روحها وكهنـة المعبـد واللعنـــة
قــررت أرواح كبار الكهنة عقد اجتماعهم
الطارئ بمعبد ( زيوس ) لبحث قضيـة لا تحتمل التأجيل نظــراً لحساسيتها البالغة ..
كان الموضوع يخـص شرف فتاة جيزاويـة في السابعة عشرة من عمرها وقد توصلت لمعرفــة
ذلك بالصدفة أثناء استحضـاري لروح السيد ( نيكيتا ) وهو الاسم الذي يحب أن ينُادى
به .. وقد وفقت في ذلك بعد بذل جهد مضنٍ بإزالة شياطينهم عن طريقي وقد دلتني روح
وليهم الذائع الصيت ( راسبوتين ) لمكانه فعثــرت على روحه المعربدة تترنــح حيث لا
زالت مخمــورة كونه قُبض على تلك الحالة وقد استوقفتها حيث كانت ساعتها تطارد بعض
بنات إبليس لمراودتهن فسألتهــا عن الأسبــاب التي أدت إلى انكسار الجيـوش العربية
وتراجعها للخلف بسرعة غريبة ملفتة للأنظار .. قلت لها سيدتي إن انسحابنا لم يكن
انسحاباً عسكرياً بالمعنى المتعارف عليه تكتيكيــاً .. بل للوراء در .. عادة فر .
السبب
الذي جعلني أستدعيكِ قلت لها هو عدم ثقتي بالصحف القومية .. فكبراها قالت عن أسباب
خسارتنا بأنها نكسة مراعاة لشعور أبناء الوطن وتأدباً في انتقاء الألفاظ أما شقيقتها
الثانية فزعمت أنها وكسـة من باب التندر باعتبار أن النكتـة أفضل وصفة عـلاج للخيبــة
أما الثالثة فأفادت : بأن عين أصابتنا في مقتل من باب التذكير بأنه يجب تبخير
الجيوش المظفرة قبل تقدمها والتنبيه بتعليق خميسة وقرن غزال وإن تعذر فقرن فلفل
أخضر بعنق كل مدفع مع التوصية بلحام حدوة حصان إن أمكن على بدن كل دبابـة والتنبيه
بغسل هياكل المقاتلات بمياه السبع موجات وفقاً لقول العلامــة .
بعقب
سيجارة من النوع الرخيص أشعلتُ بالصحف المذكورة كونها لا تستحق عود كبريت ورقصت
دائراً حول لهيبها كهندي أحمر غير أن الحيرة لم تبرحني حتى أصابني دوار البحر فوق
اليابسة .. يومها لم أجد بُداً من الفرار إلا بتحريك مؤشر مذياعي لمحطة حيث أفاد
المذيع الأصلع الفصيح بأن قواتنا تتقدم باتجاه العدو وأن جيوشنا الباسلة سوف ترمي
بهم في البحر !! على أية حال كان قصفاً صوتياً مدوياً أصابنا وأخطأ العدو وبرر
فعلته تلك بعد ثلاثة عقود باقتضاء الأمر لأن ينفخ في قربة الأمة رغم علمه بأنها
مقعورة أقصد معنويات الأمة.
بعطفة
الشيخ ريحان المتفرع من ميدان عابدين بالقاهرة كانت الحقيقة تتوارى خجلاً من هول
الهزيمة التي أُلبست بُرقعاً كأي منتهكـة أو سبية فقد تناه لسمعي حديث شجي كان
يدور ساعتها بين العم محمود بائع الكشري ، وفاروق بائع العرقسوس من أن العدو قد ضم
سيناء بالكامل .. أضاف عوضين خفير العمارة التي تطل على الميدان أسباب أخرى يندى
لها الجبين بأن زوج الفنانة ذو الرتبة الرفيعة كان ليلتها نائم بفراش لأخرى الأمر
الذي حذا بغرفة العمليات أن توفد مندوباً عنها برتبـة رفيعـة للاستعلام عنه لدى
العالمـة ( تفيدة ) المشهـورة بتموين الصفـوة بزغاليل الحمـام ، والتي أقسمت بأغلى
ما تملك بأنها لم تره منذ يومين مقترحة على السائل أن يبحث عنه لدى مدام ( ميمي ) ؟
.
لا يهمني إن نام في حضن .. بنت السلطان عبد
الحميد .. أو فله .. أو حتى ياسمينه فكلها ورود لها روائح طيبة وفق الشم لا الشمم طبعاً
!! .. الحديث طويل والرائحة قد تفوح أثناء
سرده وهـذا طبعاً ليس مقامـه غير أن الـذي حيرني وشد انتباهـي هو كيـف فطن العم
محمود .. وفاروق .. والمدعو عوضين .. كيف علم أربعتهم بالأمر قبل جهابذة الصحافة
كتبة العمود والديباجة .. وكي لا ننسى !! .
بالبحــث
في الأسباب الحقيقية التي أدت لذلك ومن خلال استحضار روح الرفيق ( نيكيتا ) للاستعانة
بها ومثولها أمامي كطيف أثيري فأتت طيّعة ملبية وكعادة صاحبها ذاك الذي خلع نعله
يوماً ودق به منبر عصبة الأمم فساد صمت .. وباعتبار روحه فضائحية مثله قالت لي
أسمع جيداً : كل ما كُتِبَ لا علاقة له بالموضوع .. كل التعليقات والتحليلات التي
أوردها الأصلع بلسانه لا تغدو كونها إلا مجرد مشروع لموضوع إنشاء مقدم عن طالب
بالسنة السادسة محشواً بأغلاط إملائية وتاريخية أيضاً .
قالت روح الرفيق البدين القصير أن مرجع القصة
يعود لأيام مساهمة الاتحاد السوفيتي في حفر وبناء السد العالي .. يـوم أمتنع
المصرف الدولي عن تمويـل المشروع لأسباب الكل يعلمهـا فأوعز حينذاك السيد ( اليكسي
كوسيجين ) بإرسال آلات الحفر العملاقـة إضافة إلى عدة أطنان من المتفجرات الجيدة
لاستعمالها في شق المجرى المائي بمعرفة الخبراء والمهندسين الروس .
تقــــول
روح الرفيق بعد أن تجشأت مراراً وفاحت منها رائحة البصـل .. أن الأمر تــم وفق
منهجيـة دقيقـة فبعــد تدشين السد وانسياب الماء فيه رجعت لموسكو الكـلام لا زال لروح ( نيكتيا ) وقـد ارتأت تلك
الحكومـة توطيد العلاقـة بين البلديـن بشكل أمتــن فأشــار أحد نافذيها بمكافأتي
بشكل شخصي .. تقول روحه مستطردة : أن حرس مكتب الرفيـق بـ (الكريملين ) طرق الباب
ذات ليلة ثلاث دقات خفيفة لإبلاغي بأن مندوبهم لدى الاتحـاد السوفيتي قد أحضر معه
صندوقاً لا تُعـرف محتوياتــه على وجه التحديد والدقة مستطردة تضيـف روح الرفيق
بأنـه أُذِن لـه بالدخول وقـد تم ذلك من وراء ظهـر السيد وزير الخارجيــة .
بعــــد
تقديم نفسه لي قال .. سيدي لي عظيم الشرف بالمثول أمامكم وهي لحظة تاريخية قل من
يحظــى بها وأنني قد كُلفتُ أن أتقدم إليكـــم بهذه كعرفان حب وامتنان من شعبنا
وأستطرد يقول إن التي ترقد هنا سيدي وتستلقـــي مومياء لصبية فرعونيـــة سوداء
العينين .. نحيفة الخصر رشيقة القد ..
سوداء الشعر .. عذراء سيدي .. سليلة أسرة ملكية .. خالتها أيها الرفيق الأحمر تكون
كليو باترا وفقاً لسجلات دائرة نفوس ممفيــس استنادا لترجمة ( شامبليون ) .
تعتـــرف
روح المدعو ( نيكيتا ) عن صاحبها قائلة أنه أغتبط حبوراً وأنه أسرع فهاتف وزير
دفاعـه من فوره بضرورة إرسال خمسين مدفعاً من العيار الثقيل مع التنبيه على وزير
السياحة بشراء رقعة شطرنج من النوع الفاخر
المطعم بناب الفيل وتدبير معطف من الفرو السميك لنائب الرئيس .
مـن هنــا تبدأ القضية تقول روح الرفيق
التي استحضرتها .. بأن صاحبها طلب من خادم المكتب إحضار زجاجة فودكا رئاسية وصحن
بصل .. تحت تأثير الوقود أقصد الشراب ثم صرف مفرزة الحرس الخاص ثم طرد طباخ الجناح
أما النادل فقد لكزه على مؤخرته كامتنان بعد أن أحضر الزجاجة الثانية .
تبــاً للشــراب قالت لي روح الرفيــق وهي
تشي عنه أنــه بعد أن أغلــق الباب عليهــا من الداخـــل لم ينسى فسد خــرم
المفتاح بشريحـة بصل وفــق منهج وتعليمــات الـ ( كي . جي . بي ) القاضية بالتكتم
وضرورة التعمية على العدو وتضليله .
تقـــــول
أيضاً وهي تتصبب خجلاً .. لم أدري ما لذي حذا بصاحبي أن ينزع بنطاله وملابسه الداخلية
التي تخص الجزء الأسفل من جسمه فسألتها مداعبـاً إياها حتى لا تمل استجوابي الطويل
لها .. أن كيف تستقيم لها الأمور والنصف الأعلى
لم يُنزع عنه شيئاً ؟ فأفحمتني بعد أن عرفت أنني أقصد السترة رداً مفاده بأنها
تتدلى منها نياشين وأنواط شرف .. تلك التي
تزيد من قدراتنــا وتحسن أدائنا بشكل ملحوظ .. قالت أيضـاً أنها لا تعلم ما الذي
حدا به أن يتوجه مترنحاً صوب التابوت الملكي قافعاً بحربة الكلاشن غطاء التابوت
بعنف ملحوظ مبتدئاً بنزع التمائم والتعاويذ عن الجسد المسجى مُلقياً بها أرضاً دون
اكتراث ثم تحول ناحية الجسد النحيل مستهلاً بفك لفائف الحفظ مزيلاً عن الأميرة
المسكينة ما به تستتر .
نحــــن
أيضاً بصيغة الجمع تقـول أرواح الرفاق البلاشفــة المرافقة لحراسة روحه ساعة
مثولهـا أمامي : بأنها لا تعلم أي مكان حساس وصلته يـداه .. لا تعرف تحديداً عم
عـرّاه وما أبقـاه مستوراً قبل سقوطـه أرضاً .. اعترفت كذلك بأنها لم تفطن لسقوطه
إلا بعد ارتطام جثتـه الضخمة ببلاط حجرة منامــه والدوي الذي أحدثته ، أما غيبوبته
المفاجئـة فهي لا تدري مردها .. أ من هول ما شاهـده .. أم من جراء ما أفرط من شرب
؟ .
تقــــول القصة أن الكهنة اجتمعوا
ليلتها بمعبد زيوس غير أنهم اختلفوا فيما بينهم فيمن يستحق أللعنة .. بعضهم خصصها
للرفيق ( نيكيتا ) باعتبار هو من بدر عنه الفعل المشين .. الآخرين اختصوا بها نائب
الرئيس .. بعد أخذٍ ورد بين أرواح الكهنة حتى آخر الليل اتفقوا فجراً على مقاسمتها
بين الاثنين .
هــــذه
الواقعة لم ترد بالصحف .. أنكرها الإعلام الحكومي.. نفاها المعلق الفصيح صاحب
الصوت الجهوري .
بقيتها تقول أن لعنة الفراعنة قدمت من مكان قصي بالبرزخ
سالكة الاتجاه الممنوع لم تلقِ بالاً لوجود شرطي المرور .. لم تثنها صافرته .. لم
تُعر أي أحد أية وزن .. تخللت كل الأشياء التي في طريقها كونها أثيرية التكوين
فوصلت رغم زحمة المرور الخانق بالميعاد غير أنها انتقمت وعلى رؤوس الأشهاد فوق المنصة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق