حوار مع الشاعر لطفي عبد اللطيف
قبل رحيله
الشعرية الليبية، حصلت لها بعض الإشكاليات
هذا الجيل يفجائني في زمن يدعى أنه لم يعد فيه متلقين للشعر
لا أقول الغرائبية، وإنما أقول الصورة التي لم تخطر على بال المتخيل
قد كنت بدأتك بالتسليم..
قبيل مجيئي
وملأت فؤادي عطراً
من كلمات الروح
… … …
* من هو لطفي عبد اللطيف، أين هو
من الشعر وأين الشعر من لطفي عبد اللطيف؟
- هذا سؤال يجب أن أسأل عنه الذين أصبحوا يتلقونني، سواءً المجايلين لي، أو مجموعة
من الشباب الذين أعتز بهم من الجيل الذي بيني وبينه جيل آخر، هذا الجيل يفجائني في
زمن يدعى أنه لم يعد فيه متلقين للشعر، فلقاءاتي بهم وقراءاتي على مسامعهم وتواجدهم
في بعض الأمسيات التي شاركوا فيها، والحقيقة ربما كان دافعاً لي أن أعيش مرحلة
جديدة من الشعر لم أكن لأتوقع أن أعيشها باعتبار أن بداياتي الأولى تأثرت بتلك
النبرة أو النغمة الخطابية المباشرة التي كانت تستلهم ما يسمى بالالتزام في
الستينات ثم المرحلة الأخرى التي تحولت من نوع من الخطابة إلى المسرحة للصورة
الشعرية، وهي الفترة التي صدر فيها ديواني الثالث (حوار من الأبدية)، في هذا
الديوان أغلب القصائد هي حوار بين أشخاص وأحداث، أو شخصيات أستحضرها من عالم الغيب
أو عالم الموتى، فالقصيدة العنوان هي حوار بين غيفارا، ولومومبا، وغاندي وغيرهم،
والتوجه فيها يتناول مشكلات ذلك الوقت التي تظل مشكلات الزمن الحالي كذلك، مشاكل
اجتماعية، سياسية أو فكرية يعيشها الإنسان تؤثر عليه. أما الآن بوجود الأجيال
الجديدة، وبعد أن تركت النشر وليس الكتابة، ولكنني وجدت أن دائماً أي شكل من أشكال
الشعر سواء كان التقليدي أو التفعيلة لا يزال لديه ما يقول، فوجدت أنه يمكن أن
يستنطق مجموعة من الغيبيات والواقعيات والتراثيات وكل مال هو إنساني سواء في
الماضي، أو الحاضر والمستقبل، فهو ملئ بالفلسفة وبالصوفية والرومانسية، وهو بعيد
عن الخطابة. فتظل المسرحة، فلا بد للصورة كي تتحرك من المسرحة.
* قلت وتكررت على لسانك، عن مسرحة
الصورة، فهل تقصد إعطاء بعد حواري بين الشخص ومحيطه؟
- هنا لا بد من إعطائي
نصاً حتى أستطيع أن أبرهن على المصطلح، فما أقصده بالمسرحة هي طريقة تناول قضية
التي فرضت علي نفسها في النص من خلال مجموعة من الشخوص مثلاً أعطي صورة عن باريس
سنة 1968 عندما كنت طالباً هناك.. فأقول: عصا ترك/ وإعلانٌ ينوه عن موسيقى جاز/
وهيبي يلعب القيثار لحناً محدثاً ونشاز/ وفيما أعرضت عن أسودٍ مومس وفيما……. طرقاً
نحو أخرى/ قالت باشمئزاز ليسقط كل شقر الأرض في قعر الكراهية/ وتسمعه يسارية تحب
الشهود والألغاز/ تبادله بجمع السين بعض الحب والبرواز/ عصا الشرطي ورائهما/ وما
عرف البكاء سوى بفعل الغاز… هذه الصورة أسميتها المسرحة في بعض القصائد في هذه
الفترة ما بين 1968 إلى بداية التسعينات.
* تكلمت عن الخطابة والمسرحة، فما
موقع الصوفية في شعرك؟
- هناك من كتب عن هذا الجانب في مجلة الفصول الأربعة عن هذا الجانب، وأعتمد في
بحثه هذا على المجموعة الشعرية الأخيرة (قليل من التعري)، إلا أنني أقول أنني لست
متصوفاً بيد أني أحب السادة الصوفية ولدي العديد من القراءات الصوفية أنا لا أرى
فيما رأيته من أنواع التربية النفسية في كل ما قرأت أو ما مررت به في حياتي، أجمل
أو أدق أو أجدى من التربية الصوفية، لكن هذا لا علاقة له بما أكتب من شعر، إلا في
مصطلح أو قصة، الإشارة إلى القصص الصوفي وهذا أعني به كل ما يعنيه بالنسبة للنص،
والحقيقة أني لا أتخذ قراراً بكتابة نص ما في موضوع ما، وإنما تعرض على صورة من
الصور وجدانياً أجدها مبهرة أخاذة، من حيث اللغة، التصور، أو الحلم، المعنى، من
جميع الجهات، تستوقفني وأجلس لها، أو من خلال الإحساس فمثلاً أقول:
فراغ وضيق وأول أخبار يومك نفس الطريق/ وآخر أخبار يومك لا شيء مما تطيق، عندما
يعرض النص نفسه هكذا، أجد نفسي هذا المدخل أخاذ يعبر عني، نهارك والليل والعملة
الصبر/ والسوق تواقة للرقيق.
هنا يتدخل خبرتي أو مكتسبي الشعري، يتعامل مع هذه الهواجس أو الصور التي تعرض
نفسها، فنجد أحياناً أن يفاجأ بصورة أخرى فماذا التحرر بين الرحى والحصيد/ وتنور
حرث النوى والدقيق.. هذه مجموعة من الصور لعمل الإنسان سواء كان سخرة أو غير سخرة
وماذا وبين المجاديف والموج لا حول للبحر لا للغريق وهنا فوجئت بصورة جديدة خرجت
مني أنا دون أكون مقرراً لها أن تخرج أو واعياً لخروجها وعياً كاملاً، أو متدخلة
فيها الصنعة على الإطلاق، لا ولا أستطيع أن أوجد لها مصطلحاً نقدياً. إذاً لو جاء
أحدهم لتفسير هذا المقطع بالذات، هذا تعبير صوفي غير مباشر يعني به الشاعر الله
سبحانه وتعالى، له أن يقول ذلك، لكنني هذه الأمور لم تكن واردة في ذهني إطلاقاً،
وإنما أقول في تعابيري معكم كلكم أنا أمارس نص شعري، ولا أقول أنني أكتب نص شعري.
* يريدون أن
يستطيعوا أو أن يبحروا من قصائد صعبة، هنا لطفي عبد اللطيف افترض أن هناك قصائد صعبة فهل هناك قصائد صعبة وأخرى سهلة؟
- هنا يأتي المعنى في بطن الشعر، أنا لا أقصد بالقصائد الصعبة الشعر، وإنما
أن يحققوا أشياء كبيرة، هذا كان قصدي مما قلته.
* هذا ليس ما أقصده، ولكن بشكل
تجريدي، هل تؤمن أن هناك قصائد صعبة وأخرى أصعب؟
- أنا لم أتوقع قط أن
أسئل هذا السؤال، وهنا فأنا مضطر أن أفلسف إجابتي، وبالتالي أن أقول ما أعرفه
لغوياً وهو الصعب والعسير والكبير، والتي يقابلها السهل واليسير والصغير، فالصعب
أخذ في مفاهيمنا اللغوية على أنه شيء لا بد منه للإنسان، فهو موجود مع المحاولة
الإبداعية.
* لدي لك اتهام فأنا أتهم لطفي عبد
اللطيف، فبعد أربعة عقود من الكتابة وبعد عدة دواوين، فهل أنت شاعر؟
- إذا كانت هذه تهمة ورائها عقوبة فأنا أتحمل المسؤولية ولكنني أنا أخشى أن تكون
تهمة جمالية وأنا ما زلت لم أرتقِ بعد لأن أدعي أني أنا شاعر أو (الشاعر)
بالتعريف، لأن الحقيقة أن المسألة صعبة، فإلى حد الآن هناك عدم فهم لما هي
الشاعرية، ماهية الشاعر، فإن البحوث والدراسات والفلسفات مستمرة، فحتى القرآن
الكريم تركها من المتشابه، فهناك مذمة في ذكرهم وهناك استثناء أيضاً ولكن ليس بذلك
الوضوح، والشعراء أنفسهم لم يستطيعوا أن يحددوا، فإذا كانت الشاعرية أجمل ما فيها
إن من البيان لسحرا، هناك بعض الصور التي راودتني وأنا أمارس النص تؤكد لي أنني
انتمي لهذه الشريحة من البشر والذين يمارسون التعبير هما شعراء وليسوا فلاسفة أو
مفكرين، النصوص في إبهارها لمتلقيها أن هذا الشعر أكثر شاعرية من هذا الشعر أو أن
هذا النص متميز عن ذاك أو أن يقولوا أن هذا لدرويش أو لنزار أو هذا لكذا أنا أرجو
أن أصل تتميز لي قصيدة نستطيع أن نقول عنها أنها للشاعر لطفي عبد اللطيف، وهنا
يستطيع الآخر أن يقول له أنه شاعر، ولكن أنا في إحساسي الداخلي أحياناً بعد هذه
المدة الطويلة التي قضيتها في ممارسة كتابة النص الشعري، أقول عن نفسي أني قريباً
سأكون شاعراً.
* هل أستطيع أن أقول
أنك تقبل الاتهام ولكنك ترفض بالمقابل أن تنعت نفسك بهذه الصفة؟
- أنا يسرني كثيراً أن يقول عني الناقد والمتلقي أني شاعر من أن أقولها
أنا.
* يجرنا الحديث عن الشاعرية إلى
سؤال هل الحالة الشعرية عن لطفي عبد اللطيف هي لحظة وعي كامل أم أنها لحظة تجلي
للنص بداخله؟
- هذه إشكالية ثانية من
إشكاليات ماهية الشاعر، وهي ممارسة النص، خارج نطاق أي مؤثر خارجي سواء أكان
جسماني أو غيره، النص الشعري عندما يعرض نفسه فأستجيب له فأنا أكون بكامل وعي ولكن
ليس كالوعي العادي، هناك سيطرة لهذا التجاوب بين عرض النص نفسه واستعداداتي
النفسية والفكرية والوجدانية لأن أتعامل معه.. لكن وعي كامل، عندما تكون الصورة
واضحة في الذهن والكلمات لا تتمكن من أن تصورها ساعتئذ يزداد الوعي، يدخل غير
الشاعر، يدخل القاموس، يدخل النحو، ولكن في أغلب الأحيان عندما تكون الكلمات مطيعة
للصورة يكون هناك وعي ولا وعي، كأنه الحلم الواعي. وهذا لا أعني به الذين يقولون
المخاض والمعاناة وغيره، فأنا لا أعني هذا فهذه أشياء أرجو أن أكون قد تجاوزتها
ولا أريد مناقشة مصداقيتها من عدمه، وإنما الجميل جداً أن أسئل عن حالة الوعي هذه
فهي عبارة وعي كامل ولكنه فيه سيطرة لشيء آخر كالحلم في تلك الحالة، في ذلك النص
نفسه، في تلك الصور كيف عرضت نفسها، إلا إذا كانت الصورة صعب على اللغة أن توصلها،
فهنا يتدخل القاموس، الخبرة والصنعة، إذاً هو وعيٌ كأنه وعي ، وهو حلم كأنه حلم.
* أنت تقرأ الشعر وتستمع للشعر،
فما هو الذي يبهرك في الشعر، اللغة الصورة، الحبكة، الإلقاء؟
- النص الشعري الذي
أنبهر به وأتمنى لو أنني كنت صاحبه، هو الذي حتى وإن تناول شيئاً متناول أي مسبوق
به يأتي بشكل ليس فيه، بمعنى مخالف لكل ما سبقوه، وهذا إلى حد ما نادر، لن أقول
أني أريد وفي التخيل وفي المجاز لا أقول الغرائبية، وإنما أقول الصورة التي لم
تخطر على بال المتخيل، وإنما هي جاءت من خلال هذا النص الذي قاله هذا الشعر، هذا
المبحث الأول الذي يشدني في النص، هل قال هذا بلغة متقنة أو مختارة أو منتقاة،
ربما أستعمل اشتقاق جديد، تصرف في الاشتقاق، فهذه مسألة أخرى وربما أولى، فبمجرد
أن أجد خلل لغوي في الأساس أو الخطأ، هذا لا أقرأه أساساً، فأنا لا أقرأه
للاستمتاع أو الإطلاع، تعجبني اللغة في الأول يتركني أتماهى مع النص، فإذا كان
النص كان مليئاً بالأشياء التي ذكرتها قبل قليل، استمتعت بها، عدت مرة أخرى إلى
كيف استطاع أن يطوع هذه الكلمات لمثل هذه الصورة، وتصبح اللغة بعد ذلك نوع من
المتعة الأخرى.
* السندبادة، أسم
جديد شكله ولونه لطفي عبد اللطيف، وهي من اختراعك، وحتى مجموعتك الشعرية الجديدة
بعنوان (قراءات في كف سندبادة) فما هي؟
- الجانب الأول، بالنسبة لي أغلب نصوصي الجديدة دائماً في آخر النص هناك
خطاب لأنثى، وهي مثال وليس تمثال، مثال لامرأة مفقودة، موجودة، يعني أنا أتخيلها،
مثال لامرأة أتخيلها، فيها أفلاطون، وشهرزاد، ورابعة العدوية، مليئة وليست تمثالاً
جميلاً لأتغزل بها، وإنما هي بهذه الهيئة التي عليها بمثالها مقنعة، فأتصور أحياناً
أنني لا أتخيل إلا عينيها أحياناً، وكطيف لا أتخيلها كشهوة، امرأة لها من العقل
والوجدان ما يجعلها مقنعة، فحاولت أن أوجد لها اسماً لأخاطبها به أحياناً، بدل أن
استخدم الضمائر المتصلة أو المنفصلة، سميتها (عاتكة) سميتها (ليلى) وبعض الأسماء
القديمة المستعملة، الجانب الثاني أن عالم النساء الذي نعيش معه محروم منها، فهي
محرومة على أن تكون هكذا، فلو تعرف معنى الجمال حقيقة تعرف ما هي الحياة وليس فقط
العيش، ونحن عالم الذكور يحرمها من الكثير من الأشياء، فلماذا هناك فقط سندباد
وتكن هناك سندبادة، أنا سأخترع (سندبادة) وهكذا أسميتها سندبادة، وهو اسم غير
مسبوق عند الأناث، واحسست أن كثبر من بناتي وصديقاتي الإناث، وجدوه جميل. ولذلك في
القصائد التي ذكرت فيها لم يرد لها وصف.
* في قصيدتك آثار ابتهال قلت
ومزدحماً كنت بالناس تمشي وحيداً/ وأقرب للناس ولكن بعيدا.. أريد أن أخاطبك به؟
- هذا الجيلاني طريبشان
رحمه الله ولست أنا.
* ألا ترى معي أن هذه ليست للجيلاني فقط وإنما لمعظم للشعراء، مزدحم بالناس
ويمشي وحيداً؟ ما تفسير الارتباط هذا الهاجس، الوحدة في خضم الزحمة والزحمة في خضم
الوحدة بالشاعر؟
- أحيلك إلى نص قصير فأقول: غاب ازدحامي قليلاً/ قولوا بأني هنا إن جاء أصحابي.
أنا أعتقد أن هناك أناس مزدحمة بقضايا الناس فالشعراء منهم والفنانين الحقيقيين،
ومنهم المسرحيين، فهم مزدحمون بقضايا وأناس، وهذا الذي أعنيه وأعتقد أن الشاعر
أكثر أهل الإبداع ازدحاما.
* من خلال تجربتك الشعرية الليبية والعربية،
أين تجد الشعرية الليبية في الوقت الحالي، أين وصلت؟
- الشعرية الليبية، حصلت لها بعض الإشكاليات، فمثلاً شاعر لست أدري ماذا سيكون
عليه لو أنه عاش إلى يومنا هذا، فقد مات صغيراً، وهو الشاعر علي الرقيعي، ففي
قصيدته أشواق صغيرة، وهي عنوان ديوانه الأخير، والتي تطغى على كل ما كتبه قبلها،
وأنا أتصور، واحد يتحدث عن قمر أخضر، (… ويمد القمر الأخضر للعشاق راحة)، تبقى
تبحث فيها ما شئت عن الخضرة في هذا القمر، الذي يمد للعشاق، فلا يدري الإنسان تطور
الصورة والحلم والمطمح واللغة، ما كان سيكون عليه علي الرقيعي، هذا من ناحية، عبد
المجيد القمودي كان يطاول نصاً كبيراً وهو في سن أصغر من علي الرقيعي وهو أيضاً
توفي في سن مبكرة. فعلي الرقيعي أستطيع أن أقارنه بصلاح عبد الصبور فهو من سنه،
وبأحمد عبد المعطي حجازي، أمل دنقل خرج بعد هذين الاثنين، فلو كان علي الرقيعي
معنا الآن لكان إما سيبقى كما كان أو أنه سيطور من نفسه، بالنسبة لعلي صدقي عبد
القادر فقد توقف عن قصيدة التفعيلة وتحول إلى القصيدة الحداثوية فلا يستطيع أحد أن
يحكم على هذا التطور، فالشعر الليبي كان الشعر المتمثل بتقليدياته، عند الشارف
وقنابة ورفيق وغيرهم، وبدأ به علي الرقيعي فيما بعد، فالشعر التفيعلة سيطر على
باقي الجيل الذي أحدهم أنا، الآن فأنت تنقلني نقلة كبيرة جداً، هذه النقلة أجد
نفسي أين أضع نفسي في هذه التجربة، فعندما أراكم أنتم، أجد أن هناك جيل أو جيلين
غير موجودين، هناك فراغ لم يملأه الذين يعيشون، مثل علي صدقي عبد القادر، خالد
زغبية، راشد الزبير، محمد الشلطامي، لست أدري لماذا لم يستمروا أو لم يعطوا الحركة
الشعرية، هذا الزخم وهذه الحيوية، أو المرافقة للتطور في المعرب العربي والمشرق
العربي، فنأتي للأجيال الجديدة التي أخذت بالنص الحداثوي أو قصيدة النثر، فنجد كم
مهول، عدد كبير جداً، فلا أستطيع أن أقول أنهم خرجوا من قراءات الشعر المترجم،
فالشعر المترجم لا يكون هكذا كما هم يكتبون الآن، أم انه اختيار للشكل الحداثوي
كما بدأ به في بداية السبعينات، فهذا الجيل الجديد، فمنهم من أحترم خصائص اللغة
العربية الموسيقية والدلالية وما أعطاه الشعر العربي المموسق عبر تاريخه الطويل،
ودخلوا بمحاولة للتميز بنص حداثوي وذي علاقة التعبير المموسق عبر تاريخ الشعر
العربي كله. فأنا لا أرتاح لنص حداثي كما أرتاح لنص مفتاح العماري وأضعه إلى جانب
نصوص بعض شعراء الجيل الجديد أجد أن نص هؤلاء يمتاز بهذا التواصل مع اللغة، ومع
موسيقتها ولا يقل في شكله الحداثوي من حيث تخيل الصورة والعودة بها إلى الواقع، أو
عملية الإسقاط، أو الربط بين التراث والمعاصرة، لا أجد فارقاً كبيراً، أما
الحداثوي غير المموسق، قصيدة النثر لم تعطي جديداً للنص الشعري، ولكن بعد
الاستمرارية والممارسة، سيكون هناك نص شعري حداثوي متميز، إنما هناك مسألة، النص
الليبي، والتونسي، والعراقي، هذا لأهل اللغة الواحدة لا علاقة له بالبيئة إلا إذا
أسمى مكان، فالعادات العربية واحدة، مسألة البيئة ليست مختلفة، فعدا تسمية أمكنة
بذاتها، فهو عبارة عن شعر من داخل الوجدان العربي، التاريخ الواحد، لا أعرف نص
ليبي أو نص مصري، فهو نص شعري باللغة الفصحى ينتمي للناطقين باللغة العربية حتى لا
أقول الأمة العربية.