الخميس، 3 يوليو 2014

ورقة حول الموسيقى العربية بين الماضي والحاضر













































مفتاح سويسي الفرجاني
طرابلس في 12/12/2009
نشرت بالشمس الثقافي



أولا: نبذة عن التطور التاريخي للموسيقى العربية. 

يقول حكيم الصين كونفشيوس "إذ أردت أن تعرف مكانة أمنة من الرقي فابحث عن موسيقاها" لأن الفنون الجميلة بها فيها الموسيقى هي مرحلة متقدمة في الحضارة، وهي معيار يقاس به مدى تقدم حضارات الأمم. وإذا بحثنا في تاريخ موسيقانا العربية، وتصفحنا كتب التاريخ التي كتبها المخلصون والمحبون للفنون الجميلة بما فيها الموسيقى فسنجدها راقية، وليس كما كتب المغرضون الذين دسوا السم في العسل، من خلال تمرير معلومات غير دقيقة، منها ما هو مقصود لطمس الحضارة العربية القديمة في بلاد الرافدين أو في اليمن القديم أو في مصر القديمة الذي يمتد تاريخها إلى أكثر من خمسة ألاف سنة قبل ميلاد المسيح، بل وأحيانا يمررون مفاهيم تطعن في العقيدة نفسها في مؤلفاتهم الموسيقية بوعي أو بدون وعي، والذي نتمنى من مؤسساتنا العربية الموسيقية إعادة دراسة المؤلفات التاريخية في حقل الفنون الجميلة في مقدمتها الموسيقى العربية لتصحيح ما ورد فيها من شوائب تخالف الواقع.

وبالرغم من طمس هؤلاء للحضارة العربية وخاصة في مجال الموسيقى، إذا تفحصنا بعض كتب التاريخ القديم فسنجد أن الموسيقى العربية متأصلة في جذورها تعود إلى الحضارات العربية القديمة في اليمن القديم أو في مصر القديمة أو في بلاد الرافدين في عهد الحضارات القديمة مثل الحضارة السومرية، التي أثبتت الأبحاث فيها اكتشافات أثرية دلت على جود آلات موسيقية قديمة يعود تاريخها إلى 4500 سنة قبل الميلاد، ومن بين هذه آلات قيثارة سومر، هذه ألآلة الموسيقية السومرية لم تكن بدائية بل كانت آلة متطورة في صناعتها، وجمال نقوشها، وتعدد أوتارها، مما يدل على أن الموسيقى في الحضارة السومرية لم تكن بدائية بل متقدمة، والسلم الموسيقي أيضا متقدم، والدليل على ذلك تعدد أوتار هذه ألآلة التي تغطي أكثر (أوكتاف) في السلم الموسيقي، بالإضافة إلى ألآلات الموسيقية الأخرى مثل الهارب، والكنارة، والطبول، والدفوف، الصفاقات، والمزامير المزدوجة والفردية، وغيرها من ألآلات الموسيقية الأخرى.
ولم تكن الحضارة العربية السومرية وحدها بل أيضا الحضارات العربية التي تلتها مثل الحضارة الأكادية، والبابلية، والأشورية، والكلدانية، والفنيقية، وغيرها من الحضارات العربية التي سادت في الآلف الخامس والرابع والثالث والثاني، قبل الميلاد، وما ساهمت به هذه الحضارات من علوم وفنون كان لها الأثر الكبير في بناء الحضارة الإنسانية.

وفي هذا السياق يقول المؤرخ هنري فارمر في كتابة "تاريخ الموسيقى العربية" أن التنقيبات الأثرية أثبتت أن حضارة العرب تمتد إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد"، وقال المؤرخ أرثر مور، كما ورد في "سلسلة علماء العرب" "لقد تأثرت أوروبا بالموسيقى العربية أكثير مما تأثرت بأي موسيقى شرقية أخرى". كما أكد العديد من علماء التاريخ والآثار بعد اكتشافاتهم التي حصلوا عليها في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادي بأن حضارة اليونان وثقافتهم لم تكن من نتاج يوناني أصيل، وإنما بعضها كان اقتباسا من الحضارات القديمة مثل السومرية، والبابلية، والمصرية القديمة التي أخذ عنها اليونان مختلف أنواع العلوم والفنون التي من بينها الموسيقى.

مرحلة الانحدار الحضاري الأولى:

لقد استمرت الحضارات العربية في العطاء حتى حوالي القرن السادس قبل الميلاد، ثم بدأ الانحدار الحضاري، بسبب التطاحن الداخلي فيما بين الممالك العربية، وبسبب الفتن الداخلية التي كانت تحركها أطماع سياسية خارجية، بهدف تمزيق المنطقة العربية، والحد من خطر الحضارة العربية القوية الجارفة، وأدت هذه المحاولات الداخلية والخارجية إلى ضعف العرب، وبدأ عصر الانحدار في القرن السادس قبل الميلاد، خاصة بعد أن تعرضت المنطقة العربية في بلاد الرافدين للغزو الخارجي.

وقد توالت الغزوات على المنطقة العربية، وقسمتها إلى دويلات قزميه، ثم إلى قبائل رحل تعتمد على الرعي، وبعض أنواع الزراعة الموسمية. وظهرت سمات جديدة للموسيقى تتصف بالبدائية، وتحول الإبداع الموسيقي الذي أزدهر خلال الفترة ما بين 4500 إلى 600 سنة قبل الميلاد، إلى عصر المنشدين المتجولين، والقاصين الذين يروون أساطير ومغامرات أبطالهم في الماضي الغابر بأسلوب قصصي بسيط، على أمل أن يعود عصر النهضة من جديد.
أن التمزق الذي أصاب الأمة العربية، وانهيار حضارتها القديمة في القرن السادس قبل الميلاد، وتقسيمها إلى دويلات صغيرة، ومنها إلى قبائل رحل متفرقة بسبب ما تعرضت له المنطقة العربية من غزوات استعماري، أتاح الفرصة أمام الغزاة لطمس المعالم الحضارية العربية، وخلق تيارات ثقافية أجنبية في قلب الأمة العربية.
فظهرت الثقافات اليونانية، والفارسية، وأصبحت العلوم والفنون العربية القديمة تلقن للفرد العربي باعتبارها يونانية أو فارسية.

إرهاصات الصحوة من جديد.

 (1) العصر الجاهلي:

مع بداية القرن الأول الميلادي وحتى القرن السادس منه الذي يطلق عليه العصر الجاهلي بدأ الفكر العربي يتطلع إلى ثقافة حضارية مستنيرة يزين بها دروب الحياة. ففي العصر الجاهلي نستطيع أن نتبين أعماق الفكر العربي إذا قرأنا أشعار النابغة الذبياني، وأمريء القيس، وزهير بن أبي سلمى، والأعشى، وعنترة العبسي، وطرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم، وغيرهم من الشعراء الذين جسدوا الشجاعة والكرم، والنبل، وكرم الضيافة، وأمجاد العروبة، وطبيعة المعتقدات، والتقاليد العربية خلال تلك الفترة.

لقد بزغت أنشطة موسيقية لها أهميتها في المنطقة العربية، ويعتقد أن اليمن هو الموطن الأصلي لازدهار الموسيقى العربية القديمة سواء ما قبل الميلاد أو ما بعده، ثم انتقلت إلى بلاد الرافدين وسوريا وغرب الجزيرة العربية، لأن الأمة العربية كغيرها من الأمم تعشق الموسيقى، لذا كانت عنايتهم كبيرة منذ القدم باللحن، والإيقاع، والشعر، وعشقوا الرقص والغناء الذي كانت تصاحبه بعض الآلات الإيقاعية مثل: الطبول، والدفوف، والجلاجل، والنقارات، وغيرها من الآلات الموسيقية، وكانت المرأة العربية تشترك مع أخيها الرجل في المناظرات الشعرية والرقصات الشعبية.

وفي الفترة الأخيرة من العصر الجاهلي تحسنت الحالة الاقتصادية لبعض القبائل العربية، وهذا التحسن الاقتصادي كان بمثابة الحافز لبعض أصحاب الحانات والقيان من خارج المنطقة العربية، فظهر الغناء الرخيص الذي لا يحتاج إلى دقة في الكلمات أو مهارة في التلحين أو حلاوة في الصوت. وكانت هذه الفئة دخيلة عن المنطقة العربية، كان هدفها الكسب السريع، وقد استطاعت هذه الفئة أن تخلق مناخا بها، وتطرد العنصر الجيد، بسبب السمعة السيئة التي تركتها ممارسات هذه الفئة. وبهذا استطاعت الفئة الرديئة أن تطرد الفئة الجيدة من احتراف الموسيقى.

 (2) ظهور الإسلام:

وبظهور الإسلام في القرن السادس الميلادي انتقلت الموسيقى العربية إلى مرحلة جديدة تختلف عن سابقتها. وانطلقت الحضارة الإسلامية من مكة المكرمة، لنشر مبادئ الحب، والسلام، والأخلاق الحميدة لكل شعوب العالم. ونظرا لما كانت تمارسه القيان في مجالس اللهو والشراب، لم يكن من السهل على الدين الجديد أن يتقبل الموسيقى والغناء بالصورة الماجنة التي كانت عليها في العصر الجاهلي، ولهذا دخلت الموسيقى العربية مرحلة جديدة، حيث تأثرت إلى حد بعيد بالتعاليم الإسلامية الجديدة، وبدأت صناعة الغناء تنتقل إلى الرجال في الغالب، من بينهم: ابوعبد المنعم عيسى بن عبد الله الذائب، المعروف بطويس، وابوجعفر سائب بن يسار المعروف بسائب خاثر، ومن النساء كانت عزة الميلاء، وغيرهم.

يقول المؤرخ الأستاذ مجدي العقيلي في كتابه "السماع عند العرب" أن الأوزان الجاهلية قد  استعملت بكاملها في (صدر) الإسلام مع ما أضيف إليها من إيقاعات، بالإضافة إلى ألآلات الموسيقية التي كانت تستخدم في العصر الجاهلي مثل: العود والطنبور والناي والدف والطبل، وغيرها." .

 (3) العصر الأموي: (661 حتى 750)

في العصر الأموي الذي استمر خلال الفترة ما بين (661 وحتى 750) توسعت فيه رقعة الحضارة الإسلامية إلى أقصى الشرق، وعبرت البحر المتوسط إلى الشمال، ودخلت أقوام وأجناس مختلفة العادات والتقاليد والثقافات في الدين الإسلامي.
وبطبيعة الحال تأثرت وأثرت الثقافة العربية بالثقافات الأخرى للأقوام التي دخلت في الإسلام، ومن بينها الثقافة الموسيقية التي دخلت فيها بعض المؤثرات، إلا أنها لم تغير من طابع المقامات والإيقاعات الموسيقية العربية، وإنما اقتصر التأثير في بعض المسميات وأسلوب الأداء أحيانا.

ونظرا للاهتمام بالعلوم والفنون خاصة بعد منتصف هذا العصر تقدمت الموسيقى العربية، وبدأت تظهر إرهاصات لظهور عصر تجدد فيه الحضارة العربية الإسلامية ما ضاع منها، وتعيد أمجادها من خلال البحث والدراسة والابتكار. وقد برز في العصر الأموي عددا من الموسيقيين من بينهم: أبويحي عبدالله أبن سريج، وأبو جعفر محمد بن عائشة، حكم الوادي، ويونس بن سليمان الكاتب، ودحمان، وأبومعبد بن وهب، وأبو الخطاب مسلم، المعروف بأبن محرز، وسياط، وسلامة القس، وأبو عثمان سعيد أبن مسجح، وحبابة، وغيرهم من فحول الغناء والطرب. واستمرت الموسيقى العربية في التطور حتى قيل أنها اكتملت في العصر العباسي، رغم أن العلوم والفنون لا حدود لها حتى نقول أنها اكتملت، لأنها متجدد والعقل البشري في تفكير دائم من أجل التطوير والابتكار.

 (4) العصر العباسي: (750 حتى 1258)

شهدت الحضارة العربية والإسلامية العصر الذهبي في مختلف فروع المعرفة العلمية والفنية في العهد العباسي، الذي استمر خلال الفترة ما بين 750 وحتى 1258، وهو من أهم العصور التي ازدهرت فيها الموسيقى العربية من خلال الدراسة والبحث، وابتكار آلات موسيقية جديدة، وسلالم موسيقية، ونظريات موسيقية، ومؤلفات موسيقية على درجة عالية من الإتقان.

ولقد تأثر الفكر الإنساني في العصر العباسي بكتابات الجاحظ، وأبن المقفع، أشعار بشار بن برد، والبحتري، وأبن تمام، والمتنبي، وآثرت المكتبة العربية الموسيقية بكتابات الكندي، والفارابي، وأبن سينا، والرازي، وأبن الرشد، وأبن بسام، وأبن باجه، وصفي الدين عبدالمؤمن البغدادي، وغيرهم من العلماء العرب الذين كرسوا حياتهم لخدمة العلم والفن الرفيع.

وقد ظهر في العصر فحول الغناء والطرب أمثال: إبراهيم الموصلي، وإسحق الموصلي، وأبو الحسن على أبن نافع الملقب بزرياب، وإبراهيم بن المهدي، ومنصور زلزل، ودنانير، ذات الخال، وجميلة، وأبن جامع، وسياط، ومخارق، وغيرهم من الموسيقيين.

ولعل كتاب "الموسيقى الكبير" لمؤلفه الفارابي، الذي ترجم إلى العديد من اللغات الأجنبية، وتم اعتماد تدريسه في المعاهد الموسيقية الغربية لتدريس النظريات الموسيقية، خير دليل على نهضة الحضارة العربية والإسلامية.

ثم "رسالة خبر تأليف الألحان" للكندي، التي تشتمل على التدوين الموسيقي، والتوافق والتنافر، التي تمثل حجر الأساس في نظرية الهارموني في الموسيقى الغربية. 

وكتاب "الأدوار" لمؤلفه صفي الدين عبد المؤمن البغدادي، الذي أصبح مرجعا في المكتبات الغربية الموسيقية.

وكتاب "الشفاء" لمؤلفه أبن بسام، وضع فهي باكورة إنتاجه في دراساته الموسيقية.

و"رسالة في الموسيقى" لمؤلفها أبن باجه، وكتاب "في تناسب الأنغام" لأبن السبعين.

بالإضافة إلى العديد من الكتب والرسائل الموسيقية لأبن باجه، وأخوان الصفاء، والرازي، والكندي، والفارابي، وعبد القادر المراغي، وغيرهم من العلماء العرب الذين أثروا المكتبة الموسيقية العربية والغربية.

وعن الحضارة العربية في العصر العباسي يقول الأستاذ غطاس عبد الملك خشبه الذي حقق كتاب "الموسيقى الكبير" "للفارابي" بأن العرب ترنموا بالشعر وربطوا الأصوات بضروب الإيقاع، وولدوا ألحانا شجية لم ياتِ بها أحد من قبل، وظهر منهم نوابغ موهوبون كانوا على جانب كبير من قوة التصور والحذق، والمهارة في صناعة الألحان، وأدائها.

يؤكد علماء الغرب أنفسهم على فضل الحضارة العربية الإسلامية في العصر العباسي على الحضارة الغربية بقولهم "بأن الجامعات في أوروبا عاشت خمسمائة سنة تنهل من العلوم العربية وحتى القرن الثامن عشر الميلادي كانت مؤلفات أبن سينا، والفارابي، تدرس في جامعات أوروبا.

وعن فضل الحضارة العربية على الغرب يقول المؤرخ ليبري، كما ورد في "سلسلة علماء العرب" لولا العرب لتأخر عصر التجديد في أوروبا لمدة قرون، "ويقول المؤرخ سيدو" أن العرب هم في الواقع أساتذة أوروبا في جميع مروع المعرفة. ويقول المؤرخ رودلف دي ارلنجيه، نفس المرجع السابق، "بأن التدوين الموسيقي العربي يعتبر أصلح من التدوين الغربي" ويقصد بذلك التدوين الموسيقي العربي في العصر العباسي، وليس الحالي.

وقد اعترف الموسيقي روجر بأنه اقتبس من نظريات الفاراتبي الموسيقية، وأنها كانت الأساس في أبحاثه الموسيقية، وقال بتركروسلي هولاند "توصل العرب إلى نظريات (موسيقية) فاقت النظريات والدراسات الإغريقية".

وعن ما وصل إليه العرب في العصر العباسي من تقدم في مختلف العلوم والفنون قال هنري جورج فارمر كما ورد في كتابه "تاريخ الموسيقى العربية"  "بأن بلاد الرافدين في العصر العباسي أصبحت تروى أخبارها كالأساطير".

لقد بلغت الموسيقى العربية في العصر العباسي غاية في الدقة، وحسن الأداء، وتعددت آلات الموسيقية، والنظريات الموسيقية، الإيقاعات، والمقامات الموسيقية، حتى قيل إنها بلغت أكثر من خمسمائة مقام في القرن الخامس عشر.

كما ظهر في العصر العباسي علماء وفلاسفة قدموا لحقل الموسيقى العربية الكثير من المراجع العلمية، التي لم يستفيد منها العرب، وكان ذلك بسبب الفجوة الكبيرة التي فصلت العرب عن جذورهم في العصر العباسي، بعد ما أصاب المنطقة العربية من جمود بعد هذا العصر، مما جعل المصطلحات الواردة في بعض المراجع القديمة، أصبحت مثل الطلاسم يصعب حلها. وللأسف تمكن الغرب من حل شفرتها، واستفاد منها الغرب في حينه، بينما كان العرب يرزحوا تحت وطأة الاستعمار منذ نهاية القرن الخامس عشر مسيحي وحتى القرن العشرين، فقدت خلالها الأمة العربية والإسلامية العديد من مقومات حضارتها.

لقد عرف علماء الموسيقى العرب التوافق والتنافر بين الأنغام الموسيقية، ووضعت قواعد وأصول لعلم التدوين الموسيقي، واكتشفوا تأثير الموسيقى على نفسية الإنسان، واستخدموها في علاج المرضى.

 (5) العصر الأندلسي:

عند الحديث عن الموسيقى العربية في العصر العباسي، وما بلغته من ازدهار في بلاد الرافدين، لا يمكن تجاهل النهضة الموسيقية العربية التي أسسها علماء عرب أجلاء في الأندلس وفي مقدمتهم أبو الحسن علي ابن نافع الملقب بزرياب، هذه النهضة العربية التي ازدهرت في الأندلس قال عنها المرحوم أحمد شفيق أبو عوف في "سلسلة الثقافة الموسيقية" الكتاب الثاني، "تلك النهضة التي ما كادت تنطفئ في الأرض العربية حتى تلقفها الغرب لتشتعل من جديد في أوروبا منذ أوائل القرن السادس عشر".

بفضل النهضة العربية الإسلامية التي حدثت في الأندلس خلال مابين القرن الثامن مسيحي والخامس عشر منه، عندما بدأ تدفق العلوم والفنون العربية، ومن خلال البعثات العربية الإسلامية لنشر مبادئ الخير والعدل والمساواة، التي ساعدت على نشر الدين الإسلامي، تحولت الأندلس بفضل كل ذلك إلى بؤرة للإشعاع الحضاري الذي أنار دروب الحياة بالعلم والمعرفة في كافة أرجاء المنطقة.

وقد استطاع عبد الرحمن الداخل عام 756 مسيحي، أن يساهم في بناء حضارة عربية إسلامية قوية، أصبحت قلعة لمختلف أنواع المعارف العلمية والفنية، وأنشئت المدارس والمعاهد العلمية والفنية، وارتفعت مكانة العرب والإسلام في الأندلس، وتوالت البعثات التعليمية من أوروبا للدراسة في المعاهد والمدارس العربية الإسلامية، لتنهل من علومها وفنونها.

وفي القرن التاسع مسيحي بلغت الأندلس مكانة مرموقة في مختلف العلوم والفنون، وأصبحت قرطبة في الغرب تضاهي بغداد في الشرق كمركز حضاري، ويعترف بعض علماء الغرب بفضل الموسيقى العربية في مقدمتهم الكاتب الموسيقي البرتغالي، أدموند كورايا لويس، الذي قال: "أن الموسيقى العربية هي أم الموسيقى الأسبانية، وأن الأخيرة هي أم الموسيقى العالمية".

مرحلة الانحدار الحضاري الثاني.

بسبب الأنانية وحب الذات، والصراع من أجل السلطة، والتدخلات الأجنبية، وقابلية العرب للاختراق الأجنبي بكل سهولة، تمزقت الدولة الإسلامية العربية الكبرى، وتحولت إلى دويلات وإمارات قزميه غير قادرة عن الدفاع عن نفسها ولكنها قادرة فقط! على الصراع فيما بينها دون الأعداء. وأصبحت هذه الإمارات الممزقة المتناثرة التي تفتقد إلى أدنى مقومات الدفاع عن نفسها فريسة سهلة للعدو المتربص بها، مما سهل احتلالها من قبل الاستعمار الأجنبي المتعدد الأعراق والجنسيات، احتل الأرض، ونهب الثروة، وطمس معالم الحضارة التي لم يستطيع حملها.

وعاش الوطن العربي الممزق أكثر من خمسة قرون، أصبح فيها الشعب العربي مسلوب الإرادة، وتدنى مستوى المعيشة إلى تحت خط الفقر، وانتشرت الأوبئة التي حصدت الكثير منهم، وعاد الجهل والفقر ليصبح سمة العصر عند العرب الذين تحولوا إلى رعاة رحل من أجل البقاء.

وهل بعد ذلك، هناك مجال لأن تزدهر الموسيقى العربية في مثل هذا الوضع؟ لقد اندثرت العلوم والفنون العربية وبعثرها وسرقها من أحتل الأرض والعرض، وتحولت الشعوب العربية إلى قبائل رحل، وكأن لم يكن لها حضارة في يوم من الأيام.. وأن كنا نتحفظ على تسمية الشعوب العربية بدلا من الشعب العربي الواحد، ولكن للأسف إرادة الاستعمار فرضت ذلك.

إرهاصات الصحوة من جديد.

مع بداية القرن (20) بدأت حركات التحرر ضد الاستعمار ونشطت المقاومة الشعبية في مختلف البلدان العربية التي كانت تحت الاستعمار، وقد نالت اغلب الدول العربية استقلالها وأن كان غير مكتمل. وبدأت الحياة الاقتصادية والاجتماعية تتحسن تدريجيا، وبدأت الفنون تجد طريقها بعد جمود دام قرون طويلة عاشته الأمة العربية والإسلامية، ولكن هذه البداية كانت ضعيفة للغاية، نظرا لما تركه التأثير الغربي على الذوق العربي، وخاصة عند الأسر الثرية التي تحرص على أن تكون الموسيقى الغربية هي المسموعة في بيوتها، مع وجود آلة البيانو، إلا أن هذه الظاهرة بدأت تتغير بظهور فحول الغناء والطرب الذين تفننوا في غناء القوالب الغنائية العربية.

ولا أحد ينكر دور مطربي الربع الأول من القرن العشرين في مصر الشقيقة الذين رفعوا لواء الغناء المتقن من قصائد وأدوار، وموشحات، وكذلك دور الشام من قدود حلبية وموشحات، والمغرب العربي الذي ازدهرت فيه القوالب الغنائية الأندلسية من موشحات ونوبات مالوف.

وبفضل أساتذة لهم مكانتهم في حقل الموسيقى العربية بدأت هذه الموسيقى تعيد أمجادها وأن كانت بطيئة الحركة، ولكن أفضل مما كانت عليه سابقا. وقد دعم الفنون الموسيقية إنشاء المعاهد والكليات المتخصصة لتخريج المؤهلين في هذا الحقل، وانتشرت الفرق الموسيقية، وظهر أساتذة في مختلف تقنيات الموسيقى، وقد لا تكون النهضة الموسيقية الحديثة بنفس القوة في كل البلدان العربية، ولكنها نسبية، الكل حسب مقدرته وما يتوفر لديه من إمكانيات.

ثانيا: مقومات الموسيقى العربية.

  1 ) أشكال التأليف الغنائي والآلي:

أ) أشكال التأليف الغنائي: الموشح، نوبة المالوف، القصيدة، الدور، الموال، الطقطوقة، المنلوج، الديالوج، النشيد، الابتهالات، المدائح والأذكار، وأغاني المناسبات.
ب) أشكال التأليف الآلي: السماعي، البشرف، التحميلة، اللونجا، التقاسيم، الدولاب، المقدمة الموسيقية، الموسيقى التصويرية.

 2 ) مقامات الموسيقى العربية:

لقد حصرت لجنة المقامات المنبثقة عن المؤتمر الدولي للموسيقى العربية الذي أنعقد في مدينة القاهرة عام 1932 حوالي (52) مقاما عرفت في مصر، وسوريا، وبعض البلدان العربية، وفي الجزيرة العربية والعراق حوالي (37) مقاما عرف منها حوالي (15) مقاما في مصر، وهنا يجب أن لا ننسى بعض المقامات المعروفة في الغناء الأندلسي وأن كانت الفروق ليست بعيدة مثل: مقام راست الذيل، مقام الأصبعين، ومقام الحسيني عجم وغيرها. يعني يمكن جمعها بشكل أو بأخر حوالي 90 مقاما إذا ما دققنا في البحث عنها في الدول العربية.

قد يتساءل البعض عن كم من هذه المقامات يستخدم الآن في موسيقانا العربية؟ 
الإجابة: لا يتعدى عدد الأصابع، والسؤال الثاني لماذا؟ الإجابة: لعدة أسباب يطول شرحها.

 3 ) الإيقاعات في الموسيقى العربية:

عرف صفي الدين عبد المؤمن الإيقاع بقوله: "هو جماعة نقرات تتخللها أزمنة محدودة المقادير على نسب وأوضاع مخصوصة بأدوار متساويات".

وتنقسم الإيقاعات إلى مركبة وبسيطة، تستعمل للموشحات في الغالب الإيقاعات المركبة مثل: إيقاع سماعي ثقيل 10/8، وإيقاع عويص 11/4، وإيقاع محجر 14/4، وإيقاع شنبر 48/4، وإيقاع المربع 13/4 وإلى غير ذلك.

وستعمل الإيقاعات البسيطة في تلحين الطقاطيق وهي الأغاني الخفيفة، ويستعمل في الغالب إيقاع الوحدة الكبيرة 4/4 في تلحين القصائد أو الأدوار أو البشارف. بينما يستعمل إيقاع السماعي ثقيل في تلحين السماعيات، والقوالب الغنائية الأخرى. ويوجد حاليا في الموسيقى العربية أكثر من 90 إيقاعا، كم يستخدم منهم حاليا؟ عدد محدود للغاية، لماذا؟ الإجابة: يطول شرحها أيضا.

ثالثا: خصائص الموسيقى العربية:

أ- ربع النغمة: لقد أثيرت حول هذا الموضوع الكثير من الجدل بين المؤيد والمعارض لوجوده في الموسيقى العربية. فمن تربت مسامعه على النغم العربي وحلاوته، وعذوبته، لا يجد لربع النغمة بديلا.

بينما الذي تربت مسمعه على الموسيقى الغربية، يدعي أن ربع النغمة غير مستساغ، ويمنع الموسيقى العربية من التطور.

الكل له حق في أبداء الرأي، ولكن علينا أن نعرف ( أن الشعوب لا تنسجم إلا مع فنونها وتراثها )، وكذلك ( أن لكل أمة ألحانا ونغمات تنسجم معها، وتفرح بها، وقد لا يستسيغها أو يفرح بها سواهم ) ولا يعني وجود ربع النغمة عيبا في الموسيقى العربية بل ميزة وخصوصية تزيد الموسيقى العربية عذوبة، وتقربها للروح الشرقية العربية، كما أن للموسيقى العربية العديد من المقامات التي لا تحتوي على ربع النغمة، فمن يرغب في التطوير فمجال الموسيقى العربية واسعا أمامه، فليختار ما يروق له للتطوير إذا استطاع.

ب- تعدد المقامات والإيقاعات: فالموسيقى العربية غنية بمقاماتها وإيقاعاتها، وهذه المقامات تنفع لكل الانفعالات النفسية، وتجسد الظواهر الطبيعية، ولكل مقام إحساسه، وأبعاده الحسابية الخاصة به، التي تميزه عن بقية المقامات الأخرى في الموسيقى العربية، بخلاف الموسيقى الغربية التي تحتوي على مقامين صغير وكبير والبقية هي تصويرا لهما على السلم الموسيقي، حيث تتفق المقامات الصغيرة في أبعادها الحسابية. بينما مقامات الموسيقى العربية، كل مقام له إحساسه الخاص، وأبعاده الحسابية التي تميزه عن غيره.

بعض الأمثلة على ذلك:

مقام العجم يتكونمن جنسين منفصلين/ عجم على عجم العشيران/ وعجم على الجهاركاه/ الأبعاد الحسابية لهذا المقام هي: (2 - 4 - 4 - 4 - 2 - 4 - 4).

ومقام الراست يتكون من جنسين منفصلين أيضا وهما: جنس الراست على الراست، وجنس الراست على النوي، وقد يتحول جنس الفرع من الراست على النوى إلى جنس البوسليك على النوى في هالة الهبوط. والأبعاد الحسابية لمقام الراست من اليسار إلى اليمين على النحو التالي: (3 – 3 - 4 - 4 – 3 – 3 – 4 ).

ومقام البياتي يتكون من جنسين متصلين هما جنس البياتي على الدوكاه وجنس البوسليك على النوى، ويمكن أن يظهر جنس الكرد على الحسيني، والأبعاد الحسابية لمقام البياتي من اليسار إلى اليمين (4 – 4 – 2 – 4 – 4 – 3 – 3).

ومقام النهاوند يتكون من جنسين منفصلين هما جنس النهاوند على الراست وجنس الحجاز على النوي. والأبعاد الحسابية لنغمات مقام النهاوند من اليسار إلى اليمين على النحو التالي: (2 – 6 – 2 – 4 – 4 – 2 – 4 ).

وغيرها من المقامات الرئيسية أو المشتقة منها، فإن لكل من هذه المقامات سمتها الخاصة بها والأبعاد الحسابية المميزة لنغماتها تختلف عن أي مقام آخر. وإذا ما تبين أن مقامين متساويين في الأبعاد الحسابية، فأن أحدهما هو تصوير للأخر.

رابعاً: التحديات التي تواجه الموسيقى العربية:

  1 ) التطرف ضد الموسيقى:

لقد اهتمت الحضارات القديمة مثل: السومرية والبابلية، والمصرية، واليونانية، والرومانية، وغيرها من الحضارات القديمة بمختلف أنواع الفنون في مقدمتها الموسيقى، وأنشأت المسارح الضخمة، ليس لأن لديها شعوب تحب الترف واللهو، فإن عطاء هذه الشعوب لمختلف أنواع المعرفة سجله التاريخ لهم، وقدمت الكثير للإنسانية، ولكن مغزى الاهتمام بالفنون لمعرفة هذه الحضارات بالسمة التي خلقها الله في مخلوقاته، والتي تحتاج إليها للترويح عن النفس من شقاء الحياة حتى لا تصاب بالملل والكآبة والخمول، ولأنها تعرف دور الفنون الجميلة في رفع مستوى التذوق الجمالي الذي يؤدي في النهاية إلى الراحة النفسية ويزيد من التأمل في ملكوت الله المترامي الأطراف، ومعجزة خلقه.

فالفنون الجميلة ومن بينها الموسيقى أداة لتقويم النفس الشريرة وترويضها، لتنعم بما وهبها الله من نعمة في أرضه، والبعد عن الشقاء الذي يخلقه الإنسان لنفسه ضد ناموس الحياة. أن حاسة الاستمتاع بالنغم المتوافق ونبذ النغم المتنافر هي غريزة فطر عليها كل كائن حي، وما نلاحظه في المراعي خير دليل على ذلك، فعندما يصاحب الراعي غنمه بمزمار نغماته متوافقة فتشعر الأغنام بالطمأنينة والانسجام، بينما لو احدث صوتا على صفيحة لإخراج صوت متنافر، فإن الأغنام تنزعج وتندفع بسرعة عفوية في اتجاهات مختلفة، والسبب في ذلك لأن الصوت الذي استمعت إليه كان متنافراً وهو الذي لا تقبله أذن أي كائن حي، لأنها غريزة خلقها الله في مخلوقاته.

ولعل ما ورد في القرآن الكريم في سورة لقمان الآية 18 ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) أفضل دليل على ذلك، لأن صوت الحمير متنافر لا تقبله الأذن. كما إن اختيار النبي محمد عليه الصلاة والسلام لبلال ليؤذن في الناس كان بسبب جمال صوته المتناغم الذي يضفي على الأذان رونق وجمال.

وصدق أبن عبد ربه صاحب العقد الفريد الذي يُعرف بمليح الأندلس في قوله: (إن النغم الجيد يسري في الجسم وفي العروق فيصفو له الدم ويرتاح له القلب وتهتز له الجوارح).

أن الاستماع إلى النغم الجيد غير المقترن بألفاظ تحث على الرذيلة لا ضرر ولا ضرار فيه. وأن الديانات السماوية الأخرى مثل اليهودية والمسيحية قد منعتها في فترة ما، ولكن تبين لها فيما بعد أهمية الموسيقى في تهذيب النفس للوصول بها إلى السمو للتأمل في ملكوت الله، ولذلك أصحبت جزءا رئيسا لمصاحبة الطقوس الدينية.

وقد تقدمت الفنون الجميلة وفي مقدمتها الموسيقى في العصر العباسي الذي عاصره كل أصحاب المذاهب المعروفة الآن، وبلغت الكتابات الموسيقية في عهدهم ذروتها، وعالج الكندي والفارابي وأبن سينا المرضى بالموسيقى لمعرفتهم بتأثيرها النفسي في عهدهم.

  2 ) التغريب في الموسيقى العربية:

بتطور وسائل النقل والمواصلات زاد اختلاط الشعوب ببعضها البعض، وزاد التأثير فيما بينها، وخلق هذا التواصل بين هذه الشعوب نوعا من التمازج، وتأثر بعضهم بالثقافات الوافدة بشكل مطلق، والبعض كان تأثره بها معتدلا إلى حد ما، وغيرهم ينكرها شكلا وموضوعا.

وهذا القول ينطبق على الموسيقى العربية أيضا باعتبارها جزءا من الثقافة العربية، فقد نجد البعض يتمسك بالتراث الأصيل، ويعمل على صيانته دون المساس به. وغيرهم يعيبون على هذا التراث ويعتبروه متخلفا ولا يجاري العصر، ويطالبون بتطويره، والبعض الأخر يوافق على التطوير بما يتمشى مع العصر لا يلغي الأصالة.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، كيف يمكن أن يتم هذا التطوير؟ وبأي معايير؟ ومن سيقوم بذلك؟ وما هي المؤهلات لذلك؟ أسئلة كثير تثار حول التطوير.

وللاستزادة بالمعرفة حول هذا الموضوع يقول الأستاذ كمال نجمي في مقالة له بعنوان (التكوين الفني للموسيقى العربية) نشرت له في مجلة العربي العدد " 31 " بأن بعض الموسيقيين يطالبون بتطوير الموسيقى العربية والغناء العربي، وفي واقع الأمر هم يريدون القذف بالغناء العربي وملحقاته في قمامة التاريخ، دون "معرفتهم" بغزارة الموسيقى العربية وفضلها على الموسيقى الغربية.

وتقول الدكتورة رتيبة الحفني في مقالة لها نشرت في مجلة "الموقف العربي" ( أنا لا أعتبر التراث الموسيقى العربي متخلفا بل أعتبره أثرى تراث موسيقى على الإطلاق بضروبه ومقاماته وإمكانات ألآته المميزة... ).

ويقول الأستاذ كما النجمي في مقالة له نشرت في مجلة، الدوحة لعام 1982، بعنوان "هل يمكن إلغاء الموسيقى العربية": ( بأن الموسيقى العربية كيان قائم بذاته لا هي شرقية كموسيقى الصين والهند، ولا هي غربية كموسيقى أوروبا وأمريكيا ) ويعني بذلك أن للموسيقى العربية الطابع المميز الذي تختلف فيه عن موسيقى الشعوب الأخرى وهذه خصوصية يجب الحفاظ عليها حتى لا تفقد هويتها وتتحول إلى صورة منسوخة باهتة لا معنى لها، ولا تعبر عن ثقافة بعينها. وقد أعتمد في رأيه على عدة أسباب من بينها اختلاف عدد درجات السلم الموسيقي، وتركيب النغمات وخصائصها، وكيفية التعامل معها، والإيقاعات وعلاقتها بالنغم. كما أنه لا يرى مانعا من التطوير بما يناسب تكوينها ويزيدها ثراء لتصبح موسيقى عربية وعالمية.

وخلاصة القول في هذا الموضوع أن للموسيقى العربية مقومات قد لا تتوفر لموسيقى الشعوب الأخرى، بما لها من خصوصية في تعدد مقاماتها، وإيقاعاتها، وقوالبها الغنائية، وربع النغمة التي تزيدها ثراء، وصلاحية المقامات للتعبير عن كل الانفعالات النفسية، وما يدور حولها من مؤثرات في الطبيعة. ورغم كل ذلك فلا ضر ولا ضرار في التطوير إذا لم يؤدي إلى تشويهها وإلغاء خصوصيتها. بل ما نرغب فيه هو أن يزيدها هذا التطوير جمال وينمقها بمحسنات جديدة ترقى أكثر بمستواها وتواكب عصرها ولا يهمش أصالتها.

  3) إهمال الموسيقى ومؤسساتها والمشتغلين بها:

أ) أن عدم الاهتمام بالمؤسسات التعليمية الموسيقية، وبكوادرها، وطلابها، وخريجيها، وبمعداتها، يعتبر من بين التحديات المضرة التي تعرقل التقدم في مجال الموسيقى وتقنياتها.

ب) ضعف اهتمام المؤسسات الرسمية والأهلية بالموسيقيين لا يخلق مبدعين في هذا المجال.

ج) أن نقص البحوث والدراسات المتعمقة في مجال الموسيقى وتقنياتها لا يثري الحركة الموسيقية.

د) عدم وجود أنشطة موسيقية بشكل دوري تتيح الفرصة للمنافسة الشفافة لإبراز المبدعين والاهتمام بهم يضعف الروح المعنوية، ولا يظهر المواهب.

التوصية:
مقاومة التحديات المذكورة أعلاه.
الخاتمة:

خلاصة القول عندما كانت الموسيقى العربية تنال تقديرها إلى جانب العلوم مثل الطب والهندسة الرياضيات والفلسفة وغيرها في العصر العباسي، ويحترم من يحترفها، ويتلقى كل التقدير من المسؤولين، ومن عامة الناس ظهرت البحوث والدراسات والنظريات الموسيقية التي ترجمت إلى كافة اللغات الأجنبية، وأصبحت من ضمن المناهج التي ينهل منها طلبة الموسيقى في الجامعات الغربية، وارتفعت مكانة العرب والإسلام في الدوائر الرسمية والشعبية عند الشعوب الأخرى، وكانت المنابر العلمية الإسلامية قبلة المريدين من كل مكان، ولا أحد يصف العرب والإسلام بالإرهاب بل بالمبدعين في كل المجالات، حتى قيل لولا العرب لتأخر عصر التجديد في أوربا لمدة قرون.

ولكن عندما ضعف الاهتمام بالعلوم والفنون، وضعف شعور المسؤولين وعامة الناس بالمبدعين، والطعن في من يحترف الفنون، تردت وتردى معها الذوق الإيجابي العام الذي بدونه لا تبنى حضارات.

وكلنا أمل في أن يتم الاهتمام بهذا الفرع من الفنون "كما ونوعا" لأنه معيار تُقاس به حضارات الأمم.




ليست هناك تعليقات: