الأربعاء، 2 يوليو 2014

كــل مـا حـــولي يتحـــرك داني لافيريير



                                   الكاتب الهايتي داني لافيريير




ترجمة و تقديم : محمد رابحي /الجزائر
خاص / الشمس الثقافي 
الكاتب الهايتي داني لافيريير ولد ببورتو برنس عام 1953 . لكنه يقيم حاليا بمونتريال . كتب هذا النص بعد أيام من واقعة الزلزال لصالح " النوفال اوبسرفاتور " حيث كان متواجدا بمناسبة مهرجان المسافرين المدهشين . الذي كان سيعقد فعالياته السنوية . لولا تغير مجرى الأمور بعد الحادث الأليم .
غير أن كتاب هايتي المقيمين و الضيوف كتبوا هذه اللحظة الخاصة . كأنهم يعقدون المهرجان افتراضيا في شكله الاضطراري . 
كانت كتاباتهم أيضا مساعدات عالية المعنى للأهالي . ملأت الصحف العالمية . و كانت صوت البلد العالي البليغ . . كتب لوي فيليب دالمبر " ورتو برنس ، أو رائحة الموت " و كتب ريجي كودي " نص يقال بأعلى صوت " . و هذا ميشل لوبري يقول " نكتب ، لنقول هايتي في وجه العالم " و صرخ سيرج كادروباني " هايتي ، عزيزتي " . و بكت ايفلين ترويو " منذ الثلاثاء و نحن نعد قتلانا " .
فيما كان موت الكاتب جورج اونغلاد أكثر هذه النصوص بلاغة ، نص لم يكتبه ، نص عاشه . نص ـ حدث . مكتوب في أدق تفاصيل هايتي . في العيون ، في القلوب ، في الخرائب . في ما بقي . عاشه كل أهالي هايتي ، و حتما سوف يتذكرونه . 
أما لافيريير في نصه هذا يعيد استثارة المشهد خلال الليلة الأولى . و كان حينها بمطعم الفندق . كان شاهدا ، و بطلا يروي كل شيء من حوله . و كل شيء بداخله . 

الدقيقة 
كل هذا دام بالكاد دقيقة ، لكن كان لدينا بين الثمان و العشر ثواني لنتخذ قرارا : نغادر المكان أين نتواجد أو نبقى به . كانوا قلة من بادروا بانطلاقة جيدة . حتى الأكثر حيوية منهم فقدوا ثلاث أو أربع ثوان ثمينة . قبل أن يدركوا ما كان يحدث . فلقد تعودت هايتي على الانقلابات و الأعاصير . لكنها لم تتعود الزلازل . الإعصار يتم الإعلان عنه مسبقا . و الانقلاب يأتي بعد سحابة إشاعات . 
كنت بمطعم الفندق بصحبة أصدقاء ( الناشر رودني سانت الوا و الناقد توماس سبير ) سبير فقد ثلاث ثواني لأنه أراد أن يكمل بيرته . إننا لا نتصرف جميعنا بالطريقة نفسها . على أي حال لا أحد يتوقع أين تكون الموت في انتظاره . و لقد وجدنا ثلاثتنا أنفسنا منبطحين في قلب الساحة تحت الأشجار . 

الدفتر الأسود 
في السفر ، أحمل معي شيئان : جواز سفري ( أحتفظ به داخل جيب أعلقه بعنقي ) و كناشة سوداء ، أسجل بها عموما كل ما يمر بحقل رؤيتي ، أو يخطر ببالي . و عندما كنت على الأرض منبطحا تذكرت أفلام الكوارث . متسائلا إن كانت الأرض ستنشق و تبتلعنا كلنا . كانت رعب طفولتي .

الصمت 
توقعت سماع صرخات ، نحيب . لكن لا شيء من هذا . صمت يصم الأسماع . يقال في هايتي طالما ليس هناك صياح فليس هناك موت . أحدهم صرخ قائلا أن لا أمان في البقاء تحت الشجر . فلجأنا إلى ملعب التنس بالفندق . غير أن تقديره كان خاطئا إذ لم تتحرك أي زهرة إبان الـ 43 هزة . و إني لا أزل أسمع 

القذائف
حتى و الأرض تهتز 73 درجة على سلم ريختر . الأمر ليس بالمرعب . في إمكاننا أن نجري . هو الاسمنت من يقتل . الناس هم من أنجزوا قصف إسمنتي خلال الخمسين سنة الأخيرة . قلاع صغيرة . الدور من الخشب و الصفيح ، أكثر خفة بحيث استطاعت أن تقاوم . في غرف الفندق الصغيرة عادة ، العدو هو جهاز التلفاز . إننا نجلس قبالته دوما . لقد انقذف نحونا . كثير من الناس وقع على رؤوسهم . 

الليل
غالبية سكان بورتو برنس ناموا هذه الليلة في العراء . أظنها المرة الأولى التي يحدث هذا . آخر زلزال بمثل هذه الشدة يعود إلى حوالي 200 سنة . الليالي السابقة كانت جد باردة . أما هذه فدافئة و صافية . و لأننا كنا مستلقين على الأرض استطعنا أن نحس كل ارتعاشة في أعماقنا . التحمنا بالأرض في جسد واحد . فلما كنت أتبول في الغابة و أخذت ساقي بالارتعاد . ظننتها الأرض تهتز . 

الزمن
لم أكن أعلم أن ستين ثانية تطول بهذا القدر . و ليلة واحدة تمتد بلا آخر . لا أجهزة راديو . الهوائيات كانت مكسرة . لا أجهزة تلفزيون . لا انترنت . لا هواتف محمولة . لم يعد الزمن شيئا يصلح للتواصل . كان لدينا الانطباع أن الزمن الحقيقي انزلق خلال الستين ثانية التي دامتها أولى الهزات العنيفة  .

الصلاة 
بغتة نهض رجلا واقفا و حاول أن يذكرنا بأن هذا الزلزال إنما هو نتيجة سيرتنا المعيبة . صوته تضخم في الليل . أسكتناه لأنه كان يوقظ الأطفال الذين استسلموا لتوهم للنوم . طلبت منه امرأة أن يصلي في قلبه . و ذهب بعد الدفاع عن رأيه طويلا . حجته أننا لا نستطيع أن نطلب الغفران من الله بصوت خفيض . تشرع فتيات في ترديد أناشيد دينية جد رقيقة . جعلت بعض البالغين يستسلمون للنوم . بعد ساعتين ، نسمع جلبة . مئات الأشخاص كانوا يصلون و ينشدون في الشوارع . كان الأمر بالنسبة إليهم نهاية العالم  التي أعلن عنها الله . تساءلت طفلة صغيرة بالقرب مني عم إذا كانت ثمة دراسة في الغد . رياح طفولة إذاك هبت علينا جميعا . 

الرعب
سيدة تسكن شقة بساحة الفندق . قضت الليل تحادث أسرتها القابعة تحت أطنان الاسمنت . و سرعان ما كف الأب عن الرد . ثم أحد الأطفال الثلاثة . بعد ذلك الثاني . لم تكف عن التوسل إليهم بأن يشدوا من أزرهم أكثر . بعد أكثر من اثنتي عشر ساعة . تمكنوا من إخراج الرضيع الذي ما فتئ يبكي . و ما أن خرج أخذ يبتسم كأن شيئا لم يكن . 

الحيوانات 
الكلاب و الديكة صاحبتنا طوال الليل . إن ديك بورتو برنس يغني في أيما وقت . و هو ما أكرهه على العموم . في هذه الليلة كنت أنتظر صياحه . 

الثورة 
القصر الوطني متهدم . مكتب الضرائب مدمر . قصر العدالة محطم . المحلات . منظومة الاتصالات . الكاتدرائية . السجناء بالخارج . في ليلة واحدة كانت الثورة .      
             
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داني لافيريير روائي صاحب " أنا كاتب ياباني و " نحو الجنوب " التي اقتبسها لوران كونتي للسينما 
حائز على مدسيس 2009 عن روايته الأخيرة " سر العودة " .



ليست هناك تعليقات: