أبو القاسم المشاي كاتب وباحث تتماس في إبداعاته الفلسفة بالفكر بالنقد الأدبي عبر أدوات ما بعد الحداثة فإضافة إلى انشغاله بالنص الشعري واحترافه التشكيل اللوني له مساهمات مقدرة تمثلت في عديد المقالات والأبحاث حول الفكر الحديث وعالم ( الإفتراضي ) .صدر له : " حافة القراءة " ، " نزيف الطمأنينة " ، " السلطة واللغة " . وينجز الآن رواية بعنوان : " استديو العرافات " . فإلي الحوار .
حاوره : أبوبكر حامد كهال
نشر بالشمس الثقافي
نشر بالشمس الثقافي
* لنتحدث عن الشعر ومفرداته اليوم . كيف تحدثنا عنه ؟
أبو القاسم المشاي : في البداية يتأسس الخطاب على : ما هو مفهومنا وتصورنا للشعر سواء ما بعد حداثة ، حداثة ، ما قبل حداثة .. لأننا أمام الشعر لا يمكن أن نجد سوى الشعر ، دون قطيعة ، بالرغم أن الشعر سر ولادة لحظته وبيئته ورمزيته اللغوية ومكوناته الثقافية .. ، وروحها التى ينطق بها ويحدس عبرها ويتأوه بحنجرتها ويتلذذ بإيقاعها و .. ، ولكن مع بودلير الذى أقفل رمزية وروح المخيلة وأزاح عنها ستار من بياض الكفن حين أعلن : " كلنا نذهب معهم في الجنازة الصامتة ، جنازة لا أحد ، إذ ليس هناك أحد ما لندفنه " ، وهذه لحظة انحباس في غشاء المعنى ذاته الذى نقوله عن شعر الحداثة أو خطاب الحداثة الشعري .. ، حيث نهاية الحرب العالمية وتضميد النزيف ومحاولة تأبين الألم بالصدمة الشعرية ، وإعادة تحرير الجسد من إيقاعاته الجامدة / وما يعصر خلاياه من حزن .. وذكريات قاسية حاكتها حروب وملايين الجثث ، والمعاناة الفائضة عن الذات واللغة .. وهي عكست روح وطيف معناها وأناشيدها وهذيانها على ظهور حركات جديدة ، تتلو على الجسد وباللغة ذاتها نصوصها النثرية .. قداسة الجسد ، وهى ذاتها المدونة التى كتبت انتسابها حيث كلما شطح الجسد أينعت أنوثة الحكمة ( ؟؟ ) وداخل النسيج الإفتراضي .. والسايبر- نت والكتابة الإلكترونية ونهاية المشاهد والتمركز السمعي - بصري نعلن عن عبر – جسدي يمحو النص شاعريته داخله ويعيد تدوينها من ذات الامحاء وتأبيد المعني .. وكلما فاض الجمال عن روح الأفتراضي سأخرج من اللغة ( ؟؟ ) .وشعر ما بعد الحداثة يعدّ ذاته كسؤال مربك ويتيم لعيون الشعرية ورمزيتها الصوروية وديمومتها بغض النظر عن حدود فهمنا أو تسطيحنا للشعرية بالتصنيف:. شعبي ، فصيح ، عمودي ، أفقي ، موزون ، عامي ، نبطي ، عربي ، فرنسي ، ياباني ، سورينامي .. ، ومن أي بيئة وعن أي معني / يتجه لمستقبل سؤاله ليختفي في ظل ( الدال ) أو الدليل الذي يقود عمى المعني إلى حدوسات مؤبدة او مفترضة للحظات مارقة عن كنه المعنى ذاته الذي اسس للسؤال الذي يطل كلما أمعنا التآمل في بصيص القراءة للمستقبل ( وما يدوم وحده يؤسسه الشعر !! ) .
* ما هي الرواية المعاصرة ومستقبلها داخل هذا التزاحم وعصر الصورة والفيديو ؟ وأين وصلت بروايتك ؟
الرواية وجسدها ولعبتها السحرية ، واللغز ، البيان ، .. الذي تولده وتحدثه في القارئ لا يمكن أن يتجاوز الشعر .. وبالتالي الرواية حالة كائنة برمزيتها وكل ما يعبر عنها ويحمل منها رواية سردية ، ما وراء حكائية ... بالضرورة نابع من الشعرية وما دامت الحالة الشعرية واليقظة التنبؤية للعبث داخل سيرة الذاكرة الحاضرة / الماضية / ومستقبلها وتفكيكها لعالمها ومحورها وأرشيفها وذاكرتها الإنسانية فهي أيضاً ترتبط جينياً وجنينياً ( جينالوجيا معرفية ) بذائقة الشعر والفن عموماً ، وهي روح تعبيرية .. وهي من ذات الروح التى تصنعها السخرية .. لغة الفلسفة ذاتها . وهي سخرية من الذات / الجسد / من الحياة وأغلب الروايات الكبيرة نسجت من هذه المواد مكوناتها وبنيتها ووضعت خرائط تفكيكها ومطاردة حدوثاتها ومشاهدها بكل ما تحمله من ألم ، لذة ، سخرية ، فضح ، معاناة ، .. فهي تتبع الطريق ولكنها عبر التوجس ، الخوف ، الرغبة ، العنف ، الجمال ، العرافة ، الاثم ، المغفرة ، الجهل ، القوة ، .. ورواية اليوم تشهد على راهنها عبر كثافة الواقع الإفتراضي ، وعبر تفكيك شفرة الخيال ، ونثرها عبر متاهة جديدة . . وكأننا نشهد على ولادة جيل جديد ( تائه أبداً ) داخل خضم وتزاحم الافتراضي وتسارع المحاكاة والشفاهية عن بعد ، الخطاب عن بعد ، لغة السايبر- نت وعصر التدوين ، ونص الومضة أو نص المفارقات الكبرى ، والعناوين الاختراقية ويظهر مستقبل الرواية والمنهجيات النقدية لما يطلق عليه رواية ميتا – حكائية ، أو رواية ما وراء الحكائية تظهر مغمضة في أيضاح مستقبل الرواية ، بالرغم من أن الرواية تشهد على صعودها وكثافة انتاجيتها وتنوعها .. وموضوعاتها والبحوث والدراسات التى تعيد المسح على مرآة مشاهدها . . وعلى ذات العتبة التى تعلن عن نهاية المشاهد . ومن هنا تطفو أسئلة الروية في مستقبلها القريب / وتسارع الكتابة الرقمية ، وتنامي الصورة ، الفيديو – الشاشات الفضائية ، السينما ، DVD ، .. جميعها تتنافس للسيطرة على ( التمركز السمعي – البصري ) أي السيطرة على عقل وروح المتلقي ( القارئ ) ، مع الحضارة الافتراضي وتقنياتها ووسائطها وأدواتها و . . وذوبان حدودها فإنها تقف على سطح الخواء ، هل سنتفق على شاهد انتصارها لصالح الافتراضي أم نوثق لحظة اندثارها وتحللها داخل الرقميات وعبر أوعية الديجيتالية !! .ومن ذات السؤال أين سنجد هذا القارئ الافتراضي ؟ بأي لغة سنكتب له نص قراءته ؟ بأي اندماج نحاول أن نسلب قشرة المعني لنقدم له فاكهة التلذذ بقراءة روايتي القادمة ( أستديو العرافات ) ربما تصدر بعد حين !! .
* برأيك كيف يقرأ الأديب والمثقف الأزمة الإقتصادية .العالمية اليوم ؟
ج / توجتّ خطابات العولمة ، نهاية العمل ، التجارة الالكترونية ، هجرة الوظائف، ثقافات عابرة للحدود ، وغيرها من المفاهيم والأطروحات التى انتجتها نهايات وبدايات . . أزمة التواصل و ( ما يعرف ) بالنظام الغائي للتاريخ البشري والذي لا يصل في الوقت المحدد ، ومن هنا بدأت تطل اشكاليات كبرى داخل خرائط العالم (القديم) وهوياته والتى ارتبطت بما رسمته الهيمنة منذ بدايات القرن السادس عشر، وما طرحته من حلول وقدمته من أفكار تنويرية واختراعات علمية ساهمت في بناء العالم الإقتصادي وحركته النقدية وسيولة انتاجياته وضمن هذه الأطياف الفكرية وقراءاتها وتدارسها ( النقدية ) أخذت علاقات السوق والبضاعة علامتها وروحها ضمن حقول تنوعها الايديولوجي وقواعد السيطرة والتنافسية والتبادلية التى أنتجت علاقات ( القيمة ) المالية للنقود مهما كان نوعها وضمن حدود المضاربات والتنافس وصراع العلامات التجارية . . .
* ولكن ماذا سيضمن لنا ( إقتصاد المستقبل ) ؟ ..
وكما قلنا في بداية الحوار بأن عتبات حضارة جديدة في طورها الثالث تشكلت كمرحلة تطور فكري إنساني بالضرورة ، وحيث كانت إلى أجل قريب ( بدايات الستينيات من القرن الماضي ) كانت الأفكار تتقدم على العالم . . . وبقيت الفكرة بعيدة معلقة على جدار المستقبل ، ولكنها ضمن حضارة اليوم وعصبها فأن الفكر إستثنائي وتنبؤي وصار ضمن ( الآن ) ، وصارت المدارس ( التقدية ) التآويلية ، التكوينية ، السيميائية ، . . أرث فكري أو شكل من الرومانسية ( الفكرية ) النقدية التاريخانية وما أنتجته تكنولوجيا المعلوماتية ولغة الافتراضي وعصر الشاشة شكل قاعدة وركيزة تحول تاريخي ( مصيري ) لمختلف انماط الحضور المجتمعي حيث أختفت الحدود وقواعد عمل السوق وقيم التبادل ومختلف التنظيرات التى شكلت ( المادية التاريخية ) ومفاهيم وبناء الدولة التقليدية ونظم الاقتصاد وهذه المرحلة ( ساهمت في تذويب المسافات ) وضخت الوهم في قلب الخواء بوصفه معني جديد أي جعل المأزق النقدي الايديولوجي العقائدي . . لا يري ولا يقرأ بأن العالم هو بالذات اختفاء للعالم . . وما تقدمه الأفتراضية واحتراق أفران ( المطابخ ) الاعلامية ووسائطها التقنية امام البث المتجاوز للخطابات الممنهجة والمؤطرة حسب مقاسات السوق .. صار من الماضي ومن التراث وتبدلت إستراتيجية الدليل وتبدلت لعبة السوق وقيم الاستعمال على حساب نظام قيم التبادل ذاته اللذان شكلا أصل النظام الاقتصادي الذي قرأناه عبر الفكر الماركسي أو غيره من النظريات الاقتصادية التى تأسست على واقع يرسم الزمن على لوحة مظلمة . .ومع الانحباس ألمفاهيمي وتوسع الاستهلاك ونمو أسطورة الإرهاب وأزمة الطاقة . . . انفلات وتكدس البضاعة وانحسار قيمها الاستعمالية . . وتفكك خرائط (ديمغرافية ) اقتصادية واجتماعية جديدة . . ومع نمو تكتلات عملاقة للهيمنة وفق مقتضيات التنبؤية بمستقبل كثيف ومتسارع ومع ظهور ( أيدبولوجيا !! ) التواصلية خارج ما بشرت به الايديولوجيا القديمة للرأسمالية ومع نهاية ما يعرف بالاقتصاد السياسي . . والقطيعة الكبري مع التبادل الرمزي ؛ للنقود وعمليات التبادل العيني ( نهاية Cash Money ) ، وما يعكسه على مختلف قواعد الممارسات الاجتماعية والثقافية وعمليات الشراء والتبادل للبضاعة . . . وغيرها، وعلى أثرها فأن النظام ذاته الذي شكل قواعد اللعبة سيطيح بذاته أمام تكنولوجيات الافتراضي التى تلغي المسافة والحواجز وتحيلنا إلى هويات رقمية افتراضية أي ندخل في عمق السر الذي يصوغ النص ..الفكرة ..الوهم أن ندخل إلى قلب وذاكرة النظام الجيني للجسد ذاته الذي يشكل دالة وجودنا .
* وكأننا وفق ما تنتجه الحضارة اليوم ، نعيش مأزق فكري ؟! ولكننا نعيشه وكأنه مأزق اقتصادي ؟!
ومع سقوط الجدران والحواجز وانهيار الخرائط القديمة ومع تعددية طيفية لغوية وعرقية وهوياتية ..كما هي عليه اليوم (الاتحاد الاوربي) واندماجه الاقتصادي وبعملة واحدة..نجد على ذات الخرائط قيام جدران وحواجز جديدة..الدكتاتورية،القمع،صراع الهويات، ..التفكيك كما حدث في يوغسلافيا.. وعلى سقف هذه المفككات ينمو عصب الشبكات وتتمدد الفجوة الرقمية..
وبينما ينهار جدار برلين وتنهار الحواجز الايدلوجيا في الاتحاد السوفيتي سابقا (أي نهاية اتحاد واعادة بناء اتحاد جديد.. !!) كما تقام حواجز العزل على فلسطين ويتزايد حدة فهو يتأسس كجدار مادي خرساني شائك ومن جهة فالحرب والابادة وانعدام التوافق تمارس ترسيخا وتكريسا ..وجميعها تتأسس بذات المنهجيات وبذات الكائنات التي تتحدث بأسم السلام والتعايش .. اذن تتحول التعددية مشروع انفصامي تناقضي في بنيته الافهامية والمفاهيمية.. وجميعها مولدات للازمة وان اخذت طابعا كونيا ولكنها بتراكما وتناسلها ..تمنحنا صورة لابعاد الازمة وهوامشها !!مع نهايات القرن الماضي وفي تسعينياته تنبه الفكر لأسئلته ومأزقه .. فالمرحلة التنبؤية كانت حاسمة مع عديد المفكرين .. اذ تم وضع خرائط الطريق الى الحضارة الجديدة وما يعرف في ادبيات اليوم (اقتصاد مجتمع المعرفة).. ولكننا نتسأل اين نحن من كل هذه الانوار التي يتم تعليقها داخل كهف وجودنا وفوق اسقف جماجمنا وامام ابصارنا وعلى صدى سمعنا.. اي عتمة دخلنا اليها دونما فتيل اشتعال او عود ثقاب..؟؟؟
* هل يمكن فهم واقعنا وعالمنا بأعتباره مدهش أو لأنه مؤلم معيش عالم الحرية وحياة البؤس ؟
مشدوهين من هول الفاجعة ومن جانب من عدم قدرتنا على التصديق او المفاضلة بين جميع الخيارات المطروحة.. من اجل بناء قرارت جديدة قادرة على مواجهة الازمة او تقديم الحلول التي نتوقع انها قادرة على حل الاشكاليات او الازمة.. وبالتالي فأي المعلومات صحيحة وايها خاطئة ..!! وفي ذات الوقت الذي تزايدت فيه مساحات حرية التعبير و الاراء العابرة للحدود.. وانتهت الرقابة التقليدية ..وتزايدت قوة الراى العام العالمي عموما.. في ذات الوقت الذي تقلصت فيه حرية الفرد امام امكانية الخوض في خياراته دونما خوف.. او دونما خضوع لما يبثه الافتراضي والفضاء المرئي.. وغيره من الوسائط التواصلية التي تشحن محيطنا ووجودنا كل يوم باختراعات جديدة وافكار جديدة ..صار من غير الممكن الالمام بكل خفاياها .. وبكل ما تقدمه لنا او ما يمكننا الاعتماد عليه.. ومع تدني مستويات المعرفة ودخول البث الافتراضي والفضائي الى حياتنا الشخصية بغض النظر عن المكان ومع ذوبان المسافات داخل شبكات الانترنت... صارت داخل هذه الفوضى العارمة والكثافة المعرفية وداخل الشبحية المزيفة ومع كل وهم جديد يتم ضخه صار الفكر النقدي التقليدي يمارس افسادا للفكرة ذاتها التي نشهد على انتصارها ونعيش مجدها.. وعلى ذات الصفحة التي نقول فيها بتدهور النوع الانساني نتاج الحروب والامراض والتدمير البيئي و البطالة والارهاب والدكتاتورية وتنامي القمع والعنف......في ذات الصفحة نعلن عن مرحلة انهيار الايدلوجيات والمرجعيات التي اعاقت الفكر لازمنة طويلة .. وهددت الحياة الانسانية وسكبت فوق راس الازمة راسمالها الملعون .. انها لحظة التحرر من الوصايات ومن الحدود ..مرحلة الاختلاف المبجلة باصل السؤال الذي نحته الفكر الانساني على قضبان التاريخ ومسيرة الانسانية ..
* بين مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة انتقال وعبور لحضارة وبداية طور حضاي جديد . كيف يمكن قراءة هذا العبور بمفاهيمنا وتصوراتنا ؟!
ما هو مهم وسيبقى دائماً .. التفرد الشعري للتحليل والقراءة ، فهذا التفرد هو الذي سيعب داخل كل قابلية وداخل كل شفافية مزيفة ، ولا يمكن بالمطلق حل التناقضات إلا داخل اللغة ذاتها وعبرها وداخل رمزيتها وغوايتها للفكر .. ومادامت أزمة اليوم ترسم ظلها على حوائط المستقبل ، وتصنع أحداثها الكبري عبر شحن الواقع بأقصى حدود التزييف والتحريف .. وتحت منشيتات وأوهام وهي في ذاتها ليست سوى استراتيجيات انتقام .. أو تقويض للاختلاف الذي صاغ مشروعية الحداثة وروح الأنوار لمرحلة مراها ونشهد على تواريها وتوريتها وكأنها حدث عرضي وعلى حد ما يصوغه هوبر ( إني لا أرسم الخوف والوحدة ، ولكن فقط الضوء على هذا الحائط ) . ولأننا نخوض في ذات المفاهيم التى تنسحق تحت مطرقة وأنفجار مفاهيمي جديد ومغاير وعلى انقاض مأزق نقدي أيديولوجي للعالم برمته .. ولكننا نعلق الأزمة على عنق الوسائط والوسائل المكممة أصلاً والمشوهة بأرث ( القمع ، العنف ، .. ) المادي المعنوي ، وما تحققه الهيمنة والتسلط على الوسائل والأدوات وعلى ذوات الأفراد بحجة ( النظام ) ، في ذات الوقت الذي لم يعد هناك نظام أصلاً .. ، أي بمعني ثورة اللا – يقين ، وتناسل الاقتصاد السياسي داخل جينالوجيا الاخلاق / الوعي ، وأمام نقطة أو برزخ اللا – عودة إلى مفاهيم مرحلة ماضية إلا كحالة ( رومانسية هاربة ) ، ومع اختراع الألواح الإفتراضية والكتابة الرقمية ، وهي الطور الثالث لمرحلة انفجارات معرفية حيث صاغتها تطور أول الكتابة على الألواح الطينية وجذوع الأشجار والجلود .. إلى مرحلة الطباعة وسرعة الانجاز والتواصل مع مرحلة الحداثة بأنواعها الساطعة والخافتة لنطل اليوم على أنفجار معرفي غير مسبوق يمجد العقل وينتصر للانسان حيث الكتابة الافتراضية والخبر الضوئي ، والكتابة باللمس .. ، أي أن التأسيس والمؤسسة ( المنطق ) سوف يجد ذاته وصورته أمام تحول جذري وفوضي ، ولكنها في مواجهة الابتذال والتسطيح تنتصر للعقل الإنساني .. وكما شهدت القرون الماضية ( مرحلة الحداثة ) ووسائطها وأدواتها .. وتمركزها على العقل ، فهي اليوم ومع الفكر التنبؤي الذي وضع أسئلتها في أواخر القرن الماضي تشحذ تمركزها على السمعي – بصري - ، تضلله الكتابة بالضوء وتعيد بثه في أوعية افتراضية عابرة للحواجز والحدود / عابر عن أي إمكان بإيقافها أو تضليلها .. فقط بما تمليه الافتراضية ( كعتبة حضارية ) وتطور تقني لم تشهده البشرية من قبل ، يتجسد عبر سحق الذات داخل الفضاء والأوعية اللا – مادية للافتراضي ذاته .. حيث الهوية الافتراضية و ( الأنا ) المقدسة ، التى تعيش بملامح الإنسان – آلة ، واختراق الجينات وإعادة بثها والتدخل في معطياتها ونشؤها البدئي ( أنا ) جديدة يُعاد اخصابها ( بين ) الوعي واللا –وعي / بين النظام واللا – نظام ، بين الانساني واللا – انساني .. !! تكفينا مشاهدة وقراءة ميسرة لما ينشر ويبث من حولنا وأمامنا ، وعلى مختلف الواجهات والمستويات , وما تقدمه وسائط التواصل والإعلام وبخطاباتها اللا – نهائية ، والأحداث المتواترة والمتسارعة .. ، وشحن العالم بالخوف والإرهاب وقيم الاستبداد والهيمنة والدكتاتورية .. وتنامي أشكال القمع والفيروسات .. وتزايد اسطورة الإرهاب البيولوجي ، الفكري ، الديجيتالي ، .. ومع كثافة المعلومات وتسارعها وتذويب المسافات .. لنقف أمام أزمتنا .. أزمة العالم من حولنا ، ومع تشابك العلاقات والمصالح .. تناقضها وتضاربها .. تنافرها وانصهارها .. حيث يجف منبع الضوء القديم ويعيد بناء جداره الجديد .. من واقع السخرية ذاتها والتى ما فتئت تعلن عن حدود النهايات بدء من نهاية التاريخ ، ونهاية الايديولوجيا ، نهاية المشاهد .. ، وهي ذاتها المأزق الذي يلغي حدوده داخل ( المعنى ) !! .
كما يمكنني القول تعقيباً على الأسئلة الواردة بهذا الحوار وبما كان يجول بيننا من نقاش يخوض داخل بنية الوهم واستراتيجية ( الفروض ) التى يمليها الواقع ويحتمها الافتراضي .. وعلى أثر ذلك فأن الفكرة لم تكن بتاتاً بهذه الصورة ، ولكنها حالة امحاء والغاء عند خط التقاطع او القطيعة بين ما هو حداثي / أو بعد حداثي ، بين المعنى واللا – معنى ، بين هذه القراءة وبين عدم وجودها على صفحات الجريدة أو على الواح الضوء الافتراضي ،، وكأننا على ذات الضوء وبصيصه نعمق الفجوة التى يقول بها سؤال الفكر ذاته .. وهي الهوة بين الفكر والواقع !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق