الأربعاء، 2 يوليو 2014

أسئلة الثقافة للمتوكل طه




                        الشاعر المتوكل طه /فلسطين     الساعر حبيب الصايغ / الإمارات     الشاعر خالد درويش / ليبيا

الشمس الثقافي

  1. صدر مؤخراً للشاعر المتوكل طه،عن اتحاد كتاب فلسطين كتاب جديد بعنوان "أسئلة الثقافة في القدس والمقاومة والتطبيع"، يقع في 220 صفحة تقريباً، ويتحدث في ستة عشر محوراً كالأتي: الثقافة وشروط المقاومة، مقاومة المكان المقدس آليات التطبيع ونقضيه، المقاومة في مواجهة خطاب التطبيع وخطاب الأزمة، الحرب والثقافة، المطلوب من المثقفين، القدس عاصمة للثقافة.. والتطبيع، الخطاب الثقافي وضرورة تأبيد المفهوم، الثقافة والنكبة النكسة والمخيم، الثقافة والعنف، المثقفون في النكسة، ميزات الثقافة تحت الاحتلال وما بعد أوسلو، العولمة وثقافتنا، الإلغاء والإلهاء، ما وقع على المصطلح، ونداء إلى الأمة. كان لي شرف الحصول على نسخة منه قبل طباعته،  تحدث الكاتب عن همومه المتمثلة في هوية الثقافة العربية في ضل الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، فيستهل الكتاب بتعريف مفصل للثقافة حين يصفها بأنها أي الثقافة بدعامَتَيها المادية والروحية هي في محصلة الأمر تلك المعايير التي نجابه بها الجديد والطارئ والغريب، بمعنى أن الثقافة تعطينا الميزان الذي نقيس به الصواب والخطأ، الأخلاقي وغير الأخلاقي، النافع والضار. ويستطرد بالقول أن الثقافة إذاً، بدعامتيها الروحية والمادية، هي الأنماط الذهنية والوجدانية والسلوكية التي تم تثبيتها خلال الزمن، فصارت إلى حدٍّ ما مطلقة، نهائية، مقدّسة، صارت جزءاً من التكوين الروحي والنفسي والتعريف الكلي للوجود وهدفه وأسلوب ممارسة ذلك الوجود وشكله. وكلما كانت تلك الأنماط الثقافية داخليةً كانت عصيّة على التغيير أو التغير أو المناقشة أو إعادة المناقشة، ولهذا يمكن للمرء أن يغير ملابسه أو أدوات منزله، ولكن من الصعب عليه أن يغير معتقداً يؤمن به. ويؤكد على أن قوة الثقافة، أية ثقافة، تكمن في قدرتها على المجابهة من جهة، وقدرتها على الحوار وتقديم الإجابات والردود، وسرعة استجابتها للجديد والطارئ والغريب. الثقافة التي ماتت كانت متحجرة، مغلقة، لم تستطع أن تفهم أو تُدرك ما يدور خارجها. 
  2. وتحث عنوان "الثقافة وشروط المقاومة"، يطرح الكاتب العديد من الأسئلة حول ما هية مقومات ثقافتنا؟! وهل يمكن الكلام عن ثقافة خاصة بنا؟! هل هناك وحدة مصطلح ووحدة مفهوم لهذه الثقافة؟! هل يمكن الحديث عن ثقافة متعددة إلى ثقافة واحدة؟! وأخيراً هل هناك ثقافة عربية إسلامية يتفق عليها الجميع؟! وفي فلسطين .. ما هي الدوافع الثقافية التي تدفعنا إلى البقاء والصمود والمقاومة؟! هذه الأسئلة لا نندفع إليها بفعل هزيمة النظام العربي فقط، فقد طُرحت هذه الأسئلة، أيضاً، في أوج قوة الحضارة العربية الإسلامية، ذلك أن الحضارات القوية تطرح أسئلتها دائماً، ودائماً هي مستثارة، ودائماً هي محرضة، قادرة على مناقشة ذاتها. هذا هو قدر الحضارات العظيمة، وإذا توقفت أية ثقافة عن طرح الأسئلة فإنها تموت عملياً.
  3. ولكن من زاوية أخرى يجب أن نتساءل، لماذا لا يُقال إن فهمنا ثقافتنا وعروبتنا فهم منقوص وخاطئ وغير فاعل حتى نبقى مهزومين حتى على مستوى اللغة ؟ ويوضح المتوكل طه رأيه في خصوصية الفلسطيني ثقافياً حين يقول: الفلسطينيون هنا على هذه الأرض، يقدمون الثقافة العربية والإسلامية بأبهى صورها، ويتساءل: كيف ذلك؟! إنهم ببساطة يعتقدون أن عناصر ثقافتهم الداخلية والخارجية من القوة، بحيث تتم التضحية بالنفس من أجل كرامة الإنسان وكرامة الأرض، وبحيث يتم ذلك بأقصى درجات الرضا والاكتفاء. 
  4. وهنا يجب الاعتراف بأن النتاج النخبوي الثقافي من قصة ورواية وشعر ورسم وغناء، ما هو إلا تفريغ لجذور أعمق وأعرض، وهذا النتاج النخبوي ليس كل الصورة وإنما جزء منها، فقصيدة الشعر لا يتم الاعتراف بها إلا بمقدار اقترابها من ذلك الجذر العميق وفهمها إياه، ومن هنا، فإن العقلية الجمعية أسقطت من ذاكرتها ملايين قصائد الشعر التي قيلت، ولم تبق إلا قصائد قليلة عبّرت واعترفت بالجذر العميق، وكانت ابنة شرعية له وبرعماً صغيراً استمدت النسغ منه.
  5. ليعود الكاتب لمأساة القدس في عنوان لقسم أخر من الكتاب " مقاومة المُكان المُقَدَّس .. آليات التطبيع ونقيضه"، حيث الحديث عن القدس هذه الأيام لا يَسَُر ولا يطرب، عندما تزورها فإنك تشعر بما شعر به أسامة بن منقذ عندما زار القدس وهي تعاني إذلال وحكم الفرنجة. وذون الدخول في تفاصيل أحوال القدس يصف لنا الكاتب المشهد العام للمدينة المقدسة بشكل سريع وخاطف ولكنه خانق في نفس الوقت، القدس الآن وباختصار ودون الخوض في تفاصيل محرجة ومخجلة، مدينة تمزق وتخترق وتمحى وتهود، وتُغير وُتبدل بوصة بوصة، جداراً جداراً، ويعمل المحتل على محاصرة أهلها، بيتاً بيتاً، شاباً شاباً، امرأة امرأة، بالضرائب والألاعيب والمؤامرات المخابراتية والتهديد بالطرد والتوقيف وعدم منح الأوراق الثبوتية وباقي أوراق المواطنة والبقاء التي تكتسب أهمية كبرى للصمود اليومي واحتمال الحياة في القدس، ولا يكتفي المحتل بذلك، فهو يسّهل كل أنواع الجريمة والانفلات والانحلال والتفكك الأسري والأخلاقي، والمحتل يغض البصر عن الخلافات العائلية والقانونية وحتى الفصائلية ما دامت تصب في مصلحته ومصلحة بقائه، والمحتل استطاع أن يطرد أو يسهل طرد المؤسسات الفلسطينية ذات الصبغة السيادية أو الشبيهة بها، واستطاع المحتل أن يغلق أو أن يعمل على إغلاق كل المؤسسات الفلسطينية والعربية والأجنبية التي تعمل في مجال الثقافة أو الفن أو التربية أو التعليم داخل مدينة القدس. واستطاع المحتل أن يسّور المدينة المقدسة بعدد من الأسوار التي لم تشهدها مدينة في التاريخ من قبل، فهناك أسوار من الاسمنت، وهناك أسوار من الأسلاك الشائكة وهناك أسوار من المستوطنين، وهناك أسوار من الشوارع الالتفافية، والأهم من كل ذلك، هناك أسوار من الصياغات الدبلوماسية والتواطؤ الدولي والدعم القريب والبعيد، تسمح للمحتل أن يستفرد بالقدس وأن يسوّرها وأن يمتلكها أو يهيئ له ذلك حتى حين.  ويتفرد المتوكل طه في سرد معاناة المدينة حيث القدس جزء من حياة وذاكرة الرجل، وأتذكر يوم التقيته في مدينة سرت على هامش مؤثمر إتحاد الكتاب العرب، حينما تحدث عن بعض المواقف المهينة التي تعرض لها في أحد المعابر على يد الجيش الصهيوني، وكيف سجن لعدة مرات وأحياناً دون سبب، هذا الوضع الذي يطال مسؤل في الحكومة الفلسطيبية فما بالك بالمواطن العادي، وبالعودة لحال المدينة التي عدنا جميعاً نتفرج عليها من خلال شاشات التلفزيون. يقول المتوكل طه: إن خطورة التكيف أن نحتمل جميعاً فكرة ضياع المدن، سبته ومليلة والاسكندرون والقدس وجزر أخرى هنا وهناك . العادة والتعوّد عدو يجب قتله، التطبيع هو جزء من العادة والتعود.
  6. وبالتالي سلاح المقاومة في مواجهة خطاب التطبيع، وتحديد نوع الخطاب الموجه كما يقول الكاتب: إن الخطاب المتعايش والمتكيف مع الهزيمة مستعيناً في ذلك بالتوفيق والتلفيق، هو خطاب أزمة بامتياز، هي أزمة التعامل مع الواقع، أزمة السؤال والتحدي، أزمة الهوية، أزمة الشرعية، وأزمة التنمية. هو خطاب أزمة لأنه خطاب تعايش مع الهزيمة، وهو خطاب تعايش مع الهزيمة لأنه خطاب أزمة، ولا يمكن تجاوز كل ذلك إلا بتجاوز الأزمة عن طريق رفض الهزيمة. يقول طه هذا الكلام، من أجل أن يقول: إن خطابنا الرسمي الذي يتعايش ويتكيف مع الهزيمة، يستبعد كلياً خيار تحرير القدس، ويتساءل. أليس هذا غريباً؟! أليس عدم الكلام عن التحرير تعايشاً مع الهزيمة وتكيفاً معها وقبولاً لها؟!.
  7. نعم فعندما نتحدث بلغة لا نؤمن بها ولا نصدقها، تتحول هذه اللغة إلى خيوط مرنة ولكنها غليظة وطويلة، حتى تكفي لتأليف حبكات ينقصها الصدق والصراحة والجرأة. وعندما لا نتحدث عن تحرير القدس التي تؤلف جوهر إيماننا فإننا نقوم بخيانة ما أو ما له طعم الخيانة، والعدوان على غزة أيضاً، كشف عنا الغطاء، وأسقط ورقة التوت عن عورات خطابنا وأدائنا كذلك. كشف الهوة الكبيرة بين النخب وبين جماهيرها، وبين الشعارات وتطبيقها، كشف قوة الجمهور وعدم تجانسه وتماسكه واستمراره، قوة الجماهير مندفعة وعشوائية ثم تذهب دون تنظيم، كشف موسمية هذا الغضب وعدم تحوّله الى مؤسسة، وكشف رعب الأنظمة وخوفها ومدى بطشها، كشف تخاذل المثقف وانحيازاته المشبوهة، وكشف نقص الوعي وتبعثره وتوجهه الى مهالك الهوى والغرض والمصلحة، كشف انحياز بعض النخب إلى أعدائها عندما تحين ساعة الحسم والحزم . كشف مدى اختراق العدو لنسيجنا الاجتماعي والثقافي والأمني والسياسي، كشف ضعف وهشاشة المجتمع المدني لدينا، وكشف ارتباطاتنا وصفقاتنا وجرائدنا وكتابنا. ليصل الكاتب إلى نقطة مهمة جداً وهي "المطلوب من المثقفين" ليناشد المثقفين العرب والمثقفين في كل مكان ويطالبهم برفع الصوت عالياً ومدوياً في المنظمة الدولية وغيرها، وبإعلان موقف حاسم وواضح ضد ما يجري لشعبنا من إبادة على مدار السنوات الأخيرة، إذ لم تعد المناشدة اللفظية والنداءات الخجولة كافيةً أمام بلاغة الدم الذي يكتب الوجع الفلسطيني على الحواجز وفي الأزقة والشوارع والمزارع والساحات. أما نحن أبناء هذا الشعب من مثقفين ومبدعين وأكاديميين وفنانين، وفي كافة القطاعات ومختلف الأماكن، نصرّ على سبيل تحقيق شروطنا في إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين، وإزالة المستوطنات. 



ليست هناك تعليقات: