الجمعة، 4 يوليو 2014

يكفي من الشعر.. يكفي من الهبلكة




خالد درويش- خاص ليبيا اليوم
الاربعاء 24 مايو 2006

 (1)   
صرت مؤمنا جدا أنني يجب أن أتوقف، أن أتخذ خطوة قبل أن أخرج من نفق الثقافة المظلم الشائك المتشابك، وأن أعيد حساباتي من جديد  علّني أجد متسعا من القنابل اليدوية  أزرعها في مسام جسدي وأنفجر، قبل أن أتحلل إلى رماد لا ينفع ، رماد  محترق  كبصقة طازجة.   
يكفي من الشعر ربما لأن نبعي جف !   
ربما لأنني لست شاعرا بالأساس    
يكفي من الغناء لأن 
قيثارتي منقطعة النشيد    
يكفي من الشعر لأن البلاد التي نحبها 
استدارت وامتلت قيحا. 
أو ربما نحن الغارقون مليا فيما لا يليق ..   
أشعر باللاجدوى،، بالعقم   
بما لا أستطيع إلا أن أنزوي    
خلف جدار ربما أو مكنسة ألقط ما تناثر
من عمر تبدد خلف الكلمات   
(2)  
أيتها العاهرة يا قطة  تموء في وجوهنا بقسوة   
فليعذرني أصدقائي وأصحاب النبوءات 
الخاسرة  
الذين راهنوا أنني سأصبح شاعرا كبيرا  
أيها الحمقى لقد راهنتم على الحمار الخاسر.  
لقد راهنتم على (خالد درويش) الذي يهز رأسه الآن كأنبوبة بوتجاز فارغة 
ولقد ربحت يا أبي،، أيها الحاذق في  كسر مجاذيفي دائما كأنني ابن الجيران الأفارقة ..
لقد ربحت يا أبي .. لم ينفعني المتنبي ولا ساسوكي ..  
كم كنت أحتقرك حين تقول لي : ألبس جرد  يا ولدي وامشي احصد الزرع  وفكك من الدوة الفاضية.  
لقد ربحت يا أبي  فها هو عدوك الأول الشعر يغادرني،، فقهقه ملء فمك   
لقد خسرت ،،،،،   
يحرقني أن أستدبر ما صنعت  وما كتبت وما سهرت من أجله ليالي جائعا ومطرودا تحت صقيع طرابلس وأمام بيتنا المغلق في وجهي وأنا أرتجف وقصيدة تراودني حتى الصباح تدفئ عظامي الرديئة الصنع ،،  
فما أن تشرق الشمس ويطرق سمعي طابور الصباح بـ( مدرسة الفاتح للبنات)   
وتصبح الدنيا غناءا ،، غنائي بتلك القصيدة الوليدة 
حتى أعود وكأنك يا بوزيت ما غزيت.   
(3) 
كم يؤلمني أن أطوّح بالليبي متصل النشيد تلك التي رويتها بدمي   
وأغرق في تفاهات الأيام في مطاردة الذي يأتي ولا يأتي
في القتال الحادّ مع طواحين الهواء الليبية الضاحكة في وجوهنا.
يؤلمني أن أبصق هذه الدواوين التي أبدعتها 
والمقطّعات التي نحتها بدمي ودموعي وطاقتي .
يؤلمني أن أترك الصفوة وفنجانها اللذيذ
يؤلمني ألا أكمل مشروعات الكتب التي بدأتها    
وسلسلة الأدب الليبي  التي حلمت بها ،، 
ومختارتي في الحب والحرية    
وتلك الرواية  التي عذبتني .. 
يؤلمني أنني أشعر بتفاهة كل شيء من حولي    
لا أكذّب خبرا حين تأتيني دعوة من مهرجان تأتي لكي أفرّ 
تاركا كنوزي وعلقمي في مهب الريح   
من القاهرة إلى تونس إلى  لست أدري أين ؟   
كل ذلك وعصى التطواف لا تربطني بهذه الصحراء
الخانقة التي يضيق قيدها على عنقي 
يؤلمني أن أعود حافيا  كل ليلة وأنا أردد
 (أيش ربطني بيك ما نيش عارف) ..
 (4)   
ما الذي ألمّ بذلك الصعلوك الذي كنته 
أين زوربا سوق العتق ؟.
ما الذي فعلته بي عيناي وقدماي وهذا الرأس الذي لا ينحني 
إلا لكي يمارس الإصغاء  وفن القراءة  والبكاء.
 الله القراءة !!  
أين ذلك الفتى الملبّد بالكتب 
المشبع بخواتم فضية صنعها منير البعلبكي
ونساجو العالم، عالم الكتب 
الله يا مكتبتي التي بعت نصفها من أجل أن أطبع 
ديواني الأول ( زقزقة الغراب فوق رأس الحسن ) .
وأتساءل اليوم لماذا طبعته أصلا ، ربما نكاية في مجلة المؤتمر 
التي  رفضته أو تخوفت من نشره بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان
أنظر إليه الآن كلاجئ فوق الأرفف وأضحك 
أنظر إليه وهو يبتسم ويمارس نزواته باطمئنان
وكل من قرأه من أصدقائي يقول لي لم أفهمه وكأنني كتبته بالسنسكريتية
يأتي شاعر له 200 ديوان ويقول لي ماذا تقصد بالغراب ؟ أو من هو الحسين ؟ تي براااااااااااااااااا ....  أنت ودواوينك كلهم ،، ولا يقولي واحد  شن تقصد منه ؟ انقوله أنت تعرف واحد اسمه الطبري ولا ابن الأثير ولا ... فوت 
الموضوع. 
كم كنت مغفلا ..
وها أنا مغفل من جديد فمرة أخرى دفعت إلى مجلس تنمية الإبداع بكتاب شعري ليس لهاثا وراء الطباعة ولكن لهاثا وراء تلك المكافأة السخية  الحاتمية كجربوع مشوي والتي قدرت بـ ( 1500) دينار يُدفع نصفها عند التوقيع والباقي في مهرجان كبير وشهود عيان وصحافة وأخبار في الجرايد ،، يا لله  خير من بلاش، وديوان ثاني للأمانة وشوف روحك من نهار كووه ما عاد روه لكن سلمتك بيد الله ،،    
(5)   
زقزقة الغراب ،، ثم بصيص حلق ثم أنا الليبي متصل النشيد هذا الديوان الذي شحورني عليه علي عبد الحميد صاحب مركز الحضارة العربية وكلاني زي ما أكل جميع من تعاملوا معاه من الليبيين والفرس.   
ولازلت في غيي ، في دوامة الوجع الشعري وغيره 
 متى أتوب ؟
متى  أتوقف عن هذه المهزلة ؟ 
متى أصون كرامتي ،، وأنا لا سيف لي   
لا خيل أسرجها  للهروب أو حتى ( دجيرة) في الساحة الخضراء .
قرف بداخلي رغم كل شيء
قرف شديد من كل شيء
أصبحت أنظر ببلاهة للناس ،،
وتعتريني موجة استحياء بليدة  خصوصا وهذا المحماطي الذي يزنرّ طرابلس بموجة قاتلة ..   
( 6)   
المهم اقتنعت مؤخرا أنني جحش ذهبي على رأي سي خشيم   
ولن أتراجع عن ما بدأته وطز في بوي 
وطز في حوشنا   
وحوش جيراننا 
وطز في البلاد وهلها وكل الناس اللي يعرفوني
واللي ما يعرفونيش
لأنني واحد  غبي ،، 
لا أستطيع إلا أن أكون ما أنا عليه 
سأظل أحب الشعر 
وأحب ليبيا اللي أخييييه عليها طبعا 
سأظل أحب طرابلس وميناء الشعاب ووالت ويتمان ومعلوف وفلونة وفيلم الرسالة وسورة الرحمن وانفاص الدحي وفرادي المفروم وذكرى محمد وسلاف فواخرجي والماغوط واسمي أحمر وتونس والأفيكوات وبنات زاوية الدهماني ومحمود البوسيفي وحسين المزداوي وجمعة الأفرك. 
وسأظل أطارد دودتي الخاصة 
تلك الدودة التي تلتهم أحشائنا
لأننا لا نستطيع منها فكاكا
قدرنا  أن نولد هنا وأن نكون شعراء وكتاب وأدباء
ومجانين ،، برغم الجراح 
التي تعتريه 
سيظل الحمار صابرا على الملح
والجرح
وسيجتاز العقبة ،، 
وينتفج حتى أخر قطرة 
وستظل صورتي تلك التي في (ليبيا اليوم) وعلى ديواني الأخير 
شامخة ..
رافعا رأسي للسماء أستنشق الهواء النتن
وأحمد الله  على كل شيء
نكاية في الجميع .

ليست هناك تعليقات: