الأحد، 6 نوفمبر 2022

زقزقة الغراب ، قطعان الكلام الجافلة ، فوضى الكلام القصدية / محمد الكيش

 


زقزقة الغراب ، قطعان  الكلام  الجافلة ،

فوضى الكلام القصدية


إن الكتابة عن  أي  نص ,  سلبا  كانت أم  إيجابا  وحين  يكون  دافعها  الصدق  مع النص  , دون  أي  نوازع  أخرى  هي  كتابة  لصالح النص  , لأنها  تثير  من  حوله  حراكا  , وتشدد انتباه القاري  إليه  , وهذا ما أردته  من هذه  الكتابة , رغم  عدم  قدرتي  الواضحة  على التواصل السلس مع هذا النص , موضوع  الحديث  ,وعللت  ذلك  بأن  الخلل يقع  في  ذائقتي  , وضعف إدراكي  لأبعاد  ومراميه  .

هذه  النص  المميز  هو ديوان  :-( زقزقة الغراب  فوق  راس  الحسين  ) للشاعر  خالد  دوريش ,وميزته  ليس  بما فيه  من دلالات  ومعاني  أنا لم  أصل  إليها  , بل  بما يحمله  من إمكانيات  فنية  لغوية  وتخيلية  هائلة  أثبت  الشاعر  من خلالها  , أنه  يمتلك  موهبة  شعرية  حقيقية  وقدرة  فائقة  على تشكيل  اللغة  , و زوادة  لغوية  لا بأس  بها  , وثقافة جيدة  وهذه  كلها  أسباب تؤهله  لأن  يمشي  في  الطريق  السالك  إلى سلم  الشعر  , ليرتقى  إلى الذرى  العالية  , حيث  منابع  الشعر  .

بداية  أسجل إعجابي  وانبهاري  بقدرات الشاعر  التي  أظهرها  في  هذا  النص  حتى  وإن كان قد استغلق  أمامي  ,وأرهقني  طويلا   وأنا  أحاول  الوصول  إليه  وجعلني  أتوه  في زحمة  قطعان  الكلام  الجافلة  التي ساقها  الشاعر  من  كل  حدب وصوب  , ودفع  بها في  واد ضيق  , وجعلها  تضطرم  ، صور متتالية  ومتدافعة  تجري وراء  بعض .

 مآثر  ووقائع  ومواقف  تاريخية ، دلالات  وروى غائمة  , كلها  تبحث  عن سياق  يلمها   فلا تجد ، في وسط  هذا  الخضم  جاهدت  نفسي  , وحاولت  أن أصل  إلى معنى  ولكن  وللأسف  أوصلني  النص إلى مطية  الإخفاق ولم  أخرج  منه  بشي  إلا  أمل وثقة  في  قدرات  هذا  الصانع  الماهر  .

يستحضر  النص  بين  ثناياه  نصوص  كثيرة  , تبدأ  من  أجواء  ملحمة  الشر  أناشيد  مالدرور للوثر يامون  , مرورا  بمناخات  وصور  عفيفي  مطر  ومظفر  النواب  , ولغة  وتقنيات  سليم  بركات  وبعض  شعراء مجلتي  مواقف  شعر  .

ويتكئ  على التاريخ  وقائع  ونصوص  ويجدد  توظيفه  فنيا  ولكن  هذا  التوظيف  نادرا  ما يوصل  إلى معني  ويستفيد  من القرآن لغة  وتقنية  ومعني  ويجيد  في الاستفادة  من  الناحية الفنية،

و يفتتح  النص  في  مرحلته  الأولى   بقاموس  للشر  يحشد  الشاعر  فيه  الكثير  من مسميات  وأفعال الشر  , القارئ  سوف  تغمره  الفيوض  المميتة  التي أترع  بها  الشاعر  جنبات  نصه  في المرحلة  الثانية ، يعلن  الشاعر  عن حضوره  القوى كدون  كيشوت  يقارع  طواحين  الكلام .

( أعصب  الكلمة  براية  الحق  خيبرية النزال  غفارية  الغضبة  والفكر ) سيرتبك  فهم القارئ  منذ  البداية  أمام  دلالة  هذه  المنازلة  الخيبرية  الغفارية  التي  يستعد  لها الشاعر  , إذ سيقود  تفكيره مباشرة  إلى شخصية  الصحابي  الثائر  أبا ذر  الغفاري  وإلى تفكيره  ومواقفه  الثورية  أمام صفة  الغفارية  أما أن تكون المنازلة  خيبرية  , فتلك  صفة يستعصي  على  القارئ  إن  يجد  دلالة  لها ، وقائع  التاريخ  تقول  أن  فتح  حصون  وقرى  اليهود قد  تم  بالحصار  والاستسلام  أو بالمصالحة  ، ولم  يكن  هناك  قتال  أو بطولات  تذكر  لنستحق  هذه  الصفة.

  ثم  أن  صفة  خيبرية  هي  كناية  لليهود  ، القارئ تغشاه  الحيرة  أما  اضطراب  المعني هذا  .

  بعد  هذا الإعلان  المدوي  عن الحضور  يبدأ الشاعر  في إدارة  معركته  , يصور  كائنا للشر  , متعدد  الأبعاد  لن  يعرف  القارئ  كنههه  أو دلالته  وسوف  تأخذه  الدهشة  لهذا  التصوير المهيب لهذا الكائن  ذو  القدرة الجبارة  ( قال  قائلهم  يأزف الوقت  وتترع  على شرفك  الأنخاب  وتتكدس  إلى جانبك  السبايا  , مورقات  , مورقات  لنبدأ  الإنشاد  ولترفع  لثامك  تسمع  زنين  صوتهم  القديم  صفاؤه  اللؤلئي  وأسبل  على مقلتيك  الهدى .

قال  كبيرهم من  الذي  علمهم  السحر  ما ابتغي  جل  أن يسمى  يرن في  أبهة  العلى  ليعزف  لهيبتي أبواق  الساحل  والعمران  رب  الإيوان  من أبهة  المسافات  حتى  تاريخ  التداول  والعولمة ) .

في  الجانب  الآخر  يرسم  قرية  يسكنها   الرعب  ويخيم  على أهلها الخوف  يتجمعون  في ساحة القرية ،  و ينتظرون  كائن  الشر الأسطوري  كأنهم  في يوم  الحساب  .

(أبى  أن  يكحل  النوم  جفونهم  فقضوا  ليلهم  سهادا  أنات  الألم  والتكهن  تتصاعد من  قلوبهم  , ومن  حشاياهم  ينتظرون  راكعين  ودعوا  ألا  يتنفس  الصبح ) .

 إلى هنا والقارئ  يظن نفسه  قد امسك  براس  الخيط  وهو   مقبلا  على نصِ  درامي  متصاعد  سوف  يمتعه  وينبئ له عن  غاية ، فجأة   تغيم  الصورة  وتتلبد  الرؤيا  , ويحجب  النص  ضباب  كثيف  لا يميز  من  خلاله    القارئ  شيئا  .

في  مقطع  حكايا  ابن جبير - يمزج   الشاعر  بين  شخصيتين  تاريخيتين في شخصية   واحدة  , ابن  جبير    الرحالة  الأندلسي الشهير  الذي  يفتتح النص كراوية  في  حضرة  الملك  , بعد  مقدمة  مسهبة  من  غريب  الصور  .

( نهض  الأمير    متثاقلا   , سحب  آلة التصوير  والتقط  صورة  للحائط  ارتبكت  العروق  المتوترة ،  الأسد  الرابض  قريبا   حك  ذنبه  بفرشاة  ذهبية  هز  الحجاج  سيفه  اكفهرت  الغرفة ،  أشار  إلى  سعيد  بن  النص شخصية  سعيد بن جبير  التابعي  الجليل  وأحد  رواة  الحديث الثقاة  قتله  الحجاج  سنة  95 هـ .

ويأخذ   دور  الراوية،  القارئ  يربكه  هذا   التوظيف  وتسأل هل  هو لغاية  أم مصادفة   في الأسماء  .

الشاعر  يصف  صوت  الغراب  بالزقزقة   والغراب  على أي حال  لا تواتيه  الزقزقة  بل يواتيه  النعيب  والنعيق ، ولا توجد دلالة  داخل  النص  على هذا  الاستعمال  الذي  يجوز  للشاعر  .

الملاحظات  التي  أوردتها قد  لا تؤثر    في سياق  النص  ولكن  النص له  مشكلته   الخاصة  وهي  عدم  قدرته على التوصيل    وأضنه   يستغلق  حتى على الصفوة   الخالصة   من القراء .

    فهو   حالة   من إبهار  اللغة  المتوالي ، هذر من الصور   واللغة  تحسبها  هجينة  , غير   موثقة   الأصول   حالة  من فوضى   الكلام   القصدية  , حيث  يختلط  الحابل  بالنابل   , ويغيب  المعني .

 رغم  كل  ذلك   هذا  السرد  الطويل  المبهر  أعطاني  متعة  الكشف  عن  اللغة  وأنه  يقول  بشاعر .     

 محمد الكيش/ ليبيا

 


ليست هناك تعليقات: