خالد درويش / ليبيا
تبوأ لوكيوس سبتيموس سيفيروس عرش الإمبراطورية الرومانية يوم 9 أبريل 193 م إلى أن توفي في مدينة يورك بانكلترا خلال شتاء 211 م بعد حكم استمر 18 سنة واستمر حكم أسرته لغاية سنة 235 م وبعد مضي 50 عاما من نهاية حكم آخر آباطرتها تردت الامبراطورية الرومانية في مهاوي الأزمات والانقسامات والفوضى ، وبعد أن قضى الجنرال الليبي الأصل بودينة على الامبراطور كومادوس بالتعاون مع الجنرال لواتيس الليبي الأصل أيضا أتيح لرجال لبدة من الإمساك بزمام الأمور وكان ممثلهم (سبتيموس سيفيروس) .
ولقد تحامل المؤرخون الغربيون على سفيروس ونعتوه بأقذع الصفات فقد ذكر هاسبيروك : ( كان من الخطأ أن يتسلم مقاليد امراطورية الروم هؤلاء القساة الذين يحملون عنصر التدمير الذاتي ويجهزون على حضارة البحر الأبيض المتوسط ) ، يقول الكاتب ميللر ( نقش الامبراطور سيفيروس هويته على قطع النقدوأعلن عن جنسيته وأصله في سياسته الواضحة لقد كان هذا الرجل بعيدا كل البعد عن العادات والتقاليد الرومانية .
أما بيقانيول في معرض حديثه عن الأباطرة الروم فيقول ( لايحمل سفيروس شعورا وطنيا لبلاد الروم وإنما كان يسعى لاستعادة ذكرى هنيبعل ) .
ولكن من هو سبتيموس سيفيروس هذا الذي حكم روما ودوخ الامبراطورية الرومانية وزرع الهلع في قلب اوربا وكتب ابنه كركلا انتصاراته على معابد بعلبك وصور ؟
في اليوم 11 أبريل سنة 145 م أنجبت ( فوليفيه ) زوجة المواطن اللبدوي ( نسبة إلى لبدة ) المدعو سبتموس غيظه الطفل الذي سيكون بعد ذلك سبتيموس سيفيروس كان ذلك في مدية لبدة الغنية المستعمرة الرومانية منذ جيل واحد خلال عهد الامبراطور انطونيو بيوس الذي تميز عصره بالرخاء والسلام
وقد اطلق على المولود اسم جده لأبيه (سبتيموس سيفيروس ) وكانت مدينة لبدة مع مدينتي أويا وصبراطة على درجة من الغنى والرقي والحضارة .
لعبت مدينة لبدة دوراً رئيسياً في المجالات التجارية والثقافية والمعمارية فكانت همزة وصل ما بين المشرق والمغرب وبين أفريقيا وأوربا وكانت مركزا للقوافل بعد ظهور الإبل لأول مرة خلال هذا العصر وسوقا مكتضة بسلع الشرق والغرب بالإضافة إلى كونها حقلا منتجا لكل أنواع البقول والحبوب والفواكه .
كانت قبائل كتامة ومعدان زأنواجه تقطن مدينة لبدة وضواحيها وتتحدث اللغو الليبية القديمة وهي مزيج من الأرمية والفينيقية والعربية التي كانت متداولة منذ الألف الثاني قبل الميلاد ، وإلى هذه القبائل القديمة ينتسب آل سيفيروس الذين استطاعوا أن يحافظوا على لغتهم بجانب اللغة اللاتينية كما حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم التي لم يستطع أباطرة الروم تذويبها في المجتمع الجديد ، كلن سكان ليبيا القديمة على صلة وثقى مع سكان نوميديا ( الجزائر وجنوب تونس حاليا ) وقرطاجنة وكثيرا ما تحالفوا ووقفوا صفا واحدا ضد مطامع الروم .
كانت ليبيا وفنيقية ونوميديا وقرطاجنة تشكل وحدة متجانسة وقدانتجت جميعا حضارة يشار إليها بالبنان في منطقة شمال أفريقيا وأسماها المؤرخون (PUNIC CIV ) حضارة المغرب .
لقد اشرأبت أعناق الروم متطلعة إلى هذه المنطقة التي أسموها مخزن الغلال والكروم والزيت في العالم القديم وبدا الصراع بين الفريقين واوشك هنيبعل قائد جيوش افريقيا الشمالية أن يدك معاقل روما بعد 13 عاما من القتال المرير فوق هضاب روما وجبال اللب ولكنه أخفق وانسحب ولاحقته جيوش الروم ثم منيت بهزيمة سنة 256 ق م وأقدمت على محاولة أخرى وفشلت ولكنها أخيرا انتصرت في معركة( زامه ) وفي سنة 149 ق م وأعلنت روما الحرب للمرة الثالثة وقضت على قرطاجنة بعد كفاح طويل وأضرمت فيها النيران ثم حرثتها حرثا كدليل على محوها من الوجود .
كان سفيروس الطفل يذكر أهله وهم يودعون شقيقه الذي غادر مدينة لبدة في مهمة رسمية ثم التحاقه بفرقة أغسطه الثانية التي كانت تقمع تمردا في انكلترا ، وفي سنة 161 م مات الامبراطور بايوس وخلفه ابناه بالتبني ماركوس اورليوس وفيروس على العرش ، كانت الامبراطورية في حالة توتر شديد وتلوح في الأفق بوادر التمزق منذ أن انتهكت بنود اتفاقية أنطوين للسلام الطويلة الأجل وتصدعت التخوم الشرقية وبدأت قبائل الجرمان تهدد التخوم الشمالية وحدثت قلاقل في بلاد الانكليز .
تلقى سبتيموس سيفيروس دراسته الأولية في مدارس مدينة لبدة ، كانت لبدة تحمل سمات المدينة العصرية بمظاهرها التي تتجاى في المسرح والملعب وميدان السباق والرياضة العنيفة ، فقد كان مسرح لبدة مشادا منذ منذ أكثر من قرن ونيف وتمثل على خشبته المسرحيات الفكاهية وشتى وسائل اللهو والتسلية والروايات الهزلية والمحزنة والهادفة التي تعالج المشاكل الاجتماعية .
واصل سبتيموس سفيروس تحصيله في روما حيث تعلم اللغة اللاتينية وترقى من الكتابة والقراءة إلى تفسير النصوص والتدرب على الجدل والخظابة ، كان قليل الكلام لكنه قوي الحجة تغلب عليه اللكنة البربرية عندما يخطب باللغة اللاتينية .
كانت الجنسية الرومانية المفروضة على السكان داخل أسوار لبدة واويا وصبراطة قد أفقدت أولءك الليبين جنسيتهم الأصلية عنوة ولكنها مهدت لسبتيموس سيفيروس أن يواصل دراسته في روما وان يتدرج في سلك العمل الرسمي والعسكري حتى يتبوأ على عرش قياصرة الروم ، وعندما وصل إلى روما كانت المدينة في حالة توتر شديد بعد استقرار دام ربع قرن في عهد أنطونيموس بايوس ، اتخذ ماركوس اورليوس الامبراطور الجديد تدابير سريعو على جميع الجبهات المختلفة فقد توجه شقيقه لوكيوس فيرس إلى الشرق فعين الجنرال بريكيوس حاكما لشمال تركيا وكذلك عين أفاديوس ابم معلم الامبراطور وهو ليبي الأصل حاكما لألمانيا العليا ، كانت هذه التغيرات في المناصب الادارية العليا قد حصلت قبل وصول الطالب سبتيموس سيفيروس إلى عاصمة الروم وبعد ذلك عين سبتيموس سيفيروس نائب مامور منطقة باتيكه تحت إمرة كورنيلوس ثم تقرر أن يغادر روما متوجها إلى جنوب اسبانيا .
أصدر الامبراطور ماركوس اورليوس وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة امرا بترقية سبتيموس سيفيروس إلى رتبة أعلى بعد أن تألقت عبقريته العسكرية المبكرة في حروب الجرمان والغالة والقوط بشمال أإوربا وقد أسندت لع قيادة الفرقة الرابعة ( سكايثيكه) في سوريا خلال الفترة التي مات فيها الامبراطور وفي تلك الفترة تعرف على زوجته السورية ( جويليه ) وكانت فترة واجه متاعب كثيرة أبان المدة الأولى لحكم كومادوس المفعم بالدماء والمؤامرات ، كان قد تعرف إلى جويليه ابنة باسوس السوري في هيكل بعل ببلاد الشام .
في جو مكفهر مشحون بالتوتر والاضطرابات والاعدام بالجملة بدأ نجم سبتيموس سيفيروس في الصعود منذ تعيين لواتيس ــ من قيبيلة لواتة الليبية ــ قائدا للحرس الامبراطوري وشقيقه ( بوذينه) ياورا للامبراطور فانتقل سبتيموس سيفيروس حاكما لولاية بانونية ( المجر والنمسا) ، وقد جرى هذا التغيير في أعقاب حمامات الدم وتصفية أعضاء مجلس الشيوخ والاغتيالات السياسية التي أضحت أمرا مألوفا اعتاد عليه الناس كل يوم وقد قدر بعض المؤرخين المعاصرين لتلك الفترة بأن عدد القتلى قد قفز في أحد الأيام إلى ألفي قتيل وقد سام وباء الطاعون في ذلك على الأرجح .
سبتيموس سيفيروس يحتل روما
يقول المؤرخ الرومي ديو : دخل سبتيموس سيفيروس روما ممتطيا صهوة جواده وكانت البلاد مكسوة بحلل من أكاليل الزهور وأغصان الغار وكانت وجوه الناس مستبشرة متفائلة وسار الموكب إلى مبنى الكابيتول ثم إلى القصر وتوزع الجنود على المرافق الحيوية في المدينة .
ويذكر بيرلي أن سبتيموس سيفيروس أصدر قرارا بتسريح الجيش الذي كان مواليا لخصمه وفرض الاقامة الجبرية على افراده في منطقة تقع على بعد مائة ميل خارج روما وسيق بالفعل حوالي 5000 مقاتل وفارس من إصل إيطالي عنوة إلى المكان الذي اختير لهم خلال النصف الثاني من شهر يونيو 193 م وذلك بعد تجريدهم من السلاح والزي العسكري وقد مزقت ألبسة المترددين وأخذت الجياد من الفرسان وأجبروا على قطع المسافة سيرا على الأقدام .
أعاد سبتيموس سيفيروس تشكيل الجيش واستعان ببني قومه وبدأت دار صك العملة في اصدار نقد يحمل صورته وصورة لزوجته السورية والعهد المميز ( الرخاء الكرم الولاء) وكذلك صورة بعل وعمون الالهين المعروفين في شمال أفريقيا أنذاك.
واصل سبتيموس سيفيروس رحفه حتى بيزنطة وشمال افريقيا واسيا الصغرى فبعد هزيمة الامبراطور البنوس في معركة ( لوقدنوم) تشتت فلوله جيشه في جميع أنحاء اوربا الغربية التي استشرى فيها الفساد والسلب والنهب والفوضى وكان لابد من إعادة النظام وفرض سيادة القانون ، وقد عين سبتيموس سيفيروس بوذينة الليبي الأصل حاكما لآلمانيا السفلى وذلك خلفا للجنرال لوبوس الذي عينه حاكما لبريطانيا وعين الجنرال ماكس حاكما لبلجيكا وكلف الجنرال كندي دوس بالتوجه إلى اسبانيا ليتعقب الفلول هناك بالتعاون مع الفرقة السابعة المرابطة هناك والموالية له ، ومما يذكر أنه اتضح للامبراطور سبتيموس سيفيروس أن الانكليز كانوا يؤيدون ( ألبونس ) تأييدا مطلقا وعندما تناهت إلى إلى أسماعهم أنباء هزيمته وانهيار السلطة واختلال ميزان الأمن تدفقت قبائل الانكليز الشمالية على قلاوشتسر ويورك وغيرهما وأخذت في افغارة والسلب والنهب وغتلاف المحاصيل وقد ذكر هيروديان المؤرخ الروماني المعاصر ( لقد قسم سبتيموس سيفيروس بلاد الانكليز مثلما فعل في الشام من قبل إلى مقاطعتين انكلترا العليا ويحكمها قنصل مقره في لندن وانكلترا السفلى ويحكمها نائب الامبراطور واختار لهذا المنصب أحد أقاربه ويدعى ماركلوس ،، وقد اتخذ تدابير رادعة ضد الفوضويين وصادر ممتلكات كل النبلاء الذين تحالفوا مع الامبراطور ألبونس ، وعلى إثر معركة لوقدونوم وصلت إلى الميدان في فرنسا وفود كثيرة للتهنئة ومن ضمنهم وفد من نوميديا ( الجزائر) وقد منح الامبراطور سبتيموس سيفيروس حكما ذاتيا لنوميديا وسمح لحنود الفرقة الثالثة بالمرابطة فيها وأن يستقروا خارج المعسكرات مكافأة لهم على مابذلوا من تضحيات في سبيل سفيروس كما قرر إجراء اصلاحات في شمال أفريقيا وخاصة لبدة مسقط رأسه .
في يوم 9 أبريل سنة 202 م أي بعد وصوله إلى روما بفترة كبيرة احتفل سبتيموس سيفيروس بالذكرى العاشرة لتوليه الحكم وفي هذه الأثناء كانت حالة التوتر على أشدها في شمال أفريقيا بعد انضمام الفرقة العربية الثالثة لقبيلة لواتة في قورينة ( شحات ) واستمرار القتال في بونجين ما بين قبيلة النسامونييس او الجرمنت والفرقة ( قاليكة) المؤلفة من الجنود السوريين بقيادة الجنرال فاوستوس وهو تونسي الأصل وقد تعرضت الحصون الرومانية من برقة إلى قابس لغزوات رئيسية ومفاجئة .
لقد ثار الليبيون على روما ،، فلماذا جددت القبائل الليبية هجماتها على حصون الروم الذين يتربع على عرشهم مواطن ليبي ؟؟
لقد كان شعار الروم خلال القرن الثاني بعد الميلاد هو :
ROMANOS VERUM DOMINOS GENT )
(EMQUE TOGATAM
( إن الرومان الذين يرتدون ثياب السلام هم أسياد العالم ) ، استأنفت قبائل النسامينوس نشاطها الحربي خلال فترة حكم سبتيموس سيفيروس وأخذت تغزو باستمرار الحصون الرومانية المتناثرة عبر الشريط الساحلي الليبي في سهول برقة ومسعد في أولاد نائل وبونجيم
وعند زيارة سبتيموس سيفيروس لمسقط رأسه مدينة لبدة أصدر التعليمات للجنرال قالوس بوجوب تعزيز الدفاع ببناء استحكامات دفاعية تصدر غارات القبائل الثائرة وقد استمر بقاء هذه الاستحكامات من بعده خلال فترة ولاية ابنه( كاركلا ) الذي خلفه على عرش روما . داهم الموت الامبراطور سبتيموس سيفيروس يوم 4 فبراير 211 م وقد تفوه بىخر كلمة ناصحا مرافقيه أن يكونوا رجالا تربطهم رابطة واحدة قبل أن يلفظ النفس الأخير كانت آخر كلماته ( كنتُ كل شيء ولم أكسب شيئا فليتقدم الموت مسرعا )
توفي الامبراطور الليبي الأصل سبتيموس سيفيروس الذي تربع على عرش القياصرة مدة 18 سنة وخلفه ابنه ثم حفيده من بعده واستمر حكم هذه الأسرة لغاية 235 م