الأربعاء، 2 يوليو 2014

الجمال: بين خلل المعايير، وخفاء التجلّيات محاولة لاستكناه الجمال في عمقه وتجلياته ومواطنه غير المعلنة



د. خالد إبراهيم  المحجوبي
نشر بالشمس الثقافي 


حقيقة المفهوم الجمالي: 

    بديهي أن الجمال ليس موجوداً طبيعياً فيزيائياً، أي ليس هو من المحسوسات المادية، وبتعبير فلسفي قديم هو: ليس جوهرا بل عرض من الأعراض، تلك التي تشترك في استعصائها عن نفوذ الحواس البشرية المألوفة، وللجمال تميّز، وتزيّل عن غيره من الأعراض المعنوية ؛ حيث إنهكما يبدو لي- غير منبعث ولا ناشئ من الذات، إنما يبثه مصدره، ويشعه منشؤه ؛ فينسرب داخلاً إلى عمق الإنسان المتلقي، ويستشعر بهجته ؛ فينتشي بلذته، ثم ينعكس ذلك إلى حاسته الشاعرة، وشعوره الحاسّ. إنه أشبه ما يكون بحزمة من شعاع شمسي ينهال إلى أوراق خضراء طرية، فيستشري في مسامها ؛ فتحتويه، ثم تنتعش به
    الجمال إذاً ضيف يحل إلى النفس بعد أن كان مفارقاً، وقد أسلفت أنه بهذا يباين شأن الأعراض والشعورات الساكنة داخل الإنسان، فهي تنبعث من الداخل؛ فتمتلئ بها الذات المدركة، بعد أن يبثها الشعور والإدراك، فيها-أو نحو ذلك-، فالإعجاب مثلاً هو شيء كامن في الإنسان، مستعد للانطلاق والظهور بمجرد استثارته بشيء معجِبٍ، كذلك الكراهية لها محل في الداخل، وهي جاهزة للظهور فور توفر الحافز المتمثل عادة في رؤية بغيض أوكريهٍ، أو على الأقل رؤية فاقد للوازم الإعجاب . هذا شأن الأحوال الطبيعية .أما في أحوال الاضطراب النفسي أو العقلي فيمكن أ ن تستثار تلك الشعورات بغير حافز منطقي، بمعنى أنها قد تترتب على غير سبب، فتصدر بمعزل عن المصدر الطبيعي المثير لها في الأحوال الطبيعية.
    الجمال شعور وإحساس، راق، دقيق، عميق، مؤثر، وهو من أهم روّاد وضيوف الذائقة الإنسانية التي تنتشي وتستبشر به، متى لامسها.
    ومن زاوية قريبة نستطيع رصد ه بقولنا : إنه أحد المواجيد الذوقية، المنتقلة بطريق الذائقة إلى الشعور؛فيستثير الإحساس .
    وقد عانى مصطلح الجمال من  تسطيح بالغ أزرى به، وضيّق آفاقه، وقصّر عمقه؛ حيث ربط بالاستحسان المظهري المنسرب عن طريق الإبصار أو السماع.
    لا جرم، سيطر الجمال على قلب الإنسان، وطغا على عقله، ففرض عليه أن يمجده، ويقدسه؛ فابتكر له آلهةً خاصة هي آلهة الجمال . فعند الفينيقيين ظهرت عشتاروت، ووسط الإغريق كانت أفروديت، ولدى الرومان عرفت فينوس، وأنانا عند السومريين، وهي عشتار عند البابليين.
    ولقد ارتبط الجمال في تجسّده المرئي بجسد  المرأة أكثر من ارتباطه بشيء  آخر من صور الطبيعة المرئية ؛وفي هذا ما يفسر اكتشاف صور نسائية من لدن العصر الجليدى الأخير، في تماثيل صغيرة، حجمها ما بين 5 سم، و25سم . موزعة على رقعة جغرافية من جنوب غرب فرنسا، حتى بوتيكاك في سيبيريا . ومن إيطاليا في الشمال حتى الراين.(1)
    ومن أوضح تجليات الوجود الأنثوي في  العقائد ما نجده في منظومة الآلهة اليونانية (2) واستمر التعلق الجمالي الأنثوي قبل ذلك وبعده، فلم تخل منه أي حضارة سواء متمدّنة أو متخلفة، متدينة أو غير متدينة، وهذا ما يفسر الوجود الطاغي للمرأة في شعر الجاهليين مثلاً كما هو حاضر في الشعر الإسلامي. وهذا أمر منسحب على كل حضارة، وثقافة حتى ليعسر أن نتصور وجودَ فن من غير الحضور النسوي، الذي كان ولا يزال المحرك الحيوي لإبداعات المبدعين في كل مجال من مجالات الفن والإبداع، والفن هنا أوسع مدلولاً من الإبداع ؛ فالفن يحيل إلى مفهوم مفاده : كل نشاط، أو عمل بشري يحمل مشاعر وعواطف صانعه، في إطار جدلية المنتج والمتلقي، ولا ريب في أن هاته الجدلية مسكونة بهاجس الجمال الذي هو أقوى المؤثرات في الذوق، والشعور، والإحساس.
    وليس بعيدا عن هذا ما سبق إليه (بنيديتو كروتشة)1877-1952. حين قرر أن الفن كل متكامل وأنه عملية تركيب سابقة متعددة الأوجه من حيث المحتوى والصورة والحدس والتعبير الجمالي، فهو إذاً وِحدة متكاملة ؛ لذا فالتمييز بين الفنون والصور الفنية الأدبية تعسّف خالص (3) . 
    ويمكن بنظرة شاملة تصور كل أصناف الإبداع والفن بوصفها تجليات جمالية، أي أنها نابعة من الجمال بمعناه الواسع، غير المحدود .
    التباينات المعيارية في الأحكام الجمالية       

    حين تكلم المذهب المادي الجدلي (4) عن علم الجمال، قرر وجوب  الإقرار بوجود عنصر موضوعيفيما يتصل بالحقيقة والأشياءيسمح بتقييمنا الجمالي، وهو الذي يسمح بإصدار الحكم على الشيء بكونه جميلاً أو قبيحاً، وهذا  التقييم يعتمد على تطور الطبقات، ولما كانت كل طبقة لها احتياجات غير احتياجات غيرها ؛ فإن كل طبقة تشرع في إصدار أحكام جمالية بطريقتها الخاصة(5).
    ومن الواقع الملحوظ أن  تكون المرجعية هي المنتج الرئيس للنتائج النابطة عن المركز المعتمِد على تلك المرجعية التي قد تكون ثقافية عميقة، قائمة على عناصرها الثقافيةٍ ، هذه  العناصر التي أراها لا تخرج عن أربعة هي
العنصر الديني اللاهوتي .
الاجتماعي الوضعي .
الخرافي الفوضوي .
    إن هذه الثلاث هي العناصر المرجعية المؤثرة في أي مجتمع إنساني، وعلى أساسٍ من أحدها أو جميعها تتكون المعايير والقسطاسات التي يهتدي الإنسان بضوئها في تحديد أحكامه الجمالية، لكن بقي عنصر هو من المؤثرات المرجعية، لم أذكره فيما سلف؛ لكونه أخفى وأدق وأقلّ نفوذا ووجودا وأعصى عن الانتباه من غيره، ألا وهو
  4-ا لعنصر الروحي الوجداني الذاتيوهو القابع في الأعماق في معزل عن وسائل المعرفة والتوجيه التقليدية، إنه متوجه بالإلهام المتعالي عن الحواس، المفارق للمدارك والمدرِكات الطبيعية التقليدية، وهو عنصر موجِّه، فضلاً عن كونه متوجهاً . بمعنى أنه مؤثر و متأثر في حين واحد .وبرغم إنكار  الكثير من أهل العقول لحقيقته؛ فإنه ماكث في العمق فلا يدركه إلا القليلون في تآصر خفي غير ظاهر، وتواشج مكتوم غير معلن، وبتعبير قدماء الفلاسفة هو مضنون به عن غير أهله.
    لئن كنت أتيت على ذكر المعايير والمقاييس، فعليَّ أن أقول : إن الجمال في واقعه قيمة متعالية عن المعايير الوصفية الموضوعة لرصده؛ لذا لا يصح اعتماد معيار معين ومصادرة غيره؛ لأن في ذلك اعتداء على حق الآخر في اعتماده لما ارتضاه من معايير جمالية فرضها ذوقه  الخاص، وأوحت بها مرجعياته المعيارية في الإطار الثقافي الخاص به، حسب المستويات الأربعة السالف ذكرها (6).
    إذاً الجمال متعال عن المعايير المألوفة في ثقافاتها الطبقية الإنسانية، وهذه حقيقةعندي على الأقل- غفل عنها أكثر العالمين سواء من العوام، أو الخواص، الجامدين أو المبدعين، ولم يفطن لها غير نزر يسير ولجو ساحة التصوف الروحيبمعناه العام- ؛ حتى صاروا يبصرون الجمال حالاًّ في كل ما أوجده  الله، حتى إذا استعصى عن ذوق العارف منهم، تقبُّل ملمحٍ ما، أقنعته نفسه بأن قصوره وغبش روحه هما الحاجب عن إدراك ملمح الجمال ذاك . ولعل الشاعر أدرك ذلك حين قال : كن جميلاً ترى الوجود جميلاً.
    فليس غريباً بعد ذلك أن يوجد الجمال حيث لا جمال . ولتقريب هذا المعنى أذكِّر بأمثلة مرئية: من ذلك تباين مقاييس الجمال الأنثوي لدى الرجال، فهو تباين يوجد متفاوتاً على مستوى الأمم المتكاثرة، ثم على مستوى الأمة الواحدة وأطرافها . حيث تكون صورة ما مستقبحة مستشنعة عند بعضهم، في حين كونها من أمثلة الجمال عند الآخرين .
    ففي بعض مناطق أفريقيا يستملح الرجال وجه المرأة إذا كان ملطخاً وممزقة وجنتاها بمشارط حديدية، كما أن من عناصر زينة بعض رجالهم أن يخرق جلده، ويحدث فيه شروخاً وتمازيق
    وفي بعض مناطق آسيا يستحسنون إطالة عنق المرأة باستعمال لوالب وحلق معدنية تضعها الفتاة سنين مديدة حول عنقها؛ حتى تطول رقبتها إلى درجة مفرطة مشوهة لخلقتها الأصلية.
    وفي  نطاق البيئة العربية تحدثنا الأشعار القديمة عن استحسان العربي القديم لصفة البدانة في النساء .من ذلك قول عمرو بن كلثوم
     ومأكمة يضيق الباب عنها    وكشحاً قد جننت به جنوناً 
ويقول عمر بن أبي ربيعة :
    إذا ما دعت أترابها فاكتنفنها      تمايلن أو مالت بهن المآكم.
    أما في العصر الحديث فإن سمة البدانة، أضحت عند الأكثرين غير مستساغة، بل صارت عيباً من المعايب البدنية المستقبحة (7).
    إن هذا الموضوع متداخل مع الأنثروبولوجيا، التي يمكنها كشف ا لمزيد مما يتعلق بالتباينات المعيارية في الأحكام الجمالية، بين الأجناس البشرية، وطبقاتها ا لمجتمعية، في تفاعلها مع ثقافاتها الخاصة، سواء الموروثة، أو الحادثة الآنية.
    ومما يستحق أن نذكر به كون حساسية الذائقة الجمالية ليست على درجة واحدة أو ثابتة عند الإنسان، فتلك الحساسية تتفاوت طردياً مع المدى الحضارة والرقي الاجتماعي من جهة، والصفاء الروحي والنقاء الذاتي من جهة أخرى.
الجمال في القرآن :
    
    عملت على استتباع وتأمل الاستعمال القرآني لمصطلح الجمال فظهر لي أن هذا النص الشريف قد استعمل ذاك المعنى في صيغ ثلاث:
1-جمال/ مرة واحدة .    2- جميل / ثلاث مرات. منها ثنتان منكّرة،        3  - جميلاً/أربع مرات.
وذلك في ثمانية مواطن هي التالية
    1-في سورة النحل . الآية السادسة {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون}.
سورة يوسف الآية 18{فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}.
سورة يوسف الآية83 {فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً}.
سورة  الحجر الآية 85 {وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل}.
سورة الأحزاب الآية28 {فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً}.
 سورة الأحزاب الآية49 {فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً}.
سورة المعارج الآية 5 {فاصبر صبراً جميلاً}.
سورة المزمل الآية 10{واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً}.
    في هاته الآيات جاء الجمال في محل نعت تابع لمنعوته، رتبة وإعراباً . والأشياء التي تم نعتها ووصفها بتصاريف الجمال هي: 1-الأنعام:مرة واحدة     2- الصبر ثلاث مرات.      
3- الصفح : مرة واحدة،        4- السراح :مرة واحدة     5- الهجر: مرة واحدة .
    ومن  هنا نلحظ بوضوح نقيّ أن الله تعالى اجتنب ربط الجمال بالمحسوسات الماديةإلا في مرة واحدة- حينما وصف به الأنعام، أما المواطن الأخرى الحاوية للنعت بالجمال، فكانت معنوية فوق سلطة الحواس التقليدية : الصبر، والصفح، والسراح، والهجر .
    وهنا أكرر فقرة ذكرتها أول هذا الموضوع حين أكدت على أن الجمال قد عانى من تسطيح بالغ أزرى به، وجعل آفاقه ضيقة، وأعماقه ضحلة، حينما قرن بالاستحسان الظاهري للمرئيات المحسوسات تحديداً. وأُغضيَ عن وصله بما ارتقى فوق المحسوس المادي من الموجودات.
    إن للجمال قنوات يتوسل بها إلى الذوق والروح، فمن الجمال ما يسري في قناة الإبصار، ومنه ما ينسرب عن طريق الاستماع، ومنه ما يدخل من سبيل الملامسة، ومنه ما يسري في قناة الشعور فيلامس الذوق، ثم يسكن مباشرة في مرابع القلب، فتنتشي به الروح وتنتعش له النفس .وهذا النوع الأخير مختص بالموجودات المفارقة للطبيعة المُدرَكة المتعالية عن الحواس الإنسانية، من ذلك إحساس المؤمن بجمال الله تعالى، الذي هو بذاته محب للجمال كما صرح النبي عليه السلام حين قال ((إن الله جميل يحب الجمال))(8).
    إن آثار جمال الله تعالى لتبدو صريحة في حالات الخشوع القلبي، والسكينة النفسية، وحالات الطمأنينة الداخلية الحادثة بملامسة أو ملابسة أثر من الآثار المتصلة بذات الله تعالى. من ذلك استحضار عظمته،و ذكره تعالى، وهاته حقيقة أشار إليها الله نفسه في قوله {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}سورة الرعد الآية 28  .
    ولا يخفاك أن الطمأنينة القلبية هي أرقى تجليات الجمال وآثاره، التي أتصورها متخذة للصور التالية : 1-طمأنينة قلبية 2- لذة حسية في نطاق الحواس التقليدية 3- انتعاش ونشوة نفسية.  
     ولم تخلُ الفلسفة الأفلاطونية من الإشارة إلى واقع الجمال الإلهي، حيث جعله أفلاطون ضمن درجات ما عرف بالسلم الأفلاطوني الصاعد في الجمال. وفيه حدد مراتب الجمال وجعلها أربعاً.(9 ) هي الجمال الحسي، والجمال الخلُقي، والجمال العقلي،والجمال الإلهي  
    كان النظر إلى الجمال مقسماً إلى مراتب، مما ورد في مأثورات، غير مشتهرة للفقه الإسلامي، وقد أشار أبو عبد الله القرطبي إلى تقسيم الجمال، وأنه يكون في الصورة وتركيب الخلقة، ويكون في الأخلاق الباطنة، ويكون في الأفعال(11 ). والغريب هنا إغفال ذكر  الجمال الإلهي الذي ذكره أفلاطون وغفل عنه القرطبي
    ليس من ريب في أن للجمال وقيمته مكانه ركينة في الإسلام ونصوصه، وهذا ظاهر برغم إعراض أكثر الفقهاء والعلماء-رحمهم الله-عنه وعن مقاربته.
    إن المتجول في سواء النص القرآني لن يخفاهلو تأنى وتأمل-أن القرآن ((يريد أن يغرس في عقل كل مؤمن وقلبه الشعور بالجمال المبثوث في أرجاء الكون من فوقه ومن تحته ومن حوله)) (12 ).
    كل هذا ماثل في السماء وما حوت،  والأرض وما أقلت، وفي الحيوان والنبات، وفيما خلق الله من شيء .
    لنقرأ طرفاً من ذلك في الآيات التالية (13) : 
1-{والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون}سورة النحل الآية 5-6  .
2-{أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها } سورة ق الآية 9  .
3-{ ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين}سورة الحجر الآية 16  .
4-{والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج} سورة ق الآية 7 . 
5-{وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة} سورة النمل الآية 60
6-{أمَّن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي}سورة النمل الآية61.
7-{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}سورة  الروم21.
8-{ وينـزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها}سورة الروم 24.
9-{وصوّركم فأحسن صوركم}سورة التغابن 3.
10-{تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيراً} سورة الفرقان61.
11-{الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك}سورة الانفطار 7-8.
    إن الله تعالى يحيلنا-في الآيات السالفة- إلى صور ومظاهر للجمال في نطاقه الحسي المرئي؛ لأنه النطاق الأبلغ تأثيراً في الإنسان التقليدي المادي، الذي كانـه العربي ُّالقديم الذي خاطبه القرآن أول العالمين، بهذا القرآن المجيد.
    كما أن جماليات الوجود الأخروي صورها القرآن في النطاق الحسي ذاته (14 )، للغرض نفسه من غير إغفال للنطاق المعنوي كلياً حيث تم التركيز عليه بدرجة أقل، وتمثل في الإشارة إلى جماليات ما يسبغه الله من محبته ورضاه، فالرضا والمحبة من أخصب مواطن الجمال، وذلك في أمثال قول الله تعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه}سورة البينة الآية 8 وقوله {فاتبعوني يحببكم الله}آل عمران  الآية31، وقوله {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}البقرة 195، وقوله {فإن الله يحب المتقين } آل عمران 86 ، وقوله {والله يحب الصابرين} آل عمران 146، وكذا قوله {إن الله يحب المتوكلين} آل عمران 159، و{إن الله يحب المقسطين} المائدة 42، والممتحنة 8، وقوله {إن الله يحب المتقين}التوبة 4، وكذا الآية 7، وقوله {إن الله يحب المطهرين} التوبة 108 .
    إن التركيز على إعلان حب الله لهذه الأصناف، فيه احتفاء رقيق، وتنبيه دقيق إلى وجود القيمة الجمالية المؤثرة وسط الحب الإلهي المسبَغ على المؤمنين، المحسنين، المتقين، المتوكلين، المقسطين، المطهرين. الذين تجملوا بهذه المحاسن كلها فاستحقوا أن يسبغ الله عليهم من جماله الذي تجلى في حبه ورضاه.  
   

هوامش

(1) -   انظر (تاريخ المعتقدات والأفكار الدينية) ميرسيا إلياد- ترجمة : عبد الهادي عباسدار دمشقط1 – 1987   1/34.
(2) –   من ذلك انتشار عبادة آلهة مؤنثة منها : هيرا، وهي سيدة الزواج، وأرتميز ربة الصيد، وتعد اثينا أهم ربات الإغريق بعد هيرا، فضلا عن افروديت  المرتبطة بالحب، وإلقاء الرغبة الجنسية 1/347 من المصدر السابق  . 
   عما عرف الفراعنة إيزيس  وهي أم حورس ، وتلقب بسيدة السحر، وكذا نوت  آلهة الليل، ونفتيس، وماعت  ربة العدالة ،( وميسه-أورث)،وحتحور، انظر (عالم الأديان والأسطورة والحقيقة ) فوزي محمد حمــيد. جمعية الدعوة الإسلامية.طرابلس . ط2 1999. ص87وما بعدها. وص125.
    وعند ديانات ما بين النهرين ظهرت (ننخرساج) الأرض الأم عند البابليين  و(أنانا) آلهة الحب، وتسمى  عشتار عند البابليين. و(أريشكيجال) إلهة العالم الأسفل    . 
    وعُرف لدى الهندوس (كالي )و(لاكشمي) و(ماريما) (وكريستا) انظر ص182 من المرجع السابق
(3) –  ( تاريخ الفلسفة المعاصرة في أوربا) بوخنسكيترجمة محمد عبد الكريم الوافيمكتبة الفرجانيطرابلسص140-141.
(4)- هو فلسفة أوربية معاصرة لا ممثل لها في الأوساط الأكاديمية بوضوح، إلا في روسيا حيث كان فلسفة رسمية للدولة ن ورائد هذا الاتجاه كارل ماركس.
(5)- (تاريخ الفلسفة المعاصرة ) بوخنسكي .ص 127
(6)-  وهي العناصر التالية : -1- العنصر الديني اللاهوتي    2  -الاجتماعي الوضعي   3- الخرافي الفوضوي  4- الروحي الوجداني.
(7)- عرف العرب صفات كثيرة جداً نعتو بها المرأة البدينة وأعضاءها،من ذلك قولهم: حنطوب- سرهنة- حَوشية- جعباء.وللتفصيل في موضوع ذوق ومعايير العربي القديم تجاه جسم المرأة انظر كتاب (العرب والمرأة :حفرية في الإسطير المخيم) خليل عبد الكريم-دار سينا ومؤسسة الانتشار العربي.ط1- 1998-ص13-ومن الصفحة 197 إلى الصفحة 220
(8)-  خرجه مسلم في صحيحه كتاب :الإيمان برقم131-وخرجه الترمذي بلفظ مقارب في سننه. كتاب:البرو الصلة. رقم 1922          
(9)- انظر الإشارة إلى هذا السلم الأفلاطوني في (علم التفسير:مبحث القيم) حماد فلاح  الغزالي .و ياسين عريبي. شركة سبأ للتجارة الدولية . سويسرا .ص52

(10) – تفسير القرطبي / أبو عبد الله القرطبي . دار  الفكر . بيروت.
(فقه الغناء والموسيقى في ضــوء القرآن والسنة)يوسـف القرضاوي- مكتبة وهبة-القاهرة .
(11) – ترقيم الآيات كلها حسب رواية حفص عن عاصم.
(13)- وذلك ما حوته الآيات الواصفة للجنة ونعيمها، اقرأ مثلاً قول الله تعالى {جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار} البينة الآية 8  .
وقوله {جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} فاطر33  ، وقولهإن للمتقين مفـازاً حدائق وأعنابا وكواعب أتـراباً وكأسا دهـاقاً }النبأ 32   .ونحو ذلكم ما يطفح به النص الشريف.

    
    

ليست هناك تعليقات: