الجمعة، 4 يوليو 2014

وهو يحتفل بالسبعينية في مكتبة الإسكندرية حجازى يعترف: أمل دنقل تفوق علىّ في شعر المدن





مصطفى عبدالله
نشر بالشمس الثقافي

كأن المخرجة عطيات الأبنودي استطاعت أن تقنع أمل دنقل بالعودة من جديد إلى الحياة، لينضم إلى أصدقائه ويرجع إلى أهله ويلتقي بأحبائه الذين تجمعوا في مكتبة الإسكندرية قبل أيام ليحتفل معهم بعيد ميلاده السبعين.
 أطل عليهم صاحب الكعكة الحجرية من فوق فراشه الأبيض فأنصت الجميع إلى "حديث الغرفة رقم 8" الفيلم التسجيلي الذي أخرجته عطيات في 1990، لتحفظ لنا جانبا من حياة هذا الشاعر العظيم قبل أن يغيبه الموت فيصبح أثرا.
فيلم بالغ البساطة لم يزد على مجموعة لقطات ثابتة لأمل وهو يلخص محطات عمره ورؤيته للشعر في مقابل والدته التي جلست في قرية "القلعة" مسقط رأسه بمحافظة قنا في صعيد مصرلتتحدث عن طفولة ابنها وقراءاته، قبيل نزوحه إلى القاهرة والإسكندرية، إلى جانب عدة مشاهد تجمعه بـمبدعين ونقاد كبار وهم يزورونه في غرفة مرضه الأخير: جابر عصفور، وعبد المحسن طه بدر، وعبد الرحمن الأبنودي، وكذا طبيبه وزوجته عبلة الرويني التي جلست تحدثنا في احتفالية مكتبة الإسكندرية بعيد ميلاده السبعين قائلة: تصوروا ..لم يحتفل أمل بعيد ميلاده سوى مرة واحدة وأخيرة، فهو جنوبي  لا يهتم بهذا الطقس الاجتماعي، لكن الدكتور جابر عصفور ذات مرة أصر على ان يصطحبه  في سيارته ليتجول في شوارع القاهرة في وقت اشتد عليه المرض، وكان هذا أول وآخر ا احتفال بعيد ميلاده.
 لكنه كان دائما يحتفل بميلاد القصيدة ، فقد كان أحد المعتدين بموهبتهم و لم يكن يحب قراءة أشعاره، وإن كان أحيانا ينشد أشعار حجازي وعبد الصبور وهو يستعرض ذاكرته الحديدية. 
وتضيف:لم ينشغل أمل أبدا عن الشعر بأي فن آخر،  ولم يكتب سوى أربع مقالات كانت  اثنتان منهما عن الشاعرين  صلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي.
وتشير زوجته أنه لم يكن يمتلك منزلا في القاهرة وتنقل بين منازل أصدقائه، وبالتالي لم تكن لديه مكتبه لكن أربعة كتب ظلت تلازمه، أولها القرآن الكريم. وكان منشغلا بقراءة التاريخ. وذكرت أن  قصائده أثرت في كل الشعراء حتى المناهضين .
ويكشف شقيقه أنس دنقل السر في نزوحه إلى القاهرة عندما يقول: كان أمل يضيق بالقرية ويرى في الريف لون السذاجة ، وفي المدينة صورة الأب الشاعر ويعتبرها رمزا من رموز المعرفة في عالم أكثير تعقيداً.
 وقد أورثه اليتم التمرد على كل أشكال السلطة والقمع ، ورفض سلطان العائلة و كره الضعف والضيق من الشكوى وهو ما يعكسه في شعره.
واختار الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة أن يركزعلى بناء القصيدة عند أمل دنقل وكيف أنه تفوق عليه وقال :
 أجده اهتم بموضوعات اهتممت بها لكنه أبدع فيها إبداعا خاصاً فأقرأ قصائده عن القاهرة أو الإسكندرية فأحسده و أتمنى لو كنت كاتبها. 
ويضيف: أمل كان مفتوناً بأصوات اللغة، فلا يمكن أن يفسر شعره بعيداً عن الصوت. 
وقد ألمح صاحب "مرثية العمر الجميل" إلى أن دنقل كان شديد الاهتمام بالتفاصيل وقرأ أبياتا من قصيدة "أيلول" مشيراً إلى أن أمل استخدم فيها تقنية:الصوت والجوقة الخلفية. 
وعن شجاعة مبدع"لا تصالح"يقول الناقد الدكتور أحمد درويش: أمل لم يكن يخاف الموت كان يدرك أن كفة الشاعر في الموازين أثقل منه. فقد روض وحشة الموت ومن هنا جاءت لحظة اللقاء هادئة وادعة ، فلم يعترض رحلته إلا اعتراضاً فاصلاً بين النوم واليقظة.
إن أمل لم يمت ولكنه صعد، على حد تعبير اختاره وهو يواسي ابتة صديقه، ورفيق رحلته من جنوب الوادي إلى قاهرة المعز، يحيى الطاهر عبد الله، الذي سبقه إلى الصعود:
"ليت أسماء تعرف أن أباها صعد..لم يمت
هل يموت الذي كان يحيا، كأن الحياة أبد
وكأن الشراب نفد
وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الذبد
عاش منتصبا، بينما ينحني القلب، يبحث عما فقد"
وأكد أن أمل استطاع من خلال موهبته الشعرية الجبارة وثقافته الواسعة وحاسته النقدية أن يفلت من دوائر التشابه، وكانت له خصائص شعرية مميزة  في عصر الإنتاج المتشابه.
كما أنه الوحيد الذي أحدث توازنا بين الإطلاق والتقييد، وخطت تجربتة خطوات هامة بالنسبة لشاعرية التصوير جعلت قصيدته تقف في مرحلة وسط بين التأملية والسردية ، فقد أتاحت متعة رأسية وأفقية في آن واحد. 
وأوضح درويش أنه إلى جانب الخيط السردي يوجد الحوار الدرامي، كما تنخلع على قصائد أمل آثار التصوير السينمائي لشاعر اتسعت معه حتى أمكن أن تتحول إلى عمل سينمائي، وهو حال قصيدته" نافورة حمراء"
 وقد أولى المايسترو شريف محيى الدين الاحتفالية اهتماما خاصا تمثل في تلحين 11 قصيدة من شعر أمل غنتها زوجته السبرانوالشهيرة نيفين علوبة بمشاركة الفنانين:محمد أبو الخير (تينور)، أشرف سويلم (باريتون).


 وقد تحدث عن تجربته مع تلحين أشعار أمل بقوله: المفاجأة أنني وجدت الشعر محتويًا على لحنه ومتدفقًا بموسيقاه؛ خلافا لما توقعه الجميع، وانطلقت في رحلة التلحين حتى اكتملت النصوص الملحنة أحد عشر نصا استمتعت غاية الاستمتاع باكتشاف طاقاتها الموسيقية الثرية الصافية.


ليست هناك تعليقات: