الجزائر خاص.. خالد درويش
الشمس الثقافي
درويش .. حياة في الشعر.. أو أمة في المنفى .. وهو عنوان المعرض الحروفي الذي استلهم إبداعات محمود درويش عندما التقيا في تونس فكانت فكرة هذا العمل المشترك بين الفنانين العرب والشاعر الفلسطيني حيث نقش هؤلاء كلمات الشاعر الكبير في لوحات حروفية والتي بدأت عام "1981"... التقيت برشيد قريشي الفنان الجزائري المعروف جداً في فرنسا وأوربا ليحدثني عن هذا المعرض وعن علاقته بدرويش وهذا المعرض الذي شارك فيه الخطاط حسن المسعودي من العراق وكمال إبراهيم من مصر.. قريشي قال إن : أحد أهم الأحداث التي ميزت حياته هي عمله مع الراحل محمود درويش وكان ذلك في تونس سنة 1981م في ذلك المشروع.. ولم يكن الأمر بالنسبة له متعلقاً بوضع رسوم وصور على أشعاره وإنما لأنه أحب نصوص درويش الذي كان يستحسن عمله ومن ثم كانت رحلة دامت ثلاث سنوات لتنتهي بإبداع أعمال تم عرضها في شكل معلّقات .. المعرض ضم العديد من اللوحات قرابة 50 لوحة لفنانين عرب أبدعوا في التعايش والتمازج مع "خبز أمي" و"بيروت" و"حالة حصار" و"جدارية" .. واتفقوا مع درويش على أن يطلقوا على هذا العمل المشترك "أمة في المنفى".
لم تقتصر هذه التظاهرة على المعرض الذي افتتحته وزيرة الثقافة الجزائرية "خليدة التومي"والتي وقفت طويلاً أمام أسئلة الصحفيين في اهتمام بالغ وسعة بال تحسد عليها، بل شملت إقامة إبداعية كتابية وفيها يشارك الشاعر نجوان درويش من فلسطين الشاعر الجزائري عبد لله الهامل في إقامة لمدة شهر كامل بفيلا دار عبد اللطيف يتم فيها كتابة نص مشترك بينهما عن المناسبة، أي عن الراحل درويش .
الافتتاح كان حافلاً جداً حضره العديد من المثقفين والصحفيين والصحفيات اللواتي أحسست أنهن مبتدآت بطريقة أسئلتهن وعدم معرفتهن للضيوف..ومن أطرف ما وقع لهن أن الشاعر المغربي محمد بنيس حيث سألته صحفية بجريدة الخبر فقال لها .. أنا بنيس ولست أدونيس .. وقد نشرت الصحيفة ذلك . بنيس لم أكن ألتقيته قبل هذه المرة مع أنني قرأت له كثيراً وما كان يوماً من المفضلين لديّ .. لكن الرجل في حديثه لطافة وكياسة وحدّة .. أستاذ جامعي وصاحب دار نشر ومعروف جداً جمعتنا "جمعة" حيث تناولنا الغداء في مطعم سمك شعبي وحيّ .. " المطعم وليس السمك" بدعوة كريمة من أزراج عمر المثقف الجزائري وأحد كتاب صحيفة العرب، والطريف في الموضوع أن بنيس بعد الغداء أحب أن يشتري عنباً من محل فاكهة ليس بعيداً عن المطعم .. فأجاب البائع بأنه لا يبيع الآن احتراماً لوقت الصلاة .. استغرب بنيس ومال عليّ قائلاً يحترم الصلاة ولا يصلي ..
في الجزائر الباعة نفسهم قصير "كلمة وقص" والجمعة ثقيلة كما عبّر الهامل .. نعم ماتت الجزائر في ذلك اليوم .. الحياة مغلقة لحين آخر .. الشوارع المكتظة لا أحد .. والأهم .. النساء العابرات للجمال الرصاصات القاتلة للقلب .. اختفين .. فماتت الجزائر في تلك الجمعة .
بمتحف الفن الحديث بشارع العربي بن مهيدي كانت هذه التظاهرة التي احتوت على ندوة مهمة لمترجمي درويش فكانت غارسيا لوميز الإسبانية التي ترجمت 5 دواوين شعرية لدرويش وأن الأسبان أحبوا هذا الشاعر لدرجة كبيرة . أما المترجمة الإيطالية فرنشيسكا كوراو فقد طالبت بإعادة النظر في الترجمات السابقة لدرويش لأنها كانت ترجمات حرفية أهملت عمق الصورة والمعنى فقتلت الشاعر ونزعت من القصيدة نكهة الشاعر فترجمة درويش هي نقل لصورة الإنسان العربي الذي يتحدث عن المنافي ويبحث عن العدالة الإنسانية والإنسان الغربي يشعر بذلك .
المترجم فاروق مردم بيك ناشر "درويش بالفرنسي" وصاحب دار "اكت سود" أكد على المكانة العالية التي يحتلها درويش في فرنسا، مثلاً حيث امتلأت الملاعب حين أقام أمسية هناك .. ومحمود على الرغم من المنفى وبعده عن وطنه الأم لم يرد يوماً أن يكون بطلاً بل كان يريد أن يكون مواطناً حراً في بلد حر.. أما مديرة هذه الأمسية "إنعام بيوض" فقد قالت إن شعر محمود درويش من أصعب النصوص ترجمة في العالم لأنها تلخص تاريخاً من حضارة عربية وتراثاً يمتد لقرون وموروثاً يزخر بالصور والرمزيات والأمثال .. إن ترجمة درويش كترجمة مسار الموروث العربي.. فالمترجم الغربي يجد صعوبة في ترجمتها فتضيع معها المعاني العميقة والرمزية وبالأخص نقل الحنين في أشعاره فلا معنى لقصائد درويش دون هذا الحنين والشوق .. أما الشاعر والمترجم السوري عادل قراشولي مترجمه إلى الألمانية فقد تأسف لأن الحديث كله بالفرنسية وقد تأسفنا معه أيضاً فأًصر على أن يتحدث بالعربية لتدوي تصفيقة كبيرة في أرجاء المتحف... .
أستطيع أن أقول إن الجزائر أقامت تكريماً لمحمود درويش ولكن بناشريه ومترجميه الفرنسيين فقط فهم فرسان هذه التظاهرة، والطريف أيضاً غياب ناشره العربي وغياب دواوينه وكتبه من مكتبات العاصمة، فلم أجد له كتاباً واحداً في كل المكتبات التي زرتها، وفي هذا تكريم ولكن بطريقة أخرى .. يبقى أن أقول إن الجزائر الثقافية تعيش هذه الأيام حالة من المد والجزر حول قضية نقل معرض الكتاب أو صالون الكتاب إلى مكان غير الأول وما بين معارض ومؤيد انقسم الإخوة الجزائريون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق