الأحد، 6 نوفمبر 2022

فن الحرب أو الصن تسو

 



فن الحرب أو الصن تسو

 

خالد درويش

 

          هذا الكتاب الذي لا يزال يعرف في الصين تسو ،  وهي سلسلة صيغ جماعية مكتوبة منذ 2300 عام في منطقة شمالي الصين  وهو نص شكل الفكر الاستراتيجي لشرقي آسيا بكامله حيث قدم منظورا جديدا إلى حد بعيد فيما يتعلق بالصراع ، يمكن للمرء بمقتضاه إحراز النصر من دون المُضي إلى المعركة هذا النص يعرف في الغرب ب " فن الحرب " لكنه في الصين يسمي باسم مؤسس السلالة وهذا النص الشائق والممتع الذي ترجمه لأول مرة إلى العربية كامل يوسف حسين يوضح كيف ننتصر بلا عدوان ، سواء أكان صراعنا هائلاً أم محدوداً ، شخصيا أم قومياً وينص أحد أشهر مقاطعه على القول ( مئة انتصار في مئة معركة ليست بالبراعة القصوى أما إخضاع الآخر بلا معركة  فهو البراعة القصوى ) .

          إنها الحكمة العاملة والفعالة في طرق التعامل مع الصراع ، حيث يبدأ الصن تسو بإدراك هذا الصراع وأنه لا يتجزأ من الحياة البشرية فهو بداخلنا ومن حولنا وفي بعض الأحيان  يمكننا تجنبه ببراعة ولكن في بعض الأحيان الأخرى لابد لنا من الانغماس فيه بصورة مباشرة ، والكثير منا شاهدوا قوة العدوان المدمرة سواء على المستوى الشخصي أو في كوارث الصراع المسلح ، يوصي الصن تسو بأن يبدأ ردنا على الصراع من المعرفة بأنفسنا وبالآخر حيث يفيدنا في الفصل الثالث : وهكذا فإنه في صفوف العسكريين :

معرفة الآخر ومعرفة النفس

في مئة معركة مامن خطر

عدم معرفة الآخر ومعرفة النفس

انتصار لقاء هزيمة

عدم معرفة الآخر وعدم معرفة النفس هزيمة مؤكدة في كل معركة

كنت قد قرأت  كثيرا  عن  هذا  الكتاب ، فما  من  مؤرخ  إلا  وذكر  نتفاً منه مترجمة عن الكتاب الأصلي ، حيث ترجمه صمويل جريفنت عام 1963 تحت  عنون

( The  art of war  ) وكذلك ذاعت شهرته حيث إن هذه التعاليم تنسب إلى كونفوشيوس العظيم فالكتاب يقول  دائما قال المعلم وأخبر المعلم ، كما يتضمن تعاليم تاوية مميزة جلبت شهرة كبيرة لهذا النص الذي كتب على ألواح الخيزران أول ماكتب ثم تناقلته السلالات الصينية وذاع في العالم بالتأكيد اطلع على هذا الكتاب الكثير من قادة العالم والتاريخ فهو قيمة غالية وكنز ثمين ،و هذا الكتاب درسته الاستخبارات الأمريكية لجميع أفرادها بل واستخدمت مصطلحاته ذاتها فعندما ظهر اصطلاح " القوة الصلبة " و " القوة اللينة " في الدرامات الإستراتيجية الأمريكية تساءل الكثيرون عن مصدرهما بكثير من الحيرة لكن المعنيين بالدرامات الشرقية اكتفوا بالابتسام في صمت ، يقول الصن تسو .

اتخذ من الشجاعة سربالا

هذا هو تاو الحكم

احصل على الصلب واللين

هذا هو نمط الأرض

          والكتاب في تقسيمه الجديد ينقسم إلى تطبيقات فن الحرب ثم الجزء الثاني بثلاثة مقالات وهي أخذ الأشياء كاملة كطبيعة الأشياء والعلاقات والشبه وهي قوة الحاكم وسيطرته على الآخرين وقدرته على التأثير فيهم من بعيد، وبحلول عصر الصن تسو كان الناس قد بدءوا يدركون أن هذه القدرة ليست كامنة في شخص الحاكم وإنما في منصبه وكما يشير نص قديم.

الحّية المتوثبة تنطلق في النعمام

التنين المحلّق ينطلق على متن السحب

ولكن عندما تمضي السحب وينزاح الغمام

فإنهما يختلفان عن ديوان الأرض

          ثم يقابلك فصل ممتع عن القائد الحكيم إذ يترك له منهاج الداخل وهو ضبط النفس والتعقل ومعرفة الجوهر أما على مسرح المعركة فذلك يورد له جملة من التوصيات.

إذا لم ينتصر القائد على غضبه

وأطلق العنان لجنوده فاندفعوا كالثمالى

فإن ثلث ضباطه وجنوده يقتلون

والمدينة ذات الأسوار تظل مستعصية

هذه هي كارثة الهجوم

          الكتاب من أمتع ما قرأت فهو إضافة إلى الحكمة التي ينشرها بين دفتيه فكذلك تشترك سلاسة الأسلوب ورشاقة التعبير في شاعرية آسرة ومنهاج  لحياة الأشخاص ، فالعبارة تحتوي الكثير من المعنى، وللجميع أن يستخدمها يقول صن تسو :

لاتهاجم القوات اللماحة

لاتبتلع طعم الجندي

لاتضغط على الغزاة المجهدين

أفسح طريقاً للجنود المحاصرين

ولاتطاردهم حينما يصطنعون التراجع

ولا تواجههم عندما يكونون على تل عال

ولاتقصد لهم عندما يستندون إلى رابية

. . . . . . . . . .

استخدم القريب لانتظار البعيد

استخدم الراحة لانتظار الجهد

استخدم الشبع لانتظار الجوع

هذا هو مايعرف بتوجيه الأمر إلى القوى

لاتشتبك مع القوات حسنة التنظيم

لاتضرب التشكيلات المهيبة

هذا هو مايعرف بتوجيه الأمر إلى التحول .

 


ليست هناك تعليقات: