الجمعة، 27 سبتمبر 2024

فلسطين نوارة الانتماء" لمهرجان الدولي خيمة علي بن غذاهم للشعرالدورة 29

 




مهرجان قصي ، في مكان قصي ، لكنه دانٍ من قلوب الشعراء العرب، ربما هي المرة الثالثة أو الرابعة ، أو الألف التي يخفق القلب للمشاركة فيه ، رغم بداوة المكان ،وعشب القلوب. هناك في جدليان ولاية القصرين وبفندق سبيطلة التاريخي في المدينة التاريخية ،حيث يلتقي ثلة من المثقفين العرب ومن الشعراء الحالمين بقصيدة أجمل، ينتظرون أن يُعلن مدير المهرجان الشاعر والصديق "عبدالكريم الخالقي" الموعد الجديد لدورة قادمة والتي بلغت هذا العام



الدورة 29 وكان عنوانها "فلسطين نوارة الانتماء"  

لم يكن لي من بُد سوى أن أمتطي حافلة من شركة السهم التي غيّرت مسارها نحو بوابة ذهيبة القاحلة من أدنى الخدمات المرتصة بكل البشر مرضى وزمنى ومقعدين وغيرهم ،وذلك بعد أن أغلقت بوابة رأس جدير بواباتها في وجوهنا، واستبد بها ظلم ذوي القربى فلم يكن من مفر إلا مكابدة الرحلة عبر كرسي غير مريح تحت مكيف يُجمد الحجر فما بالك بعظامي البالية.. طال الانتظار كثيرا ، دون مبرر لذلك سوى مزاجية "الأعوان" من الاخوة التوانسة، والتدافع الكبير من الأخوة الليبيين ، ونحن في تلك الحافلة ننتظر فرج الله ونصره القريب،، ثمان وأربعون ساعة هي فقط كل ذلك العذاب لننطلق بعد أن أوكلنا أمرنا إلى من بيده الأمر في أمر ولاة الأمر..

سوف أنسى الحافلة التي حاول مضيفوها أن يخففوا عنّا وعثاء السفر وقلقه، وسأنسى بوابة ذهيبة ودولتنا العظمى بقضها وقضيضها حالما رأيت "المنقالة" بشارع الحبيب بورقيبة، الذي أعيد تمثاله شامخا منتصبا في بداية الشارع وهو يمتطي حصانه كالفاتحين الأوائل، بورقيبة يهمز جواده من أول الشارع ليفر من هذا الحر الذي يزنر البلاد التونسية رغم أن الأمطار ستكون لنا بالمرصاد.

هاتفت الشاعر عبدالكريم الخالقي لأعلمه بوصولي، فأخبرني أنه في سبيطلة وأن ألتحق به، لكنني فضلت أن أستريح بالعاصمة على أن أرافق الشعراء العرب في الغد، أخبرني أنهم سيتجمعون أمام وزارة السياحة بشارع محمد الخامس لينطلق بهم باص مخصص للمهرجان  وقد كان الأمر ذلك . أمام وزارة السياحة كنت من أوائل الحاضرين رأيت ثلة من البشر يتحاوسون في أماكن مختلفة قرب المكان المحدد والحر يشوي  وجوههم، قدرت أنهم من ضيوف المهرجان، أول من قابلني الشاعر الغنائي الرقيق بشير بن عابد الذي سألني إن كنت من ضيوف المهرجان ، بسرعة البرق تلاقت الأرواح وبسرعة أكبر انتظم عقد المشاركين وصار التعارف واختلط الشامي بالمغربي، وبسرعة صار البحث عن الماء البارد والأسرع من ذلك إشعال الشاعران التونسيان الصديقان نزار الحميدي وعادل الهمامي لمدخنة كاملة سرت عدواها في كل الموجودين ..

كنت متعبا جدا من رحلة الشقاء في الصيف هذه التي واجهتنا بها ذهيبة ، فجلست على الأرض وأنا زاهد في الكلام ، مرت بي شاعرة صديقة أعرفها منذ زمن لكنها لم تميزني أو ربما هو السن لكلينا، لكنني تأكدت بأنها الشاعرة التونسية الرقيقة ماجدة الظاهري، قلت في نفسي لا داعي لكي أرمي بنفسي على المرأة ربما تجاهلتني أو ربما نست ملامح وجهي أو ربما وربما .. مرت من أمامي ثم عادت ، طأطأت قليلا وهي توجه الكلام لي : سي خالد ماهو .. خالد درويش ؟؟؟ كانت بسمتها ودفء صوتها وصدق فرحتها باللقاء ما بدّد تلك الخيالات . ولعل من الغريب الرائع أن بداية رحلتي ستبدأ بماجدة وستنتهي بها هي وزوجي الفاضل "سي بلقاسم" في موقف نبيل منهما.

مخرت الحافلة بنا عباب الطريق المخضوضر عبر مقولة صادقة هي "تونس الخضراء" حقا، فمتعة العين المتحققة وجمال الطبيعة الفاتن أدخل على نفسي وارف الهدوء، كانت الحافلة تشتعل موسيقى وأغانٍ حماسية وعزف على العود وكانت فلسطين طوال الطريق هي الطريق.

مشرف الرحلة دائما نزار الحميدي مع تفويض برئاسة الوفد التونسي لعادل الهمامي ومشاكسات من لمياء العلوي واستيقافات كثيرة للتدخين والتزود ببعض الحاجيات، ورغم التعب والغناء والأغاني الحماسية ، وصلنا فندقنا الرائع فندق" جاسنيان" كان على كل واحد أن يختار رفيقه في الغرفة فهي زوجية ، وحين فر مني الشاعر بشير بن عياد  ليسكن مع الشاعر التونسي معمر الماجري ، لم يتبق لي سوى أن أشارك الفنان عازف الناري رشيد بن جوهرة  ابن مدينة سبيطلة غرفة واحدة ، والذي لم يسكن في الغرفة إلا ليلة واحدة هي الليلة الأخيرة فقد كان يبيت في بيته بعد أن تنتهي الفعاليات مما جعلني في راحة تامة وحيدا كما يجب.. الغرفة مريحة وتطل على المسبح المغري بالغوص عميقا، كذلك على منظر المدينة الأثرية الخلابة ،سارعنا بعد حجز الغرف بالجري إلى المطعم الذي سيُغلق على تمام التاسعة لننسف البوفيه المفتوح نسفا ، خصوصا ونحن على جوع وتعب وكانت المائدة شهية كالمعتاد.

كانت

السهرة الأولى سهرة التعارف لجميع المشاركين حول المسبح في ليلة نسماتها تغري بالشعر والموسيقى اللذين كانا حاضرين ، بعازف الناي رشيد وعود أحمد الفلسطيني والعازف والفنان التونسي بن عياد .وعلى أنغام النشيد الوطني الفلسطيني والتونسي كانت فعاليات الافتتاح ففي اليوم الأول توالت الكلمات والتكريمات بمشاركة من السيد رضا الركباني والي مدينة القصرين صباح اليوم الجمعة 30 أوت 2024 بدار الشباب بجدليان وذلك بحضور معتمد جدليان والمندوب الجهوي للشؤون الثقافية بالقصرين ومدير المهرجان والكاتب العام لبلدية جدليان ومديرة دار الشباب التي كانت جهودها واضحة ومتميزة في إبراز هذا الحدث من تأثيث القاعة وإعداد الكوادر الشبابية من فنانين صغار ورسامين يرسمون لوحات وطنية تحمل الهم الفلسطيني وأحلامهم الواعدة ،وقد كانت الوعود السياسية بالدعم وبأهمية الثقافة عالية النبرة ربما غطّت على الشعر نفسه .. لكن الصديق عبدالكريم الخالقي أجاد في إدارة تلك الوعود ومحاولة توثيقها وإعادة تدويرها لصالح المهرجان والمنطقة التي يحتاج شبابها إلى رعاية ودعم .

كانت فلسطين هي كلمة السر في هذه الدورة وكانت القصائد التي عانقت جرح غزة ، وألم المقاومة تصدح في تلك الخيمة خيمة الثائر علي بن غذاهم ،قرأنا جميعنا ما جادت به قرائحنا، وغنت الماجدات لفلسطين وكانت النفوس بآمالها هناك تضمد الجراح وتقاوم. شارك من الجزائر الدكتور ابراهيم القادري الذي تشعر وأنت معه بأنك تعرفه منذ زمن بحديثه الذي لا يمله سامعه وبضحكته المجلجلة ، كذلك الأستاذ المثقف علي صحراوي ودماثة خلقه وتواضعه ، الجزائر التي لها في قلبي محبات كثيرة كانت حاضرة بقوة عبر شاعراتها الثلاث " آمنة وشلون من عنابة ومسعودة عفيفي من  قالمة و كلثوم رتاب من سوقهراس وستكون لنا جلسة بعد الغداء حول المشترك الليبي الجزائري ونقاش تشعب حول أبوليوس والجحش الذهبي ودفاع صبراتة والانتماء للمولد أم للبيئة والثقافة ، كان حوارا ممتعا لم يخلو من طرافة فما يجمع الجزائر وليبيا أكبر وأكبر وأكبر من رواية أو معلم ثقافي أو طريقة تحضير لأكلة معينة. عنابة المدينة التي بها أصدقائي محمد رابحي وجمال صمادي وسلوى مسعي وسيف الملوك سكتة ورضا ديداني وكنزة مباركي والفنان بوساحة وسميرة بوركبة ونادية نواصر وغيرهم مما لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم الآن ،والتي أكرمتني في إقاماتها الإبداعية كانت ممثلة في آمنة الجزائرية المتقدة خلقا وثقافة والتي حملتها سلامي لهم وللكور العظيم.كانت ندوة أدب السجون التي شارك فيها السجين الفلسطيني عبدالفتاح دولة عن تجربته الخاصة وعن تجربة الأسرى الفلسطينيين ومداخلات من الحضور تميزت بالعمق، كانت مداخلتي أيضا حول هدا الفن الدي درسته أكاديميا وقدمت نماذج ليبية عنه ، عرض مسرحي المسافة  صفر الفنان والشاعر نزار الكشو وهو عرض تتداخل فيه المشاهد مع تكثيف عال للارتجال ، وكانت فلسطين والجرح العربي محوره. ستتوالى القراءات الشعرية فمن تونس كانت لمياء العلوي و لطفي الهرماسي ومحمد العلاقْي وميلاء العياري ونزار الكشو  وبشير بن عابد ولطيفة حمدي ومعمر الماجري و لمياء بن قبلي وماجدة الظاهري ووليد السباعي" و الاعلامي الشاعر " نور الدين بن يمينة "...


ليست هناك تعليقات: