ولد خوان غويتيسولو أحد أبرز المفكرين الأسبان في الحقب الأخيرة في برشلونة عام 1931 ويقيم حالياً في مراكش ناهض حقبة فرانكو سافر إلى باريس وعمره خمس وعشرون عاما يتكلم الاسبانية والفرنسية والانجليزية والعربية وهو روائي مدهش يعتمد في مادته على التمازج الثقافي بين الثقافات المختلفة كالأوروبية والعربية إضافة إلى التراث الإسباني كما يرى بأن إسبانيا يجب ان تشكل جسراً يربط بين كل من أوروبا والدول الإيبروأمريكية (الدول الأمريكية اللاتينية الناطقة بالإسبانية) والعالم الإسلامي وذلك بفضل موقعها الجغرافي وثقافتها حائز على جائزة خوان رولفو الأدبية لعام 2004- وقد ألف خوان غويتيسولو عدداً كبيراً من الكتب والأعمال الوثائقية الرفيعة المستوى ومن أهمها: ألعاب يدوية (1954) – مبارزة في الجنة (1955) أعياد (1975) لا ريساكا (1958) خوان بدون أرض (1975) مقبرة (1980) مشاهد بعد المعركة (1982) – فضائل الطائر الوحداني (1988) حقول نيفار (1962) مسلسل القبلة الوثائقي في التلفزيون الإسباني .
انتقائيات من حواراته
(1)
يعود اهتمامي، قبل كل شيء، في السنوات الأخيرة. بكتاب ما قبل النهضة - خوان ريوث “Juan Ruig” روجاس “Rojas” دوليكادو “Delicado” وبكتاب ما بعد الموديخارية - سان جون دولا كروث “Saint jean dela crax”، سرفانتس “Cervantes” إلا أن تركيب وبنية أعمالهم لا يخضعان، كما هو الأمر بالنسبة للسابقين، لنموذج أو إلى معيار معين، لكن هؤلاء هم ثمرة تطور عضوي محض أو أنهم نتيجة لمنطق الحلم غير القابل، تقريبا، للفهم، ولهم قرابة من جهة بالعبث اللفظي للطليعة الفنية لهذا القرن، ومن جهة أخرى بالتعبير البارع المتعدد الدلالات للمتصوفة .
(2)
أنا في هذه الحالة يمكن أن أقول أن جنسيتي هي أدب سرفانتيس!! فلو نظرت إلى ما مضى من حياتي لوجدت أني أمضيت الجزء الأكبر من حياتي متكلماً لغات أخرى. وهكذا فإن اللغة الإسبانية كانت هدف أعمالي، وأنا عندما أكون في مراكش أتكلم عادة اللغة العربية. وعندما أكون في باريس أتكلم اللغة الفرنسية، وعندما كنت في الولايات المتحدة الأمريكية كنت أتكلم الإنجليزية. بمعنى أنني لا أستخدم الإسبانية كثيراً. فعلى سبيل المثال فإنني عندما أكون في مراكش أمضي وقتاً طويلاً دون أن أتكلم الإسبانية. وقد تطرق فيسنت ليورينس إلى ذلك بوضوح في إحدى أطروحاته عندما قال بأن اللغة تكتسب عند المهاجر قيمة عظيمة نتيجة فقدانه لأرضه وللمجتمع الذي يعيش فيه. وهذا ما يفسّر تحوّل الكثيرين من الكتّاب إلى كتّاب عظام في المنفى. وهذه هي حالة سيرنودا فقد كان مجرد شاعر من ضمن مجموعته، ولكنه تحول في المنفى إلى أكبر شعراء جيله.
(3)
إنني أتفهم عقدة النقص التي سادت في إسبانيا اعتباراً من القرن الثامن عشر، عندما بدأ عصر النور ودائرة المعارف في فرنسا، فالمفكرون الأسبان القلائل في تلك الفترة كانوا بمجرد عبورهم نهر البيرينيو يتنبهوا بأن الوضع مختلف كليّاً، ومن هنا تنبع العبارة المعروفة "أفريقيا تبدأ مما هو وراء البيرينيو. وقد كان أولئك المفكرون يطمحون ليصبحوا أوروبيين من خلال تنكرهم لكل ما هو غير أوروبي في ماضيهم. وقد اصطدموا بمفارقة في القرن التاسع عشر وهي ان الرحالة الفرنسيين، وعلى الأخص أيضاً الأنجليز (مثل بورو، وفورد) هم الذين اكتشفوا رائعة قصر الحمراء. ويروى مورّو بصورة فكاهية أنه كان مبهوراً بقصر الحمراء بينما كان الناس في غرناطة يقولون عنها " أعشاش المورو الموجودة هناك في العالي ".
( 4)
إن إعادة قراءة سرفانتس من طرف بورخيس، وكونكورا “Gongora” من طرف ليتاماليما، فجرت في لغتنا تيارا روائيا قويا، مؤسسا بشكل دقيق على التزام كلي ينفذه السارد في علاقته بهذه الشجرة المغذية، حيث تصبح الأوراق كتبا، ومخطوطات، وحروفا، وقصائد أعمال مثل "دون خوليان “Don gulian” خوان بلا أرض “yuar sans tere” أو "مقبرة" “Makbara” ليست فقط روايات، بل هي نصوص تم تحضيرها من خلال اتصالها بكونكورا وسرفانتس بـ "كبير الكهنة" “Archiprein” لهيتا مكونة معهم بذلك مضلعات، إنهم نتاج إغارة استحواذية في الشجرة، وفنادتها المتوالدة .
(5)
لقد خصّب سرفانتيس وغذّي كل الرواية الأوروبية سواء الإنجليزية، أم الفرنسية، كما وكان تاثيره في الروسية واضحاً ، بل وحتى أننا نلمس في الرواية البرازيلية تأثير ماتشادو دي قسيس الذي ألف رواية حديثة كلّياً في القرن التاسع عشر. وقد كانت إسبانيا لغاية القرن العشرين أكثر البلدان تأخراً في تشبيع الرواية، وعلى ما أعتقد فإن السبب في ذلك يعود من جهة أولى إلى القراءة المزدوجة من قبل أمريكو كاسترو بدءاً من كتاب "فكر سرفانتس" الذي كان أول كتاب يجرد أعمال سرفانتيس من التفسيرات والأوصاف الكلاسيكية كتلك التي أوردها أونامونو أو ماتسو بقولهما "إن كتاب دون كيشوت هو إنجيل الأمة الإسبانية!!. لقد كان الجميع يعزون إلى كتاب دون كيشوت طابعاً ومضموناً وطنياً أو صوفيّاً دون ان يقرأوا حقيقة هذا النتاج الأدبي. وبعد ذلك جاءت القراءة غير المقيّدة من قبل بورخيس التي توضح حسب اعتقادي الإبداع والحداثة في الابتكار السرفانتي ، وأرى بأنه انطلاقاً من تلك القاعدة برزت مجموعة من الكتاب – وأنا من بينهم – متأثرة بسرفانتس. ولعل كارلوس فوينتيس يشكل مثالاً واضحاً على ذلك، وهناك أيضا كابريرا إنفانتي بكتابه " ثلاثة نمور تعيسة"، وفي هذا السياق فإن تطوّر خوليان ريّوس لم يكن ليتحقق لولا معرفته بأعمال سرفانتيس. وهناك ايضاً أعمال سان خوان دي لا كروس . وإن هذه الثغرات ، وهذه الفراغات الواضحة في الثقافة الإسبانية تستوجب علينا التساؤل عما حصل لثقافتنا. ولكن أناساً قليلين جداً هم الذين يهتمون بتحليل ذلك الأمر
(6)
عندما نشأ الأدب الإسباني كان ترتسم في أفق الحياة اليومية ثلاثة طوائف هي اليهودية، والمسيحية، والإسلامية. وهذه النظرة الانتقادية من قبل البعض نحو البعض الآخر كانت بمثابة خميرة لنضوج الثقافة. وإن التراث المهجّن (الموديخار) يعتبر خير مثال على ذلك.إن الجميع يعرفون بأن فن الموديخار هو وحيد نوعه. وإنه لمن غير المنطقي الاعتقاد بأن ذلك الفن انعكس فقط في الهندسة، فمن البديهي ان ينعكس أيضاً في الأدب، مثل كتاب الكونت لوكانور، وغناء ميو سيد - ومنذ كتاب غالميس الذي ألفه فوينتيس أصبح واضحاً بأن المصادر لم تكن قوطية غربية كما كان يحلم مينندس بيدال، بل كانت مصادر عربية – ومثل كتاب الحب الصالح الذي هو كتاب من فن الموديخار وفقاً لما اكتشفه أمريكو كاسترو
من حوار مع الكاتب الاسباني / خوان غويتيسولو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق