الأربعاء، 2 يوليو 2014

" حياتي بدوني "MY LIFE WITHOUT ME )



                                    

الشمس الثقافي 
الفيلم كقصيدة  مصورة 

* أول القصة .
هذا أنت ، العينان المغمضتان ، تحت المطر ، لم نحلم أبداً  بالقيام بعمل مماثل ، لم تتصور نفسك .. لا أعرف كيف أصف ذلك ،  كشخص يحب أن ينظر إلي القمر ، أو يتأمل لساعات الأمواج أو مغيب الشمس ، أظنك فهمت عن أي نوع من الأشخاص أتكلم ، ربّما لا ، بأي حال ، هذا ماتحبه أن تقاوم البرد ... وتشعر بالماء يتغلغل في قميصك ويبلل بشرتك ، وتشعر بالأرض التي تلين تحت قدميك والرائحة ، وصوت المطر الذي ينهمر على الأوراق ، كل ما تتكلم عنه .. الكتب التي لم تقرأها ، هذا أنت ، من كان ليصدق ذلك ؟   أنت .
ليست السطور السابقة مقطعاً من رواية ، إنها ( آن ) تكلّم نفسها واقفة تحت المطر ، في أول مشاهد  الفليم الكندي  ( MY LIFE WITHOUT ME ) ( حياتي بدوني ) للمخرجة الكندية ـ الأسبانية ( ISABEL COIXET) .
قد يكون المألوف مشاهدة فيلم مآخوذ عن رواية ، وربما يعتمد نجاح أو فشل مثل هذا الفليم  على نجاح المخرج في أختيار التفاصيل التي يتم التركيز عليها ، والأخرى التي يتم إهمالها من نص الرواية ، لكن الفيلم ( حياتي بدوني ) قائم على نص قصة قصيرة للكاتبة
( NICE  KINCAIA) وهي ( حياتي بدوني ) آخر قصة في مجموعة للكاتبة بعنوان
 ( PRETENDING THE BED IS ARAFT )( التظاهر بأن السرير طوافةوأختيار المخرجة لهذه القصة لم يكن سوى مصادفة ، فأثناء بحثها في أحدى المكتبات عن رواية لكاتب يبدأ أسمه بحر ف ( K) وقعت عينها على أسم المجموعة ، وبعد الانتهاء من المجموعة قالت في نفسها : هذه القصة ( حياتي بدوني ) ستكون عملاً من أعمالي في الفترة القادمة ، بعد مرور زمن طويل عادت المخرجة إلى ( حياتي بدوني ) وكتبت السيناريو بنفسها .
لقد حلّت الكاميرا في عصرنا محل القلم هذا ما قاله الكسندرا استروك
( ALEXANDARR ASTRUE) ولا شك أن ( فيلم ) " حياتي بدوني "" هو أحد الشواهد على صدق هذه المقاولة ، لقد تم التنظير ( للفيلم ) وكأنه كتاب وبسبب موهبة المخرجة( ISABEL COIXET) شاهدنا الواقع في صور الشعر ، ( فيلم ) يلقي علينا قصيدة مصورة تطرح سؤلاً يمس الشخصي ، يمس حياتنا اليومية ( آن ) التي تمثل دورها ( SARAH POLLEY ) إنسانة بسيطة تعيش مع زوج عاطل عن العمل ( دون ) (SCOTT SPEEDMAN ) وابنتين هما
( بيني وبتسي ) ، تعمل ليلاً في الجامعة كعملة نظافة ، فجأة تقع مغشياً عليها ، تنقل إلى المستشفى ، وبعد الفحوصات يجلس الطبيب ( طومسون ) (JULIAN RICHINGS) بجانبها ليقول :
أجرينا الصورة 3 مرات وطلبت زرعاً للأنسجة .
والنتيجة ؟ 
أنتِ مصابة بورم في المبيضين لقد بلغ معدتك وبدا ينتشر إلى الكبد
لقد ذهب بعيداً جداً ، أليس كذلك ؟ 
آن ، لو كنت أكبر سناًلانتشر بشكل أبطأ ، ولكنا نجحنا باستئصاله لكن خلاياك يافعة ، إنها صغيرة جداً ، وأخشى أنه لايمكننا فعل شيء .
كم بقي لي من الوقت ؟
شهران ربما ثلاثة أشهر .
كنت أظن بأنني حامل .
للأسف لا .
عرفت أن الأمر خطير عندما جلست إلي جانبي .
إنهم يجددون مكتبي ويغيرون المكيف و ....... كلا ، هذا ليس صحيحاً لايمكنني أن أواجه شخصاً وأقول له بأنه سيموت ، لم أستطع أبداً ... الممرضات يتكلمن عن ذلك .
تنزل دمعة على خد آن  .
-قد ترغب عائلتك في أستشارة طبيب آخر للحصور على رأي آخر .
- شخص يقول لي الشيء نفسه وهو ينظر مباشرة في عيني ؟
كيف يمكن أن تكون ردة فعل الإنسان تجاه مثل هذا الخبر ؟ 
إنسان بسيط يجد نفسه مع الموت وجهاً لوجه  ( آن  )التي لم تدخن سيجارة في حياتها بينما كل من حولها يفعل ، ولا تشرب الخمر بينما كل من حولها يفعل .
( آن ) التي أنجبت طفلتها الأولى في عمر السابعة عشرة ، ولم تكن في حفل سوى مرة واحدة في حياتها .
( آن ) التي لم يكن لديها الوقت للتفكير في وزنها كصديقتها ( لوري )  ( AMANDA PLUMMER ) ، ولا لتعيش الماضي في قصص ترويها للأطفال كأمها ( DEBORAH HARRU) .
( آن ) البالغة من العمر 24 عاماً يتحول شبابها إلى سبب في انتشار المرض ، شهران ربما ثلاثة ، مالذي يمكن للإنسان أن يفعله في مثل هذا الوقت القصير
( آن ) قررت مالذي ستفعله ، جلست في أحد المقاهي طلبت من النادلة قلماً ـ النادلة التي أخبرت آن أنها إذا ربحتاليانصيبسوف تعمل على أن تكون شبيهة ( بشير ) المطربة المشهورة ـ  وكتبت أموراً يجب أن أقوم بها قبل موتي :
أولاً : أن أعبر عن حبي لأبنتي عدة مرات في النهار .
ثانياً : أن أجد زوجة لـ ( دون ) تحبها الفتيات .
ثالثاً : تسجيل رسائل معايدة لأبنتي لعيد مولدهما .
رابعاً : الذهاب معاً إلي شاطي ( والبي ) والقيام بنزهة كبيرة .
خامساً : التدخين والأكل بقدر ما أريد .
سادساً : أن أقول ما أفكر به .
سابعاً : أن أعاشر رجالاً آخرين لأرى ماهو الأمر عليه .
ثامناً : أن أجعل أحدهم يقع في حبي .
تاسعاً : أن أذهب لرؤية أبي في السجن .
عاشراً : أن أضع أظافر أصطناعية وأغير تسريحة شعري .
تعتبر وظيفة اللقطات في فيلم ( بدون حياتي ) سردية ، إنها تروي ما حدث ، كل مشهد مقسم إلي عدد كبير من اللقطات ، كل لقطة تحول مايدور داخل النفس إلى صورة ،تحويل القلق ، التوتر ، الغضب ، الخوق ، الحب ، الحميمية ، إلى صورة يمكن مشاهدتها ، مثلاً اول مشاهد الفيلم ( آن ) تحت المطر مقسم إلي 14 لقطة ، الصوت يأتي ( كمنولوج ) داخلي ، لقطات قريبة من مخالف الجهات ( الكاميرا ) تتحرك للأعلى و للأسفل ، تهتز قليلاً ، الوجه القدمين ، اليدين ، الشعر ، الساعة ، الجسد ، وكأن الكاميرا تقول هذا أنت ، هذا الجسد الذي قد يختفي في أي لحظة ، هذا أنت تركز (ISABEL COIXET   أن يتم فهم  المعنى من خلال البصري ، على اللقطة أن تجعل ما يدور في الداخل مرئياً ، ولهذا لا تتكلم الشخصيات بشكل كبير ، المجال متروك  للكاميرا أن تقول ، ولكي تفعل الكاميرا ذلك ، اختارت المخرجة المكان المناسب للتصوير ( فان كوفر ـ  كندا ) بدل مكان القصة وهو ( لويزيانا ـ أمريكا ) ، احتاج المطر ، احتاج الضباب هذا ما قالته (ISABEL COIXET   وهي تكتب  السيناريو .
في " حياتي بدوني " نلاحظ البساطة الشديدو في كل شيء ، الشخصيات ، المكان ، الملابس ، الألوان ، المكياج ،  ونلاحظ أيضاً  أن كل هذه الأشياء البسيطة مرتبة بشكل رائع ،جمال ( الكادر ) كان منسجماً مع إيقاع المشاهد ، الألوان المعتدلة ، النهارات الرمادية ، شحوب السماء ، دفء المواقف وسط شتاء بارد ، حركة ( الكاميرا) ، اللقطات القريبة ، جمع التفاصيل الصغيرة في لقطات متتالية ، كل هذه الأشياء اعتمدت المخرجة على المونتاج في إظهار جماليتها كل شيء في ( الكادر ) معبر وحميمي  كي يزيد من شعرية اللقطة ، صورت المخرجة كوادر وقطعتها إلي سطور متتالية ( لقطات ) لتحصل على الطاقة ، التضاعف ، العمق ، عدم التحديد ، كمال الوجود ، التعقيد ، هذه الأشياء التي  لاتعني شيئاً سوىالشعر ، إن اللقطة التي يقترب فيها ( MARK RUFFALO) من آن بالمغسلة ، حيث يقترب بكرسيه قليلاً ، قليلاً في لقطات متتابعة إلي أن يصل قريباً من وجه
( آن ) وهي نائمة تعني انجذابه نحوها ، المعني يخرج بشكل طبيعي من الصورة ، إننا لا نشغل بالنا ما اذا كنا سمعنا أو شاهدنا تصريحه بانجذابه الكامل إليها ، وهذا مجرد مثال ، فكل لقطات الفيلم تقوم على العلاقة بين الجمال والشعرية ، نسيج الفيلم يُقدم في جو حميمي وجميل لكنه حزين ، فقد كانت الإضاءة قليلة في معظم اللقطات ، وكان الضوء هو الموسيقى الحزينة التي ترافق كل تلك الحميمية والجمال ، الحزن كان موجوداً، لكن ليس على وجوه الممثلين ، ولا في ثنايا الكلمات ، كان موجوداً في كل لقطة لكننا لانراه ، لانسمعه ، بل نشعر به ، نحس به في قلوبنا ، إن حميمية (ISABEL COIXET   تثير الدهشة ، وتثير فينا حزناً عميقاً ، رغم علمنا بأنها تتعمد فعل ذلك إلا أننا نحب هذا الحزن الجميل .
*آخر القصة :
مالذي أراد فليم  " حياتي بدوني " قوله ؟ هل فعلت ( آن ) كل ما كانت تنوي القيام به لا يخفي على القارىء ـ في أول مشاهد الفيلم ـ أهمية الضمير أنت في أول مشاهد الفيلم هل كانت عند قولها أنت  تعني نفسها أم أنها كانت تخاطب  كل شخص جالس في قاعة العرض ، هذا أنت ، نعم أنت ، هل يجب البحث عن إجابة لمثل هذا السؤال : هل يجب أن تنتظر حتى يجلس طبيب بجانبنا ويقول : ليس لديك سوى شهرين أو ثلاثة حتى نعيد النظر في حياتنا ؟
لايقدم الفيلم إجابة عن هذا السؤال لكنه يقدم شيئاً آخر ، فالعشر خطوات التي أرادت ( آن ) القيام بها ، لم تكن سوى البوح بمشاعرنا تجاه الآخرين ( 1 ) أ، نكون واقعيين ( 2 ) التفكير في المستقبل ( 3 ) لانؤجل مايجب القيام به (4 ) الاستمتاع بكل شيء من حولنا ( 5 ) أن نكون صرحاء مع أنفسنا والآخرين ( 6 ) ، أن يكون لدينا الفضول للمعرفة ( 7 ) ، الاعتراف بالخطأ ومحاولة معالجته ( 8 ) ، عدم التهرب من المسؤوليات ( 9 ) الانهمام بالذات ( 10 ) .
إن كل يوم يمر هو فرصة جديدة للنظر في مجريات حياتنا ، قد تكون ( آن ) فعلت بعض ما أرادت  القيام به ، ولعل اسم الجارة ( آن ) التي تقوم بدورها ( LEONOR WATLING ) التي أختارتها لتكون زوجة ( دون ) بعد  رحيلها يرمز إلى  أمتداد وجود ( آن ) المعنوي ، وربما لم يسعفها الوقت لفعل كل ما أرادت القيام به ، بينما نحن جميعاً نملك الوقت .

ليست هناك تعليقات: