الأربعاء، 2 يوليو 2014

حوار مع الشاعر " هليل البيجو"



         
  حاورهُ في بنغازي – عِذاب الركابي
نشر بالشمس الثقافي
   
" هليل البيجو" شاعرٌ من الصعب أنْ تتجاوزهُ حينَ تتحدث عن الشعر الليبيّ ، ومن الظلمِ أن تؤجّل قراءته وهوّ يسكبُ في حدائق الروح جمال الكلمات ، غزلاً رقيقاً ، مربكاً لضربات القلب ،عصارة روحه هوَ لا يُشبهُ أحداً . يكتبُ قصائده بمتعةٍ ، ليمتع قارئه ، ويُشكل في قوافيه ، ويتبسّط في تناول موضوعاته ،لا ليبدو شفّافاً فحسب بلْ ليعطي القصيدة ، وهوَ يقلدها تاج الشفافية كلّ هذا الخلود . مع" هليل البيجو" يُلغى كلّ تحديد للقصيدة ، لا تشعر أنّك تقرأ قصيدة عمودية ..تقليدية بالمعنى الجاف أبداً ، بلْ تجد نفسك أمام نص جذّاب ، ممتع ، يفيض بجمال الكلمات ، ورشاقتها ،وقوة بلاغتها ، فقصائده في العشق ههي قاموس جديد للعشق ، وقصائده في الوطن هي آيات انتماء ، صادق وهو يرتّلها بنبض القلب ، وعصارة الروح ، وارتعاشة الجسد . تعيد قراءته أكثر من مرة لأنّك تحبُّ القصيدةَ فيه ، وتُحبُّهُ أيضاً في القصيدة ، وحينَ قرّبت رئتيّ من لهيب شوقه وأنينه ، وجدت نفسي منحازاً لعواصفه ونسائمه معا ً .
صدر لهُ:
- قُبلة العشاق – شعر فصيح – منشورات مجلس الثقافة العام 2006م.                                             
-ساعة مغيرب – شعر شعبي – مجلس الثقافة العام 2008م.
-قريباً من المتنبي – مقالات نقدية- دار مداد للنشر 2010م.
كاتب وشاعر وصحفي ، وهو الآن مدير مكتب الإعلام بمجلس الثقافة العام – بنغازي .وهو ضيف "ملحق الشمس" الثقافي في هذا الحوار الدافيء :  

                     الشعرُ رؤية بالقلب وسماع بالحسّ

*يُعرفُ الشاعر الفرنسي –آرتور رامبو الشعر بالقول:
"هوَ رؤية ُ ما لايُرى وسماعُ ما لايُسمعُ".. ماتعريفك للشعر ؟
-الشعر هاجس لحوح لم يزل يطاردك حتى يفضحك على أعين الناس ، الشعر بوح بما يستعصي كتمانه ، الشعر إقبال مشحون وانصراف بارد ، الشعر حكمة يهبها الله من يشاء ، الشعر رؤية بالقلب وسماع بالحس ؛ ليصدق بالحس ليصدق عليه تمامًا ما قاله المتنبي : ( أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي .......... وأسمعت كلماتي من به صمم ) .
ومن هذا البيت أخذ الشاعر الفرنسي آرنور رامبو تعريفه للشعر فقال هو رؤية ما لا يرى وسماع ما لا يسمع.

                                       ما الحياة إلاّ شعر
* يرى البعضُ أنْ لا جدوى من الشعر .. وأنّهُ مجبولٌ بالمعاناة ..قلْ لي إلى متى نراهنُ على هذا الفنّ الرقيق ؟ وهلْ يُمكنُ أنْ نكسبَ الرهان ؟
-اتصور أنه لا داعي للمراهنة على ما هو فطرة ، أو على الأقل ما هو ضرورة . الشعر يا أخي العزيز ، ضرورة لا تتخلف ، وتتأكد هذه الضرورة لدى أمة العرب تحديدًا ، فإن كان الشعر مجبونًا على المعاناة ، فإن العرب مجبونون على الشعر ؟، ورحم الله العلامة أحمد محمود شاكر ، إذ يقول : إن العرب كانوا عَبَدَةَ بيان قبل أن يكونوا عَبدةَ أوثان . فهيهات ثم هيهات ، لمن يقول لا جدوى من الشعر . فهل يمكن لحياة أن تكون دون جدوى ؟ وما الحياة إلا الشعر .
*الشاعر هليل البيجو معروف بكتابة الشعر الفصيح والشعر العامي ( الشعبي).. والمقال الصحفي أينَ تجد نفسك في كلّ هذهِ الفنون ؟ مَنْ الأقرب إليك؟ ومَن الذي يجيب على أسئلتك الضرورية ؟
-كل حرف خططته هنا أو هناك ، هو مجموع إلى بعضه ؛ ليكوِّن إجابتي عن أسئلة ضرورية في حياتي ، لمَّا أزل ألهث وراء لذة بوحها ، وإن النفس الموسومة بالسأم ، هي التي – على ما يبدو – تهيئ لبوحها في كل مرة ظلاً تأنس إليه ، وتطمئن فيه ، ولو كانت النفس تبث غير شكواها ، لطاب لها مكان دون غيره ، وواتاها أفقٌ دون سواه .
  كل قصيدة غزل وراءها نبض عشق حقييقي
*من خلال قراءتنا لديوانك الرائع"قبلة العشاق" اكتشفنا تفردك ، وتميزك بقصيدة الغزل الرقيق .. ما منشأ هذهِ العاطفة السامية ؟أهو نبض عشقٍ حقيقي أمْ ماذا ؟
-وددت لو أنك اطلعت على ما كتبته من مقدمة وضعتها تمهيدًا لشرح نونية ابن زيدون ، فلعلك تجد بها ضالتك ، وعمومًا ما من شيء يرقق الحاشية ويلطف العبارة ، ويذيب العاطفة ، فتتقاطر كأنها حبات الندى ، مثل العشق ، فإذا رأيت قصيدة غزل رقيق شفاف ، فاعلم أن وراءها نبض عشق حقيقيٍّ .

   
                     كثرة في الشعراء .. وقلة في الشاعرية

*بعض شعراء العمود ( الكلاسيك) يكتبون قصائد بلا تجربة ..بلا عشق حقيقي ، عن امرأةٍ من نسج الخيال ، قلْ لي كيف تقيّم مثل هذا الشعر؟ هلْ يُمكن أنْ يُكتبَ شعرٌ بلا تجربة ؟
-الشعر الخليلي أو غيره ، رهن بمن يكتبه ، والشاعرية هي المقصودة بالتقويم ، والتجربة زاد الشاعرية ، وليست زادًا للشعر ، وأنت ترى كثرة من الشعر ، وكثرة في الشعراء ، ولكنك لا تظفر بالشاعرية إلى قليلا ، كما أنك ولا تفرح بشاعر يتحد بتجربته إلى قليلاً ، على أن الإحساس بالألم تجربة ، والإحساس بالحرمان تجربة ، وقس على ذلك . أقول هذا لأني رأيت كثيرين ، ممن يتعاطون الأدب ، يسيئون فهم التجربة ، ويجهلون حدودها ، فالتجربة موقف ، وليس حدث يمر بك ، أو ظرف تحياه ، ولا اتصور شعر بلا تجربة ، هذا في فهمي غير ممكن ، والشعر الذي لا يعجبك ، أو الذي لا يصمد أمام النقد ، هو ذلك الشعر المطروح عن تجربة ممسوخة عن تعاطي ساذج ، مع دوافعه ، عن فهم غير واعي بنوازعه ، وأما الشعر الحقيقي فهو التجربة في بعدها غير المرئي ، وأفقها غير المحدود ، حيث إنني اعتبر الحد كسرًا للتجربة ، وتضييعًا لها ، فالشاعر المحدود ، خائن لتجربته ، وأذكر أنني قلت يومًا ، في شأنن لصيق بما نحن فيه :
منىً بلغتها والشوق وهج .......... وقد غادرتها والشوق خابِ
فما في مبلغ الأبصار عيشٌ .......... به ينجاب همي واكتئابي
فكل العيش معقود بحدٍ .......... وكان الحد من طرق العذابِ
 * مَنْ شاعركَ الأمثل ليبياً وعربيا ًوعالمياً ؟
- هو شاعر فريد ، أسكنه ويسكنني ، إنه الطائر المحكي ، الذي جعل شعره أنشودة له ، أحمد بن الحسين ..  أبو الطيب المتنبي .

             حركة النشر لدينا خطوة حقيقية في درب العمل الثقافي

*بدأنا نعيش حركة نشر للكتاب دؤوبة لمؤسّساتنا الثقافية وعلى رأسها المؤسسة العامة للثقافة، ومجلس الثقافة العام ، ومركز دراسات وأبحاث الكتاب الأخضر وغيرها .. كيف تقيم حركة النشر هذهِ ؟  
- اتصور أن التقويم مبكرٌ الآن ، نحن كنا في حالة من الجفاف شديدة ، وقد نهضت المؤسسات التي ذكرتها ، بأعباء كبيرة ، في سبيل إنعاش الكتاب ، وتمَّ لها ما أرادت ، وأنتعش مشهدنا الثقافي ، استجابة لذلك ، وأنا أعد ما أشهده اليوم ، من حركة دؤوبة لنشر الكتاب ، جهدًا مباركًا ، وخطوةً حقيقيةً ، في درب العمل الثقافي الجاد .
*لكنّ هناك عديد المبدعين مازال يشكو من عدم الانتشار عربياً .. مَنْ المسؤول عن هذا التقصير ؟ أهوَ المبدع نفسه؟ امْ دار النشر ؟ أمْ ماذا ؟
- في تصوري ، أن الذي يشكو من عدم الانتشار عربيًا هو في الحقيقة لم ينتشر محليًا ، أنا لا أعلم مبدعًا حقق انتشارا محليًا ، ولم ينتشر عربيًا بل عالميًا . هذا الأمر كثير ما يتردد ، ويوجه اللوم فيه إلى مؤسسات مختلفة ، أحيانًا تكون إعلامية ، وأحيانًا تتعلق بعملية النشر نفسها . وحقيقةً أنا خارج هذه الدائرة تمامًا ، وقناعتي الشخصية تتمحور حول ما ينشر أصلا ، فإن كان حريًا بالانتشار انتشر ، وإلا فإنه يسقط ، ولا تغرنك حملات الترويج ، أو بهارج التسويق ، فإنها مؤقتة ، سرعان ما تنجلي غشاوتها .

                             لا أِحسّ بوجود حركة نقدية جادة 
*والبعض الآخر يشكو من عدم وجود حركة نقدية جادة.. بالقول الصريح " ليسَ لدينا نقاد" ..أنتَ ماذا تقول؟
- لعلي لا أبالغ إذا قلت إنني لا أحس بحركة نقدية في مشهدنا الثقافي ، مع الاحترام لبعض الجهود المبذولة في هذا الشأن ؛ فكل المحاولات التي تمر بك هنا وهناك ، لم تصمد لتحقق صوت نقدي مسموع .
                 بتواصل الندوات واللقاءات يؤتي الحراك الثقافي ثماره

*كيف تخرج النقد والنقاد من هذهِ التهمة؟وأنت كمبدع هلْ أنصفكَ النقد ؟ مَنْ مِنَ النقاد يلفت انتباهك ، وتتابعهُ ، وترى أنّهُ يواكب هذا التفجّر الإبداعي ؟
- كان يقال عن ابن أبي ربيعة ، وهو من هو في عالم الشعر : مازال هذا الفتى يهذي ، حتى قال الشعر .
وكانت العرب تقول في أمثالها : من داوم الطرق ، أوشك أن يفتح له . ونحن اليوم نسعى أن تكون صحافتنا متميزة ، ونأمل أن يتضاعف الجهد المبذول لتطوير آليات العمل الثقافي ببلادنا ، ونتمنَّى أن تتصل الندوات واللقاءات الثقافية ؛ لتخلق موسمًا ثقافيًا دائمًا ؛ فمن خلال الاستمرار ، يحقق الحراك الثقافي دور المطلوب ، ويؤتي ثماره .
*أصبحت لدينا صحافة ثقافية متميزة ، ملاحق.. ندوات.. وملتقيات ثقافية ما تقييمك لما يُكتب في صحفنا ، وما يُلقى في الملتقيات الشعرية والقصصية؟ هلْ يؤدي هذا الحراك الثقافي دوره المطلوب في صنع ثقافة متميزة منافسة ؟
- ليس يخفى على أحد ما تسألني عنه ، وليس الشأن في المقترحات ، فهي كثيرة ، ضاقت بها أرفف المؤسسات ، وإنما الشأن في جدية من يبحث عنها ، أو يطلبها ، ومدى استعداده للتضحية في سبيل تحقيقها ، وإلى أي مدى يكون صبره على الإخفاقات الأولى ، التي لا مناص منها ، حتى يشتد العود ، ويستد الساعد .


ليست هناك تعليقات: