الأحد، 12 أغسطس 2012



ليلة المارينا
عشرين رمضان 2011

خالد درويش
في تلك الليلة لم نرض أن نستقر في الشقة ، كنا نتحرق شوقا لمثل هذه الليلة ، المائدة المتقشفة التي أعدها "محمد"  كانت عبارة عن بضع تمرات وحليب وبسيسة ، وقليل من الماء ، كانت المواد الغذائية شحيحة وحتى إن حضرت فإننا كنا نقتقد لسيدة تعد لنا ما تحتاجه مائدة رمضان المعتادة فقد تركنا زوجاتنا لدى أهاليهن لنتفرغ لعملنا ونفسح المكان لثلاثة شباب  أحدهم مطلوب لرجال الأمن وبشدة وكنا قد أخفيناه معنا حفاضا على حياته وأقصد الكاتب "محمد سحيم" الذي اعتقلته زبانية النظام منذ (15 فبراير 2011)وجيء به إلى طرابلس في شبه إقامة جبرية ، وكان لابد من نقله إلى مكان آمن خوفا من أن يقوموا بتصفيته خصوصا أن طرابلس قد "خشت بعضها" وتستعد ليومها المشهود كانت شجاعة "محمد البوسيفي" رفيق هذه الرحلة المضنية من الأشهر العصيبة التي مرت علينا في طرابلس ورفيق عمل أعتبره نضاليا في وقت احتاجت فيه البلاد إلى شبابها وكانت الكتائب تزرع الموت والدماروالرعب ، في شقته بزاوية الدهماني عند الجزيرة أقمنا وكرنا وعانقنا حلمنا من هناك حلم الثورة والتحرير ، كنا ندرك أن هذه الليلة ستكون الحاسمة خصوصا بعد استقرار "ثوار مصراتة" في مدارس سوق الجمعة وتأمين شوارعها جيدا استعدادا لبدء عملية "فجر عروس البحر" .
قبل الإفطار بقينا في بيوتنا ولم يخرج أحد ساعات قليلة صمتت فيها طرابلس ، كنت أراقبها من الشرفة العالية وهي تبدو هادئة تترقب ، كأنه السكون الذي يسبق العاصفة ولقد كان كذلك ، لحظات الترقب القاتلة تسري في أوصالنا وكلنا خوف على مدينتنا ، وما ستفعله الكتائب والمرتزقة فيها ، كان الاتفاق على التحرك بعد الإفطار، أُرسلت التعليمات إلى المكلفين بها من ثوار ورجال أمن وضباط شرطة وغيرهم وبها مهام وتعليمات من الحاج "محمد الشيخ" في غرفة العمليات بمنطقة الغرارات في سوق الجمعة ، الحاج محمد الشيخ  قرأ بيان العاصمة ووضع تمرات في فمه وأعلن عن انطلاق " انتفاضة العاصمة " من داخلها ليشتعل التكبير وتوقد مشاعل الله أكبر ، كانت الكهرباء في ذلك الوقت مقطوعة والظلام يلف عديد المناطق ، لكن التكبير في المساجد والظلام المطبق وأصوات الناس في بيوتها أحدثت مشهدا أقسم بالله العلي القدير لم أشهد مثله في حياتي لجلاله وروعته وتأثيره ، كانت طرابلس تهتز بكلمة التوحيد ، وكنت أسمع النساء والرجال والأطفال وهم في بيوتهم وهم يغرقون في الظلام الدامس ينشدون لحن الحرية الذي ابتدأ بجملة "الله اكبر ولله الحمد" .
أخذَت بعضُ السيارات تجوب الشوارع بسرعة فائقة وهي تطلق الرصاص في الهواء ، كانت سيارات القتلة والمتطوعين ، وبعض سيارات الدفع الرباعي التي انتصب على ظهرها مظاد للطائرات  في محاولة لإرهاب السكان ، لكن هيهات الكل صار نشيدا واحدا من التكبير .
كان بالشقة راديوا ضخم ذا سمعات قوية يعمل بالبطاريات استفدنا منه كثيرا وضعناه في الشرفة العالية بالدور السادس ، كانت المحطة التي في متناولنا هي "إذاعة مصراتة الحرة" واكرم بها من إذاعة كان محمد صدقي يصدح من خلالها "هذه الأرض هي العرض لنا" انطلقت الأغنية  في السماء فأصاخ الجميع من حولنا وصرنا نردد معها "هذه الأرض هي العرض لنا" مع ما بثته من اخبار في نشرتها كان له فعل طيب في نفوسنا ، كان أي شيء ولو كان بسيطا له دوره في رفع معنوياتنا . خصوصا وأن بشائر الثوار قد هلّت ، ففي كل ربع ساعة يخرج شخص ما من احدى الشرفات وهو يصرخ محددا المكان الذي وصله الثوار الآن .. وحين سمعنا انهم وصلوا جنزور ، لم تسعنا الأرض ، اتصلنا بصديقنا "نوري عبدالدايم" فأكد الخبر وأن بعض الاشتباكت هي قريبة من بيته الآن . صرخت لآزف الخبر للآخرين : وصلوا جنزوووووووووووووور .. كانت لحظات رهيبة امتزج فيها الفرح بالترقب بالخوف مع السعادة .  
كنت أدرك أن النزول إلى الشارع الآن فيه مخاطرة كبرى ، لكننا لم نصبر ، لم نتحمل أن نقعد لنستقي الأخبار من التلفزيون، خصوصا أن أعلاما كُثر خرجوا يحثون الناس في العاصمة على التقيد بالأخلاق الإسلامية في معاملة الأسرى وحثهم على المحافظة على الممتلكات العامة وكان الخوف كبيرا من أن يتكرر ذلك المشهد المروّع الذي حدث في العراق إثر سقوط النظام من نهب وسلب واعتداء على الممتلكات العامة وسرقة محتويات المتحف العظيم لتاريخ العراق .
تجهزنا للخروج رغم معارضة الصديق"محمد سحيم" لكننا كنا قد أخذنا القرار بالنزول والوقوف على الأحداث في مواقعها إذ ليس من نفحات التاريخ أن يهبنا ثورة أخرى لنشارك فيها ولا ليلة( 20 رمضان )أخرى لكي نعيشها ،أخذنا كاميراتنا وتجهزنا جيدا وانطلقنا بسيارة محمد ، كان لابد لي من الاطمئنان على أسرتي في فشلوم وأن أعرف مالذي سيحدث هناك في هذه المنطقة التي شهدت بداية الثورة والتي عرفتُ فيها أبطالا ورجالا تفخر بهم ليبيا ، فوجئنا بأن الشارع كان مضاءا ، وكانت حالة من الهدوء الرهيب تسكنه ، خلا من المارة ، طرقنا الباب على بيت "أصهاري" الذين استقبلونا بلهفة وخوف مستنكرين تجوالنا في هذه الساعة الخطرة من عمر المدينة والبلاد بأسرها ، كنت أريد ان اطمئن على أبني وزوجتي ، وأن أتسقط الأخبار لكن لا أخبار إلا ما تذيعه قناة الأحرار في برامجها عين على العاصمة وبالليبي الشهيرين ، أو قناة العربية والجزيرة اللتان غطتا الحدث كلا من وجهة نظرها الخاصة ، صلينا العشاء جماعة وتوسلات الجميع بأن نبقى لكن مهمة أخرى كانت في انتظارنا . لكن ما أن خرجنا من بيت "المقريف" وكان على الشارع الرئيسي وولجنا السيارة حتى رأينا "العيون السود" وهي تتلصلص ناحيتنا ببنادقها ، صرنا نتحرك بالسيارة ببطء وقبيل الأربع شوارع خرجوا علينا بأسلحتهم كانوا مجموعة من المتطوعين السمر من نفس الشارع ، كانوا يلبسون فانيلات بيضاء وسراويل مموهة ولا تُرى إلا أعينهم ، أمرونا بالتوقف وعدم النزول أو فتح أبواب السيارة إلا حين يأذنون لنا أقتربوا منا بحذر وبعضهم قد تجهز بعضهم لإطلاق الناركان الخوف واضحا وجليا في ارتباكهم وحذرهم وأعينهم ، قاموا بتفتيشنا ثم أمرونا بألا نكمل طريقنا بل يتعين علينا أن نرجع عن طريق "زنقة الباز" دخلنا الطريق الموديء إلى هناك كان مظلما جدا ومغلقا من قبل الثوار ، كان مهمة كل منطقة أو شارع هي تأمين نفسها بنفسها كل شارع يغلق على نفسه ويطهر نفسه بنفسه عندها أغلقت كل شوارع طرابلس وافتكها رجالها بأيديهم ، انتصبت العراقيل الاسمنتية والمطبات الحجرية "زينقوات" ثلاجات متهالكة وإطارات سيارات قديمة وأسياخ الحديد في كل الطرقات ، جعلوا منها بوبات لا تفتح إلا بإذن متفق عليه وكلمة معروفة ، تعرف علينا بعض الثوار بعد أن رأينا مصابيحهم اليدوية تبرق ، سرنا بهدوء مطفئين أضواء السيارة وحين انتصفنا الشارع أخبرونا أنه من المستحيل المرور بسلام فهناك بعض الاشتباكات جهة "عمارات داخلي البنات" وسيارات الجنود تمر بين الحين والأخر فليس لنا من بد إلا أن نركن السيارة في أحد الأزقة ونكمل المسير على أقدامنا ، كانت الظلمة شديدة وكل السكان من الشباب أمام البيوت يحرسونها . ترجلنا وانضممنا إلى الشباب المسلح ببعض البنادق ، صار الرمي من "عمارات السراتة" فأخذنا نوثق الحدث وإذا بالرصاص ينهمر فوق روؤسنا لم نعي بانفسنا إلا ونحن نرتجف من الخوف والإثارة في بيت من البيوت كان فناؤه واسعا عرفت فيما بعد أنه بيت "جمال" ، مرت من الطريق المقابل سيارة بها مجموعة من الجنود كانت مرتعبة هي الأخرى أطلقت بعض الأعيرة النارية الغير مركزة وانطلقت ناحية جزيرة الدهماني .
حاولنا العودة لكن الأمور اصبحت تتعقد أكثر أخذنا طريقنا ناحية جامع القبطان لكننا علقنا للمرة الثانية جهة المارينا أو خلف المستودع لم يكن من بد إلا ان نختفي في أي زقاق أو شارع لأن مجموعة من الكتائب دخلت بعض الأزقة لم نعد نميز الرصاص من أي جهة يأتي استسلمنا لقدرنا فتحت الكاميرا وصرت أوثق النار الحمراء ، وأصوات التكبير المصاحبة لها ، كان من بين الشباب الذين تعرفوا علينا "ابراهيم"  الذي حين رأنا تعرف على "محمد" بسهولة وقد عرفته جيدا فقد كان يعمل في مجلة "فضاءات" مع عبدالمنعم المحجوب في قسم الجمع المرئي ، أدخلنا إلى بيته وعرفنا بمجموعته وأخبرنا أنه لا مشكلة وبإمكاننا أن نبيت هذه الليلة معه فأهله في مكان آمن والبيت "فاضي" إلا من الرجال .. كان قدرنا أن نكون مع هؤلاء الرجال في هذه الليلة وهم يدافعون عن بيوتهم وأعراضهم ، لم أكن أعرف خريطة المكان جيدا لكن المفاجأة الكبرى بالنسبة لي هي لقائي بـ"محمد ريحان" لم أعرف أنه يسكن هنا وفي هذا الشارع بالذات والريحان شخصية لطيفة ومرحة وهو فنان"ريقي" كان طالبا عندي في معهد زاوية الدهماني ، فرح بي ورحب بصديقي وهون علينا بلطفه وبسمته ، كان الشارع مسلحا تسليحا جيدا أفضل من الجهة الأولى التي كنا فيها ، ثمة بنادق ومخازن ومسدسات واتصالات  استعداد "أفغانستان"، جاءنا الخبر بأن سوق الجمعة قد تحررت وأن أعلام الاستقلال ترفرف في عديد المناطق هناك ، تذكرت بيتي هناك في العمروص ، تذكرت اولئك الشباب البواسل الذين صفعوا "ملك ملوك أفريقا" بحذاء قديم ، علت صيحاتنا بالتكبير رغم حزننا على بعض الشهداء وعلمنا أن معاركا تدور في كوبري "باب تاجوراء" الذي صار مقبرة للتندرات حيث تم القضاء على أكثر من 25 سيارة في ذلك المكان الاستراتيجي والحيوي لدخول سوق الجمعة .
في هذه اللحظات علا التكبير كان تكبيرا يهز الأرض هزا لأول مرة أعرف ان لهاته الكلمات شحنة غير عادية من القوة والوصرنا نسمع أصواتا عبر مكبرات الصوت تنادي على بعض أزلام القذافي او متطوعيه "سلم يا منصور" "الحوش محاصر، سلم نفسك يا منصور" كان إمام المسجد هو من ينادي على منصور هذا حقيقة لم اعرف من هو ولكن قيل أنه احد الازلام من اللجان الثورية والذين يمدون بعض المتطوعين بالسلاح ، صرنا نسمع الرمي وتبادل لإطلاق النار ، كانت النيران تمتد ألسنتها جهة المستودع والدخان كان كثيفا .كنت اسمع بعض السيارات وتنفجر في داخل هذا المكان من أثر الحريق ، شخص آخر اسمه نصر الدين هو الآخر لم يسلم نفسه  رغم النداءات المتكررة عليه ، رغم أن منصور قد استسلم بعد أن أحرق الثوار منزله .
إحدى السيارات وكانت "متشي موزة" توغلت في المكان ولم نشعر بها ، كانت تسير ببطء ودون إنارة ، وحين لمحتنا امطرتنا بالرصاص فلم يرد عليها الشباب عليها رغبة منهم في عدم الاستفزاز وعدم جرها إلى داخل المنازل لتفادي الخسائر كان الرصاص في خلفنا في ظهورنا ، لم نكن نعلم أننا نستطيع "الجرى عالذراع" بهذه السرعة لكن "الموت حارة"  تكومنا على بعضنا في أحد الأزقة ، لكن الحمد لله لم يصب أحد بسوء . انتظر الشباب حتى تقدمت أكثر ليمطروها هم أيضا بوابل من الرصاص ، فاجأها ذلك فانسحبت بسرعة من حيث أتت .
كنت أرتدي قميصا ابيضاً ، تشائم منه "امحمد" وهو يقول لي "أنت بتفضحنا سوريتك اتشعشع من بعيد" أحضر لي محمد ريحان قميصا من عنده كان اسودا لم أعده له حتى الآن ، اتصال مع ثوار بن عاشور وأنهم يشتبكون الأن مع الكتائب ثم جاءنا خبر بأنهم رفعوا علم الاستقلال على السفارة "المجرية" طبعا لا أعرف لماذا وضع العلم هناك ولكن هكذا ورد إلينا الخبر مع أنني شخصيا لا أعرف أين تقع السفارة المجرية المهم ارتفع العلم وخلاص مش مهم المكان .  
تأخر الوقت وهدأت المنطقة قليلا .سألنا "امحمد" عن وجهتنا فاخبرناه أننا يجب أن نعود إلى زاوية الدهماني عند الجزيرة فنصحنا بعدم التوجه إلى هناك لأن بعض السيارت المتمركزة في الجزيرة وبالتحديد جهة "أبناء الشهداء" و"المركز" . كان خوفنا اننا لو بقينا اكثر فإننا ربما لن ننجو ما لم نبت عند هؤلاء الأبطال ولم نشأ أن نترك "محمد سحيم" بمفرده  وهو رجل مطلوب ولا يعرف المدينة فلربما يحدث شيء ما إضافة إلى أننا قد انهكنا التعب ،  فقررنا أن نشق طريقنا من جهة القبطان دخلنا هناك فوجدنا شبابا آخرين أخذوا بأيدينا بعد أن تعرفوا علينا من مكان إلى مكان كل مجموعة تسلمنا إلى أخرى مع كلمة سر مختلفة ، كان جامع القبطان يجتهد في التكبير مسجد صغير لكن دوره كبير ، رأيت رجلا كبيرا في السن يحمل بيمناه عصى وهو من يتولى مهمة التكبير ،الشباب الذين معه يغلقون الشوارع بأسرة كبيرة وإطارات السيارات ، طلبوا منا ألا نعبر من جهة مركز الغولة بل من الأفضل أن نلف لفة كبيرة من النوفليين ثم خلف معهد الموسيقى ثم من العمارات المقابلة له ، كانت لفة جميلة مشيناها على الأقدام رغم طولها كان معي محمد ونحن نتوقع أن تأتينا رصاصة في أية لحظة أو توقفنا سيارة أو نسمع كلمة : اوقف يا جرذ التي يعقبها موت محقق .
تم تسليمنا عبر اللاسلكي إلى شباب النوفليين الذين كانوا مسلّحين هم أيضا ومرتبين استوقفتني رائحة الفل والياسمين بين الفيلات الفخمة هناك  ، دخلت إلى صدري معززة مكرمة رغم الخوف ورغم الرصاص الذي لم يتوقف طيلة هذه الليلة ، اخبرونا ان تاجوراء تعرضت لقف بالجراد ، تألمنا جدا حد البكاء ، اللهم احفظ تاجوراء مصنع البطولة ، معنويات الشاب انخفضت ، كذبنا الخبر بسرعة مفندين أنه لا يستطيع ذلك فالمنطقة لديها من الدفاعات والأبطال ما يكفي لصد هجوم غادر ، كانت مجموعة من الأهالي يتحلقون وهو في غاية الانبساط ويتسامرون والسكينة على وجوههم سألونا من أين جئنا فاخبرناهم من فشلوم والقبطان وأنهما تمام التمام وتحت السيطرة فكبروا الله ، طلبنا منهم كأس ماء فجاءنا الماء البارد خصوصا ونحن في حالة عطش ولهاث دائم هذه الليلة . وإذا بقصعتين من المكرونة التي تشتهيها نفس الأحباب ، أصروا أن نشاركهم الطعام فجاملناهم وأكملنا طريقنا ، كانت هيئتهم تقول بأن الأمور قد حسمت وأن هذه الليلة وإن طالت ستكون أخر ليلة للقذافي ومرتزقته في طرابلس وأن صفحة جديدة من تاريخ هذه المدينة قد كُتب .
حين وصلنا "الفرسان" التقينا بطارق الذي أعطانا كلمة السر لكي نعبر الطريق وأخبرنا بألا نذهب جهة الجزيرة لأن بها ثلاث جثث من الكتائب لازالت مرمية وربما تتعقبها إحدى السيارات فالأفضل ألا نفعل ذلك ونكمل دورتنا ، تأكدنا أن الجثث من الكتائب وليس من الثوار فمن الثوار وحسب ما قيل لنا ان الذي استشهد شخص واحد فقط وينتمي لعائلة "المسعودي" تقبله الله بواسع رحمته  ، لهذا السبب كان الخوف شديدا في عبور هذه الطريق مع انها قصيرة وليست ذات بال ولكنها تفصل منطقة عن اخرى إضافة إلى انها طريق رئيسي فلربما كانت إحدى السيارات تمر منها فلن تترد في إطلاق النار ، توكلنا على الله بعد أن اطمنينا إلىخلو الطريق و"شديناها على الذراع" لم نلتفت وراءنا قيد أنملة . وصلنا العمارة أخيرا ، اتصلنا بسحيم لكي ينزل فيفتح لنا ونحن نهم بالدخول وبمجرد ما أن انفتح الباب إذا بالرصاص ينهمر جهتنا كانت الرصاصة الاولى قد انسابت من بيننا كانت تبتسم لنا وتهز لسانها افترعتنا في هذه اللحظة اندفعنا إلى الداخل بسرعة الحياة لينجينا الله للمرة الثالثة هذه الليلة فقد كانت سواتر العمارة وأعمدتها كبيرة جدا والحمد لله ، كانوا يصوبون من بعيد على كل ما يتحرك رغم أن جثث اصدقائهم لا زالت مرمية أمامهم على الرصيف وقد أصيبوا منذ ثلاث سااعت تقريبا ولم تأتهم الشجاعة في أن يلتقطوهم خوفا رصاص الثوار .حمدنا الله على السلامة وبعد أن استرحنا قليلا لم أستطع مقاومة الخروج زحفا إلى الشرفة وتصوير الجثث الثلاث الملقاة في الجزيرة والتي بسببها لففنا نصف طرابلس تقريبا . حكى لنا سحيم قصة هذه الجثث الثلاث والتي ابتدأت أن مجموعة من الثوار انبطحوا في الجزيرة بالظبط عند النافورة التي كانت ساترا وغطاءا ممتازا ، وإذا بسيارة مدنية تعبر الجزيرة وكان وراءها سيارتان للكتائب ، خفضت السيارة المدنية من سرعتها مما أدى إلى تعطيل سرعة السيارتان اللواتي خلفها ،لم يطلق الثوار النار كانت أحداهما "تندرة" والأخرى تحمل ميم ط . استغل الثوار الفرصة ففتحوا نيران بنداقهم على السيارتين فما كان من صاحب(ميم ط) إلى الهرب أما السيارة النتدرا فقد أصابها الثوار وقتلوا من فيها بعد أن سلبوهم اسلحتهم وكذلك السيارة اختفت وعينك ما تشوف إلا النور . حكى لنا سحيم ايضا عن الرصاص العشوائي الذي تقاطر داخل الشقق وأرانا الزجاج المكسور في الشرفة والحائط المثقوب بالرصاص . كانوا لا يميزون فحمدنا الله على سلامته هو الآخر ..                 

ليست هناك تعليقات: