خالد درويش /الشمس الثقافي
في غابر الزمن، حين كانت الصولة لنا نحن العرب المسلمين في تلك البقعة الأجمل، وأتساءل اليوم وأنا أقرأ الشواهد وأتلمس الآثار هل كنا هناك حقا أم هي فذلكة مؤرخ لم يجد ما يحبر به الصفحات المطلوبة منه من أمير نزق .
هل كنا هناك حقا،
وهل تركنا كل هذا الإرث من الجمال والحضارة والرقي والأخلاق والمدنية، أم هم قوم غيرنا وأناس سوانا، منذ بداية تعرفي على إحسان عباس وعناني مبكرا جدا، ثم الدخول عميقا في تاريخ تلك المنطقة عبر الإحاطة في أخبار غرناطة والمعرب في أخبار الأندلس والمغرب وأعمال الأعلام للسان الدين بن الخطيب، ثم نفح الطيب للمقري وكتاب إبن خلكان في تراجم الأندلسيين وغيرهم، وغيرها من الكتب مرورا بتلمس الشواهد الباقية والأحجار العالية لقصور الحمراء ومطالعة سير ملوكها وشعرائها الداخل وولديه الحكم والناصر مرورا بذلك الفتى الذي ألقته الجزيرة الخضراء لا يملك إلا عقله وساعده، وقد كانت الدنيا في ذلك الوقت هي الأندلس وليبتني الزهراء وليسجل اسمه في سجل الملوك العظام محمد بن أبي عامرالمنصور، إلى المعتمد بن عباد أشهر من حكم وعشق وأنشد، وأتساءل هل حقا كانت لنا تلك الربوع। أسائل حي "خوانتا فاكيوس" وأستنق جبال السييرا نيفادا، وأنا ألوح بيدي أستعير من جون ميلتون فردوسه المفقود فيطل من وراء كورة ألبيرا وجه موسى بن نصير وهو مؤرق العينين لأسأله؛ أين كنت يا أبتاه؛ أيها الفاتح الأكبر، يا من أهديتنا درة الأرض في ذلك الزمان؟ فيجيبني لقد كنت أستجدي الناس أمام مساجد سبتة। في ذلك المكان الذي انطلقت منه خيول الفتح العربي إلى الجزيرة المباركة وفي يدي رأس ابني عبد العزيز مضرجا بدمائه، وما هي إلا لحظات أخرى حتى أفاجأ بطلة "بوعبديلا" كما ينطقها ويكتبها الإسبانيون اليوم। أو عبدالله الصغير، حاملا صك عبوديته ممهورا بتوقيع الفونس وزوجته في وثيقة استسلام غرناطه ودموعه تملأ عينيه، ليردد مع الشاعر العربي المعاصر عبد الوهاب البياتي:
(لا غالب إلا الله
فلماذا يبكي عبدالله؟)