الأحد، 30 أكتوبر 2022

زقزقة الغراب لخالد درويش .. نص النخبة بلا منازع

 



 

 

زقزقة الغراب لخالد درويش .. نص النخبة بلا منازع

 

حليمة الصادق/ ليبيا

 

 

(( وتفتح نوافذ الغرفة المظلمة  في أعماق النفس البشرية ؟!

فمن ذاك يستطيع أن يرفع عينيه بعد أن تخلخلت بوصلة الروح ، واضطربت الإبرة  تشير إلى لا إتجاه  )) . 1

 

  زقزقة الغراب حرّكت براكين الحبر ، فانفجر القلم بفلسفة النص المعلن المضمر ..

زقزقة درويش  اشعلت ثورة الحرف والمعنى ، للبدء ، للا نهائي ، للأزرق المجبول ، واللازوردي  المتأله  على منبر الماوراء ، وغي الحكايا لأمرأة لا تحمل صفة ، ورجل لا يحمل عنوان .

غراب البين  قرب الألف ميل ، وصار المشتت المتوزع من بدء التكوين  قرية واحدة تضم الأول والآخر ، ولأن بعض (( الديانات التي احترمت علم الغراب)) 2 وقفنا في شرفة النص نتطلع عن قرب ، نلامسه ، نتحسسه ، ليهمس معلنا أنه نص النخبة المحمل بلغة ( أشهد) ..

 لغة المهد واللحد .

  زقزقة  مشبعة بالحلم بالمدائن ، راصدة للحالة بكل كوامنها وخفاياها  بكل جزئياتها وتفاصيلها مترقبة ، متعقبة للأثر ، أخاذة ، آخذة من كل وجه لمحة وملمح ، فتتفق الكلمات رغم تنافر الوجهين  وتتوافق الأعين والمسامع على مشهدية جديدة حاضرة مستحضرة ما أمكن وما لايمكن ، إنه البحث في جبة التاريخ ، وتاريخ في  كف شاعر ، رحلة ممعنة في الغياب ، وغياب متابس بالحضور في قمة الازدهار وقمة انحطاط الآه .... من هولاكو وحتى  أبوغريب وصف لما لايُرى  ، وخطف لما هو واقع ، حيث استحال الحبر دما ، والدم واحة للسؤال .

زقزقة الغراب .. باقة فاقت التصور والتوقع ، جديرة بالقراءة ، ثم القراءة لكي تُعرف ، هي باب لعرش الحرف ، نصوص مثقلة بالنحن ، بالبدء حتى سدرة المنتهى ، هي كل ما هو كائن وما سيكون ،، من جاهلية الفضح إلى دين الستر ،، حرف حري به أن يعلن عن ذاته ،  حرٌ محرر من رتق أبي جهل ، لن توقفه أسراب الهلاك في بعقوبة ولا ( أورشليم) ...! ؟ ولا بويب الذي يحصي العابرين .. بل لا .. من حيث جادك الموصل بوجه اندلس الأول النازفة بخوف المورسكيين ، النازحة إلى حيث تقطن المخطوطات .

تختفي الجدران ، فكل المراحل وجه واحد ، وجد وموت ، موت وبعث ، بعث وعبث بكل القوانين ، ما عاد للورق طنين .

غراب  ينشد قصيدة الفراغ المعبأة بالطين ، الطين المتلفع بالعمائم ، العمائم التي نامت على هيكل من صديد .

زقزقة الغراب  هو نص مكثف مشبع بالتراث ، أينما أولي بصري ينفتح ألف باب من وراء الحرف المحمل بنا .. بهم .. بالهم الآدمي ، وما بعد .. فكل مقطع يحملك لمشهد مستقل ،، بانوراما  التكوين تحمل المتفق والمختلف ، مزج ما بين السيميائية الشاملة لكل العناصر المؤسسة لهيكلية النص .. البناء الجديد ، الحاملة لهويتها المتأصلة بفكرها ، بسردها الحداثوي ، المتميز بعمق الفكرة ، في عرض لغوي محمّل يفوق اللامعقول والتصور مما يجعل المتلقي في ديمومة الدهشة والقارئ العادي في مهب الحيرة لعدم إلمامه بمرامي النص ، وهذا يؤدي إلى اللاوصول  في بعض الأحيان إلا من خلال العودة والبحث في قواميس اللغة عن معاني بعض المفردات .

 هذه الزقزقة هي إشارات وإيحاءات ، شملت جُل الثقافات والحضارات القديمة والحديثة من خلال التلميح والتوظيف الرائع والاسقاطات الموفقة من أول مرحلة إلى آخره .

أعود وأؤكد بأنه نص للنخبة التي لا يحرك كوامنها إلا النص العميق الذي يغور في جرح الحياة لأجل الحياة ، فيجعلنا ننتشي ، ونستشرف عوالم خبيئة ، لم تتعر أمامنا من قبل بشكل يثير القلم للولوج في عالم النقائض .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* زقزقة الغراب فوق رأس الحسين للشاعر الليبي خالد درويش الطبعة الأولى / دار الأوائل سوريا 2004

1 ـ زقزقة الغراب ص 41

2 ـ زقزقة الغراب ص 39 


ليست هناك تعليقات: