشاء الأخير ، هذه الكتب التي اشتريت لها حقيبة خاصة وزرعت بها دواوين كثيرة لأصدقاء أهدونيها بها عناوينهم واهدائتهم لكن للأسف حجزت مني في مطار طرابلس الدولي ففقدت عناوين اصدقاء هناك لكني لم أفقد الحنين غليهم والذكريات الجميلة فشكرا لهم ولعاصمة الثقافة العربية 2007 .