الجمعة، 4 يوليو 2014

الشاعر البحريني الكبير، الدكتور علوي الهاشمي




نشر بالشمس الثقافي
حوار جميل حمادة

الشاعر العربي البحريني الكبير علوي الهاشمي، من مواليد عام 1946، يعتبر واحدا من أهم الشعراء العرب في العقود الثلاثة الأخيرة ، صدر له العديد من المجموعات الشعرية والدراسات النقدية، وكتابات في النثر، خاصة بعد حصوله على درجة الدكتوراه في النقد الأسلوبي البنيوي من الجامعة التونسية، ونسجل هنا أن الجماهيرية الليبية نشرت له عبر المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان مجموعته التي كانت الثانية له: "العصافير وظل الشجرة" عام 1978، بعد مجموعته الأولى "من أين يجيء الحزن عام 1972. أما أعماله الأخرى فهيمحطات للتعب 1988 –  ما قالته النخلة للبحر 1981 –شعراء البحرين المعاصرون 1988 – قراءة نقدية في قصيدة حياة لعلي الشرقاوي 1988 – "السكون المتحرك" ثلاثة أجزاء، "بنية الإيقاع"، "بنية اللغة"، "بنية المضمون" عام 1992 – "التفكير الحضاري في البحرين" عام 2006 – "فلسفة الإيقاع في الشعر العربي" 2006 – "ضفتان لنهر واحد"، مقالات بين النظرية والتفعيلة في الشعر البحريني 2006 –  "ظاهرة التعالق النصي في الشعر السعودي الحديث"، عام 2003- "ظاهرة شعراء الظل في السعودية " تحت الطبع ". وقد تقلد الشاعر الدكتور علوي الهاشمي العديد من المناصب المهمة في البحرين، مثل عميد كلية الآداب، البحرين من 1998 – 2001، ثم نائب رئيس الجامعة من 2001 – 2006، ثم يشغل الآن منصب أمين عام مجلس التعليم العالي في البحرين.
وقد سعدنا بلقاء الدكتور علوي الهاشمي على هامش الدورة الرابعة والعشرين لاتحاد الكتاب العرب بسرت، دورة القدس، وكان لنا معه هذا الحوار الذي نزعم أنه على درجة من الأهمية رغم بعض التحفظات التي تبدت لنا أثناء محاورته، وإليكم نص هذا الحوار :
                        حاوره: جميل حمادة
* دكتور علوي؛ كيف تنظر الآن بعد كل هذا الجهد والإنجازات والمؤلفات والتجارب  إلى الشعر ومكانته؟
لا أراه  اختلف، طوال الوقت أراه في نفس مكانته في الحياة العربية، صحيح صارت تنازعه فنون أخرى، وصارت مساحة الشعرمتقلصة أمام مساحة الرواية  المتنامية .. وهناك أسباب كثيرة منها  تعقيدات العصر التي تناولتها الرواية بتفاصيلها الكثيرة، والرواية ركبت منجزات "المالتيميديا" والتكنولوجيا والشعر مازال مرتبطا بالحركة الإنسانية .. البداية كانت بصفته "ديوان العرب" وتاريخهم؛ وفي الأخيرة أخذ الشعر يتخلص من وسائله الأخرى غير الشعرية كالوسائل الإعلامية وصار ينزع نحو وظيفته الخاصة؛ الاهتمام باللغة الشعرية نفسهاوفي قصيدة النثر، يقوم على المجانية؛ وهي أن تكتب وأن تأخذك القصيدة إلى ما تأخذك إليه دون أي هدف " كما تقول سوزان برنار. وصارت تتميز بتكثيف العبارة، ولم تعد تهتم بعملية التواصل نظراً لأنها أفرغت منها كل الرسائل التواصلية .
* برغم أن العالم - كما يقولون - صار قرية صغيرة بفعل التكنولوجيا ووسائل الإتصال الحديثة وثورة المعلومات إلا أن العلاقات العربية الثقافية البينية هشة..! فلماذا ؟
- هي أمور سياسية كما أتصورها أكثر من كونها ثقافيةفما يصنع الحدود بين المثقف والمثقف على الخارطة العربية هي الظروف السياسية والإختلافات بين نظام وآخر، وهذا يعرقل عملية الإتصال وتطويرها بين الشعوب أو الشعب العربي الواحد  الذي صار يقسم إلى شعوب بسبب التقسيمات السياسية فتصبح المعوقات كثيرة. أختبر ذلك وأتحسسه عندما يسافر أحدنا من بلد عربي إلى آخر، وما يعانيه خاصة على الحدود البرية أو في المطارات، أو ما يتصل بالتأشيرات و"الفيز" وما شابه. الكتاب هو جزء من هذه العملية، بالإضافة إلى أنها تنطوي على فكر قد يتعارض مع الأيديولوجيا التي يؤمن بها هذا النظام أو ذاك، فيكون المنع أو الحجر مضاعفا..
د. علوي؛ هل هناك أزمة تواصل ثقافي أم سياسي بين دول المشرق والمغرب العربي في اعتقادكم؟!
هو تقريبا ينطبق عليه ما قلناه في جوابنا على السؤال السابق، بالإضافة إلى البعد الجغرافي نسبيا، وعدم إنسيابية الحركة التواصلية والتنقلية، فوصول المشرقي مثلا إلى أوروبا أسهل بكثير من وصوله إلى المغرب العربي والعكس صحيح.
ترى ما مدى تأثير العولمة والصورة على مكانة الشعر العربي لدى المثقفين والعامة على حد سواء..؟
هي الصورة في الواقع خدمت السرديات كثيرا، فقد خدمت الرواية بشكل خاص، هذا الجنس الأدبي الذي استفاد من تطور تقنيات الصورة، رغم أن الشعر في مراحله الأولى المتطورة راح يحاول الاستفادة من الصورة في بنية النص الشعري، سواء الصورة الفوتوغرافية أو المرسومة أو الأشكال الهندسية المختلفة، لكن سرعان ما بدأت هذه الموجة التي قادتها مجلة شعر، ومجلة مواقف، تتراجع قليلا قليلا إلى أن وصلت إلى الاعتماد على الصورة الشعرية المجردة، أي عادت إلى ينابيعها الشعرية التفعيلية
هل تراجع المثقف العربي عن دوره الطليعي في هذه الألفية الثالثة؟
هو حقيقة تمت محاصرة المثقف الطليعي، خاصة أثناء سعي الولايات المتحدة والرأسمالية العالمية عبرها، وأوروبا لإسقاط الاتحاد السوفييتي. والمثقف أيضا يلام كفرد وكقوى سياسية، خاصة حين ينتقل أو يتحول 180 درجة من اليسار إلى اليمين أو من الطليعية إلى السلفية، في الوقت الذي كان ينبغي عليه أن يقاوم أو يؤصل قناعاته الطليعية في مواجهة هذه الهجمة التي كانت تستهدفه من قوى الرأسمالية والدينية/ السلفية
دكتور علوي؛ كيف تقيم المشهد الشعري .. بل والثقافي عموما في دول الخليج العربي؟
هو نفس المشهد العربي كجزء منه، وينطبق عليه ما ينطبق على الشعر العربي، وإن كان هذا المشهد مظلوما ظلما بينا، نظرا لما يقع عليه من تفسيرات غير ثقافية تسقط ظلالها الطويلة على الصورة الثقافية، فالخليج دائما يربط بالإعلام، وعند المثقفين العرب يشاع بأنه نفطي، وأن ثقافته ثقافة إستهلاكية، أي أنه لا توجد به ثقافة حقيقية، وأحيانا ثقافته متخلفة بدوية تحكمها علاقات القبلية والعشائرية وثقافة الصحراء، وهنا يكمن الظلم الواقع على المشهد الثقافي، والشعر جزء من هذا المشهد، وإذا كان هذا مفهوما ومبررا في زمن الاستعمار الذي كان يعتم على الاتجاهات الثقافية المتصلة بالحركات الوطنية أصلا، والموجهة ضد الاستعمار، لذلك كان يعتم عليها، لكن هذا غير مقبول في هذا الوقت الذي انقلع فيه الاستعمار عن المنطقة ونالت دول الخليج استقلالها، وصار لها إعلامها ومثقفوها.. الذين لا تقل مستوياتهم عن مستويات زملائهم وأقرانهم في بقية أقطار الوطن العربي
كيف وجدت هذه الدورة بسرت لاتحاد الكتاب العرب؛ دورة القدس؟
أنا أرى الدورات القديمة لاتحاد الكتاب والأدباء العرب عبر المؤتمر والمهرجان الشعري كانت أقوى بكثير من الدورات الجديدة، الدورات التي حضرتها في مقتبل السبعينيات من القرن الماضي كانت ذات مستويات عالية، وكان يحضرها كبار الأدباء والشعراء والباحثين والمفكرين الذين يشكلون رموزا أساسية في كل بلد عربي
كان للشعر العربي في العقود الماضية دورا نضاليا وحماسيا مهما في العالم العربي، ترى هل تراجع هذا الدور أم اختفى تماما؟
- تحدثنا في أحد الأسئلة السابقة إلى أن الشعر بدأ ينتهي إلى وظيفته الشعرية السابقة، وهذا يعني أنه تقل فيه الرسائل التي يوصلها إلى جهات مختلفة، كالرسالة الاعلامية أو السياسية أو النضالية أو الأيديولوجية، فهذا يعني جعل الشعر يتكثف ويشتغل في منطقته الخاصة ويدعو الآخر إلى دخوله، ولا يهتم هو بالخروج إليه.
ترى ما هو ذلك السحر الهائل الكامن في كون المرء شاعرا .. أو مثقفا؟!
أنا أعتقد أن ذلك يعود لعقدة نفسية مترسبة من أزمنة كان للشاعر فيها دور ذهبي في التاريخ العربي، فحين كان ينبغ شاعر لقبيلة ما تتوجه كل القبائل لتهنئة تلك القبيلة، بالإضافة إلى أن الشعر كان ديوان العرب، يجمع كل علومهم فيه، ويتناقلونه بالرواية ويفخرون به، ولم يكن لديهم فن آخر سواه. لأجل كل ذلك صار الشعر والشاعر قبلة الناس في التاريخ العربي، لأنه من خلال الشعر يستطيع الانسان/الفرد والقبيلة أن تدافع عن نفسها، وأن ترفع من قدرها بين القبائل، وأن تهجو سواها من القبائل، وعلى قدر نبوغ الشاعر وقوته في المدح والهجاء والفخر تكون قوة القبيلة وهيبتهافي الوقت الحاضر نجد ترسبات هذه العقدة واضحة عند كثير من الشخصيات التي يكون أصحابها أغنياء أو أثرياء كبار أو مهندسين أو أساتذة جامعات، أو أي شيء آخر رفيع الشأن، ويصر على الشعر، وليته يتجاوز قدر الشويعر الناهض، بل ويصر على أن يكون شاعرا، حتى ولو بقيمة شويعر، وأكثرهم يتضرر جانبه الايجابي فيما يتقنه بهذه العقدة التي ورثها ولا يتقن منها شيئا كالذي يتقنه في المهنة الأخرى.
في اعتقادكم ماذا فعل المثقفون العرب لرفع الضيم والحصار عن شعب غزة؟
لا يستطيع المثقف أن يفعل شيء، ماذا يفعل المثقف؟! كثيرا ما تجد فيما يلقى على عاتقه أشياء لا تخصه، أللهم إلا أن يعبر عن غضبه فيما يكتبه من خطاب سواء كان شعريا أو نثريا، وقد فعل ذلك المثقفون العرب. والمشكلة في هذا السؤال الذي يفصح عن، أو يربط علاقة المثقف بأي حدث كحدث غزة، فالأحداث السياسية عادة ما تجعل المثقفين يتشظون في رؤيتهم ونظريتهم ورؤيتهم، فكل حدث هو تكسير لا تجسير في المرحلة الأخيرة، خاصة مراحل التكسر الأيديولوجي العربي التي نعيشها في المرحلة الأخيرة، وغزة مثال صارخ على ذلك، إذ أن السياسي صار يجر الثقافي وراءه، وعربة السياسي مشروخة، مما يضطر مثقفيها/ راكبيها من المثقفين بهذا الشرخ البنيوي للهروب من السياسة.
ألا ترى معي أن هنالك تراجعا كبيرا في حركة النقد الأدبي العربية بالمجمل؟
أنا ممن يؤمنون بأن النقد هو جزء من عملية الابداع، وهو يشكل الجاذبية الناتجة عن دوران حركة الابداع/ والإبداع. وإذا كان ما تذكره صحيح بأن هناك تراجع في النقد، فذلك يعود في نظري إلى ضعف الحالة الابداعية، وإلا فإن كل دوران ينتج جاذبيته..!
* طيب صحيح، هناك نقد ولكن قليل بالنسبة لحجم النتاج الابداعي..!
- أنا لا أرى معك ذلك، ومع ذلك هناك اختلاف في الرؤية تجاه هؤلاء الشعراء. أنا أتصور أنه يوجد نقد يساوي الحركة الابداعية، يعني مثلا درويش تم تناوله، أدونيس كذلك، أمل دنقل تناوله نقاد عديدون.. وهكذاالتراجع.. أنا أفهمه بعد هؤلاء الرواد، أي منذ ما يقرب من 15 عاما؛ هو صحيح حدثت أشياء في الواقع الثقافي شظت هذا الحراك ووزعته على عدة جبهات، وأنا أتصور أن هؤلاء الرواد قد أخذوا حصتهم من النقد، وأهم من ذلك أن جاذبيتهم وحيويتهم الابداعية لم تخلق جاذبيتها فقط، وإنما صنعت أيضا نقادا كبارا مثل جابر عصفور، عبد القادر القط، صلاح فضل، إحسان عباس، عزالدين إسماعيل، المسيري..إلخ.
ترى ما هي آخر كلمة تحب أن تقولها للقارئ أو المثقف الليبي والعربي؟ 
أتمنى أن يكون المثقف العربي أكثر صدقا وجدية وحبا لدوره، وأن يبتعد عن الشللية التي هي نقيض الثقافة أصلا، ولا تنسجم مع مبدأ الحوار والتعددية والإيمان بالحرية والديمقراطية والفكر وحرية التعبير. كما أدعو المبدعين من هؤلاء المثقفين وخاصة الشباب إلى أن لا يستسهلوا عملية النشر والاعلام ويقعوا في مصائد الماكينة الاعلامية التي تطحن بأتراسها كل من يتقدم حولها أو يقترب إليها بحجة صلاحية النشر

                          

ليست هناك تعليقات: