الأربعاء، 2 يوليو 2014

في رثاء الشاعرة الليبية جنينة السوكني




لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتي

خالد درويش

ما الذي يبقى من الشعراء ؟ 
بضع كلمات ، بضع قصائد ؟
ما هو الشيء الذي نفتقده أكثر عندما يغيبنا الثرى ؟
ما الذي نحتفظ به معنا ونطويه قبل أن يحين موعد طينا نحن ؟
هناك حيث الملاءات بيضاء والكفن كالثلج أبيض وبارد .
أسئلة تدور في رأسي عندما أتذكر تلك اللحظة ، نعم مالذي يبقى منا نحن الشعراء ؟
هل هي القصائد أم السيرة أم الموقف 
بأي شيء سيتذكرنا الآخرون وهل الشاعر كل هذا؟ 
هل هذه الأقلام التي رثتها والقصائد التي قيلت في رحيلها ، والكلمات التي بكتها دما كانت تبكي الشاعرة أم الشعر ؟ 
السيرة أم الموقف ؟
الإنسان أم الكلمة ؟
 ويشهد الله أننا جميعا عزيزة فالإنسان عزيز وغال والكلمة عزيزة أيضا والشعر اعز وأغلى.
ذهبت فقيدتنا وتركت لنا مسك الحكاية وكان حقا مسك حكايتها وأذكر كم كانت فرحتها لا توصف بهذا الديوان اليتيم.
كانت مسك الحكاية حقا ، حكاية الموت الذي يختال دونما رقيب .
الطائر الأسود الذي يحلق فوق رؤوسنا .. لا يستأذن أحدا في ميعاد  قدومه ، فقط ريح هادئة تهب رويدا فيهدأ كل شيء ويمهد 
الموت الذي قهر البشر 
الطاغي في حضوره ، العاصف في غيابه هذا الجبار الأشم ،، انتصرت عليه الحكاية .
قهرته الكلمة فلا زالت المعلقات حية بضة ولازالت دواوين الشعراء يتردد صداها  وألحانه رغم أنف الموت .
رحم الله جنينة فقد كان لي معها الكثير من المواقف  ،، سافرنا معا وكانت زميلتي في صحيفة الجليس ولأنسى مهرجان ربيع الفنون بالقيروان حيث قرأت قصيدتها "قال الهوى" .
كانت متألقة جدا قدمها الشاعر التونسي محمد الغزي ولا زال تسجيل الفيديو بحوزتي كانت تقرأ المقاطع بصوت يغلبه الشجن .. في إحدى المرات كانت جالسة بجانبي حين دخل علينا الشاعر الكبير "أدونيس" لقد جاهدت ذاكرتها لكي تتذكره لكنها عندما فشلت سألتني :
ــ خالد منهو هذا ؟ 
التفت إليها وانا مندهش هل ثمة من لايعرف أدونيس لكن الأستاذ حسين المزداوي نبهني ‘ إلى ذلك الثعبان البغيض الذي ينهش جسمها لابد وأنه جثم على الذاكرة.
في تلك اللحظة تأسفت حقيقة ، لم تكن جاهلة بالشاعر لكن المرض كان اكبر منها ، ولكم احتملت في تلك المرحلة التي حاولت أن تعيش تفاصيلها ، كانت تقول لي : تعبت من المشي ، فما كان من الفنان علي العباني إلا أن يشير إلى أول تاكسي  لتعود بنا إلى الفندق .
رغم هذا كانت رحمها الله لا تفارق آلة التسجيل تحاول أن ترفد المشهد الصحفي الليبي بحوارات ومتابعات مع كل من حضر من الأسماء العربية والأجنبية ،، دهشت لتلك الحيوية المتفجرة ولم أكن أعلم أنها كانت تصارع بالفن والأدب أشرس عدو .
كانت الكلمة في صراع مقيت مع الغراب المنتقم 
في تلك الرحلة اقتربت من شخصيتها الودود 
اقتربت من السيرة وأنا الذي لم يقترب كثيرا من الشعر لديها ن
لقد انتصرت عندي السيرة فذكرتها بها لتكون مسك الحكاية 
حكاية شاعرة اسمها جنينة السوكني التي ادعوا الله ان يغفر لها وينزل شائبيب الرحمة على روحها الطاهرة ..
اللهم آمين .


نشر هذا النص بمجلة غزالة الليبية ديسمبر 2005

ليست هناك تعليقات: