A great civilization is not conquered from without until it has
destroyed itself from within .
w. durant
خالد درويش / مجلة الجليس
في هذا الفيلم يؤكد ميل غيبسون على تعطش كهنة المايا الكبار إلى تقديم الأضاحي البشرية للآلهة في المعابد، في سبيل الحفاظ على المحاصيل الزراعية وزيادتها، وربط ذلك بما يحدث على خارطة العالم اليوم حين قال : "إن ثقافة الخوف التي مارسها قادة تلك الشعوب تذكّر بممارسات بوش ورجاله". هذا ما يحاول أن يوضحه جيبسون عبر قناع حضارة قديمة وزمن اندثر إذ تدور أحداث الفيلم في الأيام الأخيرة من حضارة المايا القديمة التي استوطنت وسط المكسيك وجشع تجار العبيد واستخدام الدين من قبل الكاهن الأكبر وبالاتفاق مع الحاكم للتضحية بحياة هؤلاء الأسرى "العبيد " في المعبد والسيطرة على جموع الناس بالشعوذة والخوف ومناظر الدماء .يدين الفيلم هذه الحضارة التي انحدرت حتى أصبحت تأكل ذاتها ويصور الفساد والتسلط وإيهام الناس وتسليطهم الدين والرعب لمصالح الساسة وينجح في ربطها بحضارة بوش وما يفعله في حربه على العراق ، إن هذه الحضارة التي كانت في ذلك الوقت اعتى وانضج وأقوى ما على الأرض حين تسلم أفرادها للجهل والقتل وحين تستعبد حرية الناس وتسفك دمائهم فإنها سريعا ما تزول وهو ما يقدمه الفلم في آخر لقطاته وبعد مطاردة عنيدة لـ " مخلب الفهد" وبعد أن أصبحت الطريدة والمطارد وجها لوجه أمام ثلاث سفن ترسوا على الشاطئ الآخر من الغابة وينزل منها جنود ورهبان يحملون الصليب .هذه الحضارة التي أول ما يبدأ الفلم بنقدها من خلال اقتباس لويل ديورانت " لا يمكن احتلال حضارة عظيمة من قبل قوة خارجية ما لم تدمر نفسها من الداخل .هذا الاقتباس الذي يوظفه جيبسون وكاتب كاتب السيناريو فارهاد سافينيا، الذي يقول "إن الخلل البيئي وفساد القيم اللذين حكما على المايا بالموت، يتكرران اليوم ويهددان حضارات الأرض بالزوال "يتناول الفلم قصة حياة صياد اقتاده سكان المايا غصبا بعد ان قتلت مجموعة "تجار عبيد" افراد قبيلته واقتادت الباقي لتقديمه كضحية للآلهة . وعلى المذبح تحدث معجزة بالنسبة لهذا الشعب البسيط الذي يتلهى بمنظر الرؤوس وهي تتدحرج من أعلى الدير على يد الكاهن الذي يستل قلب الضحية ليقدمه كقربان فيحدث الكسوف ، تتغطى الشمس فيصاب الجميع بالذعر وبعد أن يختفي ويعود الضياء يفسره الكاهن على أنه علامة لقبول القرابين واكتفاء الآلهة من الدماء هذا النهار ، لتتم عملية التخلص من الأسرى بعد تعذيبهم بطريقة وحشية لكن أحد هؤلاء الأسرى ( مخلب الفهد) يستطيع أن يفر إلى الغابة ويقاتلهم وينتصر عليهم بعد مطاردة مريرة تبين صراع الفرد ضد الأغلبية ، وصراع القوى الغير متكافئة لكن الإيمان بالقضية هو ما يجعل من هذا الفرد ينتصر وهي تيمه يركز عليها ميل جيبسون في أفلامه التي أخرجها مثلما فعل "وليم والاس" المواطن الأيرلندي ضد الإمبراطورية الإنجليزية في فيلم "القلب الشجاع" وكما فعلها أيضا في "آلام المسيح" ضد الإمبراطورية الرومانيةتميز هذا الفيلم بطاقم ممثلين اختارهم ميل جيبسون من الأمريكيين الأصليين والذين
لم يقف أغلبهم أمام الكاميرا من قبل، وتوظيف لغة المايا القديمة في الحوار مما جعلنا نلامس البعد التوثيقي في العمل رغم اعتراض العديد من الأكاديميين المتخصصين بهذه اللغة ، وكذلك مشاهد المطاردات الطويلة وروعة الطبيعة التي بدت كخلفية ساحرة ، كذلك استخدام المجاميع البشرية في الحركة وطمس الصوت في كثير من تلك المشاهد الصامتة دون حوار لكنها غنية بلغة بصرية سجلتها كاميرات متعددة الزوايا والاقتناصات ، ولعل طول مشاهد المطاردات والتركيز فقط على صوت اللهاث طوال زمن يزيد على ربع الفلم كان القصد منه واضحا جدا
. Apocalypto، وهي كلمة تعني بلغة المايا النهاية للبداية بلغت تكلفته أكثر من 30 مليون دولار وأنتجته شركة "icon" التي يملكها جيبسون بالمكسيك ورشح الفيلم لثلاث جوائز أوسكار هي أحسن توليف صوت، وأفضل مزج صوت وأحسن ماكياج، ولكنه لم يحصل على أي من هذه الجوائز خصوصا إذا وضعنا في الحسبان أن جيبسون في آلام المسيح حمّل اليهود مسؤولية صلب المسيح والتخلي عنه .
دروس مشهدية ينثرها الفيلمبني .. اترك الخوفدرس مشهدي أول يلقيه ميل جيبسون من خلال مشهد يطل فيه " مخلب الفهد " بعد أثناء غزو قبيلته لكنه في آخر الأمر يسقط أسير بعد أن يقتل اثنين منهم عندها ينجح المخرج في إبطاء الحركة رويدا رويدا حتى تنتهي ثم يعمد إلى طمس الصوت ومن خلال منظر الدم المتدفق بغزارة من رقبة والده الذي يسقط بعد جزها بدم بارد وهو موثق اليدين لكن قبل سقوطه على ركبتيه بدل أن ينحني وهنا تأخذنا الكاميرا إلى صوت الأشجار إذ تسقط واقفة في إشارة إلى عدم انحناءها مثل هذا العجوز الذي لم تسقط فيه الإرادة والذي يلقي في لحظات وداعه وهو يبتسم وصيته لولده الأسير أمامه قائلا : بني .. اترك الخوف . بينما الآخرون من أفراد القبيلة يسقطون وهم يصيحون : انتهت حياتنا .تقريبا ،، هذا هو اسمكيلقي أمامه القاتل بقلادة انتزعها من عنق أبيه يحدق فيها " مخلب الفهد " ويغمض عينيه بعد أن يتلقى لكمة قوية من هراوة في يد قاسية وتتجه الكاميرا إليهما وهما وجها لوجه صلف قوي آسر بيده السلاح وأسير مقيد لايحمل إلا كبريائه وهمومه ، يهمس الجندي في وجه الأسر وهو يقول : تقريبا ،، منذ الآن هذا هو اسمك ، إذ لم يكتف بأسره وذبح أبيه وتشريده ونهب أرضه بل يتطاول إلى أن يغير اسمه في إشارة إلى مسخ هويته وإذابتها لأن الاسم واللغة هما الكيان ، لكن امتعاض الأسير ورفضه بتقطيبة جبينه وتسمر نظرته الحارقة والتي تحمل في طياتها الكثير تحارب هذا المسخ والتغريب .النبوءةبعد أن يقتاد الأسرى في حلقات مربوطين خلف بعضهم البعض في رحلة طويلة إلى المدينة المقدسة ذات المعبد الشعير حيث سيقدمون كقرابين وفي الطريق يجتازون قرية أصابها الوباء ،، لم ينجو سوى طفلة صغيرة تأخذ شكلا مأساويا تستنجد بهم لكن أحد القتلة المأجورين يسدد إلى بطنها لكمة قوية بعصاه عندها تخاطبه بصوت عال : كلكم دنيئونأنت تخافني ،، أتريد أن تعرف كيف ستموت ؟الزمن المقدس وشيكاحذر ظلام النهاراحذر الرجل الذي يجري مع الفهدشاهده يولد من جديد ، من الطين والأرضالذي سيأخذك ،، سيلغي السماءويخدش الأرض ، ويخدشكوينهي عالمكإنه معنا الآنالرجل الفهد سيقودك لنهايتك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق