السبت، 14 فبراير 2009

الشاعر الليبي خالد درويش في حوار لرياض خلف




إن قارئ كتبي عليه أن يعرف بعض الأساطير وكذلك إلماما تاريخيا بحوادث ونكبات الشرق عموما . منذ أن تأسست مدرسة الاغتيالات وبُنيت معاهد السكاكين




خالد درويش صوت بدا في الانتشار حاملا ملامح شاعر كبير قادم على مهل .. يملك الإلقاء واللغة والخيال الشعري .وله حضور قوي ، مثقف ،يشغل رئيس قسم النشاط بالمعهد العالي / للمهن المسرحية والموسيقية /أستاذ لمادة اللغة العربية والأدب العربي / مؤسس للعديد من الملتقيات الثقافية والفعاليات الأدبية/ وهو المنسق العام لفضاء الشعر والقصة بالجماهيرية/ ورئيس تحرير مجلة جيم الشبابية / وأشرف عن العديد من الملفات الأسبوعية بالجماهيرية/ يكتب الشعر منذ 89 ، يساهم في نشر الأدب الليبي/عن طريق نشر إبداع الشباب والمثقفين الليبيين في انطولوجيات وملفات ودوريات عربية وعالمية / تحصل على تراتيب متقدمة في القصيدة الفصحى محلية وعربية،وشارك في العديد من المهرجانات العربية والدولية ، صدر له "بصيص حلق " و "زقزقة الغراب فوق رأس الحسين" التقيته على هامش المهرجان المغاربي للشعر العربي "عامر ابوترعة بسيدي أبوزيد وكان لنا هذا الحوار
ماذا يقول عن تجربته ؟ وهل يرى أن الانتشار والنجاح يبدأ عادة من الداخل ؟
خالد درويش / كثيرا ما أومن أن الداخل هو الذي يصنعنا عندما نحققه كما يجب .. ذواتنا نحن التي تطالب بأن تكون في إطارها الحقيقي المتناسق مع الظروف المحيطة أنا لست شاعرا ولكني في طريقي إلي الشعر وأعرف أني سأصل إليه ،، أما عن تجربتي فإني أكاد أجزم بأن ما أنجزته حتى الآن لا يتعدى كونه بدايات تأسيس حقيقي لمشروع هو طريق اخترته في تجربتي وأجد هذه الكلمة كبيرة علي فما أنا إلا رجل أحب الكلمة وأنتصر للجمال فصرت أطارده كي أطلق فراشاته في المحيط أنتصر للجمال ضد مؤسسة القبح اليومي والمتكرر . ليست لي تجربة . لي نصوص أقتفي أثرها ، ولي كلمات تكتبني منذ كنت ذلك الطفل الذي يعيد على مسامعه أناشيد المدرسة فيولع بها . لكن المعلمة ارتحلت وغادرنا الصف إلى ربيع المتنبي وخريف المعري ثم حقول المتصوفة وعلى رأسهم التوحيدي الذي فتنت به . كان أول كتاب اقتنيته بمالي الخاص هو البيان والتبيين للجاحظ وكنت في الثانية عشرة على ما أذكر .. صار الجاحظ معلماً بجديته وسخريته وغزارة علمه ثم كبرت اللعبة لتتسع حتى تبتلع كل دواوين العرب والعالم التي وقعت بين يدي وامتلأت بها مكتبتي
· أي حلم شعري ما زال يراودك ؟
خالد درويش / صراحة أشعر اليوم بأنني مللت الشعر لم يعد ذلك الألق الوهاج الذي يهديني .. صار أكبر ولست أدري لماذا ؟ من هنا أقول أن هذا السؤال صعب علي .
· ماذا وراء هيامك بالقصائد القصيرة ؟
خالد درويش / من هو الشاعر الذي يستطيع أن يقول كل ما يريد في تكثيف وإيجاز وبلاغة وصورة وجمال وموسيقى في ثلاث أربع جُمل ... مشكلتنا هذه الثرثرة ... أمة تثرثر لا تكتب ولا تقتصد في الكلام ، لقد أدرك الرهبان والعباد والحكماء قيمة الكلمة ، فلم يهدروها هكذا ... تجدهم هناك في الصحراء لا يتكلمون كثيرا ..إنهم بعقولهم يتفرسون في السكون ويتعلمونه لذلك يقول لك الواحد منهم بضع كلمات لكنها قد تساوي إما حياة وإما موتا .. وشخصيا انحزت إلي تجربة القصائد القصيرة في ديواني (( بصيص حلق )) وشغفت بها جداً فالقصيدة العربية كانت في البدء بيتا أو بيتين ولكنها صارت معلقات طوالا .
· هل القصيدة القصيرة حصان قصير يركبه شعراء العصر ؟
خالد درويش /ما أصعب يا سيدي أن تقبض على صورة مختلفة وجديدة داخل بيت أو بيتين . عليك أن تكون ماهرا في كل شي كي تفعل ذلك لأنك تستقطر روح الأشياء وتمزجها بروحك ثم تقدمها ليس كواجهة وإنما كرفة جناح أو كاختلاجه جفن . هنا يصبح للكتابة متعة ويصبح النص حالة من الافتتان والمقدرة . لقد حاولت في هذا الديوان أن افعل ذلك . ربما وفقت ربما أخفقت لكني استمتعت وأنا افعل ذلك وهذا مهم عندي
· قرأت (( زقزقة الغراب على رأس الحسين )) منذ مدة ورغم أني تذوقت ما فيه إلا أني مازلت لم أفهمه بعد فهما معتبرا . فهل من كلام يفهمني ؟
خالد درويش / في هذا الكتاب أحاول سرد تاريخ ، ليس تاريخ الحكام الذي ملأت الكتب التاريخية صفحاتها بأخبارهم وطرق عيشهم وفتوحاتهم وغزواتهم لم تكن تلك الكتب تاريخا لكنها كانت أداة ترويجية لخدمتهم مثلما تفعل القنوات الإعلامية اليوم . كانت تلك الكتب إعلاما . أن قارئ كتابي هذا عليه أن يعرف أولا بعض الأساطير وكذلك إلماما تاريخيا بحوادث ونكبات الشرق عموما . منذ أن تأسست مدرسة الاغتيالات وبنيت معاهد السكاكين . إن التاريخ الدموي نحمد الله على أنه حلية تزين جبين أمتنا التي جعلت بأسها بينها وأرادت أن تزيح من طريقها المشاكل قسرا
ولعلك تسأل كما سأل الكثيرون لماذا الغراب .أجيب فقط لأنه وكما في إهداء الكتاب"المعلم الأول الذي علمنا كيف نطهر الدم وندنس الجريمة" .
الغراب الذي كان شاهدا على فجيعة أدم بابنيه اللذين ذهبا ضحية فعلهما فمات الأول وأصبح الآخر شريد الإثم وطريد الجرم وربما تسأل فتقول لماذا الحسين فقط ؟ لأنه البوابة التي فتحها يزيد بقتل الحسين وأقصد (بوابة) الدم التي لم تطهرها أنهار من القرابين قد قدمت.
كما أنني أعري كما قلت واقعا أبصره لا على شاشة الأخبار وإنما في الشوارع الخانقة والتي هي قنابل موقوتة ستنفجر في وقت قريب.
· هل مازالت القصيدة قادرة على أن تعري أو تشاكس أو تؤثر في هذا الواقع العربي ؟
خالد درويش/ أي واقع عربي تقصده وأي عربي وأي قصيدة ..؟ الواقع العربي سماء تنحدر ومواء يتسرب فهل القصيدة قادرة على التخطي والتجاوز والحلم . لا أصدق هذه المسميات لأننا نرتبط بذهنية تكسرت مجاذيفها الاستشرافية من غلق باب الاجتهاد ورفع المصاحف فوق الأسنة ، ثم أن هذا ليس من اختصاصات القصيدة . إن القصيدة العربية والتفكير العربي القديمين وليا منذ زمن .
· أنت إذن ضد القصيدة العمودية .
خالد درويش / زمن العمود قد ولى وأتمنى ألا يعود .. لست ضد القصائد العمودية وكثرتها ولست ضد الخليل ولكني ضد الحنين القاتل وضد الماضوية الآسرة التي تعوّق مسيرة الحاضر وتعرقل المستقبل..
· ماذا عن الساحة الأدبية في ليبيا ؟
خالد درويش / في ليبيا الكثير من الأصوات التي تكافح كي تؤسس نفسها وأنا أنتمي إلى جيل حدس نفسه وتوقع أن الإمكانات لن تكون متاحة فاعتمدوا على أنفسهم وكفروا بما سواها . حاولنا كسر العزلة التي فرضت علينا بالانطلاق في مدارات أخرى وإرساء فضاءات مع المحيط والمقابل فكان (( الانترنت )) متنفسنا ولساحة التي اخترناها لكي نحارب من خلالها .. وبرزت مؤخرا أسماء ليبية مهمة سأذكر ببعض منها لا على سبيل الحصر فمن جيلي أربعة كان لهم الدور البارز رامز النويصري ،غازي القبلاوي عبد الدائم اكواص صالح قادربوه وأم الخير الباروني ، وهناك آخرون كثير لكني أعتقد أن هؤلاء دورهم كان كبيرا في الساحة في فترة نهاية التسعينيات ..أيضا هناك من أسس لنا وعبّد الطريق ، هم جيل رغم ظروف البلاد في الثمانينات ظهر وبرز أمثال مفتاح العماري والطويبي وسالم العوكلي وقبلهم شعراء كالفقيه صالح والجيلاني طريبشان وغيرهم ، إن النص الليبي يجاهد كي يطل برأسه إلى السماء فابراهيم الكوني هو أديب عالمي الآن وكذلك الصادق النيهوم وأحمد ابراهيم الفقيه وخليفة التليسي . أما النصوص التشكيلية فيمثلها مبدعون مثل علي العباني ، علي الزويك ، رضوان أبو شوشة ومن الجيل الذي يليه التليسي والفاخري ويوسف أبو صوة وسالم التميمي وغيرهم .
العزلة التي فرضها الإعلام أسست للأصالة والحقيقية وكذلك تغلغل النص في الوجدان والمشاعر والإنسان ، لقد استفدنا من هذه العزلة بأن كتبنا نصوصا ليبية حقيقية تضج بالشعر ولكل شيء إيجابياته وسلبياته .
· لمن يقرأ خالد درويش في هذا الزمن الذي ضللنا فيه طريق الكتابة ؟
خالد درويش / لمن اقرأ .. هلا سألتني لمن لا تقرأ .. هل تصدق أني لم أعد اقرأ الشعر أبدا لأنه لم يعد يضيف جمالا جديدا .. لقد أحببت الرواية . فانا أهتم بها كثيرا ، في الرواية أجد نفسي أما الشعر فقد أصبح حالة خاصة ونادرة وشديدة الذاتية . لقد قرأت كثيرا وكثيرا ولم أتوقف لكن الأهم ليس التباهي بما قرأناه .كلا ماذا ينفع إبداع تقرأه ولم يكن لك خاصية الفهم والهضم والمتعة والإنتاج ، القراءة بالنسبة إلي كانت ولازالت متعة وحالة من التصالح مع ذاتي .
قرأت القديم والحديث . الغرب والشرق ولا زلت أطارد الجمال والحكمة وأعرف أنى سأتعب في مطاردتهما لكن المسألة مسألة تعوّد فقط أحب كثيرا كل من قرأت لهم وأتمنى أن أنسى كل من أحببتهم وحفظت لهم
أتمنى أن أنسى المتنبي والحمد لله هو لآن في داخلي أطلال .. أتمنى أن أنسي المعلقات والنفري ورامبو وأراغون ووالت ويتمان والحلاج
والمعري ودرويش وكافكا وكونديرا وكويلو أن أنسى تلك الأرملة المسكينة التي علقها زوربا وأن أنسى مريم السودا وزكريا المرسنلي وصالح حزوم وأن أنسى هوميروس ودانتي ،، هل يمكنني أن انسى مالك بن الريب أو امرؤء القيس أو أمين معلوف أو باتريك زوسكيند أو يتيمة دوقلة المنبجي أو ابن زيدون أو ماركيز ، يوسا ، خوان رولفو ، ادواردو كاليانو ، ساباتو.. ليتني أستطيع أن أنسى كل هؤلاء وأفرغ رأسي من طنينهم ، كي أعيد امتلائي بآخرين غيرهم وفي مستواهم ..
أتمنى أن أنسي هذه المطارق التي تطرق في أدني ترتع شاسعا وتسلبني راحة الجهل .
إنني اغترف من الشرق والعالم ومن الغرب والعالم إننا نقف ليس بين عالمين وإنما في عالم واحد هو عالم المعرفة أينما وجدت .
الحكمة التي هي ضالة المؤمن ،لا أستطيع أن أقول لك أن دستوفسكي كاتب روسي ، إنه كاتبي أنا أيضا ، فهل أنا قارئ روسي ، نيرودا هل هو تشيكي أم مغربي هل الحلاج عربي مسلم كلا ، هل فهمتني ؟
· أين محمود درويش من ذاكرتك خصوصا وأني أطلقت عليك يوما اسم "درويش طرابلس الغرب" ؟
خالد درويش / محمود درويش شاعر أتمنى أنى لم أعرفه ، ولم أقرؤه على فكرة أليس هو الذي يقول :
(( تمرد قلبي على )) لعل جداريته معلقة هذا القرن إن أجاز لي الشعراء ذلك
· وأدونيس ؟
خالد درويش / أدونيس مؤسسة عقلية جني عليها نقاد وقراء غيبوبة ، لم يدركوا أنه شاعر وأستاذ دعك من القشور أنفذ إلي اللب الداخل ، أدونيس حقيقة بغير جناحين ؟
· مفتاح العماري ؟
خالد درويش / أحد الشعراء الكبار في ليبيا وأستاذ كبير لازالت قصيدته ( رجل بأسره يمشي وحيدا ) من أجل ما كتب في الوطن العربي ،هل انتبهت إلى جمال هذا العنوان ومنها يقول "أيتها الذئبة خذيني من فمي بدأت أتعب كل شيء غاية الفساد والأبهة "
· و التشكيلي علي العباني ؟
خالد درويش / هذا الرجل احد كبار التشكيلين العرب الكبار ، هذا الإنسان الذي يحمل فراشاته داخل القلب ثم يريحها على اللوحة إنه معلم ينحني ليلقط ألوان الفجر والبحر والسماء ثم يطلقها زاهية
· وأولاد أحمد ؟
خالد درويش / هذا شاعر أحبه أليس هو الذي قدم وصيته أخيرا .. أرفع له قبعتي
· أقرب مكان إلي قلبك ؟
خالد درويش / تونس التي أهوى كذلك سمرقند
· أي وصية ترفعها فى ختام هذا الحوار ؟
خالد درويش / أما وصيتي فإنني مسكون بالكلام . فالصمت هو البيان لذلك وجب علينا أن نكون أنفسنا أن ننتصف للجمال وأن نصادق المحيط ونفتح قلوبنا للطبيعة والحب فلا شعر إلا بالحب والجمال



حاوره في تونس بسيدي بوزيد رياض خليف



ليست هناك تعليقات: