الجمعة، 9 أكتوبر 2009

شفرة تشافيز





في كتاب " شفرة تشافيز " يمضي بنا السؤال الأزلي إلى مشروعية تدخل الدول والحكومات في سياسات الدول الأخرى لمصالحها الخاصة ، وهل هذا التدخل يعد مشروعاً لحماية هذه الدولة نفسها من أي خطر خارجي ، أم أن التدخل في حد ذاته على سيادة أي دولة مهما كانت خاطئة هو مبدأ مرفوض من أساسه ؟؟!! هل من حق أي دولة الدفاع عن مصالحها بشتى الطرق ، وبكل الوسائل الداخلية و الخارجية ؟! هل من حق أي دولة أن تبدي رأيها في أي نظام سياسي بل وتغيره لو رأت أنه مخطئ أم أن لكل دولة شأنها الخاص ؟! ، لماذا أمريكا والدول العظمى هذه الدول دائماً المتهمة بالتدخل في شؤون الغير ..!! ، ألم تتدخل دول صغرى أيضاً في سياسات دول أخرى مجاورة أو أقل منها أو أكبر .في وقتنا الحالي يوجد أكبر مثال لهذا التدخل وهو تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في العراق ، وتغيير نظام الحكم فيه ، ولكن ما يسلط الضوء عليه هذا الكتاب هو محاولة أمريكية كانت أقدم من غزو العراق ، وهي محاولة تغيير نظام حكم الرئيس تشافيز في فنزويلا .وكما تقول مؤلفة هذا الكتاب " إيفا غولينغز " ، وهي من أشد مناصري الرئيس تشافيز ، بالنص " ينشر هذا الكتاب وقائع التدخل السافر الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية في سياق سياساتها الهادفة لتغيير سياسة الدول من حولها " ، والحقيقة أن دلائل التدخل الأمريكي والوقائع التي نشرت في هذا الكتاب تبدو مدينة بشكل تام للإدارة الأمريكية ، بل تبدو هذه الوقائع للقارئ وكأن الإدارة الأمريكية كانت هي المحرك الأساسي لكل عناصر اللعبة التي أدت إلى الإنقلاب الذي حدث في فنزويلا عام 2000 قبل أن يفشل بفترة قصيرة ،أو يتم إحتواءه بمعنى أدق من الحرس الجمهوري الخاص بالرئيس بعد إعتقال الرئيس شخصياً . لكن الكتاب قبل أن يعرض وقائع هذه المؤامرة ـ على حد قول الكتاب ـ التي حدثت في فنزويلا ، فهو يعرض محاولة أمريكية أخرى لتغيير نظام حكم أحد الدول كانت أقدم من فنزويلا ، هذه الدولة هي دولة نيكاراغوا ، البلد الصغير والفقير في أمريكا الوسطى ، فقد بدأ الرئيس ريغان بمحاولة تغيير نظام حكم الساندنيين في نيكاراجوا للحد من إنتشار الإيدولوجية الماركسية في أمريكا اللاتينية ـ والكلام للمؤلفة ـ ونجح في ذلك بعد عشرة سنوات كاملة ، وبعد أن أوشك الرئيس الأمريكي ريغان أن يخسر ولايته في الحكم ، بعد أن رفض الكونغرس الأمريكي آنذاك تمويل وكالة الإستخبارات الأمريكية CIA لدعم المجموعات العسكرية للكونترا في محاولتها لتغيير نظام الحكم في نيكاراجوا ، فدفعت الرئيس إلى اللجوء إلى صفقات لبيع الأسلحة مع إيران بهدف تمويل التدخل الأمريكي هناك ، فأدى ذلك إلى فضيحة سياسية ، لكن الكولونيل أوليفر نورث تحمل المسؤولية ، وأعترف بمسؤوليته الكاملة عن ملف صفقات الأسلحة لإيران ، فتم تبرئة الرئيس ريغان . لكن وكسؤال يطرح نفسه ، لماذا سعت الولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط نظام حكم تشافيز ؟ ، ولماذا هذا العداء له ، دون عن غيره من رؤساء أمريكا اللاتينية خصوصاً ، إن لهذا الكره عدة أسباب واضحة وجلية ، فهي لم تأتي من فراغ ، وبداية علينا أن نعرف أن تشافيز أتى إلى الحكم عام 1998 بعد فوزه في الإنتخابات بـ 60% من أصوات الفنزوليين ، ولأول شخص يأتي من خارج الحزبين الحاكمين وقتها اللذان حكما فنزويلا لمدة أربعين سنة من الفساد والإنهيار الإداري .حين تولي تشافيز الحكم ، قام بعدة تغييرات جذرية في فنزويلا ، فأعاد هيكلة الشركة الوطنية للبترول ، وأجرى تعديلات على الدستور ، بحيث أصبح الدستور الجديد يضم أكثر من أربعين مادة جديدة في مواده ، وقد أقر الدستور الجديد عام 1999 ، مما أدى إلى حصول تغييرات شاملة في المجتمع الفنزويلي . في البداية لم تكترث أمريكا لهذه التغييرات ، وأعتبرتها أمور داخلية لفنزويلا ، ولكن هذه السياسة تغيرت مع بداية عهد بوش وتوليه الرئاسة عام 2001 ، حيث أخذت العلاقات بين فنزويلا وأمريكا تتدهور إلى الأسوأ ، فسياسة إدارة الرئيس شافيز لم تنسجم مع إدارة بوش ، والتي أزعجها كثيراً أن يكون الحكم في ذاك البلد الذي يملك واحدة من أهم صناعات النفط في العالم على علاقة وطيدة وعلنية مع الرئيس كاسترو ، أيضاً التغييرات التي أحدثها شافيز في إعادة توزيع أرباح البترول ، وتقوية منظمة الدول المصدرة للنفط OPEC ، كما تحدي الولايات المتحدة الأمريكية بزيارة العراق وليبيا ، وأيضاً الوقوف ضد غزو أفغانستان ، كانت كلها عوامل أدت إلى إستفزاز إدارة الرئيس بوش ، وتدهور العلاقات فيما بينهم بصورة سيئة جداً . لكن قبل كل شيء ، ما هي الجذور التاريخية والتراثية لعمليات التدخل الأمريكي في السياسات الخارجية ، الحقيقة أن الموضوع لم يأتي نتيجة الصدفة ، بل هو مشروع متكامل قامت به الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز مكانتها في العالم ، والحفاظ على مصالحها أيضاً ، فقد بدأت هذه الحركة في أواخر عام 1970 حيث تجمع عدد من رجال الأعمال والسياسيين ، والهيئات النقابية ، والمثقفين ، وأقاموا بإنشاء ( المؤسسة السياسية الأمريكية APF ، والتي كان هدفها البحث عن وسائل جديدة لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية في الخارج ، وبرغم القيود المفروضة من قبل الكونجروس على هذه المؤسسة ، إلا أن المؤسسة أستطاعت تمويل نفسها ، ومنها أنبثق ( المؤسسة الوطنية للديمقراطية NED ) سنة 1983 التي هدفها الرئيسي هو تعميم الديمقراطية في العالم . بعد هذه الخلفية لكلي طرفي الصراع يمكننا الآن أن نفهم التفاصيل التي أدت لكل هذه الأحداث ، وإن كنا في هذه القرآءة غير قادرين على إستعراض التفاصيل جميعها إلى أننا نحن أن نسلط الضوء على أحد أهم بيادق وأدوار هذه الأحداث ، وهو الدور الإعلامي ، فالكاتبة ـ إيفا غولينغز ـ تؤكد أن هناك حرب شعواء قد أستخدمت من الإعلام الأمريكي والإعلام الفنزويلي المأجور ، بل وبعض أعلام الدول المجاورة ، على تشافيز شخصياً ، وأن هذا الإعلام الموجه كان يغذي الناس بالأفكار التي هي ضد تشافيز ، وأن الإعلام لعب دور لتأجيج الجماهير ضد رئيسه ، وهو ما أراه سقطة من كاتبة هذا الكتاب ، لإني أشم هنا رائحة وصف الشعب الفينزويلي بالغوغائية ، والإنقياد للشعارات ، وكأن الشعب يتحرك بدون وعي ، بل وكأننا أمام مشاهد لمسرحية يوليوس قيصر لشكسبير ، وهذه فكرة مرفوضة تماماً . في نهاية الكتاب ، تتساءل الكاتبة حول مستقبل العلاقات بين فنزويلا وأمريكا ، وطارحة سؤال من وجهة نظرها :" إلى متى تريد الإدارة الأمريكية أن تصل في حربها الخفية ضد تشافيز ؟ "، وأعتقد أنه بعد أن تنحى بوش عن رئاسة أمريكا ، وبعد أن أصبح أوباما رئيسها ، فإن هذا السؤال سوف يجيب عن نفسه بالفعل في الأحداث القادمة ..؟!!

ليست هناك تعليقات: