زقزقة الغراب لخالد درويش .. نص النخبة بلا منازع
حليمة الصادق/ ليبيا
((
وتفتح نوافذ الغرفة المظلمة في أعماق
النفس البشرية ؟!
فمن ذاك
يستطيع أن يرفع عينيه بعد أن تخلخلت بوصلة الروح ، واضطربت الإبرة تشير إلى لا إتجاه )) . 1
زقزقة الغراب حرّكت براكين الحبر ، فانفجر القلم بفلسفة النص المعلن
المضمر ..
زقزقة درويش اشعلت ثورة الحرف والمعنى ، للبدء ، للا
نهائي ، للأزرق المجبول ، واللازوردي
المتأله على منبر الماوراء ، وغي
الحكايا لأمرأة لا تحمل صفة ، ورجل لا يحمل عنوان .
غراب البين قرب الألف ميل ، وصار المشتت
المتوزع من بدء التكوين قرية واحدة تضم
الأول والآخر ، ولأن بعض (( الديانات التي احترمت علم الغراب)) 2 وقفنا
في شرفة النص نتطلع عن قرب ، نلامسه ، نتحسسه ، ليهمس معلنا أنه نص النخبة المحمل
بلغة ( أشهد) ..
لغة المهد واللحد .
زقزقة مشبعة بالحلم بالمدائن ، راصدة
للحالة بكل كوامنها وخفاياها بكل جزئياتها
وتفاصيلها مترقبة ، متعقبة للأثر ، أخاذة ، آخذة من كل وجه لمحة وملمح ، فتتفق
الكلمات رغم تنافر الوجهين وتتوافق الأعين
والمسامع على مشهدية جديدة حاضرة مستحضرة ما أمكن وما لايمكن ، إنه البحث في جبة
التاريخ ، وتاريخ في كف شاعر ، رحلة ممعنة
في الغياب ، وغياب متابس بالحضور في قمة الازدهار وقمة انحطاط الآه .... من هولاكو
وحتى أبوغريب وصف لما لايُرى ، وخطف لما هو واقع ، حيث استحال الحبر دما ،
والدم واحة للسؤال .
زقزقة الغراب .. باقة
فاقت التصور والتوقع ، جديرة بالقراءة ، ثم القراءة لكي تُعرف ، هي باب لعرش الحرف
، نصوص مثقلة بالنحن ، بالبدء حتى سدرة المنتهى ، هي كل ما هو كائن وما سيكون ،،
من جاهلية الفضح إلى دين الستر ،، حرف حري به أن يعلن عن ذاته ، حرٌ محرر من رتق أبي جهل ، لن توقفه أسراب
الهلاك في بعقوبة ولا ( أورشليم) ...! ؟ ولا بويب الذي يحصي العابرين .. بل لا ..
من حيث جادك الموصل بوجه اندلس الأول النازفة بخوف المورسكيين ، النازحة إلى حيث
تقطن المخطوطات .
تختفي الجدران ، فكل
المراحل وجه واحد ، وجد وموت ، موت وبعث ، بعث وعبث بكل القوانين ، ما عاد للورق
طنين .
غراب ينشد
قصيدة الفراغ المعبأة بالطين ، الطين المتلفع بالعمائم ، العمائم التي نامت على
هيكل من صديد .
زقزقة الغراب هو نص مكثف مشبع بالتراث ، أينما أولي بصري
ينفتح ألف باب من وراء الحرف المحمل بنا .. بهم .. بالهم الآدمي ، وما بعد .. فكل
مقطع يحملك لمشهد مستقل ،، بانوراما
التكوين تحمل المتفق والمختلف ، مزج ما بين السيميائية الشاملة لكل العناصر
المؤسسة لهيكلية النص .. البناء الجديد ، الحاملة لهويتها المتأصلة بفكرها ،
بسردها الحداثوي ، المتميز بعمق الفكرة ، في عرض لغوي محمّل يفوق اللامعقول والتصور
مما يجعل المتلقي في ديمومة الدهشة والقارئ العادي في مهب الحيرة لعدم إلمامه
بمرامي النص ، وهذا يؤدي إلى اللاوصول في
بعض الأحيان إلا من خلال العودة والبحث في قواميس اللغة عن معاني بعض المفردات .
هذه الزقزقة هي إشارات وإيحاءات ،
شملت جُل الثقافات والحضارات القديمة والحديثة من خلال التلميح والتوظيف الرائع
والاسقاطات الموفقة من أول مرحلة إلى آخره .
أعود وأؤكد بأنه نص
للنخبة التي لا يحرك كوامنها إلا النص العميق الذي يغور في جرح الحياة لأجل الحياة
، فيجعلنا ننتشي ، ونستشرف عوالم خبيئة ، لم تتعر أمامنا من قبل بشكل يثير القلم
للولوج في عالم النقائض .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* زقزقة
الغراب فوق رأس الحسين للشاعر الليبي خالد درويش الطبعة الأولى / دار الأوائل
سوريا 2004
1 ـ
زقزقة الغراب ص 41
2 ـ
زقزقة الغراب ص 39
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق