الأربعاء، 2 يوليو 2014

إشكالات اللغة والهوية


أ.د الصيد أبوديب
نشر بالشمس الثقافي

إن موضوع(اللغة والهوية) من الموضوعات المهمة والحساسة التي بدأت تستقطب النقاد تستهوى الكتاب والدراسيين، لأنه يتعلق بكيان الأمة وشخصيتها، وبقدر ما يحتاج هذا الموضوع إلى دراسة وبحث وتحليل، بقدر ما يحتاج أيضاً إلى تأملات فيما يصنعه الغرب"لحاضرنا الذي تشوبه كثير من المنغصات والذي تحولنا فيه إلى امة منقطع بعضها عن بعض، ويتحاج إلى رأب الصدع" (1). ولعل أبرز ما يصنعه هذا الغرب، هو سعيه الدؤوب لاستلاب ثقافتنا وحضارتنا الضاربتين جذورهما في عمق التاريخ الإنساني. 
ومما لا شكل فيه أن"لكل أمة هويتها الحضارية التي لها أسسها ومرتكزاتها ومقوماتها الثقافية والتراثية ولها رموزها"(2). والمؤكد أن اللغة تؤلف أحد هذه الرموز، ومن هنا كانت العلاقة بين اللغة والهوية علاقة جدلية، فاللغة- من حيث هي لغة – لها كيانها الخاص وأهميتها في التفاهم بين الأفراد والمجتمعات ودورها الكبير في تحديد هويتهم الثقافية. لذلك شغل الفلاسفة والمفكرون وباللغة- في شكلها العام- وطرحوا بشأنها العديد من الآراء والأفكار والنظريات التي كانت مثار الجدل والنقاش. 
وهذه الورقة ليست معنية- في المقام الأول بعرض هذا الجانب التاريخي المتعلق بتأهيل اللغة وماهيتها، وإنما ترى ضرورة الوقوف على بعض هذه الآراء والنظريات والأفكار بغرض استثمارها فيما تتناوله، إذا أن النظر في هذا الموضوع وتأمله يستوجبان العودة إليها، تحديداً إلى نظرية (أرسطو) في الغغة التي عرفها القرن الرابع ق.م والتي كتب لها حظ مرموق في تاريخ الدرس اللغوي"(3). 
ومفاد هذه النظرية" أن الكلام رمز لما في العقل، والكتابة رمز للكلام وكما أن حروف الكتابة ليست وحدة بالنسبة لكل رمز لما في العقل، والكتابة رمز للكلام وكما ان حروف الكتابة ليست واحدة بالنسبة لكل البشر، فكذلك الألفاظ، غير أن المقولات- التي تعد هذه الألفاظ علامات مباشرة لها- واحد بالنسبة للجميع وكذلك الأشياء القائمة في العالم الخارجي، التي تعد هذه المقولات صورا لها متماثلة بالنسبة للجميع"(4). 
وقد فسر هذا الكلام بأن اللغة- في نظر أرسطو- انعكاس مباشر" للفكر الذي يتسم بوجود سابق على اللغة، فهذا الفكر يتسم بطابع كلى لا اختلاف بين البشر فيه"(5)ووفق هذا التصور الأرسطي للغة، فقد حصر دورها في كونه وسيلة نقل لهذا المحتوى الذهني المتماثل لدى جميع البشر. (6) 
وظلت نظرية أرسطو في اللغة قائمة منذ أن طلقها في القرن الرابع ق. م وحتى مجئ العالم اللغوي بنجامين لي وورف B.L whorf ( 1897- 1941 ) الذي طرح فرضية النسبة اللغوية التي أحدثت تأثيرا واسعا- منذ منتصف القرن العشرين- سواء في الفكر اللغوي أو الفلسفي أو النفسي أو الاجتماعي. (7) وترجع أهمية هذه الفرضية إلى كونها كشف عن" الدور الذي تلعبه في تحديد ملامح الهوية الثقافية، وهي تشكيل رؤية الواقع والكون لدى أي مجتمع من المجتمعات"(8) وتقوم فرضية (وورف) على تبنى محاولات سابقة تصب جميعها في مجري النسبة اللغوية، وتتجاوز ما طرحه أرسطو في اللغة الذي ظل مقبولا ومهيمنا في الغرب عبر تاريخ الدرس اللغوي الإنساني. من ذلك ما ذهب إليه النحوي الفرنسي أنطوان فيير دي أوليفر( 1788 – 1825 ) في كتابه( تأهيل اللغة العبرية) الذي ظهر عام 1815 والذي يقول فيه أن الكلام "ليس ملكة تمجد في عليائها الخاصة، وإنما هو شيء لابد أن يفهم في ضوء السلوك والثقافية الإنسانيين اللذين هو جزء منهما" (9) وقد شرح هذا القول بأن الكلام لا ينبغي دراسته بوصفه ملكة إنسانية مطلقة ، وإنما بوصفه مسألة مرتبطة بالإطار الثقافي المعين، حيث يشكل الكلام جزءا من الممارسة السلوكية والثقافية لهذا الإطار( 10). 
أما المحاولة الثانية التي تبناها(وورف) فهي تعود إلى النحوي الأيرلندي جيمس بيرن (1820 – 1898 ) الذي راى في كتابه( المبادئ العامة لتركيب اللغة) الذي ظهر عام 1885" : أن ثمة ارتباطا بين اللغة والبنية العقلية السائدة في مجتمع ما" (11) 
لقد شكلت هذه الأفكار التي طرحها بعض الدارسين لتأصيل اللغة والمبادئ العامة لتركيبها، حاجزا حال دون" امتداد النظرية الأوسطية القائلة بأن اللغة تلية لوجود الفكر وأنها ليست إلا ناقلة لمحتواه" (12) 
كما دفعت البعض الآخر للقول بأن اللغة سابقة على التفكير ، أي عكس ما يقول به أرسطو، ومن هؤلاء هيردر ( 1744 – 1803) الذي أكد " أن الروح الإنسانية تفر بالكلمات، وأننا باللغة نتعلم التفكير ومن ثم ، فإننا إذا أردنا تحليل الفكر، فليس من وسيلة إلا تحليل اللغة" (13)، كما اكد هيردر أن " كل امة تمتلك رصيد خاصا من الأفكار التي تتحول إلى رموز هي لغتها القومية"(14) التي تتميز بها عن سائر اللغات، فضلا عن " أن الشكل اللغوي لا يعمل فقط – لمجرد أداء المعني، وإنما هو – أيضاً – الشكل التي  منها وصل إلى القول" بالخصوصية الدلالية، ومن ثم الخصوصية الثقافية "(16). 
وفي هذا السياق يطلق (يسبرسن) عبارته القائلة" إن الأمة تفصح عن روحها في الكلمات التي تستعملها: " (17)، كما يؤكد (همبولت) على " فردية لغة إنسانية، سواء في شكلها البنائي أو محتواها الثقافي" وأن لغة كل شعب هي روحه، وأن روح كل شعب هي لغته" وكذلك تأكيده " أن اللغة هي المظهر الذي يكشف عن عقل الأمة، فاللغة هي عقلها وعقلها هو لغتها" (17). 
تلك هي بعض جذور نظرية النسبية اللغوية التي يقول بها( وورف) والتي نخلص منها إلى التأكيد على أن اللغة تمثل خصوصية الأمة الثقافية، وهو ما ينسحب على حقيقة اللغة العربية التي تنفرد عن غيرها من اللغات بجملة من الخصائص والاعتبارات. 
يقول د. عمر فروخ" لاشك في أن اللغة اليونانية واللغة العبرية واللغة السنكسريتية واللغة اللاتينية قد بدأ تدوينها كلها قبل اللغة العربية بقرن كثيرة .. ولكن هذه اللغات فقدت كثيرا من قواعد الصرف والنحو فيها إلى حد أصبحت عنده اليوم غير ما كانت عليه بالأمس"(18) ثم يضيف انه لم يعد هناك من يتكلم لغة هوميروس أو لغة أفلاطون وأرسطو، ولم يبق للغة السنكريتية صلة بالحياة(19) في حين أن" اللغة العربية، أقدم اللغات التي مازالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة " (20). 
وتصريفاتها وتأليف جملها وعباراتها بما يثبت التوافق بينهما وبين الشخصية العربية، ولعل أبرز هذه الميزات، أنها لغة حوار من حيث كونها" مناط الائتلاف والاختلاف في آن واحد، لأنها تشبه حوار المرء مع نفسه، والثقافة الإسلامية في جوهرها تجري على هذا الحوار في التفسير والبيان، وهل الحواشي والشروح والتعليقات إلا من هذا الباب"(21). 
كذلك تتميز اللغة العربة بحكم ما اتتضاه التطور الداخلي لمسائلها قد اولغت في التجريد،فإن ذلك لم يكن يحجب آثار النبض الإنساني الكامن في اللغة على ما يتمثل في المصطلحات التي كفلت لهذه العلوم جهة الاتحاد والائتلاف بعد الاختلاف، ففي هذه المصطلحات قدر مشترك ينول  إلى الأفكار الكلية التي تحمل ما يرد عليها بعد ذلك من مضامين" (22). 
يقول هذا تأسيسا على أن العلوم شانها شأن كل نظام فلسفي لا يخرج عن كونه لغة محكمة البناء!! فمثل هذه الخصائص وغيرها التي تميزت بها اللغة العربية، أعطت للمتحدثين بها خصوصية التفرد، ومنحتهم هويتهم المستقلة عن باقي الهويات. 
ثم، إن نسيج اللغة العربية المحكم الذي قدمه القرآن الكريم، ومن قبله الشعر الجاهلي يؤكد أن" الاختلافات القائمة بين اللغات ليست مجرد اختلافات صوتية، بل أنها تنطوي على اختلافات في تفسير العالم وفهمه من قبل المتكلمين بكل لغة " (23) ولقد عالج د. لطفي عبد البديع هذه الفكرة حيث ذهب إلى أن " اللغة ليست بشرية بما تشتمل عليه من حركات وسكنات تظهر في الأصوات التي تنبس بها الشفاه وتدوي بها الحناجر فللحيوان من صهيل الخيل وزئير الأسود وتغريد الطير مثل ذلك وأكثر منه ، وإنما هي كذلك بما تنبض به من معنى يضيفه الإنسان على الأشياء التي يسميها، فهذا مناطها دون سواه من المقاييس والمعايير، وبه يتميز عن سائر الحيوان"(24). 
إن حضور اللغة العربية على هذا النحو بين سائر لغات العالم، هو المرادف الحقيقي لهوية الأمة التي تتكلمها، والممثل الصادق لكينونة الشعب الذي يتحدث بها ولوجوده بين بقية شعوب الأرض. ويكفي أن مرجع حضورها هو تشريف الله سبحانه وتعالى بأن جعلها لغة قرانه الكريم وكلامه العزيز، ولا غرابة إن وجد ابن جني في " هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة من الحكمة والدقة والإرهاب والرقة ما يملك على جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السحر"(25). 
العديد من المحاولات المستميتة التي عبرت عن هذا القلق، حيث سعى بعض المستشرقين وتلاميذهم من أعداء الأمة العربية الإسلامية إلى النيل من اللغة العربية على وجه الخصوص رغم يقينهم بأن الثقافة الإنسانية" تنزل اللغة منها منزلة اللب والجوهر"(26)، فعلوا ذلك بوسائل معددة، كان أبرزها وأخطرها طرحهم لقضية العامية والفصحى في النصف الأول من القرن العشرين. 
لقد واجهت اللغة العربية إشكالية العامية والدعوة إلى التخلي عن الفصحى، بحجة أن زمن تسلطها قد انتهى، غير أن أنصار العربية تصدوا بقوة وشدة إلى هذه الدعوة التي اعتبروها من الدعوات الهدامة التي تمس كيان الأمة العربية وتطال هويتها وشخصيتها. ورغم أن العامية كما يرى البعض- " هي لغتنا الأم التي نكتسبها من خلال بضع السنوات الأولى ، وهي التي تجمع تشكيل البرنامج اللغوي الأول في الدماغ، وهذه العامية.... عاميات تميزت بين الأمصار، وتتمايز اليوم بين الأقطار، ولكن تمايزها تقريبي على كل حال، فهي كيان لغوي في المقام الأول(27) فإن اللغة العربية هي وحدها التي جمعت الأقطار العربية تحت مظلتها وإن تمايزت بعامياتها على ما بينها من فروق وخصائص، وتجاوزت كياناتها السياسية المتعددة وشرائحها البشرية وتجزئة رقعائها الجغرافية . رغم كل ذلك، صمدت اللغة العربية في وجه إشكالية العامية التي بعثتها من مرقدها حفنة حاقدة، تربت في أحضان الغرب ردحا من الزمن، ولم تفت في عضدها العدة أسباب منها: أنها وجدت من أبنائها الغيورين الخلص من يتصدى لها ويدافع  عنها بشراسة، ونجحوا في اخماد فتنتها، وقد ساعدهم في ذلك، تأكيدهم على أن هذه العاميات- في الأصل – " تلتقي على مقادير مشتركة باعتبار أصولها التاريخية، ثم مجاورتها للفصحى، ثم باعتبار ما يعرض بينها من الاحتكاك البماشر"(28). 
وها هو التاريخ يعيد نفسه مع اللغة العربية، فهي تواجهه اليوم إشكالية أخرى لا تختلف عن سابقتها سوى أنها لبست ثوبا جديا وتشرنقت في مصطلح عالمي زرع في مؤسساتنا الثقافية ووسائلنا الإعلامية ، وهو ( العولمة) التي أخذ الغرب يروج لها، وسعى بكل الوسائل أن يبسطها على العالم ويفرضها ليذيب ثقافة الآخر وهويته في ثقافته وهويته. لقد استهدفت ( العولمة) فيما استهدفته اللغة بوصفها رمز هوي الآخر ومرجع خصوصيته ، ولعل هذا أبرز مظاهرها المطروحة في الساحة العالمية. 
ولما كانت الثقافة العربية وهي من ثقافات العالم المستهدفة – ترتكز في الأساس على اللغة العربية، فإن القبول بثقافة الغرب- شكلا ومضمونا والاستسلام لتعميم نمطه تترتب عليهما آثار سلبية ونتائج وخيمة تنعكس في مجملها على" خصوصيات الأمم والشعوب الآخر لما فيه من تغييب للآخر وانتصار لثقافة الغرب. إن هذه العولمة وهي تستهدف الثقافة العربية، تتجاهل حقيقة اللغة من حيث إنها- كما يصفها جرجر زيدان – كائن حي ، وأن صفات لغة من اللغات – كما يقول" تظل قائمة طالما احتفظ أهلها بنفس عاداتهم في التفكير، وإلا تصبح هذه الصفات معرضة للفساد والاندثار والضياع"(29). 
فضلا عن أنها" انعكاس للضمير البشري، وهي تعرفنا صورة النفس التي تحملها"(30) 
ولقد ظهر للبعض أن اللغة العربية لا تستطيع ان تقوم بدورها الحضاري – في الوقت الراهن – مع بقية لغات العالم الحية، غامزين بعدم قدرتها على القيام بجميع وجوه التعبير في جميع ميادين الحياة ، مشيرين في ذلك – على سبيل المثال إلى مجال ترجمة العلوم التقنية الحديثة ومصطلحاتها. 
فاللغة العربية – في  نظرا هذا البعض – غير قادرة على نقل المدارك العلمية إليها من اللغات الأجنبية، لذلك لا مناص من استخدام هذه اللغات في نشاطاتها الثقافية والعلمية. 
من الواضح أن أصحاب هذا الرأي يضربون بعرض الحائط الشواهد الكثيرة التي تؤكد بطلانه، فتاريخ الفلسفة وكذلك تاريخ العلم يؤكدان الدور الكبير الذي قام به العرب في نقل الفلسفة والعلوم من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية، حتى أنهم وضعوا أربعة شروط متلازمة لنقل الكلام من لغة إلى أخرى وهي "براعة في اللغة المنقول منها – براعة في اللغة منقول إليها معرفة بالموضوع – ثقافة عامة في موضوعات مختلفة" (31). كما وضعوا طرائق عديدة لنقل الكلام من لغة إلى أخرى، وهذا( رولان بارت) يشير في كتابه( هسهسة اللغة) إلى ظاهرة تبعثر اللغات وهو يعرف الثقافة حيث قال أنها"  حل التبعثر، تبعثر ماذا؟ انه تبعثر اللغات "(33) معترفا بأنه" في ثقافتنا.. حرب بين اللغات يصعب إخمادها ، تنفي لغاتنا بعضها بعضا"(34). 
في زل هذه الإشكاليات، ارتفعت الأصوات العربية، منبهة إلى تسلل إخطبوط ( العولمة) إلى ثقافتنا العربية، كاشفة حقيقة هذا التسللل الذي يستهدف اللغة العربية ليسطمس هخوية الأمة العربية الثقافية . ولم يكن النقد العربي الحديث بعيدا عن هذه الإشكاليات. فقد راح الكثر من النقاد والبحاث والدارسين والكتاب يسلطون الضوء على ظاهرة ( العولمة) ويقفون عند المصطلح بشيء من الحذر والحيطة ، ويناقشون ما تطرحه من قضايا وأفكار، كما فعل د. أحمد درويش – على سبيل المثال – في كتابه القيم ( ثقافتنا في عصر العولمة) فقد خصص الفصول الثلاثة الأولى من أبوابه الستة للحديث عن الموضوعات التالية" تحديات الهوية العربية بين ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، اللغة العربية وتأكيد الهوية لدى الأقليات الإسلامية في عصر العولمةـ تحديات الحرف العربي خارج الحدود"(35). 
وإذا كنا لم نمانع في الأخذ بحضارة الغرب، منبهرين بتقنياتها المادية التي دخلت بيوتنا وحياتنا اليومية، ولم نتردد في التعامل مع ثقافته، فإن ذلك لا يعني التخلي عن هويتنا الحضارية والثقافية التي تعد اللغة العربية ابرز رموزها إننا نؤمن كل الإيمان بأن هذه اللغة هي لغة قرآننا الكريم، ومن ثم يستحيل ان نتركها تذوب في لغات الآخرين، فضلا عن كونها نتيجة" عمل عقلي قامت به أجيال متوالية من النسا، واللغة من شأنها ان تسير في طريق الإصلاح المثمر ، فهي في حركة دائبة نحو غاية مثالية"(36). 
ليس هناك ما يحول بيننا وبين التأكيد على أن لغتنا العربية ، لغة جميلة، لها خصائصها المتميزة وقواعدها وصرفها التي تختلف بها عن غيرها من اللغات، إن كل هذا يكسبها خصوصية متفردة ويحميها من الذوبان في الآخر. 
ومن الواضح أن إشكالية  اللغة والهوية لا تقتصر على اللغة العربية والثقافة العربية وإنما امتدت مخالب (العولمة) إلى المشهد الثقافي الأفريقي ،" حيث جعلت المثقف والأديب الأفريقي في دائرة هذه الإشكالية " بين أن يكون رقما فاعلا في الآداب العالمي من خلال خصوصية فنه وتراثه وقيمه ومجتمعه وفضائه الثقافي ، وبين أن يكون مستلبا يوظف فاعليته في مدارات الفضاءات الأخرى.. بين أن يوائم بين فنه النابع من إفريقيته مع الثقافة العالمية المكتسبة من جهة ، وبين أن يتخلى عن فضائه ليصب إبداعه في فضاءات أخرى"(37) . 
إن هذا الوضع الثقافي الذي وجد فيه المبدع الأفريقي نفسه، مبعثه بالدرجة الأولى- اللغة التي انشطر معها إلى شطرين: اللغة الأم التي اكتسبها من مجتمعه في السنوات الأولى من عمره، واللغة التي تعلمها في مراحل تعليمه وصار يستخدمها كتابة في التعبير عن واقعة المعيش. تلك هي إشكالات اللغة في الأدب الأفريقي، بين اللغات الأفريقية واللغات الأجنبية الغازية. 
وقلد تمثلت نتائجها السلبية في أن عددا " من المبدعين الأفارقة وجدوا أنفسم يعبرون بلغة غير لغة أبناء وطنهم أو قارتهم فهاجمهم البعض، وبعضهم كتب بلغته الأفريقية، فظل حبيس مجتمعه غير القارئ، ولم يصل صوته للعالم. البعض رأي أن اللغة هي أساس الهوية البعض وتجريد الشعوب من لغتهها يعني استلابها وتدمير هويتها، ناظرين إلى اللغة بمنظار آخر" (38) هكذا وضعت( العولمة) المثقف والأديب الأفريقي بين فكي رحي وفي دائرة الاختيار الصعب " من خلال المكتسب والمستلب والمعرفة والثقافة التي نهل منها، عليه أن يقف عند الموروث بعصبيته، نازعا روحه من المعاصرة ، متكئا على الماضي، أو  أن يعيش العصر ، مسائلا الماضي ، قارنا له برؤية معاصرة والوقوف أمام المفاهيم التي تتسع لدلالات المفردة في اللغة، والوقوف على بنية الوعي السائدة في هذا الفضاء ومخرجاتها، وأي مفهوم للهوية سيبتني من خلال بنية الوعي التي سيحتاز؟"(39). 
إن هذا السؤال، هو مربط الفرس كما يقولون، فالمثقف الأديب – عربياً كان أم أفريقيا- يملك لغته الخاصة وثقافته القائمة على موروثه الضارب جذوره في عمق التاريخ، ومن ثم فهو صاحب هوية ثقافية تمثله وتشخص ذاته ولقد وضعته (العولمة) في موضوع متناقص مقلق يمس واقعه الثقافي، ليس من السهل عليه الانحياز إلى احد طرفيه، ويتعامل مع عنصرين مهمتين لا يمكن التخلي عنها ببساطة، هما اللغة والهوية. 
هوامش 
التاريخ الإسلامي وأزمة الهوية، (ندوة) منشورات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، الجماهيرية، 2000/ ( كلمة د. الحبيب بالخوجة) ص 17. 
المرجع نفسه ص7 
اللغة والفكر والعالم ، د. محي الدين محسب ،الشركة المصرية العالمية للنشر – لو نجمان، القاهرة1997، ( التقديم) ص1
المرجع نفسه ، الصفحة نفسها.
المرجع نفسه، الصفحة نفسها. 
انظر نفسه، ص 1- 2 .
نفسه، ص2.
نفسه ص7. 
نقلا عن المرجع نفسه، الصفحة نفسها. 
انظر : نفسه، الصفحة نفسها .
نقلا عن المرجع نفسه ، الصفحة ص8 
نفسه، الصفحة نفسها 
نقلا عن المرجع نفسه ، ص 8- 9 . 
نقلا عن المرجع نفسه ص9. 
نفسه، الصفحة نفسها .
نفسه، الصفحة نفسها.
نفسه ص10
عبقرية اللغة العربية. د. عمر فروخ ، دار الكتاب العربي ، بيرون ،1981 ، ص7 -8 . 
انظر المرجع نفسه ، ص8 . 
نفسه ص7. 
عبقرية العربية، د. لطفي عبدالبديع، كتبة لبنان- ناشرين، الشركة المصرية العالمية للنشر- لو نجمان، 1997 ، ص 25 
المرجع نفسه، ص 26.
اللغة والكفر العالم، مرجع سابق ص 10. 
عبقرية العربية، مرجع سابق، ص3
الخصائص ، ابن جني ، تحقيق/ محمد علي النجارـ القاهرة ، 1952، ج1 
عبقرية العربية، مرجع سابق ، ص4
قضية التحول إلى الفصحى، د.نهاد الموسى ، دار الفكر للنشر والتوزيع ، عمان الأردن ، 1987 ، ص 79. 
المرجع نفسه – الصفحة نفسها . 
اللغة كائن حي ، جرجي زيدان، دار الهلال ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص11. 
المرجع نفسه، الصفحة نفسها . 
عبقرية اللغة العربية ، مرجع سابق ، ص 287. 
انظر : المرجع نفسه ، ص 2889 -288 . 
هسهسة اللغة ، رولان بارت ، ترجمه /  د. منذر العياشي ، مركز الإنماء الحضاري ، حلب ، 1999، ص 134. 
المرجع نفسه، الصفحة نفسها. 
انظر: ثقافتنا في عصر العولمة . أحمد درويش، الشركة المصرية العالمية للنشر- لو نجمان- القاهرة ، 2003 ، ص35 / 77 . 
اللغة كأن حي ، مرجع سابق ، ص7 
إشكالية اللغة والهوية في المشهد الثقافي العربي الافريقي " عبدالروؤف بابكر السيد . مجلة الفصول الأربعة ، عدد خاص ، الفاتح( سبتمبر) 2005 ص 72. 
المرجع نفسه، الصفحة نفسها. 
نفسه، الصفحة نفسها.

ليست هناك تعليقات: