الجمعة، 4 يوليو 2014

مختارات في الحب والحرية






أحمد الوحيشي

الإنسان يفني حياته من أجل أن يمتلك جناحين، وبعد أن يمتلكهما يغرسها في التراب على شكل إسمنت وحديد  ......

بهذا القول للـ " المنبت " بدأ الشاعر الليبي خالد درويش أولى اختياراته في الحب والحرية، في 237 صفحة من الحجم الصغير من منشورات اللجنة الشعبية العامة للثقافة " المؤسسة العامة للثقافة حاليا " .

هذه المختارات التي أهداها الشاعر إلى الدكتور خليفة التليسي في روائعه، لم يأت فيها بجديد حسب قوله، فهو فنّ أتقنه أوائل المؤلفين العرب وبرعوا فيه، حتى اغتنت المكتبة العربية بالعديد من المختارات على غرار الأمالي والأغاني، وكثيرون دخلوا هذا الفن، فكانت " الأمالي لأبي على القالي " والشجري وحماسة أبي تمام والصنوبري وكتب انتقت للذاكرة التراثية منتخبات من عيون الشعر والأخبار، فجاءت مزدانة بهذه الروائع في المفضليات والأصمعيات، ثم كتب عنيت بالذائقة الشخصية في قديم الزمان وحديثه ومنها كتاب روائع الشعر العربي .

ويقول " درويش " بأن هذه المختارات عبارة عن رحلة طويلة مع الكتب، منذ أول كتاب قرأه في حياته، ليسرد قائلا بأن ذاك الكتاب أتذكره جيدا، بل أحفظه عن ظهر قلب، حيث وجدته مرميا في ساحة المدرسة، لأنه من عادة المدارس في آخر السنة أن تلقي بالكتب الفائضة ليقوم الغفير بحرقها لاحقا .

في ذلك الوقت، كنت ذا اثنتي عشرة سنة، فقرأت حينها أول كتاب لي وكان بعنوان " مقتطفات من كتب الأدب العربي "، ومن عادتي حين أقرأ أي كتاب أن يكون بجانبي قلم، فإذا مررت بجملة فيها فن وإبداع، قوّستها وكتبت رقم الصفحة في آخر ورقة منه ، لأعود إليها مرة أخرى وأنسخها في دفتر خاص، يقول الشاعر ..

ومنها تجمعت لي على مدى عشرين عاما من القراءة عديد المختارات، فقد كان الإبداع الجميل والفن مخزون ذاكرتي الشعرية وثقافتي بسبب الكتب التي تأثرت بما فيها، هذه الكتب التي كانت سلوانا ومنّا .

ومن ثمّ يستطرد الشاعر في مقّدمته عن هذه المختارات، بأنه في مرحلة أخرى ارتبط بالكتب كمصدر للرزق يبيع الكتب المستعملة والجرائد والمجلات، فحينها انفتح لي كنز عظيم، فكانت الكتب تأتيني بسعر زهيد فأشتريها وأقرؤها ثم أبيعها، ولكن لا زلت حينها أختار عدداً مما يعجبني من فن وإبداع .

و يضيف " درويش "، بأن الكتاب الذي شكل جزءا من حياته الشعرية والثقافية، هو كتاب "من روائع الشعر العربي" للدكتور " خليفة التليسي "، الذي غطّى مساحة شعرية لم أكن أعلمها حينذاك .

فكل كتاب هو مفتاح، مفتاح باب تدخل منه إلى عالم يقذف بك إلى عالم آخر، فلربما أيها القارئ الكريم يقع بصرك على بيت جميل في هذه المختارات أو مقولة أو حكمة التي هي ضالة المؤمن، فتحفظها وتعمل بها وتعلّمها غيرك، فتشيع الجمال والحكمة وهذا غاية المأمول، يقول الشاعر .

ويختم بأن هذه المختارات هي نزر يسير من تلال أخرى، وفي هذا الجزء لم أثبت أجمل شيء ولا الكثير الكثير، واقتصرت عل سياقات الجمال البريء والحرية التي لا تصدم بشاعتها أحدا .

وحوت هذه المختارات عديدا من الحكم والمقولات في كل فن وإبداع، شعر و نثر، قصة ورواية، مقالة أو مجرّد وقائع وقعت .

ومن هذه المختارات في الحب قول " كبلنج " ( حب المرأة لا يعترف بالمعاهدات أو التقاليد، إنه لا يعترف إلا بعود الثقاب الذي يحرقه ) .

وأخرى في الحرية، قول " " مارك توين " ( إن تاريخ البشر واخر بتلك اللصوصية الغادرة التي تنتحل دوما ثوب الهدف النبيل، إن قصة البشر لا تعدو أن تكون سردا موجزا لقصة سفك الدماء ).

وقول " بشير المجذوب " ( تباركت الغربة على ما فيها من ضيق وقلق وأسى وتمزق، لولاها لما عرفنا بعضنا من حقيقة أنفسنا ومكان أوطاننا منا ومدى تأصل البشرية فينا ) .

وفي البحث عن الزمن لـ " أندريه موروا "، يقول ( عبثا نعود إلى الأماكن التي أحببناها يوما، والتي لن يتاح لنا رؤيتها مرة أخرى على الإطلاق، لأنها كانت تتموضع ليس في المكان وإنما في الزمان، ولأن الشخص الذي يحاول اكتشافها لم يعد الطفل أو الشاب الذي خلع عليها وهج عواطفه ومشاعره ) .

في هذه المختارات التي تتجاوز المائة وثمانية مما جمع الشاعر طيلة 20 سنة كيفما قال، نجد عديدا من الأقوال والحكم التي نتجت جرّاء مواقف وأحداث ألمّت بقائليها، فجمعها في كتاب واحد سهّل المهمّة على من يريد الإطلاع والاستزادة بحكم تفيده في دهره وتنير له طريق الإيمان .

يذكر أن الشاعر " خالد درويش " متحصل على ليسانس في اللغة العربية وله عالديد من المؤلفات منها كتابه (أنا الليبي متصل النشيد ) عن دار الحضارة العربية، وديوانه ( أنا من راود التحنان يا كوب ) عن مجلس الثقافة العام، هذا وقد ترأس الشاعر عددا من الأقسام والملاحق الثقافية في العديد من الصحف والمجلات، وله عديد المشاركات في المهرجانات والأمسيات الشعرية والثقافية، إضافة إلى مشاركاته الشعرية في عدد من المجلات الثقافية العربية .

  

ليست هناك تعليقات: