هل للماء ذاكرة ؟(هو ذاكرتي أو بعضا منها. ذاكرة جيلي الذي داخل البشاعة والسرعة المذهلة والصمت المطبق ، ذنبه الوحيد تعلم وتيقن أنه لا بديل عن النور سوى النور في زمن قاتم ظلمته على الصدور لتستأصل الذاكرة قبل أن تطمس العيون هو مجرد صرخة من أعماق الظلام ضد الظلام ، ومن داخل البشاعة ضد البشاعة ونشيد مكسور للنور وهو ينسحب بخطى حثيثة لندخل زمناً لاشيء فيه ينتمي إلى الزمن الذي نعيشه (....) سنتان من الخوف .
وهل هما سنتان ؟ طوال هذا الزمن النفسي الذي لايعد ولايحصي كنت أحلم بشيء صغير .صغير جداً لكنه بالنسبة لي كبير ،قبل أن تسرقني رصاصة عمياء ، هو أن أنهي هذا العمل نكاية في القتلة وهاأنذا بعد هذا الزمن الذي لايساوي الشيء الكثير أمام الذين فقدوا أرواحهم ، أخرج للنور مثقلاً برماد الذاكرة ، أمشي على الملوحة والماء وفاء لهذا الماء وتلك الذاكرة ).إنها ذاكرة واسيني الأعراج الذي ولد في .08.08 . 1954 بقرية سيدي بوجنان ( تلمسان ) .أستاذ جامعي ، روائي ، متحصل على دكتواره في الأدب ، أعد وقدم برنامجا تلفزيونيا بعنوان أهل االكتاب ، ترجمت بعض أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية من بينها الألمانية ، الفرنسية ،الإنجليزية ، الإيطالية والاسبانية له في الرويو وقائع ( من أوجاع رجل غامر صوب البحر ، ماتبقي من سيرة لخضر حمروش ، نوار اللوز مصرع أحلام مريم الوديعة ، ضمير الغائب ، الليلة السابعة بعد الألف ، سيدة المقام شرفات بحر الشمال حارسة الظلال ،ذاكرة الماء مرايا الضرير ، ) ومجموعة قصصية بعنوان : أسماك البر المتوحش ، وله دراسات منها : اتجاهات الرواية العربية في الجزائر .
حارسة الظلال

لكل ذلك نتحرك الآلة الجهنمية ويتم القبض على الصحفي بتهمة التجسس لحساب دولة أجنبية وهي التهمة التي تدخله في دهالز جديدة يتحرك فيها الناس كما تتحرك الأشباح : إنها مدينة أخرى مقاومة في الأنفاق يحتز فيها أمثاله من الفضوليين ، ولن يجد خلاصه منها إلا بتدخل سفارة بلده . أما حسين رفيقه في رحلة العذاب فقد كان مصيره أسوا إذ يكفيه هو أن يروي بالتفصيل كيف تعرف على دون كيخوية و وكيف اصطحبه في رحلته المشؤومة دون أن يقدم معلومات عن القبض عليه ولاعن ظروف حبسه ولا استنطاقه ، لماذا لأن الصدمة التي تعرض لها من جراء ذلك ظلت دائما أقويى من يتجرا على مواجهتها بأدنى تصريح ، ثم لأنه مهدد بالتصفية إن هو تحدث عن أدني شيء من ذلك . وادني مايخبرنا عنه هو أن لسانه قطع وكذلك جهازه التناسلي .مهما يكن ، فليس ما تقدم إلاتلخيصا لأحداث قصة هذا العمل الفني المتميز بالنسبة للأديب وأسيني الأعرج والرواية الجزائرية ، حيث يجمع بين عدة مزايا تتمثل في معالجة الآني والراهن المعيش بنظرة تحليلية تتجاوز السطح الظاهر لتغوص في العمق فتكشف عن الداء الذي ينخر حياتنا في الجزائر والوطن العربي عامة بطريقة فنية مليئة بالسخرية المرة أحيانا ، وبناء فني معقد بعض الشيء ولكنه آسر بجدته ، إذ يتناول موضوع الإرهاب من جهة وعملية محو الذاكرة التي ننعرض لها الجزائر بصفة مستمرة من جهة أخرى ، كما يقد لنا بطلين وقصتين متداخلتين تروى أحداهما بلسان الصحفي الإسباني دون كيخوته ، والأخرى بلسان لموظف بوزارة الثقافة الجزائرية حسيسن . وهو في كل ذلك يختلق عالما متخيلابينه وبين الواقع خيط رفيع عالم مزبلة السمار من جهة وعالم دهاليز مدينة الجزائر من جهة اخرية وهي عملية فنية معقدة يسميها الكاتب لعبة المرايا .واسيني الأعراج التقيته لأول مرة بفندق المهارى بطرابلس وكان لي معه هذا اللقاء (2002)أما الصورة فهي بالجزائر العاصمة عام 2007 عند مشاركتي في الإقامات الإبداعية التي نظمتها وزارة الثقافة الجزائرية بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية.
الحوار
خالد درويش/ هل تصلح رسالة الادب رسالة محايدة فى الواقع المعاش ؟
الأعرج / من الصعب أن نتكلم عن الحياد لانه لامكان للحياد الادب بالضرورة ينشأ ضمن ثقافة ومناخ وعصر وظروف فهو حامل لهذا المناخ وتأزمات العصر فعندما يكتب عن هذا العصر أوذلك بالضرورة أن يكون منخرطا فى زمانه والانخراط فى الزمان تتلوه تبعات هذه التبعات ما يسمى بالالتزام ولكن هناك شئ أساسى هو أن الادب يجب ألا يخسر أدبيته عليه ألايخسر قدراته على أن يكون أدبا وليس سياسة هناك خاصية فى هذا الدب وإلا سيصبح تابعا للخطاب السياسى .
خالد درويش/ هل الاصولية التى نراها اليوم هى نتاج فكر أخفق ربما فى الخروج بنظرية ملائمة لمشاكل الشورى والامامة والمشاريع السياسية الكبرى او وقع فى إشكالية التظبيق كيف ترى هذا الموضوع الذى عانيت منه كثيرا وعانت منه الامة ككل ؟
الأعرج/ الأصولية إما في مصر أو في الجزائر هي نتاج إخفاق كلي في المشاريع السياسية والثقافية النظم الإيدولوجية المقترحة كلها أخفقت فوجود الأصولية يقابله إخفاق في الحداثة أي أن الحداثة لم تصل إلى منتهاها لم تصل إلى أن تكون جزءا من فكرنا اليومي ، فنحن نحب الغرب لكن في ذات الوقت نخاف الغرب نحب تقتفتنا واصولنا ولكنا نخاف أصولنا وثقافته أي أن هذا الابتعاد هو الذي يحدث الفراغ ونحن نعرف أن الطبيعة لاتحتمل الفراغ ونحن نعرف أن الطبيعة لاتحتمل الفراغ لأن قوة أخرى في الطبيعة تملا هذا الفراغ وترتبت عن هذا الفراغ حالة يأس فيما بعد ، الياس الاقتصادي وفشل التجارب المختلفة في الوطن العربي دفعت بقطاعات كبيرة من الناس إلى الهوامش وهؤلاء الناس الموجودين في الهوامش مع الزمن تحولوا إلى أعداد لأنفسهم لأوطانهم لأي البدائل الممكنة غير موجودة أضف إلى ذلك الهيمنة الامريكية تحديدا والرأسمالية عموما وكيف أنها تستخدم كل هذه الوسائل التدمير كل طاقات الشعوب التي تريد أن تترك قليلا لدينا نموذج ليبيا أو نموذج الجزائر وماذا حدث لها والعراق ثم مصر إلخ هذا النوع الذي سميناه الأصولية هو كما قلت إخفاق التجارب لكن هذا الاخفاق نفسه يزكي من طرف قوى تريد أن تحتفط بنا على صورتنا المتخلفة على صورتنا المهزومة هناك فكر ظلامي طبعا ، لم يأتي من فراغ ولكن له وقائع وظروف معتية
.خالد درويش/ هذا الفكر الذي توقف عند الغزالي وربما لقرون قبله من عالمنا الإسلامي تم فيه الحجر على الاجتهاد وملائمة العصر بعوامل حادة كالسيف والزنزانة ؟
الأعرج / طبعا تعرف أن أي حركة لها عوامل كثيرة العامل الاقتصادي ، العامل الحضاري بالمعني الهزيمة الكبري للعرب أو الهزائم المتراكمة للعرب هناك العامل الثقافي والفكري وهذا لم ينبع من فراغ وإنما بني شيئا فشيئا كما تفضلت بالحجر على الاجتهاد وغياب الحوار في الوطن العربي ، نظم دكتاتورية لاتفتح أفق النقاش كل هذا تولد عنه ردود أفعال يائسة ثم بعد ذلك ماذا يمنح المجتمع العربي لأفراده هل يمنحهم فرصة الأمل ؟ فما حدث من جانب أصولي نتائج لخسارات سابقة فكرية وغيرها
خالد درويش/ عن المشهدية الجزائرية الحالية لوحدثني من غير المعروفين أمثال بوجدرة ومستغانمى ومالك حداد وغيرهم ماذا بعد هؤلاء ومن ؟ وأين هو الجيل الشاب في الجزائر على مستوى الشعر والرواية و الإبداع عموما؟
الأعرج / يوجد بالجزائر ثلاث مستويات جيلية واضحة الجيل التأسيسي الأول مثل الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة وغيرهما ومن انجازات هذا الجيل أنه استرجع ثقة اللغة العربية فالعربية يمكن أن تكون كذلك لغة الابداع وليس لغة فقهية أو لغة دينية أو لغة مساجد مثلما كانت في الفترة الاستعمارية وهذا منجز مهم جدا يحسب عاليا لهذا الجيل ثم تلاه الجيل الثاني جيلنا الذي انتقل من اللغة الابداعية الأولى التبسيطية إلى لغة ابداعية أكثر تطور أي أن اللغة أصبحت كذلك مثار نقاش وجدل اللغة ليست موطن ثابت ولكنها معطي يجب الاشتغال عليه ولأأعتقد أن أهم خاصية مارسها جيلنا هي هذه الخاصية كالجانب التجريبي الإبداعي ، الاسماء التي ذكرتها لأنها ببساطة نشرت في الوطن العربي في دار الآداب أو غيرها ولو أنها اكتفت بالنشر في داخل الجزائر فقط لماتت ولانكسرت لكن هناك جيل آخر يشيد نصوصه في الظروف الحياتية التي يعيشها أنه يحاول أن يجد نصوصا معبرة عن الأزمة لأنه عاش الأزمة أكثر مما عاشها كتاب أو أجيال سابقة له ،فبشكل مخالف أحس بها فنجد أن التجربة الشعرية نتيجة هذه المعاناه تطورت لأن التجربة الشعرية تجربة عفوية ليست كالتجربة الروائية التي تحتاج إلى نوع آخر من الاستقرار اما في مجال الرواية فالنصوص التي ظهرت بسيطة أو تكاد تكون مباشرة لكن النصوص التي ظهرت في المجال الشعري قوية جدا ولو نظرنا إلى الجوائز التي منحت في السنوات الأخيرة في الوطن العربي في مجال الشعر لوجدنا أن الجزائريين يفوزون بالجوائز الأولى في الوقت الذي لم يكن أحد يلتفت إلى الشعر الجزائري ماذا يعني هذا ؟ أن الحركة الشعرية تبدلت ودخلت عليها عناصر جديدة هناك مثلا نجيب أنزار وعمار مرياش وغيرهم ممن وفازوا بجوائز عربية كنت في وقت سابق صنفتهم في أنطولوجيا للشعر الجزائري في وقت لم يكونوا نشرو فيه كتبا فقط ابداعات مميزة في الصحف وهم الأن ماشاء الله صارت لهم أجنحتهم الخاصة التي يطيرون بها لقد لمست هذا التحول الحاصل في الحركة الشعرية منذ بداية السبعينيات التي كانت فترة رواية وقصة أكثر منها فترة شعر أستطيع أن أقول أن فترة التسعينات هي فترة الشعر تماما.
خالد درويش/ أعرف أنك عانيت شخصيا من الأصولية حيث كانت ماكينة الدم في رواج من قتل للصحقين والكتاب وارهابهم واعرف أنك اختفيت ما يقارب سنتين في فترة كانت تمور ماتقول عن تلك الفترة ؟
الأعرج / رب ضارة نافعة عندما تكون آلة الدمار والقتل هي القانون المتحكم ، تخفي الإنسان لأجل الكتابة هو واجب من الواجبات وليس خوفا وليس جبنا الأعمار بيد الله لكن إذا كان بامكانك إلا تجعل عملية قتلك عملا سهلا بالنسبة لقاتلك فكأنك تقوم بعملية نظالية ، اختفيت لمدة سنتين من بيت إلى بيت قبل أن أنتقل إلى باريس في مهمة تدريسية بجامعة السوربون ولازلت حتى الأن من وفائي لأصدقائي الذين قتلتهم آلة الدمار هذه هي أن أظل حيا قدر المستطاع فقط لأقول ما يجب أن يقال ولهذا تلاحظ في كتاباتي منذ 93 وهي كتابات تكاد تكون كتابة اليومي ، تكاد تكون كتابة الشارع في عبارة عن شهادات يومية فقد كانت تلك الفترة معطاة لقول مانريد قبل الموت لأننا نكتب والموت بالمرصاد كنا نستنفر كل الطاقات الموجودة لكي ندين القتلة ولكي نعريهم بشكل إبداعي وقصصي هناك بالمقابل أنتصرو فساروا معهم في ذات الصف ، أنا أقول أن في الكتابة شيء من النبل عندما تخسر الكتابة هذا النبل فلا تصير كتابة تصير شيئا آخر لاعلاقة له بالأدب كانت تلك مهنتي وربما تجربة أفادتني كثيرا كي أعيد النظر في نفسي كي أقرا كثيرا كي أعيد النظر في مفهوم الحضارة كل هذا التخفي في بيت مغلق طوال 24 ساعة لاصديق له إلا البحر فماذا يفعل إنه لم يكن لديه إلا وسيلتان وسيلة التشبت بالحياة وتعقبها وسيلة ارتباط بالكتابة بشكل عميق كانت فرصة لإعادة النظر في كل المسلمات حاولت صنع حالة استثتائية ، الآن منذ ثلاث سنوات صارت الكتابة عندي أكثر هدوءا وأكثر تأملا وأكثر حياة الأولى كانت أكثر عنفا وأكثر صدامية وأحيانا تكون مباشرة ، لأنك تريد أن تقول كل شيء ، نتيجة عامل السن إذ صارت إمكانية الحياة أفضل مما قبل ماعاد الصراع المحموم مع الحياة هو نفسه ، الآن إذا اعطيتني ساعه لأقول ما أريد فإنني أفضل أن أعيش هذه الساعة ، أنا أفضل الحياة على الكاتبة كأن تعيش لحظة حب مع أصدقاء أو تمارس متعة السفر أو الإلتقاء بالأهل كل ذلك يوطد علاقتك بالحياة التي قد تكون حرمت منها في فترات سابقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق