الأربعاء، 2 يوليو 2014

حوار مع الشاعرة ميسون صقر القاسمي




أرملة قاطع طريق

حاورها / خالد درويش

على مقهى / مقهى عادي في باب اللوق 
سامرتك في الظهيرة /كان ظهري للتاريخ  ،،
 مسندة يدي على الكرسي / غير آبهة بالفيضانات التي تمور حولي ..
كانت فرصة رائعة تلك التي جمعت مبدعات جميلات على أرض ليبيا .. وكانت إحداهن ، ببسمتها الرقيقة ودفء حديثها هي سوبر ستار هذه الحلقة ، كنت قد التقيت ميسون صقر في أكثر من مكان شعري ، منذ تشكيل الأذى ، إلى روايتها الجميلة "ريحانة" ميسون التي أهدتني مجموعة فاخرة هي الأعمال الكاملة 
لقد جهدت في طباعة هذه الأعمال و لأكثر من تسع سنوات وهي ما بين الجمع

والدراسة والتحقيق ، وسفرها إلى عدة أماكن لكي تتاكد من صحة وثقة عملها على

 المخطوطات الأصلية التي تركها لها والدها الشاعر"صقر القاسمي" رحمه الله  ..

 ما يحسب لميسون في هذا العمل انها لم تغير في الأصل لصالح القرابة بل أثبتت

 النصوص كما هي بضعفها وقوتها ، بنضجها وبطفوليتها ،، فمن تكتب عنه وتوثق

له هو والدها لكنها راعت الأمانة العلمية في هذا العمل الذي جاء فاخرا على

مستوى النص وعلى مستوى الإنجاز والإخراج .. يقول الشيخ في إحدى مقطعاته 
الشعرية  متحدثا عن الشعر 
الشعر صنفان صنف خالد أبدا  على الزمان وصنف ضائع فاني 
فنق شعرك من عيب ومن خطل  وزنه من قبل أن يبدو بميزان
ولنتابع مع مسيون رحلة الكتاب والكتابة  ..
أردت أن أبدأ معها من البداية سألتها :هل كان في بيتكم مكتبة ؟
نعم كانت مكتبة تقليدية لوالدي و عندما كان هو في السجن كان لدي انأ المفتاح انظف فيها و أرتبها وأصبحت هناك علاقة وطيدة بالكتب خاصة كتب أمثال أخبار مكة و طوق الحمامة و لسان العرب و كتب الغزالي و كنت أظن أن هذه الكتب ستؤول لي في النهاية وحين رجع والدي من السجن أستلم مني المفتاح و ترك لي أن أذهب إليها بين الحين و الأخر ...حدثت حادثان كل منهما أثرت فيا كثير .. 
أول حادثة حينما بدأتُ الكتابة و أقفل عني المكتبة و صارت مشكلة بيني و بينه حول نوعية الكتابة التي أكتبها فرفض أن يدخلني مكتبته خصوصا عندما قلت له أني تحررت من الكتب التي قرأتها فقالي بأن كتابتي مثل غادة السمان و كولييت خوري فقلت له بأني قرأت غادة السمان و كولييت خوري هنا في مكتبتك لقد كان ذلك فين سنة 1983 ف 
متى بدات الكتابة ؟
بدات من الثالتة إبتدائي وحين تخرجت بتفوق أهداني كتاب "ألف ليلة وليلة" فأستغربت أن أبي يعطيني شيئا متحرر جدا و انا صغيرة و أمي كانت تعطيني مفتاح المكتبة و أنا صغيرة جدا و هي متحررة أيضا وقد كانت المكتبة  فخمة و منفتحة و تقليدية في نفس الوقت أما  حينما بدأت الكتابة تقفل عني كل الأبواب 
المشكلة اين؟؟؟
المشكلة هي ما بين "أبنته" و "الشاعرة" صار لديه خلط فلم يستطع أن يحتمل و كانت كتابتي في البداية جريئة منذ أول ديوان و أنا فاجئته به ، لم يكن يعلم أني أكتب فقد وجد الديوان أمامه ...هذا شيء
الموقف الثاني حين توفى والدي فكنت أظن أن المكتبة ستكون  لي لكن أخي ورث المكتبة عن والدي  فضاعت  كل الأحلام فمن ساعة ما منع عني المكتبة كنت قد كونت مكتبة جديدة مختلفة تماما ..
المكتبة التي فتحت عينيك عليها كيف كان تصميمها شكلها و ما أهم الكتب التي تحتويها ؟
كانت فيها المجلات القديمة كان بها الكثير من أمهات الكتب  و كا أجمل ما فيها أنها تنتقل من مكان إلى أخر و مع ذلك فهي خشب بني غامق بأبواب و كان أبي مصنفها  كروت تصنيفا حروفيا أي مفهرسة .
أول كتب قرأته في تلك الفترة بالتحديد ؟
اول كتاب قرأته هو ألف ليلة و ليلة و كنت أقرأ الأشياء الطفولية مثل كتب القصص و حين أهدالي ابي كتاب ألف ليلة و ليلة كنت مستغربة لقد أدخلني في عوالم الخيال ،
كيف تشكل الوعي لديك فما هي الكتب التي تعتقدين أنها شكلت هذا الوعي؟
كنت كل فترة أعمل لنفسي برنامج قراءة ، يختل هذا النظام فترة و يستمر فترة أقرأ أهم روايات هذا العام و فترة أتعمق مع كاتب معين أخذ رواياته فأنا أقرأ مرات بالعرض و مرات بالطول في فترة اقرأ عن التصوف و فترة عن الفلسفة كل فترة تحتاج تنوعا
كيف تختارين الكتب هل هي الصدفة ؟
نعم .. فأحيانا الصدفة و حسب الحاجة النفسية و الكتابية أيضا فمثلا لحظة عندما أكتب الرواية أحتاج أن أقرأ تاريخ الخليج الجغرافيا و التاريخ و القراصنة كل ما يمت لتلك المنطقة بصلة وللفكرة العامة للرواية ؟؟ فمثلا (تشكيل الأذى) كان كل الوقت يتكلم عن فكرة الفلسفة كيف تدخل النص عن طريق فلسفتك أنت عن فكرة التشكيل و الأدب عن تشكيلة الأدب هذه كانت مسلك في قرأة الأدب 
 سمي لي كتاب أو خمسة كتب أعجبتك او اثرت فيك؟
ديوان كان أسمه( الكوارث و الأمل) و نسيت أسم الكاتب و لكنه كان يتكلم عن الطاولات و المستطيلات و المسامير التي جعلتني مرتبكة في جر الأشياء و التفاصيل الصغيرة و كتب دواوين و روايات للشاعر الكردي سليم بركات و عباس بيضون في بعض دواوينه التي كانت قد أثرت في كثيرا في فترة من الفترات و خاصة كتاب حفريات المعرفة الذي كان كتابا صعب جدا جعلني كالتي تجلس غصبا عنها ولا تفهم و تعيد القراءة 
السينما كيف كان بدايات تلقيك لها ؟
تضحك لو أحكيلك عن فيلم إيطالي عن قرية عرفت السينما عن طريق جدار ..و انا لم أعرف السينما التقليدية فعندما كان أبي حاكم الشارقة كان يأتي بالسينما إلى بيتنا يأتي بالشعب داخل البيت ، يتفرجون على الحائط ،،عندما رأيت هذا الفلم الإيطالي لفلييني أحسست أن الفيلم صنع لنا نحن ..ثم عندما سافرت إلى القاهرة  64/ 65 كانت السينما في متناولي ثم بعد ذلك أصبحت المهرجانات السينمائية ومتابعاتي لها  إلى حد ما معقول 
وعندما كنت في الإمارات في هيئة أبو ظبي للثقافة التي كنت أشتغل بها في بدايات العام 90 كانت دورالسينما في الإمارات أغلبها يرتادها هنود بأفلام هندية ما في مواطن يذهب إليها لكن كانت هناك أسابيع ثقافية سينمائية في المجمع فكنت أول من أقمت أسبوعا لخيري بشارة و صلاح أبو سيف 
هل هناك فيلم أثر فيك ؟
افلام قديمة مثل فيلم الأرض و أفلام يوسف شاهين التي كانت من أوائل الأفلام التي أثرت في ..و الفيلم الذي مثلت فيه ماجدة الرومي لأول مرة هي و هشام سليم أجمل ما شدني هو جماليات الضوء التي غمرتني بالصفاء إضافة إلى جماليات الصورة 
و الدور الرائع للفنان محمود المليجي أيضا ..
من من الفنانين الذين تحبين أن تشاهديهم عربا و عالميين ؟؟
جوليا روبرتس خفيفة الظل و جميلة و تمثيلها إلى حد ما معقول و لا أحب الأفلام التي فيها 
من من العرب من تحبين مشاهدته؟
هند صبري ممثلة جيدة ،و يسرا تمثل جيدا ،و منى واصف تمثل حلو ساعات دور تاني احسن من دور اول
هل لديكي طقوس في الكتابة ؟
نعم .. في الليل و لا أعرف أكتب إلا بالقلم الأسود و عندما يكون غير موجود أكتب بالقلم الأزرق وأحب الورق الأصفر و إذا لم يكن موجودا مش مشكلة أحب المسطر 
هل لديكي طقوس في القراءة؟
أقرا على السرير لكن لاأحس بطعم القراءة الحقيقية إلا على المكتب يعني إذا قرأت أو إذا قرأت شعر و لكن شيء ثاني يجب أن أقرأه على المكتب واقرا في السفر اكثر 
بالنسبة للموسيقى أحب الموسيقى الكلاسيك ، فيروز أسمعها كثيرا

*من من الشعراء تحبينهم ؟ اختاري واحدا أو خمسة من خمس مراحل؟
محمود درويش لابد أن تقرأ له و أحبه لأن فيه كثير من الأختلاف من ديوان لديوان وعنده تطوركبيرعنده لغة ودواوين حديثة من الشعر الحديث للشباب الجدد الرائعين و أخر شيء من القديم ممكن يكون المتنبي و ممكن لأبي نواس
أي الألوان التي تفضلينها في حياتك؟؟
أحب الأسود و الكحلي بل كل فترة أحب لون ..هذه الفترة أحب الألوان الفاتحة..
صحيفة تحبين قرأتها ؟؟في الأغلب أقرأ الحياة
و أخرى لا تحبين قرأتها ؟ كثير
أكلات تحبينها ؟احب الحلويات كثيرا
أي نوع من الحلويات ؟ الشيكولاته
هل أنتي طباخة ماهرة؟؟ جدا

ما الذي يشدك في الرجل ؟؟؟صدقه ...حين يكذب الرجل لا أستطيع  التعامل معه و المراءة أيضا ...الكذب يربكني
و المرأة ؟ أن تكون حقيقية مع ذاتها و أن لا تحب الكلام الكثير النسوي "تلك فعلت ...و قامت" "النميمة" مع أن الرجل نمام أكثر
ما هو برجك :الميزان

في رثاء الشاعرة الليبية جنينة السوكني




لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتي

خالد درويش

ما الذي يبقى من الشعراء ؟ 
بضع كلمات ، بضع قصائد ؟
ما هو الشيء الذي نفتقده أكثر عندما يغيبنا الثرى ؟
ما الذي نحتفظ به معنا ونطويه قبل أن يحين موعد طينا نحن ؟
هناك حيث الملاءات بيضاء والكفن كالثلج أبيض وبارد .
أسئلة تدور في رأسي عندما أتذكر تلك اللحظة ، نعم مالذي يبقى منا نحن الشعراء ؟
هل هي القصائد أم السيرة أم الموقف 
بأي شيء سيتذكرنا الآخرون وهل الشاعر كل هذا؟ 
هل هذه الأقلام التي رثتها والقصائد التي قيلت في رحيلها ، والكلمات التي بكتها دما كانت تبكي الشاعرة أم الشعر ؟ 
السيرة أم الموقف ؟
الإنسان أم الكلمة ؟
 ويشهد الله أننا جميعا عزيزة فالإنسان عزيز وغال والكلمة عزيزة أيضا والشعر اعز وأغلى.
ذهبت فقيدتنا وتركت لنا مسك الحكاية وكان حقا مسك حكايتها وأذكر كم كانت فرحتها لا توصف بهذا الديوان اليتيم.
كانت مسك الحكاية حقا ، حكاية الموت الذي يختال دونما رقيب .
الطائر الأسود الذي يحلق فوق رؤوسنا .. لا يستأذن أحدا في ميعاد  قدومه ، فقط ريح هادئة تهب رويدا فيهدأ كل شيء ويمهد 
الموت الذي قهر البشر 
الطاغي في حضوره ، العاصف في غيابه هذا الجبار الأشم ،، انتصرت عليه الحكاية .
قهرته الكلمة فلا زالت المعلقات حية بضة ولازالت دواوين الشعراء يتردد صداها  وألحانه رغم أنف الموت .
رحم الله جنينة فقد كان لي معها الكثير من المواقف  ،، سافرنا معا وكانت زميلتي في صحيفة الجليس ولأنسى مهرجان ربيع الفنون بالقيروان حيث قرأت قصيدتها "قال الهوى" .
كانت متألقة جدا قدمها الشاعر التونسي محمد الغزي ولا زال تسجيل الفيديو بحوزتي كانت تقرأ المقاطع بصوت يغلبه الشجن .. في إحدى المرات كانت جالسة بجانبي حين دخل علينا الشاعر الكبير "أدونيس" لقد جاهدت ذاكرتها لكي تتذكره لكنها عندما فشلت سألتني :
ــ خالد منهو هذا ؟ 
التفت إليها وانا مندهش هل ثمة من لايعرف أدونيس لكن الأستاذ حسين المزداوي نبهني ‘ إلى ذلك الثعبان البغيض الذي ينهش جسمها لابد وأنه جثم على الذاكرة.
في تلك اللحظة تأسفت حقيقة ، لم تكن جاهلة بالشاعر لكن المرض كان اكبر منها ، ولكم احتملت في تلك المرحلة التي حاولت أن تعيش تفاصيلها ، كانت تقول لي : تعبت من المشي ، فما كان من الفنان علي العباني إلا أن يشير إلى أول تاكسي  لتعود بنا إلى الفندق .
رغم هذا كانت رحمها الله لا تفارق آلة التسجيل تحاول أن ترفد المشهد الصحفي الليبي بحوارات ومتابعات مع كل من حضر من الأسماء العربية والأجنبية ،، دهشت لتلك الحيوية المتفجرة ولم أكن أعلم أنها كانت تصارع بالفن والأدب أشرس عدو .
كانت الكلمة في صراع مقيت مع الغراب المنتقم 
في تلك الرحلة اقتربت من شخصيتها الودود 
اقتربت من السيرة وأنا الذي لم يقترب كثيرا من الشعر لديها ن
لقد انتصرت عندي السيرة فذكرتها بها لتكون مسك الحكاية 
حكاية شاعرة اسمها جنينة السوكني التي ادعوا الله ان يغفر لها وينزل شائبيب الرحمة على روحها الطاهرة ..
اللهم آمين .


نشر هذا النص بمجلة غزالة الليبية ديسمبر 2005

الشاعرة العُمانية فاطمة الشيدي: أكتب لأتباهى بجراحي كاملة




حاورها : عبدالدائم اكواص
نشر بالشمس الثقافي

إلتقيت بها في مدينة الجزائر خلال إقامات الإبداع التي رعتها وزارة الثقافة الجزائرية بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، فاكتشفت فيها شاعرة متميزة، وإنسانة مثقفة من طراز رفيع استطاعت أن تنحت من شعرها نماذج إبداعية مدهشة، فكان لي معها هذا الحوار: 

1- لماذا تكتبين الشعر ؟
أكتب الشعر لأتباهى بجراحي كاملة، لأناور الفقد، وأهزم الهزيمة، وأتمرد على التمرد، أكتب لأعلن يأسي حين يفيض الأمل، وأشرق بالأمل حين يستشري اليأس، أكتب لأثأر للمستحيل من الممكن، وللهامشي من المتسيّد، أكتب لألوّن الكلمات بألوان قوس قزح المسفوح دمه في جسد البحر، ولأقايض المطر بحنين الصحراء المتربعة على قمة الخلود الآدمي الرافل في الموت والجفاف والمحل.
 أكتب لأتربص بدم غزالة تركض في دمي، أكتب لأخلع جلدي كلما أخذتني حكة في الوريد، وكلما غصّت الأنثى داخلي بالرفض الحنون، وكلما فاض دمعي عن محجر العين، أكتب لأقايض فلاسفة المنطق بهباء عبارة ضيقة، ومعنى مجلل بالغموض، أكتب لأجمّل القبح الذي يتقدم الكينونة متبخترا بطوله القصير وقدمه العرجاء، أكتب لأعلن لليل أنني أصطفيته دون الشمس خليلته التي يركض في أثرها فلا يلتقيا أبدا، أكتب لأروض قطعان المها التي تقف على حدود أصابعي وتتحين شهوة السبق، أكتب لأعلن للرجل الذي يقف عند خباء قبيلته المزيفة أن الكلمات أجمل كحل للأنثى، وأجمل وردة يمكن أن تضعها على صدرها .
أكتب لألون ذاتي ببهاء القصيدة فأشعر بي خفيفة صالحة للطيران، وأحيا كل حياة جديدة مع ولادة نص جديد.. أعتقد إذن أنني أكتب لأعيش بشكل آخر، بشكل يشبهني فقط . 
2- هل الشعر نتاج وجداني يعوّض اليومي/الحياتي، أم هو نتاج عقلاني يكمل المفقود في المشهد الحياتي؟
هذا وذاك، الشعر في البدء وغالبا هو نتاج وجداني، وربما هو حالة تعويضية لنقص مبتسر لحياة ناقصة أصلا، حياة لا تقدم الكثير من الجمال، لأن الأشياء مع استفحال قبح البشرية أصبحت ملتبسة، لذا فلم تعد الخطوط الفاصلة منهجية وواضحة، لذا فالجمع يسير في غيّه، ولا يدرك حقيقية الأشياء ولا يعرف معايير الجمال ليتماس معه، كما لا يعرف فواصل الممكنات والمستحيلات كي يسع لها.
 لذا فليس أمام الشاعر سوى أن يتقمص أدواراً أكثر هشاشة، ويحجز منسوب مياهه في دم الغربة الخاصة، ويتكور في رحم الخروج معوضا عن ذلك النقص اليومي والحياتي بنص يعدل به كفة الميزان البشع والملتبس أيضا !!
ولكن أنا مع الفكرة الثانية وهي أنه حالة إكمال للمفقود في ذلك الحياتي/اليومي الهش والهامشي، والسائر كالذي يمشي في نومة من بشع لأبشع، فالشعر استجلاء للداخل وتكويره في هيئة نص يشفع لكل ذلك اللهيب المستعر عمقا، والفراغ المتأرجح بين الفوضى والخواء، الشعر يد أخرى تلملم الغياب والحزن على حياة يتأصل فيها الفقد والقبح والغربة والموت، وتساومها الأشياء الناقصة،  ثم تضعها في دبوس يصلح أن يكون نيشان فخر، وإعلاء  لعبث الأشياء المتساقطة في دواليب المشيئة التي تبتهج بأن يكون كل شيء منسقا في نسق ترتضيه وإن كان هشا وناقصا.
الشعر حالة خروج متجددة، وغير مقننة على الأشياء المبهجة والمحزنة معا، الوقوف على تلة الخلق، لاستشراف حالات الخلق المضادة المتصلة بهدم الممكننات وتخريب الثوابت (التي ما هي إلا الحياة)، الشعر خيار مكتمل الإرادة لأن الحياة الأساس غير مرضية أصلا لذا فلابد من إكمال النقص برؤى أجمل . 
3- وماذا عن تجربتك الشعرية..هل هي تجربة  تأمل حسّي تبوحين من خلالها بمكنونات نفسك.. أم هي محاولة منك لرسم صورة أخرى للواقع الذي تعيشينه ؟
في التنظير للأشياء نملك أن نضع فاصلة أو حتى نقطة، لكن في الخاص لا!  فأنا أكتب من الداخل، لذا لابد من تسرّب الأشياء التي تسكن القلب والمخيلة في فخ الشعر البهيج، إلا أنني حين أجيبك بوعي أقول بأنني أكتب الشعر لأرفض بتحدٍ كل ما يكبل صوت الحقيقة، لأناقش بحدّة المسلّمات المتآخية بركود في المياه الآسنة، أكتب لأغاير منظورات ثابتة خانها التغيير ذات عشق فاستسلمت للثبات، لأحاكم المنطق الذي يرتدي خفا واسعا لأن الرمال تتحرك من حوله، أكتب لأجمّل الكثير من القبح الذي نعيشه، ونحن لا ندرك أنه قبيح، لأننا نضع نظارات ملونة، أكتب لأجبر الأشياء السوداء أن تخلع نظاراتها وأنا ألوان مفرداتها بمكر وإغواء وخفة كملابس نساء البحر ذات ظهيرة صيف .
4- حدثينا قليلاً عن المشهد الشعري في عُمان ...؟
المشهد الشعري في عمان مشهد ممتد بعمق التاريخ والجغرافيا، مشهد مختلف الأجيال منذ السبيعينيات (كتأريخ معاصر) وحتى جيل ما بعد الألفين القادم بعفوية الشعر، وجمالية السعي نحو الاكتمال به، هناك الكثير من الأقلام والأسماء المتحققة، والكثير من الأجيال المتقدمة نحو الشعرية بتغاير وألفة، وهناك الكثير من الشعر الجميل بكل ألوانه أشكاله، ومباهجه، وأجياله، هناك الكثير من الشعراء من كل الأعمار معشوشبون كالأرض المقدسة، ويؤتون ثمارهم أنهارا من عسل مصفى، والكثير من المجموعات الشعرية تعانق الحضور بين الفينة والأخرى، لذا فهم في حفظ الشعر الكريم.
لكن ربما المشكلة تكمن في الحضور الداخلي فقط، لولا بعض النشر الخارجي في دور نشر عربية أعطت لبعض الأقلام ريشات تصلح أن تكون أجنحة للتحليق نحو الآخر. ومجلة نزوى نافذتنا على العالم الذي صدّرت الكثير من الأقلام لتقرأ عربيا وربما عالميا، وهذه بدايات مطمئنة أتمنى أن تمتد كامتداد البحر والسماء ليكون المشهد العماني خارج مناطق السؤال وداخل مناطق المعرفة به. 

5- هل استطاعت الشاعرة العربية أن تكسر القيود التي كان يقيدها بها العرف والتقاليد، وأن تخرج من عباءة القبيلة؟ ثمّ هل استطاعت أن تقنع المتلقّين بما تكتبه؟
أعتقد أن هناك الكثير من الشاعرات كسرن قيد العرف والتقاليد، وخرجن من عباءة القبيلة، واستطعن أن يقنعن المتلقين بما يكتبن، ولكن الأمر ليس كما نحلم تماما، فالعرف لازال بأذرعه الأخطبوطية التي تمنع الكثيرات من الظهور، وعباءة القبيلة لازالت أشد سوادا من الفجر الذي يسمح للأنثى الشاعرة بالحضور الذي يليق بجمالها، فهناك الكثير من العتمة التي تخفي العديد من النساء اللواتي استكن للظل وباركن الصمت . 
كما أن لعبة الكتابة قد أغرت البعض ممن لا يملكن أدوات الإبداع للخوض في غمارها، وللأسف باركهن البعض ممن له مآرب أخرى .. 
إذن: فكرة الكتابة والأنثى العربية لاتزال مرتبكة ولاتزال تحتاج الكثير من الوعي والاشتغال، والنقد والتنظير وغربلة الأسماء، وحتى ذلك الحين فنحن محكومون بالأمل!
6- هل هناك اختلاف بين فاطمة الأنثى/الإنسانة وفاطمة الشاعرة ؟
نعم هناك اختلاف بيّن بينهما!! ففاطمة الشاعرة حادة ولها مخالب تمسك بحرقة الوعي ولظى الأسئلة، وكثيرا ما ينهشها الوجع وتربكها تعرية الأشياء، وتباركها الأدخنة المنبعثة من رأسها أو رئتيها الملوثة بالشك، تمسك إزميلا تنحت به في الفراغ والظلمة، وتشق به أجنحة الغبار لتخلق كونها المزين بنجوم فضية فهي لاتحب البريق الزائد.  لذا فهي كائن من دم، ومن حزن إضافي، واتحاد مطلق مع الأشياء حتى لتغدوها غالبا،  فلا تدرك الفرق بينها وبين الكلمات التي تكتبها.
أما فاطمة الأنثى/الإنسانة فهي كائن طيب، تحب الفرح الذي قد لا يكون وافرا ولكنه يكفي لأن يكون بلون ابتسامة تزرعها في كل وجه تقابله، كما أنها بسيطة كالماء فقد تعلمت منذ نعومة الروح كيفية تفصيل الأقنعة، ووضعها بما يناسب الكائنات الموجودة أمامها، والمواقف المباغتة والتي لا تقتضي أكثر من تداعٍ تام معها، تعلمت كيفية تخدير الوجع، والمشي برأس مقلوبة للأسفل، وأقدام للأعلى، والاحتفاظ بعالمها الخاص لتلك الأخرى التي تسكن على بعد حزن منها بشموعها وشياطينها وكلماتها وكتبها.
7- ما هو الشيء الذي لا تستطيع فاطمة أن تقوله كلاماً وتسعى -أو تتمنى أن- تقوله شعراً ؟
ببساطة الشعر خارج مناطق الكلام، وكل مايقال لن يدخل أفق الشعر العصي على الكلام، فالموت، والحب، والحزن، والشك المفند بالأسئلة،  هذه هي مناطق الشعر الغزيرة التي تكتب حرقتها على خاصرة الروح بوجع وبحبر سري، أتمنى أن أقرأه جيدا ذات يوم وأكتبه كما ينبغي!

السيرة الذاتية للشاعرة :
* فاطمة الشيدي شاعرة وأديبة عمانية تكتب الشعر والنثر والسرد والنقد. 
* تعمل  في إعداد وتأليف  كتب مناهج اللغة العربية التابعة لوزارة التربية والتعليم .
* عضو هيئة تدريس الجامعة العربية الكندية المفتوحة.
* نشرت نصوصا ومقالات وحوارات وتحقيقات في العديد من  المجلات،والملاحق الثقافية،والمواقع الإلكترونية، كما شاركت في العديد من الأمسيات والفعاليات والمهرجانات الداخلية والخارجية، وترجمت بعض نصوصها إلى  لغات أخرى كالإنجليزية والألمانية والهولندية والتركية،كما حصلت في بداية مشوارها الأدبي على بعض الجوائز الداخلية(الإبداع النسوي 95/المنتدى الأدبي 96/الملتقي الأدبي 97).




ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي






الشعر في حياتنا 
( دورة صلاح عبد الصبور )

القاهرة / خالد درويش

ما يقرب من مائة شاعر عربي ضمتهم القاهرة في هذه الدورة التي كانت لروح الشاعر صلاح عبد الصبور
الأوراق التي تناولت مواضيع مهمة في محاور كالشعر و الترجمة حيث قدم أحمد درويش ورقته بهذا العنوان حيث يشكل التعبير الشعري في جوهره تجسيداً فنياً لمجمل المشاعر والأحاسيس والأفكار المتفاعلة في نفس المبدع في لحظة معينة ، تجاه موقف معين وفي إطار هذه التصور يبدو الشعر مهمة شاقة محفوفة بالمخاطر لأنها تقوم على تفكيك هذا العناصر ومحاولة إعادة بنائها أما ورقة السيد فضل فقد تناولت متعة التأمل في دفاع عن قديم الشعر وجديدة حيث أن الخلاف حول قيمة الشعر إذا نحينا جانباً ما يتطرف من الآراء هو تاريخ الخلاف حول موقع القيم الخلقية والقيم الفنية لا يستثني من ذلك خلاف من هذه الخلافات التي شهدها تاريخ الإنسان ثم يتطرق إلى فيلسوف كبير  كابن رشد الذي كان على بينة حين عمد إلى تلخيص كتاب ( أرسطو في الشعر في القوانين الكلية المشتركة لجميع الأمم ) ولهذا ارتبطت القيم الجمالية عنده بالقيم الخلقية فإشارة ابن رشد السابقة مهمة فمن الممكن النظر إلى ارتباط طبيعة الشعر بمهمته ..عند جميع الأمم وهي إشارة إلى ما يمكن أن يسمى ( الروح الإنساني العالمي للشعر ) ولم يكن .... سوى واحد من هؤلاء المفكرين الكبار الذين كانوا على وعي بأن للشعر طبيعة وأن له وظيفة أمار الشاعر جودت فخر الدين فقدم ورقته التي بعنوان شعرنا العربي وهويتنا العربية انهمك شعرنا العربي الحديث منذ انطلاقته بهموم الهوية وأسئلتها وشغلته الهواجس الكبيرة إزاء المستقبل أو (المصير) ولربما صح القول إن شعرنا الحديث خاض بحثاً مزدوجاً في موضوع الهوية أولا حيال نفسه وثانياً حيال كل ما يمت إليه بصلة أو بأخرى حيال المجتمع والثقافة  والتراث والسياسة والوطن والقومية والنضال والتعبير وغيرها وفي بحثه عن ذاته ومن خلال نزعته التجديدية وجد شعرنا  الحديث نفسه موضع تجاذب من التراث ومن الثقافة الغربية فكان عليه أن يبتكر صوراً لنفسه تتعدى الموروث والوافي في آن معاً كان على شعرنا الحديث أن يتعد بالتراث دون أن يقع أسيراً له  كما كان عليه أن ينفتح على مختلف الآداب والفنون والثقافات دون أن يكون ميالاً عليها أو على جزء منها وبسبب .. هذا كله لم تكن المهمة سهلة فكان عليه منذ انطلاقته أن يضع هوية شعرية  عصرية بعض مقوماتها الأساسية ينبغي اكتشافه ، وبعضها الآخر ينبغي اختراعه أما ورقة الأستاذ حاتم الصكر فهي بعنوان ""من جمهور الشعر إلى ملقي القصيدة"" أعراف قراءات وشعريات  متغيرة إذ تناقش صلة الشعر بالجمهور الشعر إلى تلقي القصيدة أعرف قراءات وشعريات متغيرة إذا تناقش صلة الشعر بالجمهور كما تقترح خطاطة الدعوة لكنها تسعى إلى دحض آلية هذه الصلة والإعتراف بالفزع من وضع أو صياغة هذه المعادلة ( الشعر/ الجمهور ) حيث يتصاغر الشعر باعتباره نتاجاً فردياً معبراً عن ذات بمقابل وجود ( الجمهور ) ككتلة استهلاكية ضخمة وضمير جمعي كما تحضر المقولات الإيديولوجية التي تربط الشعر انعاكسياًً بالجمهور كما له وموضوع وهدف في آن واحد ، فيستمد الشعر مادته ( اللغة ، الإيقاع والصور  والمعاني ) ويأخذ موضوعه منه ويتجه إليه في عملية البحث هدف ... وذلك يضعف فنيته ويغيب خصوصيته ويربط شعريته بالفهم الجمعي  للجمهور المتكون وفق ذائقة أو أعراف يتمسك بها بينما تتجاوزها القصيدة عبر تطورها استمرارها في المخيلة والذاكرة والتجربة الذاتية حتى عندما تحاول أن تلامس موضوعاً خارج  الذات أما الأستاذ فيصل دراج فيكتب حول معنى المعرفة الشعرية في رؤية الرومانسيين للشعر عندهم أنه رؤيا تجاوز النبوة تتماهى بها والشاعر رائي يبصر مالا يبصره غيره ويسأل في هذا المعنى عن أسئلة لإنسان الخالدة : الموت والزمن والكون وكل ما يضع الوجود الإنساني المتناهي في مقابل كون يتسم باللانهائية .
إلى جانب ذلك تناقش الورقة إمكانية تخلص الشعر بحداثيته وفنيته الخاصة من الحداثي العابر أو الارتهان باليومي المباشر أما الأستاذ حسن اللوزي فقد كانت بعنوان " الشعر حاجة انسانية متجددة " حيث عرّفت أن الشعر غير أنواع الكتابة وغير النثر  إلا ما استطعنا أن نفرزه من بينها بمقتضى الاحساس الخاص والتذوقث الموروث ، فالشعر حاجة لا  غنى عنها ففي ذات الانسان ووجدانه وربما في أعماقه التي نجهلها معامل رهيبة بحاجة إلى أتن تختبر وبحاجة إلى أن تنتج سلعا من الخامات  التي تتلقاها آنيا ويوميا أو بين حين وآخر في أشكال عديدة من تلك السلع والانفعالات الكلامية والكتابية والصراخية والهذيانية ، إن اللغة المبدعة من خلال عباقرة اللغة والنوابغ والجهابذة قادرة على تقديم وأشكال وموضوعات إبداعية جديدة  لكنها لايمكن أن تأتي ببديل لشعر ، فالشعر نفسه حي في وجدان البشر ويرفض ان يموت فيهم ، فضلا عن ان يتحجر او يتبدد ،، حتى و نطقط الأحجار يوما وقالت بأن الشعر قد ينغلق على سعة النفس البشرية ودنياها المتنوعة تنوع دنيا البشر ،، وينتحر .
أما عن الحضور المصري في مجلة " شعر " اللبنانية ( 1957/ 1970) للأستاذة دينا أبو شاور  هذه المجلة التي اسسها يوسف الخال في بيروت حيث استقبلت ما يزيد عن مائة شاعر وكاتب عربي وأكثر من مائة شاعر وكاتب أجنبي وقد تجلى الحضور المصري عبر ستة مستويات ، الأول هيئة التحرير حيث يمثل مصر كل من محي الدين محمد وهنري القيم وغلياس عوض والثاني المراسلون أو المساهمون في باب "بريد الشعراء" حيث يمثل مصر كل من ابراهيم شكر الله وغالي شكريومحي الدين محمد وليلى الحر وأحمد كمال زكي والثالث هم الشعراء المصريون الذين تم نقد دواوينهم في باب "في النقد" أحمد عبدالمعطي حجازي على سبيل المثال ثم التلقي المصري المشجع للحداثة أو الكتابة الجديدة كما تصورها مجلة شعر الطليعية ( طه حسين على سبيل المثال) كما التلقي المعادي لها ( محمد مندور او مجلس الفنون والآداب أو صبري حافظ)  والذي نجد أصداء له في باب " أخبار وقضايا" ثم أصداء الحياة الثقافية المصرية وكذا من خلال ما يدلي به كتّاب ومثقفون مصريون للمجلة عند زيارتهم لبيروت كنجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أما السعودي سعد البازعي فقد قدم ورقة بعنوان تمثيلات الآخر في الشعر السعودي وتحت عنوان" الشعر والجمهور" قدم الشاعر العراقي سعدي يوسف ورقته التي تناولت إشكالية هذا العنوان الملتبس والذي يمثل في زعمه استقطابا ما ،، أي انه يضع الشعر مقابل الجمهور أو يضع الجمهور مقابل الشعر كأن الشعر والجمهور قطبان ذوا علاقة هي السلب تحديدا ويتعرض سعدي يوسف أيضا لثنائية الفن للحياة والفن للفن فالنص الشعري عنده هو المكتمل بذاته المتضمن ذواته ما دق منها وما انتشر وبذلك يشير إلى أن العملية الفنية ( الدائرة السيكولوجية والفيزيقية للحظة الإبداع) هي عملية تصعيد واحدة بالرغم من تعقيدها وليست ذات قطبين ، فالنص لا تكتمل صورته إلا بالمتلقي إذن هو متواجد منذ ميلاده إلى مستقبل ما والشاعر هو المستقبل الأول لما كتبه وهو نفسه جمهوره وهو القارئ الجيد للنص لأن النص صناعته ولأنه يتعرف على تفاوت مدى ما كتب ، الشاعر وموضوعه من المسعى الفني يحددان مدى النص المتاح كلما اتسعت الرؤية ، غدا النص أخذا مُضاءاَ وأشد وميضا ولسوف تلتهب الأكف بالتصفيق .. يعرج الشاعر سعدي يوسف في ورقته هذه على تجربته الشخصية إذ يقول : لم أسائل ولو مرة مبدا أنني لا أتملق القاعة ، تملق القاعة يعني احتقار أهلها يعني الحط من شأنهم باعتبارهم سُذجا ، قليلي الثقافة ومذاق وإلمام بالفن الشعري ، دأبت على قراءة نصوصي الصعبة نوعا ما وكنت أراهن دوما على حصافة الناس ورهافة تلقيهم النص الشعري ولم يكن رهاني الاستراتيجي خائبا يوما كيف حدث ذلك ؟ أعني من أين جاء هذا الرهان ؟

 أما ورقة ماهر شفيق فريد فكانت بعنوان هل مازال للشعر مكان في العصر الحديث؟
 حيث يعيد زيارة مناظر توماس لف بيكول وشللي في مطلع القرن التاسع عشر حيث نشر بيكوه عام 1821 م مقالة عنوانها  ( الصور الشعر إلا ربع ) سعى فيها أن يبرهن أن الشعر بطبعة لابد أن يتدهور مع تقدم الحضارة وأنه في الصور العقلانية والعلم كالقرن التاسع  عشر لا يعدو أن يكون مقارنة تاريخية لأنه قرين العقلية البدائية والشاعر اليوم أشبه بنصف متبرير في عالم متدمن ثم يتوصل شفيق فريد في النهاية إلى نقد هذه المقولة أو النظرة بقوله أن الشعر لم يفقد مكانه في الحياة الحديثة وإن طغت عليه الرواية حيناً والمسرحية حيناً آخر .
 تأتي بعد ذلك ورقة محمد عبد المطلب ( من قصيدة  النثر إلى نثر القصيدة حيث يناقش الحوار حول قصيدة النثر وحول مراحلها من تجريب ومغامرة كما يقول ثم يطرد نية كل ذلك في نهاية ورقته ليخلص إلى السؤال : هل هذا شعر أم غير شعر؟
 ليس .. هل هذا النص موزون أم غير موزون؟ أما وجدان الصايغ فتكتب عن القصيدة الأنثوية وثقافة الراهن حيث تتبنّى ورقتها رؤية نقدية خاصة في معالجة الخطاب النسوي المعاصر  إذ ترتكز على الجانب التطبيقي رغبة في بلورة شخصية القصيدة الأنثوية كما انتقت قصائد السودانية روضة الحاج والبحرينية نبيلة زبادي والقطرية سعاد الكواري والتونسية آمال موسى والمغربية ثريا ماجدولين واللبنانية هدى ميقاتي وغيرهن.. 
إلى جانب ذلك تناقش الورقة إمكانية تخلص الشعر بحداثيته وفنيته الخاصة من الحداثي العابر أو الارتهان باليومي المباشر أما الأستاذ حسن اللوزي فقد كانت بعنوان " الشعر حاجة انسانية متجددة " حيث عرّفت أن الشعر غير أنواع الكتابة وغير النثر  إلا ما استطعنا أن نفرزه من بينها بمقتضى الاحساس الخاص والتذوقث الموروث ، فالشعر حاجة لا  غنى عنها ففي ذات الانسان ووجدانه وربما في أعماقه التي نجهلها معامل رهيبة بحاجة إلى أتن تختبر وبحاجة إلى أن تنتج سلعا من الخامات  التي تتلقاها آنيا ويوميا أو بين حين وآخر في أشكال عديدة من تلك السلع والانفعالات الكلامية والكتابية والصراخية والهذيانية ، إن اللغة المبدعة من خلال عباقرة اللغة والنوابغ والجهابذة قادرة على تقديم وأشكال وموضوعات إبداعية جديدة  لكنها لايمكن أن تأتي ببديل لشعر ، فالشعر نفسه حي في وجدان البشر ويرفض ان يموت فيهم ، فضلا عن ان يتحجر او يتبدد ،، حتى و نطقط الأحجار يوما وقالت بأن الشعر قد ينغلق على سعة النفس البشرية ودنياها المتنوعة تنوع دنيا البشر ،، وينتحر .
أما عن الحضور المصري في مجلة " شعر " اللبنانية ( 1957/ 1970) للأستاذة دينا أبو شاور  هذه المجلة التي اسسها يوسف الخال في بيروت حيث استقبلت ما يزيد عن مائة شاعر وكاتب عربي وأكثر من مائة شاعر وكاتب أجنبي وقد تجلى الحضور المصري عبر ستة مستويات ، الأول هيئة التحرير حيث يمثل مصر كل من محي الدين محمد وهنري القيم وغلياس عوض والثاني المراسلون أو المساهمون في باب "بريد الشعراء" حيث يمثل مصر كل من ابراهيم شكر الله وغالي شكريومحي الدين محمد وليلى الحر وأحمد كمال زكي والثالث هم الشعراء المصريون الذين تم نقد دواوينهم في باب "في النقد" أحمد عبدالمعطي حجازي على سبيل المثال ثم التلقي المصري المشجع للحداثة أو الكتابة الجديدة كما تصورها مجلة شعر الطليعية ( طه حسين على سبيل المثال) كما التلقي المعادي لها ( محمد مندور او مجلس الفنون والآداب أو صبري حافظ)  والذي نجد أصداء له في باب " أخبار وقضايا" ثم أصداء الحياة الثقافية المصرية وكذا من خلال ما يدلي به كتّاب ومثقفون مصريون للمجلة عند زيارتهم لبيروت كنجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أما السعودي سعد البازعي فقد قدم ورقة بعنوان تمثيلات الآخر في الشعر السعودي وتحت عنوان" الشعر والجمهور" قدم الشاعر العراقي سعدي يوسف ورقته التي تناولت إشكالية هذا العنوان الملتبس والذي يمثل في زعمه استقطابا ما ،، أي انه يضع الشعر مقابل الجمهور أو يضع الجمهور مقابل الشعر كأن الشعر والجمهور قطبان ذوا علاقة هي السلب تحديدا ويتعرض سعدي يوسف أيضا لثنائية الفن للحياة والفن للفن فالنص الشعري عنده هو المكتمل بذاته المتضمن ذواته ما دق منها وما انتشر وبذلك يشير إلى أن العملية الفنية ( الدائرة السيكولوجية والفيزيقية للحظة الإبداع) هي عملية تصعيد واحدة بالرغم من تعقيدها وليست ذات قطبين ، فالنص لا تكتمل صورته إلا بالمتلقي إذن هو متواجد منذ ميلاده إلى مستقبل ما والشاعر هو المستقبل الأول لما كتبه وهو نفسه جمهوره وهو القارئ الجيد للنص لأن النص صناعته ولأنه يتعرف على تفاوت مدى ما كتب ، الشاعر وموضوعه من المسعى الفني يحددان مدى النص المتاح كلما اتسعت الرؤية ، غدا النص أخذا مُضاءاَ وأشد وميضا ولسوف تلتهب الأكف بالتصفيق .. يعرج الشاعر سعدي يوسف في ورقته هذه على تجربته الشخصية إذ يقول : لم أسائل ولو مرة مبدا أنني لا أتملق القاعة ، تملق القاعة يعني احتقار أهلها يعني الحط من شأنهم باعتبارهم سُذجا ، قليلي الثقافة ومذاق وإلمام بالفن الشعري ، دأبت على قراءة نصوصي الصعبة نوعا ما وكنت أراهن دوما على حصافة الناس ورهافة تلقيهم النص الشعري ولم يكن رهاني الاستراتيجي خائبا يوما كيف حدث ذلك ؟ أعني من أين جاء هذا الرهان ؟

أسباب توقف مجلة غزالة نتيجة لظروفي الصحية ..والدولة رفعت يدها عن الثقافة





إسماعيل البوعيشي رئيس تحرير مجلة غزالة
خالد درويش 
الشمس الثقافي

تضل المسئولية أولا وثانيا وثالثا على الدولة فالدولة بعيدة كل البعد عم دعم الثقافة رغم أن ليبيا هي الرائد في الصحافة الأدبية في العالم العربي فالأسبوع الثقافي كانت أول صحيفة متخصصة في الأدب والثقافة بشكل عام في ليبيا قبل أخبار الأدب المصرية وقبل كل المطبوعات الثقافية في الوطن العربي لما كانت الدولة تريد دعم الثقافة والمثقفين والكتاب والنشر وحركة الثقافة بشكل عام فالدولة ولست أدري كيف وعلى من تقع  المسئولية أو تحديدها لكنها رفعت يدها عن كل ما يمت للثقافة من صلة ، صحيح أسست أمانة للثقافة أمانة الثقافة عملت ما يشبه العرس ثم انفض ، مجلس الثقافة العام استمر فترة وانتهى بقيت كل جهود الصحافة الأدبية جهود ذاتية ملاحق محتشمة في بعض الصحف اليومية وبعض المجلات ، أما عندما نأتي لإنجاز مثل الدار الجماهيرية استمر لخمس وعشرين عاما لدعم الكتاب والكتاب والمثقفين يفترض ا، تكون لديها مطبوعة خاصة بها لكننا نفاجئ بأنها ألغيت "الدار الجماهيرية" ، مجلة الفصول الأربعة والتي تعتبر من أقدم المجلات الأدبية المتخصصة غربيا والتي تصدر عن رابطة الأدباء والكتاب أي أنها مطبوعة عمرها أكثر من ربع قرن ذلك لأن الدولة رفعت يدها عنها ، يأتي بعد هذا دور الكاتب ، فالكاتب لا يجد من يتجاوب معه لكي يستمر في إصدار مطبوعة متخصصة في الأدب ثم إن كلمة الثقافة هي كلمة "كبيرة" مفهوم عام لكن عندما يتم تحديدها في إطار الأدب فقط ، نحن نقصد الصحافة الأدبية وليس الصحافة الثقافية ، الثقافة لا تشمل الدب والفن فحسب بل هي مجموعة كبيرة من العلوم أو الإلمام بها ، لكن كون أحدنا يكتب القصة أو يكتب الشعر أو المقالة الصحفية فهذا لا يعني أنه مثقف ، قلة في ليبيا هم المثقفون الذين يمتهنون الأديب (الأديب المثقف) وعلينا أن نفرق أيضا بين الوسط الأدبي والوسط الثقافي على ضوء هذا المفهوم .
القطاع الخاص شُلّت قدراته وأحبطت إرادته ، كان هناك حماس لأن تستمر مجلة كمجلة غزالة وان تدعمها الدولة ولو بهامش بسيط نحن لم نطلب الحد الأكبر ولكن "القليل النافع" وحتى هذا القليل النافع لم نره ، فلماذا ترفع الدولة يدها نهائيا ؟؟
ملاحظة (عادة في مثل هذه الاستطلاعات يجيب الضيف عن سؤال محدد ولا يتدخل صاحب الاستطلاع حتى لا يتحول إلى شبه حوار لكن هنا كان لابد أن أتدخل لأسأل سؤالا لابد وأن يمر بذهن القارئ الكريم ) وهو :
ــ أستاذا إسماعيل عندما بدأت مشروعك الخاص هذا (مجلة غزالة) هل كنت "عابي" على الدولة لتمول مشروعا خاص ، عندها يصبح مشروعا عاماً فلماذا تلومها إذا ؟؟
ــ كلا لم أكن معتمدا عليها في إطلاق مجلتي كنت معتمدا على الله وعلى قدراتي وزملائي لكن عندما وجدت بصيص أمل من الدولة ثم للأسف لم يستمر ، وبالنسبة للمجلة حتى ترخيصها لم يكن من هنا ولولا إرادتي لما استمرت طيلة هذه السنوات (ثلاث سنوات) ولولا ظروفي الصحية التي حدّت من قدراتي وحماسي وبعض الظروف الأخرى الغير جوهرية  في توقف غزالة ، أعود إلى المجلات والصحف التي توقفت نجد لدينا الأسبوع الثقافي والتي توقفت لأسباب (سياسية) الفتح الثقافي أيضا توقفت ولكن لأسباب مادية ، صحيفة المشهد التي تصدر عن رابطة الأدباء والكتاب أيضا لأسباب مادية ، مجلو الفصول الأربعة لأسباب مادية ، هناك مجلس الثقافة العام أصدر عددا يتيما من مجلة الفهرست ولم يوزع ، أيضا مجلة "أفانين" توقفت هي الأخرى مجلة الملتقى التي تصدر عن القيادات الشعبية ، مجلة الثقافة العربية وهي المجلة الليبية الوحيدة التي تعتبر أشهر مجلة ليبية توزع في الوطن العربي وتعنى بشؤون الثقافة ولها قرّاء في الوطن العربي والمغرب العربي بالذات  توقفت ثم استأنفت الصدور ثم توقفت ، أيضا مجلة المؤتمر التي تعثرت لأسباب إدارية وليست أسباب مادية أيضا مجلة شعريات ثم مجلة نون توقفتا ، ليس إلا ملحق الجماهيرية الذي استمر بشكل متواضع طيلة بقاءه وهو أيضا لم يستقر على شكله هذا إلا مؤخرا فقد صدر كصفحات داخلية ثم صدر ملحقا مستقلا ثم عادت الصفحات إلى جرابها داخل الصحيفة الأم ، صحيفة الشمس أيضا تحمست هي الأحرى وأصدرت ملحقا قبل هذا الملحق بسنين ثم توقف أيضا وأرجوا ألا يتوقف ملحقك هذا أيضا ، مشكلتنا أننا نفرح بهذه الملاحق ونقيم لها الأعراس والزغاريد لكنها ما تفتأ تخدعنا باختفائها تاركة أعراسنا مشرعة للذي لا يأتي 

القاص والروائي الصديق بودوّارة في حوار مع الشمس الثقافي




                       الصديق بودوّارة.. كاتب وقاص وروائي ليبي




                                                                   حاوره- عذاب الركابي

  الصديق بودوّارة.. كاتب وقاص وروائي..يكتب ولا يتسلّى..ينزف بوجع 
وصخب كبيرين.. في كتابته يتمتع ويمتع أيضاً..تدلكَ عليه موسيقا همومه التي 
يعزفها قلب نابض بالحبّ.. والأمل.. والتجدد.. والحياة..!! تصل إليه مباشرةً..
لا يحبّ أن يضعَ حواجزَ.. وجدران.. وأسواراً بينه وبينَ قارئه..لأنّه يربض في إيقاع
كلمة شعرية دافئة..تتداخل في إبداعه كلّ الفنون.. تصلكَ قصته بطعم القصيدة،
وكذلكَ الرواية.. والمقال أيضاً، لايبدو منحازاً إلى الشعر، ولا يسعى أن يحول إبداعه القصصيّ والروائي إلى جنين شعري..لكنهما يمرّان بعصافير الذاكرة بشفافية عالية.. وحنكة.. وخبرة.. وأداة متمكنة عبرَ بوابة الشعر، وهو يخلدهما بكونهما 
الشعريّ..ولهذا تقرأ أعماله القصصية والروائية  بمتعة.. ودهشة.. وجذب.. 
   يكتب لأنّ الكتابة لديه " أسلوب حياة".. يقول : ( هذه هي حياتي الحقيقية..
أنْ أكتبَ بلا توقف ، حتّى ينفد حبر الأقلام)..!!
  وكتبت في مقالي عن روايته " منساد " وهوَ يموسقها بإيقاع الروح.. وتراتيل الجسد، أقول : ( بدا الصديق بودوارة مجرباً بجرأة ووعي، لم يتصنع صورة المطيع في حضرة
لغة تتفجّر، وهي " توجد علاقات جديدة ما بين الكلمة والكلمة، والكلمة والشيء"
علاقات متناغمة مع إيقاع الحياة، لغة ملغومة بالجديد.. وطاردة للضجر.. والزخارف اللفظية المملة.. وقد كان المبدع بودوارة جاداً.. ومتفانياً.. وصانعاً
ماهراً، وهو يحول لغته المتقنة إلى أوركسترا إبداعي مثير، يملك شغاف القلب والعقل معا..".
   عانيت معه شقاء السؤال..وكان جريئا.. واضحاً.. ومستلذا وهوَ
يجيب ..، وكأنّه يشرع في الانتهاء من عمل إبداعي جديد، وهوَ كذلك!!.. ولهذا أترك لكم  المعاناة مع شقاء الإجابة .
  صدرَ له من الأعمال الإبداعية :
- آلهة الأعذار – قصص قصيرة
- شجرة المطر – قصص قصيرة
-يحكى أنّ – قصص قصيرة
- ميم – نصوص
- البحث عن السيدة جيم - نصوص
- منساد – رواية
وهناك الأعمال القصصية والروائية والدراسات النقدية المخطوطة
تنتظر أن ترى النور .


                    . الكتابة  أسلوب حياة 



س1- صرخ الشاعر التركي المناضل – ناظم  حكمت في يوم  ما : يا للغربة من مهنة شاقة..!! هلْ قلتَ في يوم  ما : يا للكتابة من مهنة شاقة؟؟ ولماذا ؟ وما جدوى الكتابة ؟؟

ـــ  لكن ناظم حكمت يقول أيضاً يا عذاب : 

(( أجمل البحار هو البحر الذي لم نذهب إليه بعد )) !!

هذا هو السر، أن تظل طوال عمرك تنشد بحراً لم تنعم بشاطئه بعد، هذه هي القيمة الحقيقية للأشياء، أن لا نحصل عليها أبداً . 
ثمة أمر آخر، أن لا نهين الكتابة بكونها مهنة، إذا تحولت الكتابة إلى مهنة فقدت وهج الإبداع فيها، الكتابة ليست مهنة، إنها أسلوب حياة، وهنا يكمن الفارق، هنا بالذات تكمن جدوى الكتابة، وهنا بالذات يمكن لنا أن نعثر على كنز صغير اسمه جدوى الكتابة..
أنا أكتب لأني أريد أن أحفر تفاصيل حياتي على صخر هذه الدنيا، لا أريد أن أمر على تاريخ وجودي هنا مرور السحاب، أريد أن أحفر التفاصيل على جلمود هذا الزمن، أريد أن أكشف مستور هذا الصمت على ملأ من العالم كله، هذه هي حياتي الحقيقية، أن أكتب بلا توقف حتى ينفد حبر الأقلام، وهل ينفذ الحبر ؟ 
                     . المقال هو جواز مروريّ إلى قارئ متعجّل


س2- الإبداع حالة إنسانية شفافة.. راقية، وقد تعددت فنون الإبداع لديك : قصة قصيرة.. وقصيرة جد.. ورواية.. ومقال صحفي.. ونص مفتوح مثير.. هو غناء قلب  جريح.. أينَ أنت  من كلّ هذا ؟ ما الأجمل.. والأعمق.. والأقرب إليك  كمبدع له حضوره المتميز في الوسط الثقافي ؟؟

هو هذا كله.. 
لا استطيع أن أتنصل من حرف كتبته، أذكر أني عندما كتبت في نص ( ثروة ) : 

(( أملك من اليقين ما يرضى غرور نبي ، ومن الارتباك ما يزعزع أقدام جبل . ))

وقتها كنت أكتب نفسي واصفاً سيرتي الذاتية كما هي، قبلها كانت نصوص كثيرة، قصص قصيرة كالمخمور مثلاً : 


((" ابن ستين كلب ".. " ابن ستين كلب " 
كان جارنا " ساكت "  يصرخ بكل قواه الواهنة، وقد تمكنت الخمر الرديئة منه .
كان يشرب حتى لا يعرف يمينه من شماله ثم يخرج إلى الهواء الطلق ويبدأ في إطلاق شتيمته الوحيدة حتى تسقط الشمس في حضن الجبل البعيد الذي يواجه حينا مذ رأينا النور.
كنا صغاراً نبتسم ونتأمل المشهد، نتجمع حوله وهو يصرخ " ابن ستين كلب " نستغرب إصراره على نفس الجملة، ونسأل كبارنا فلا يجيبون .
الآن، وبعـد أن امتلأت رؤوسنا بالشيب والكدمات، مات ساكت ولم يعد ثمة صراخ في الشارع .
الآن، وبعد أن ماتت أشياء كثيرة، صرنا كباراً نشرب حتى لا نعرف اليمين من الشمال ثم نخرج إلى الهواء الذي لم يعد طلقاً لنصرخ بكل قوانا الواهنة " 
" ـ ابن ستين كلب ".. " ابن ستين كلب " . )) 

"ساكت" هذا شخصية حقيقية، طبعاً اخترت له اسماً من عندي، اسماً يعني روحه أكثر مما يعني جسده الذي يراه الناس، كنا فعلاً صغاراً لا نعي حقائق الأشياء، هذه القصة كانت قابعة في مخزون ذاكرتي، وعندما اخترت لها أن تخرج اختارت هي أن تلبس ثوب القصة، كان يمكن لها أن تختار ثوباً آخر، لكن الأمر ليس بيدي .
المقال هو جواز مروري إلى قارئ متعجل بطبعه، فالقراء أنواع كما كل شئ في هذه الدنيا، هناك من يقرأك إذا قدمت له لغة عابرة، فكرة واضحة ترتدي ثوب لغة تحترمه، إنهم قراء المقال، وهؤلاء يختلفون عن قراء القصة القصيرة وقراء الرواية، لهذا كان تمسكي بالكتابة في زاوية ( قبل أن أنسي ) ف صحيفة الجماهيرية منذ عام 2000 وحتى الآن بلا توقف، وكذلك تواصلي مع زاوية ( قبل أن نفترق ) في صحيفة قورينا، ( مؤخراً غيرت الاسم إلى "حتى نلتقي" نزولاً عند رغبة الكثيرين من أسرة تحرير قورينا، كتابة المقال أعطتني مساحة حركة كبيرة، إنها واقعية أكثر، يمكن أن تهاجم خللاً لاحظته في العملية التعليمية مثلاً أو في أي قطاع آخر، أو أن تتصدى لقضية أدبية أو ثقافية معينة، إن المقال ضروري لخلق رأي عام أو للتأثير فيه،وكلما كنت صادقاً في مقالك كنت مقنعاً أكثر .
الرواية حكاية أخرى، إنها امرأة فاتنة تناوشك من بعيد، تدعوك إليها وكلما اقتربت منها تتأبى عليك، حكاية طويلة كالرواية ذاتها، شخصياً لازلت أطارد هذه الفاتنة وسأصل حتماً إليها .



                         .لا توجد نهاية لأيّ نوع من الإبداع 

س3-يقول مؤرخو الأدب : هذا شاعر ستيني.. وذاك سبعيني.. وتسعيني،
وهذا زمن الرواية.. وانتهى زمن الشعر..!! هل تؤمن بمثل هذه الصيغ المستهلكة.. المكرورة.. والخاوية؟ هل تعتقد أنّ هناكَ عمراً للإبداع.. وعمراً آخر للمبدع ؟ حدثني !!
حدثني.. جميلة هذه الكلمة.. حسناً سأحدثك.. لو سألتني منذ عشر سنوات كنت سأجيبك أني لا أعترف بهذه التصنيفات، ولكن الآن، وبعد أن امتلأت ذاكرتي بالتجاعيد وعمري بالندبات، أدركت أن ما يكتب في سن الثلاثين لا يكتب في سن الخمسين، ثمة خارطة غير مرئية تقودك من يدك وتدلك على مكمن الكتابة، هذه الخارطة ليست إلا سنوات عمرك وهي تستجيب لانفعالات قلمك وتكتبك قبل أن تكتبها .
 أؤمن الآن بهذه التصنيفات، ولكن من قال أن هناك زمناً للشعر قد انتهى، وأن هناك زمناً للرواية قد أقبل، لا أعتقد أن هذا صحيح، منذ أيام الروائيين الأوائل في الغرب وحتى الآن، لازالت الرواية حاضرة، ومنذ أن بدأت قصة الإنسان مع روعة التعبير كان الشعر، لا توجد نهاية لهذا اللون من الإبداع، ليس ثمة عمر للكتابة يا عذاب، هناك فقط لحظة للسكون، أعترف بهذا، حتماً سيقبل اليوم الذي تتعب فيه الجياد ويخبو فيه كل شيء، وإلى أن تقبل هذه اللحظة لا عمر محدد للمبدع ولما يكتبه المبدعون . 

           . القصّة القصيرة هي الأكثر حضورا في إبداعنا الليبي

س4- أصدرت العديد من المجموعات القصصية من ( شجرة المطر) وحتى ( يحكى أن ).. كيف تقيّم ما يكتب من قصة قصيرة في ثقافتنا ؟لماذا لم يتجاوب بعض النقاد مع القصة الحداثية ؟ هل استطاع جيلك أن يعطي هذا الفنّ الراقي حقه ؟مَن مِنَ الأسماء تقرأ في نصوصه الجديد.. والمثير!؟

ــ القصة القصيرة لازالت في المقدمة، لقد تصدرت في توهان قصيدة النثر، وتعثر الرواية.
كل ما ينقصنا ككتاب قصة قصيرة هو أن نمعن في إثراء نصوصها، نحتاج فعلاً إلى تأثيث القصة القصيرة الليبية بمخزون تراثي أولاً، وثانياً إلى إقحامها في لعبة التحليل، يجب أن تقتحم القصة القصيرة فضاء الخيال أيضاً، بمعنى آخر، ما ينقص القصة القصيرة الليبية هو أن تنغمس أكثر في التعبير عن نفسها، تنقصها الجرأة، الاندفاع، ثمة تحفظ لا مبرر له أقرأه في نصوص كتاب القصة الليبية، لا يمكنك أن تعبر الشارع وأنت ملتزم بالوقوف على الرصيف خائفاً من زحمة المرور، عليك دائماً أن تجازف، أن تبتكر كل يوم قصة جديدة، بمعنى أنك تحتاج إلى أن تقول في قصتك كل ما يمكن أن يعجز عنه الكلام .
عن التقييم لا أملك أن أذكر أسماء حتى لا أقع في الإحراج مع أحد، فلازلنا مع الأسف عاجزين عن الحوار، كل ما يمكن أن أقوله لك بهذا الخصوص أن القصة الليبية القصيرة ليست تماماً بخير، رغم أنها الأكثر حضوراً من غيرها من صنوف الإبداع الأدبي، أما عن النقاد فأستسمحك العذر، لا نملك نقاداً في منظومتنا الثقافية، هناك القليل القليل، أو لنقل أقل القليل، الآن لا أذكر لك منهم سوى عبد الحكم المالكي وسعد الحمري، هما فقط المثابران على تأكيد هويتهما النقدية عبر كتابات متتالية تصر على التخصص، عدا ذلك لا نملك نقاداً، وهذا بحد ذاته عائق أمام تقدم القصة الليبية .


       . إبراهيم الكوني لمْ يقدّم رواية ليبيّة على الإطلاق 



س5- لقد زخر الإبداع الليبي بالمنجز الروائي.. كيف تقيّم الرواية الليبية ؟
وهي الآن بفضل العديد من الأسماء أخذت مكانها وسط المنجز الروائي العربي !! أخبرني غير إبراهيم الكوني.. وأحمد الفقيه مَن يبدع.. ويضيف إلى عالم هذا الفنّ الرفيع !؟
ـ إبراهيم الكوني لم يقدم رواية ليبية، على الإطلاق، لقد كتب رواية تحكي هماً إنسانيا يرتدي عباءة صحراوي تائه على الدوام، رجل غامض يبحث طوال الوقت عن ( واوه ) المفقودة، استعان بتفاصيل لا نعرفها، أو هي تفاصيل عرفها غيرنا، ثمة كون مخفي كتبه الكوني، معالم محددة، تعاليم، تمائم وتعاويذ، أسلوب حياة يحتقر المدينة وينفر من مظاهر الحياة المادية، حتى العقائد تختلف، نحن لا ننتمي إلى صحراء الكوني، قد نعشق سكونها، لكننا لا نؤمن بطوطمية غموضها .
أحمد الفقيه كتب الرواية من خارج الذهنية الليبية، لم ينجح في أن يكون " نجيب محفوظ " الرواية الليبية لأنه ترفع عن التفاصيل، اعتقد أن الرواية هي فن التفاصيل، ومن أراد أن يخوض فيها فلا يجب أن يترفع على تفاصيلها، غيره كالراحل خليفة حسين مصطفى اقترب كثيراً من نبض الشارع الليبي ولامس تفاصيل الشخصية الليبية لكنه لم ينل حقه من الاهتمام، وبشكل عام حتى الآن لازالت الرواية الليبية تبحث عن ( ماركيزها ) الذي يتفنن في كتابة المجتمع الليبي على ورق الرواية، وحتى يقبل لا يمكن الحديث عن ميلاد حقيقي للرواية الليبية.


        
. رواية " منساد ".. هي بداية المغامرة


س6- دخل – الصديق بودوارة عالم الرواية من خلال " منساد"..كيف استقبل النقاد الليبيون هذه الرواية الجديدة.. المثيرة ؟؟ أهي بداية المغامرة ؟؟ حدثني !!
ـ هي فعلاً بداية المغامرة، لم أكن مرتبكاً عندما شرعت في كتابتها، كنت فقط متأنياً، فكتابة الرواية بمثابة نحت على جدار كهف، كلما كانت يدك ثابتة وضربتك متأنية كان نقشك أطول عمراً، هكذا تعاملت مع منساد، كنت تواقاً دائماً لأكتب عن عالم خفي طالما شدني إليه، عالم لا أراه لكني أعيشه كل يوم، أعرف أبطاله عن ظهر قلب، وأدرك جيداً تفاصيلهم ومكامن الضعف فيهم ونقاط القوة، متى يبكون والى أي حد تصل قوتهم، ولكي أكتب منساد حضرت أكثر من عشر جلسات صاخبة لإخراج الجن من أجساد بشر مصابين، عايشت لحظة التجسد في البدن، وعاينت ألم خروج بدن الجن من بدن البشر، شهدت دهشة أن يتكلم البشري بلسان أهل الخفاء، وأن يتقلب الممسوس بلا وعي حتى لم أعد أعرف من منهما الضحية، بشر مسه الجن أم جن مسه البشر .
أرأيت ؟ ليست الصحراء وحدها موطناً للممسوسين، المدينة أيضاً غنية بأهل الخفاء . هناك العلاقة بين اليومي المعتاد وبين العالم المخفي، مزيج من التفاعل بين ( هنا ) و ( هناك )، هذا هو محور الحدث في منساد .
تسألني عن النقاد ؟ من العراق وتونس كانت ردود الفعل مشجعة للغاية، من ليبيا اجتهد سعد الحمري في استقراء ما يمكن أن تشي به السطور، وكذلك شاعر بحس ناقد يدعى " عذاب الركابي " هل تعرفه ؟ لكن الذي يشغلني الآن هو أن أكتب المزيد، ثمة رواية أخرى تسكن أطراف أصابعي ولا بد لها أن تخرج إلى النور .



          . نحن لم ندخل بعد العصر الإعلاميّ الحديث

س7- تثير صحفنا هذه الأيام قضية عدم انتشار ووصول الإبداع  والمبدع الليبي إلى الساحة الثقافية العربية إلا القليل.. وما ندر، وربما بجهد شخصي.. هل ترى ذلك حقيقة ؟ وإذا كانت كذلك.. ما أسباب هذا التقصير ؟ مَنْ صاحبه ؟ وماذا تقترح؟؟
ـ هذه ليست مشكلة الكتابة فقط، نحن لم نخترع بعد العربات لنصل، الأغنية الليبية أيضاً، أين هي ؟ هل سبق لك أن شاهدت محمد حسن أو طاهر عمر أو عادل عبد المجيد على قناة فضائية عربية ؟ هناك أيضاً الدراما الليبية، متى تابعت مسلسلاً ليبياً على قناة عربية ؟، يا سيدي نحن خارج التقييم عربياً لأننا لم ندخل بعد العصر الإعلامي الحديث، لازلنا في عصر ما قبل الإعلام، وهو تاريخياً يماثل عصر ما قبل اختراع الكتابة .
سأضرب لك مثلاً صغيراً، مباراة كرة قدم بين الجزائر ومصر، بالتأكيد سمعت بها، كانت حرباً أهلية عربية مصغرة، أثناء ذلك تكتشف أننا عرفنا كل شيء عن منتخب مصر، حتى اسم وشخصية سائق الحافلة الذي كان يقود سيارة الفريق الجزائري، عرفنا حتى وجوه أمهات لاعبي منتخب مصر، وحفظنا عن ظهر قلب نوع الحليب الذي يشربونه قبل أن يخلدوا إلى النوم، في المقابل لم نعرف شيئاً عن منتخب الجزائر، لا شيء، كل التقارير تتحدث عن منتخب مصر، وكل الأمنيات تدعو لمنتخب مصر، حتى أن معلقاً ليبياً شهيراً انحاز بشكل مفضوح إلى منتخب مصر وصار يدعو له ليل نهار، ولكن، هل نلوم مصر على ذلك ؟ إطلاقاً، من حقهم أن يعبئوا الكون كله لمصلحتهم، ولكن، هل تدري لماذا ربحوا كل هذه الضجة ؟ لأنهم يقبضون على ناصية الإعلام العربي، لدى مصر قمر صناعي كامل اسمه (النيل سات) ولديهم أكثر من عشرين محطة مصرية تدعو لمصر وتروج لمصر وتسبح بحمد مصر،فماذا تملك الجزائر ؟ لا شيء، محطة واحدة يتيمة لا يعرفها أحد . 
ساحة العالم الآن ساحة فضائيات، حتى الشعر الشعبي الخليجي صرنا نسمعه ونشاهده أكثر من الشعر الشعبي الليبي، هل تستطيع أن تعدد لي المحطات التي تتخصص في الشعر الخليجي ؟ صعب جداً لأنها أكثر من أن تعد.. كل شيء، الأغنية الليبية لم ولن تصل إلى العرب لأننا لم ندرك حتى الآن أن اللعبة لعبة شركات إنتاج، كل المطربين والمطربات الذين تشاهدهم على الفضائيات هم مرتبطون بعقود مع روتانا أو الأم تي في أو غيرها، دون هذه العقود لن تذاع أعمالهم، فهل فكرنا في تأسيس شركة إنتاج ليبية ؟ لا اعتقد .
نفس الأمر يجري على النص الإبداعي الليبي، طالع أشهر المجلات الثقافية العربية، تجدها إما خليجية أو مصرية ، برأس مال مصري أو خليجي، رأس المال هذا يقوم بالاستعانة بكتاب من نفس جنسيته، هؤلاء يكتبون الزوايا الأسبوعية التي تذيعها بعد ذلك الفضائيات في برامج عالم الصحافة، ويصدرون الكتب بطبعات فاخرة توزع على كل مكتبات العالم، ويظهرون في اللقاءات المباشرة والمسجلة على الفضائيات، العملية أشبه بصناعة نجوم متقنة، فأين نحن من كل هذا ؟ لا داعي لأن تجاوبني، فأنت تعرف الجواب مقدماً . 


                      . أنا من قبيلة تعشق الشعرَ

س8-حصلت رواية" ليلة القدر" للطاهر بن جلون على جائزة "غونكور" الفرنسية لكونها الشعريّ.. وهذا يجلّ دور الشعر في العمل الإبداعي.. دون أن يتحول إلى جنين شعري.. ما مدى تأثير الشعر على قصصك ورواياتك.. وأنت المتميز في  لغتك الشعرية؟ لمنْ تقرأ من الشعراء؟؟
ـ لا أستطيع أن أنزع مسحة الشعر عن لغتي، أنا من قبيلة تعشق الشعر، ووالدي شاعر طالما روى لي سيرة بني هلال وأحاديث المساءات الغابرة في وادي درنة شعراً، وأسرتي بأكملها تتلذذ بسماع الشعر ويطيب لها أن ترويه وتحفظه، لكن الجينات الشخصية ليست كل شيء، أنا أرى أن على النص الأدبي أن يتقرب إلى المتلقي بمسحة الشعر، هذا لا يعني طبعاً تداخل الأجناس، ولا يعني أنه شرط ضرورة لوجود النص، هو لا يمثل هيمنة الشعر على النص بقدر ما هو قدرة النص على شاعرية تضيف إليه الكثير، إبراهيم الكوني يبهرك بشاعريته لكنك لا يمكن أن تدعي أنه يكتب رواياته شعراً، 


س9- ولمن تقرأ من كتّاب الرواية العربية ؟ وما الرواية التي أعجبتك.. وتعود إلى قراءتها من الحين والآخر؟

ـ لو عاش هاني الراهب أكثر لكتب أروع، أذهلتني روايته " خضراء كالمستنقعات "، ثم قرأت له الأخرى " خضراء كالحقول "، ثم " ألف ليلة وليلتان "، يملك هذا الرجل لغةً من كوكب آخر، ويتفنن في زخرفة التفاصيل، هو أيضاً يستفزك بموقفه، قد لا توافقه الرؤية لكنك لا تملك سوى أن تحترم إبداعه . 
الطاهر وطار سحرني بروايته " عرس بغل "، لقد هبط هذا الرجل مع تراب المجتمع في حفرة الكيف المتوارية إما خجلاً أو بدافع الخوف، أو لعله هاجس المزيد من المتعة، قدم لي مجتمعاً كاملاً في محيط محدود، ومنح الفقر وساماً لا أدري أيستحقه أم لا، كل هذا الخليط كتبه الطاهر في رواية واحدة، لا أملك أن أعدد لك الروايات التي أبهرتني، لكن ولسبب لا أعرفه قفزت هاتان إلى الذاكرة عندما أردت الجواب .

          

     . إذا لمْ تقرأ "بول فيرنار".. فأسرع الآن !! .

س10- ولمن تقرأ من كتّاب الرواية الغربيين ؟ من تراه يؤسس لرواية إنسانية هادفة؟ وما الرواية التي تتصدر كتب مكتبتك ؟
ـ هل قرأت النمل لـبول فيرنار ؟ إذا لم تفعل فأسرع الآن، أعترف أني تأثرت بفكرة العالم الموازي من هذه الرواية فنسجت منساد بعالمين متوازيين وان اختلفت الرؤية، في النمل ثمة عالم فوق الأرض نعيشه نحن، وهناك دنيا كاملة تموج بالحركة والفعل وردود الفعل يجسدها وجود النمل، الغريب أن لغة هذا المبدع تولد مرتين، في المتن عندما يكتب حياة البشر تبدو الجمل فوضوية مهجوسة بالارتباك وفعل الحركة اللا إرادي، تماماً كانطباعك وأنت تشاهد شارعاً يموج بالحركة وتتأهب لعبوره، أما عندما يكتب عالم النمل السفلي، فجأة يتحول الهامش إلى جنة حقيقية من النظام، هياكل دقيقة التكوين وحركة محسوبة وانفعالات يحسب حسابها مقدماً . 
رائعة هذه الرواية، وهي ذاتها الرواية التي استعارها مني الكثيرون دون أن يرجعها أحد، فكنت اشتري نسخة أخرى منها في كل مرة .
الرواية الغربية صارت متعة منفردة، منذ مطلع القرن الماضي وهي تتبع أسلوب الصدمة، المباشرة في فعل الحدث والمباشرة في الوصول إلى عمق ردود الأفعال، من يقرأ رواية " جاتسبي العظيم " على سبيل المثال للرائع " ف. سكوت فيتزجرالد " سيوشك على الترنح بتأثير الخمر، وكأنه داخل حانة، هناك جرأة لا حدود لها في التعبير تكاد تنقل القارئ إلى موقع الحدث، الرواية الغربية  تجاوزت الأسئلة التقليدية التي مازلنا نطرحها نحن، لعل هذا يعود إلى طبيعة المجتمع الغربي نفسه الذي تجاوز العديد من علامات الاستفهام لأنه بطبيعته مجتمع إنتاج لا يعبأ بالتوقف لمجرد جدال غير محسوم .

      . نحتاج دائماً إلى التجريب.. إلى صياغة جديدة للحياة 

س11- الصديق بودوارة يكتب الخاطرة.. والنص المفتوح.. وقصيدة النثر !
أعرف أنك تجرّب.. وأعظم شيء في الإبداع هو التجريب..هذا حال كبار الأدباء العالميين..!! قل لي لماذا يخاف البعض نسائم هذا التجريب.. بل يراه أصحاب الأذهان التقليدية مزعجاً ؟؟

ـ هل أخبرك بما جرى لابن أبي ربيعة ذات يوم ؟ عندما أنشد : 

ألا يا أيها العشاق ويحكم هبوا.. أسائلكم هل يقتل الرجل الحب ؟

عندها وارى النقاد وجوههم خجلاً، وعدوه أضعف بيت قالته العرب، ورموا الشاعر بالمزيد حتى قالوا انه صاحب البيت المخنث . 
هناك اتباع مأمون الجانب، أن تلزم الظل، هل أخبرك شيئاً عن الظل ؟ 
إنه ذلك الكائن المسالم الذي يحتويك.. قدم لك الملجأ من سطوة الشمس.. يستضيفك طالما لذت به، وعندما تقرر الرحيل لا يسألك عن السبب ولا عن وجهتك ولا يمسك بأطراف ثوبك طالباً منك البقاء، أرأيت ظلاً يمسك بثوب صاحبه طالباً منه البقاء ؟ 
هذا هو الظل، مسالم، مأمون الجانب، لكنه لا يبتكر، ولا يبتدع، ولا يأتي بجديد، نحتاج دائماً إلى التجريب، إلى صياغة جديدة للحياة، ولكن انتبه، هذا لا يعني العبث، ثمة خيط رفيع بين الابتكار والعبث، وهنا بالذات تكمن المسألة، ثمة تجاوز لحدود تجربة الإنسان مع المعتاد ولكن ليس لمجرد التجاوز، إنما لأن المخيلة أوحت لهذا الإنسان بأنه من الممكن صنع حياة أجمل إذا تجاوز هذا المعتاد، هناك إذن هدف مشروع، فمنذ بدايات الخليقة وهذه القاعدة رغم ثباتها تنتج الابتكار والتجدد، بدأنا بالركض وراء الأرانب البرية لغرض الحصول على الطعام، ثم أدركنا أن الأفضل يمكن أن يتحقق بالمكوث في الأرض ورعاية البذور وهي تنمو فأبدعنا الحضارات واكتشفنا الكتابة أولاً، ثم همست لنا المخيلة أن هناك جمالاً أكثر من مجرد تدوين حسابات البيادر والحقول، هناك نصوص أدبية يمكن أن ننسج من خيوطها الأساطير ودواوين الشعر، هكذا تم ألأمر، الابتكار تمليه ضرورة السعي وراء وجود أكثر جمالاً وأبلغ في تأثيره على الكون، إذا تهشمت هذه القاعدة انكسر الزجاج، وغدت محاولات التجديد نوعاً من عبث لا يؤدي إلا إلى الخراب، وتقريباً هذا ما يحدث الآن . 



س12- يقول العبقري – ماركيز:" كلّ ما يحدّ الإبداع فهو رجعي ".. هلْ ترى أنّ هناك حدوداً للإبداع ؟؟ ماذا تقول لمنْ يتجسسون على نبض قلوبنا.. وأحاسيسنا.. وحتى أحلامنا؟؟
ـ جملة واحدة، كفى ما حدث، ألا يكفيكم أننا صرنا لا شيء ؟ 


      .الصحافة أخذت من دواة حبري الكثير 


س13- بعد َ" البحث عن السيدة ج" و" ميم" ما الجديد ؟ وماذا نقرأ من نصوص مختلفة.. متمردة ؟؟
ـ أنا يا عذاب لم أكتب شيئاً بعد، مشكلتي أني انسقت وراء همّ الصحافة فأخذت من دواة حبري الكثير، ومشكلتي أني استاذ أكاديمي أدرس في الجامعة وأنشغل بمقررات الطلبة وامتحاناتهم، لكن همي الأكبر أني لا أعيش الحياة التي تخصني إلا عندما أكتب، لذلك سأظل وفياً لدواة حبري مهما تزايدت من حولي فوضى المشاغل ، أعمل الآن على رواية اسمها "الكائنات "، أرغب في أن تكون مختلفة وصادمة، هناك أيضاً كتاب كان من المفترض أن أنتهي منه منذ سنتين، اسمه " ديكتاتورية الوجع / قراءات في الشعر الشعبي "، وهناك أيضاً نص طويل بدأته وأريده سيرة للماضي والحاضر، أسميته " السيرة الذاتية للفتنة الكبرى ".. أرأيت ؟ لازال هناك بعض الحبر في أصابعي !!

                                


..