الجمعة، 4 يوليو 2014

رمضان في طرابلس 2011 طرابلس مدينة أشباح




خالد درويش

طرابلس مدينة أشباح ، أشباح تحوّم ليلا .. لم نتصور أن تكون ليالي رمضان الزاهرة بهذه الظلمة والقتامة ، أين هي لماتنا وسهراتنا وسمر الجيران ، وبنكهة المرارة والحزن استطعم أهالينا ساعات الصوم الثقيلة وساعات الإفطار الأثقل وهم يرزحون تحت ثقل طاغية مُبيد ، تعيث كتائبه فسادا في مدينة اختطفها كما يفعل المردة بالحسناء التي لا تطاوعهم فيحاولون كسر إرادتها بسجنها في أعالي الجبال في قصر موحش ليس فيه سوى صوره وموسيقاه وهتّافوه الذين يهتفون باسمه رغم أنه في قعر جحوره يتللص الهواء ويتحرك بصعوبة وعناء ،، مُطلقا في كل حين زعيقه الأجوف وأوامره الوحشية القاتلة عبر جهاز صغير يسمى "الراديو" ملك الملوك أصبح مجرد "تسجيل" صوت دون صورة ، حفرٌ كثيرة في طرابلس ومسارب تؤدي إلى مسارب كلها للاختباء والتخفي ، فتارة  يقفز إلى مدرسة أطفال وتارة إلى بيت مهجور وتارة إلى مستشفى ولادة وأخرى إلى حديقة حيوانات أو بيت متواضع في حي شعبي أو في دار الأيتام وغيرها من الحفر التي ظل طيلة فترة انقلابه يمهد طرقها تحت الأرض استعدادا لأيام محنته هذه مما جعل أرضية طرابلس "مترو انفاق" غير معلن .
انتشرت ظاهرة السرقة بالإكراه ودخول "المتطوعين" إلى البيوت وسرقة المجوهرات والمال هذا عدا قبضهم أي "المتطوعين" مبلغا معينا على كل "راس" من الثوار يسلمونه إلى الجهات الأمنية  التي لا تتردد في تجريده من كل شيء وإيداعه في مكان غير معلوم خصوصا بعد أن امتلئت السجون المعروفة مثل ابوسليم وعين زارة والدريبي وغيرها ، فاخترعوا سجونا أخرى كالحاويات وفلل الأزلام و المزارع  و"البدرومات" وغيرها مما يسجن فيه الناس ، دون أدنى رحمة أو شفقة في هذا الشهر الكريم . خافت الأمهات على أبنائهن والأباء على بناتهن وأغلقوا أبواب بيوتهم جيدا ، ومن كان عنده بعض المال أو من كانت لديها بعض الحلي والمجوهرات فقد دفنتها في فناء بيتها أو في مكان معلوم كي لا يستولي عليه الأوباش "جنود الاحتلال".
القصف في ازدياد وفرقعات قوية تهز العاصمة ، اليوم الخامس من شهر اغسطس "رمضان" وقوات القذافي تتهم الثوار بإغلاف أنبوب نفط رئيسي جهة الرياينة ، أما الخبر الذي أسعدنا وأثلج صدورنا فهو خبر مقتل "خميس" الابن الأصغر للقذافي في غارة لقوات التحالف على مدينة "زليتن" ليخرج علينا اللمبي كما نسميه هنا  أو موسى ابراهيم نافيا الخبر مؤكدا أنها أنباء كاذبة وأنها حيلة رخيصة للتغطية على مجزرة ماجر .. مع العلم أن ثوار مصراتة يسابقون الريح في تقدم كبير وملحوظ نحو "زليتن" القريبة منهم . لكن ما يمنعهم هو الجوار وأواصر القربى وأنهم لا يريدون دخول المدينة بالقوة بل من خلال أهلها .. وما حدث لمدينة زليطن هو ما حدث لعديد مدن الغرب فقد وصلتني فيديوهات وقمت بتوزيعها لانتفاضة المدينة منذ الأيام الأولى لثورة فبراير لكن أزلام الطاغية أمثال "أبشير" وغيره من القتلة هاجموا الثوار وسيطروا على المدينة بقوة القمع .
 في هذا اليوم  تلقينا رسالة تأييد مضحكة من الثائر الأممي تشافيز إلى أخيه في النار بعث بها إلى القذافي يقول فيها : ليحفظك الرحيم ويبارك لك وللشرفاء من شعب ليبيا أعانقك بحرارة مع مشاعر الأخوة متمنيا لك طول العمر يا أخي لأنك ستحيا وستنتصر" يستر الله ؟؟ الطغاة يساندون بعضهم البعض فنزويلا هذه التي هي نسخة أخرى من سلطة الشعب ومن الثوار الأمميين والعالميين وصلي عالنبي يا مصلي ..يا سي شافيز .. خذه عندك وأرحنا منه ومن بلواه .
اتصل بي صديق من الزاوية ليخبرني أن المدينة تستعد على أحر من الجمر لاستقبال الثوار وأن ترتيبات كبيرة سبقت ذلك طبعا كان الحديث مشفراً ، فعلمت أنها عملية تموين بالسلاح ، ثم جاءنا الخبر بأن الثوار يسيطرون على قرية "بير الغنم" وهي ليست بعيدة حوالي 85 كيلوا متر عن طرابلس .. جوك الثوار يا هووووه .. طرابلس لا زالت تكتم فرحتها برغم المواجهات التي حدثت الليلة في طريق السبعة وتفجير إحدى التندرات المشئومة .
ارتفاع الاسعار يطال كل شيء أما "الخضرة الرقيقة" مثل المعدنوس والشبت والسلك والبصل وغيرها فقد شحت وشاطت فيها النار" أحد التجار حين سألته عنها قال لي أنها كانت تأتي من مدينة الزاوية ، والزاوية وين يا حسرررة ؟ بعض المزارعين ممن كان يزرعها في مزرعته الخاصة ويتحين هذا الموسم لبيعها صرخ بي : لا ضي لا امية ؟ يعني لا براك ولا دولمة. سوق العاشوري يشهد أقبالا رهيبا من الناس التي تتمون في هذا الشهر الكريم ولقد شهدته في بداية الحرب والناس تدخل إليه فزعة لتشتري كل شيء وأي شيء وتحاول تخزينه ، وهاهي تفقد ما خزّنته من لحوم ودجاج بسبب تعفنها في الثلاجات للانقطاع المستمر للكهرباء فوالله قد مررت بمحل للحوم والدواجن يتصدق بالدجاج لكي لا يفسد في محله ، على الأقل يأكله أحد ما .. هذا البوار في الأسواق الكثيرة ، لكن سوق العاشوري اللهم لا حسد وكأنه على صلة بالجنة وبما لذ فيها وطاب كلما فرغ قليلا تجد الرفوف تُرص من جديد بالمزيد من المعلبات والأطعمة ،، انتشرت في طرابلس سيارات كبيرة تبيع الماء المعلب وتبيع العصائر والحليب بسعر مخفض ، ولكن في عبوات صغيرة ، ويقف الناس طوابير طويلة للحصول على الحليب والماء قيل أن هذه المواد مواد إغاثية او أنها مواد أرسلت بها منظمات أهلية عن طريق المنافذ البرية واستغل التجار هذه المواد (ولقد رأينا نفس التجار وهم يبيعون مواد الإغاثة بعد تحرير طرابلس) أي أن التجار لا دين لهم إلا المال لا يفرقون بين سادة ومخطط ولا بين دلاعة ونعناعة .



ليست هناك تعليقات: