الجمعة، 4 يوليو 2014

قصيدةُ النثر .. تعيش لأنّها مُزعجة ٌ جدّا ً!!



          
                                                      
عذاب الركابي
نشر بالشمس الثقافي

1. (( إنّ الشكلَ في الفنّ هوَ دوما ً أكثرُ من مُجرّد ِ شكل ٍ..))- ميلان كونديرا
 الّذي أعرفهُ من خلال ِ قراءاتي المتأنيّة وجنوني بالكتابة ِ والكتبِ ، وعشقي لسير ِ الأدباء ِ والكتاب ، شرقا ً وغربا ً ، ولأكثرَ من ربع ِ قرن ٍ ، أنّ المبدعَ الحقيقيّ هُوَ الذي يحترمُ كلّ أشكال ِ الإبداع ِ ،  .. ولمْ يكُنْ وصيّا ً أو رقيبا ً على أحد ٍ ، ولا يرضى أبدا ً أنْ يكونَ شرطيّا ً في مركز ِ الشرطة ِ الجديد الذي يُروجُ لفتحه ِ شعراء وكتاب في مملكة ِ اليأس ِ والإحباط ِ والعجز ِ، جفّت قرائحهم ، وبفعل ِ أنانيتهم البغيظة ِ هجرتهم الكلماتُ والقصائدُ ، تقاعدَ وحيُهم ، وخلت رؤوسهم من الأحلام ِ والرؤى ، بفعل ِ الغرور ِ والنجوميّة ومحاولات إثبات ِ الوجود ِ ، وهُمُ يطلونَ علينا بينَ الحين ِ والآخر بتصريحات ٍ وآراء وتقليعات ٍ لا تتناسبُ معَ ماضيهم وتاريخهم
الإبداعي الذي احترمناه .. ، ولا تنمُ إلاّ عن الشيخوخة ِ والترهل ِ الفكريّ ، وصدا البلاغات ِ الخاوية المفتونين بها ، والتي ملّها الورقُ والقلم ُ القاريء معا ً، وأعلنَ الشعرُ براءتهُ تماما ً من هذيانهم المحموم ِ هذا ، ورفعت ِ الكلمات ُ الصادقة ُ قضية ً ضدّهم أمامَ محكمة ِ الإبداع ِ ،  مُتهمة ً إيّاهم بالشيخوخة ِ والترهل ِ والتكرار ، ومحاربة الجديد والمُثير والمبتكر ، وكل! حرفٍ وكلّ  كلمة ٍ تندلقُ ساخنة ً، مُقلقة ً  ،ومزعجة ً من قريحة ِ الفجر ِ ، وعذبة ً شفافة ً موحية ً ومباركة ً بموكب ِ الندى والوردة والطير في صباح ٍ إبداعي مُشمس ٍ وجميل .. !!

2.(( قُلْ لي أنّكَ تُبدع ُ، اقُلْ لكَ مَنْ أنتَ .. )) – غوتة !!
ماذا يُريدُ هؤلاء ِ الشعراء الكبار ؟؟ .. عشْنا على غنائياتهم زمَنا ً طويلا ً ، ورفعنا قبعاتنا ، ونكّسنا رؤوسنا زمنا ً أطولَ ، .. قدّسنا زمنهم النضاليّ والفكريّ ، شاركناهم جراحهم ونزفهم ، عشنا  حزنَهم وفرَحهم ، حريتَهم وسجنهم ، حفظنا لهُم زمنهُم وتفاصيل حياتهم في نسيج ِ ذاكرتنا التي لا تشيخ ، وكلماتنا التي لا تعرفُ الذبول والترهل ،.. وها هُمُ يجرحونَ وجودنا ،  ويؤطرون َ أحلامنا ، ويسفهون َ أحاسيسنا ، ويتهمونَ خزائنَ زمننا الإبداعيّ بالصدأ ، يحاولون وضعَ القيود والأصفاد في أيدينا ، وسحن كلماتنا – قوّتنا ، وصباحاتنا الدافئة .. !!  
   لماذا هذه ِ المُكابرة ؟؟ زمنهم ينتهي ليبدأ زمننا ، نحنُ الرابظين في إيقاع ِ عصر ٍ يبدأ ، يتجدّد ، ولغة ٍتتفجرُ وتتشكلُ ، وكلمات تثورُ وتسمو ، وتاريخ ٍ يغضبُ ليولد ، وأصابع تجنُ لتكتب َ ، وقريحة ٍ  تنزفُ لتصدحَ .. !! 
   هلْ كثيرٌ عليْنا أنْ نصرخ َ بحريّة ٍ ، ونؤرّخَ لجراحنا .. ، وأنْ نكتبَ ونحنُ (( نعطي الكلمات ِ حُرية َ المبادرة )) كما أوصى الشاعرُ العبقريّ مالارميه ؟؟ .. هلْ كثيرٌ عليْنا أنْ نؤسّسَ (( للخراب الضروري )) الذي نادى به ِ شاعرُ الحداثة ِ العظيم آرثور رامبو .. ؟؟ 

هلْ كثيرٌ عليّنا أنْ نكتبَ دونَ أنْ ننظرَ إلى الوراء كما أراد الشاعر الراحل الكبيرعبد الوهاب البياتي ؟؟ كثيرٌ عليْنا أنْ نبشرَ بولادة تفعيلات ٍ جديدة ٍ للقصيدة ِ ، صاغتها ذاكرة العصر الذي نعيشهُ ،ونحنُ نُحيي ذكرى الخليل بن أحمد الفراهيدي والعظام من أجدادنا الذين أرّقتهم وشغلتهم براكينُ  لغتنا الجميلة ؟؟ أو نقيم نصبا ً للشاعرِ الثائر أبي العتاهية ونجعل من صرخته ِ(( أنا أكبرُ من العروض )) دستورا ً وقانونا ً لإبداعاتنا الشعرية ِ الجديدة .. وكلماتنا المنقوشة على خاصرة ِ الشمس ِ .. !!

3.(( لا يخترعُ الشعراءُ القصائدَ .. فالقصيدةُ موجودةٌ في مكان ٍ ما .. هُناك منذ ُ زمن ٍ طويل ٍ جدّا ً ، هيَ هُناك ، ولا يفعلُ الشاعرُ شيئا ً سوى أنْ يكشفَ عنها ))- جان سكاسيل .
   ماذا يُريدُ هؤلاء ِ الشعراء الكبار .. ؟؟
نحنُ نكتبُ قصيدةَ النثر .. ما المُشكلة .. ؟؟ هلْ تزعجهم لهذا الحد ؟؟ هلْ نزاحمهم ؟؟ هلْ نضايقهم ؟؟ هُمُ لهُم أوزانهم وقوافيهم و معلقاتهم ورؤاهم المكرّرة ، وتفعيلاتهم المحنطة ، ونحنُ  لنا جنوننا ، وفوضانا ، وحلمنا ، وخرابنا الضروري .. !! لمْ نزاحمهم لا على الأوزان والقوافي ولا على الكلمات المكرورة  والمعادة ، حلالٌ عليهم إلى يومَ يُبعثون ، .. نحترمُ لونَهم  الشعري ومجنزرات تفعيلاتهم ، وعابرات حدود قوافيهم ومازلنا .. وليتركونا فقط نحلمُ .. ،  نكتبُ ما نشعرُ ونحسُ به ِ ، نضعُ الكلمةَ في المكان الذي تريدهُ ، لا نشطبُ حرفا ً أو نضيف آخر بأمر ِ الخليليين ، تكتبنا القصيدةُ متى تشاءُ ، نفتحُ أجسادنا لمُداهماتها الجميلة دونَ مقاومة ، لذتنا في فوضاها وخرابها وعناقيد ِ حكمتها .. !!
     (( الأوزانُ والقوافي لا تصنعُ شعرا ً )) .. هذا صحيح ٌ .. !!
     (( الشعرُ كلامٌ موزونٌ ومُقفى )) .. مقولةٌ ساذجة ٌ .. !!
وبحورُ الشعر ِ ليسَتْ ستة َ عشرَ إنّها ستمائة .. وألف .. وألفان .. !!
نحنُ لا نكتبُ شعرا ً موزونا ً في عالم ٍ غير موزون ٍ ولا مُقفى .. ، الحرية فيه تصادرُ .. ، والعدالة ُتجرَحُ .. ، والبراءةُ تحاكمُ .. ، والمحبةُ تتقاعدُ .. ، والفرحُ يستقيلُ .. ، والإنسانُ  يغيبُ .. !! كلماتنا ليسَتْ أسيرةً لرؤاهم القديمة .. ونحنُ لسنا عبيدا ً لأذهانهم التقليدية ..  ومشاعرنا ، وأحاسيسنا وأحلامنا ستظل بعيدة ص عن لوائح ِ سجونهم .. ماذا يريدون .. ؟؟
لمْ نمنعهم إذا أرادوا بقاذفات ِ بحورهم ، وجلجلة قوافيهم ، تحرير فلسطين أوْ إخراج الأمريكان منَ العراق .. أو تحقيق الوحدة العربية .. !!

4. (( هلْ أجرؤ على أنْ أزعج الكونَ .. ؟ ))- إليوت !!
نعرفُ أنّ قصيدةَ النثر تُزعجهم ، تُطلقُ الرصاصَ على زمنهم ، تُعرّي خمولهم وجمودهم ، لكنّها لا تُصادرهم كما يُريدون مصادرتنا ، وجرح أحلامنا .. !!
  عاشَ الجواهري ، وعبد الله البر دوني ، وبدوي الجبل ، ونزار قباني، وخليل حاوي ، وصلاح عبد الصبور، وغيرهم من عمالقة الشعر ، طوال حياتهم يحترمون كلّ  الأشكال  الشعرية وكلّ ألوان الإبداع .. يصغونَ للصغير والكبير ، دونَ أنْ يتذمروا أوْ أنْ ينزعجوا ، أوْ يجرحوا أحدا ً ، أو يطلقوا النارَ على احد ٍ ، ..و هذا شاعرُ الحداثة الكبير- البياتي أسّسَ  جائزةً باسمه ِ للشعراء الشباب ، وأنا أعرفُ لقربي من البياتي وصداقتي لهُ أنّهُ كانَ ينفقُ  من جيبه ِ الخاص ، على شعراء شباب كثيرين كيْ تظهرَ دواوينهم الأولى ، وترى النور ، ..  الشعراء العراقيون المقيمون في عمّان ودمشق يعرفون ذلكَ جيدا ً ، ولا ينكر ونه ، وأنا أحدُ
الشعراء الذينَ أسهمَ البياتي في طباعة ِ كتابي ( صلوات العاشق السومري )- الصادر بعمان  دار أزمنة 1997، والصديق الشاعر والفنان إلياس فركوح صاحب دار النشر شاهد على ذلك .
وهناك العديد من الشعراء والكتاب المبدعين الذين وقفوا معَ الكتاب الشباب وساعدوا في وصولهم ، ونشر إبداعاتهم ، وكتبوا مشيدين بتجاربهم ، وكانوا السبب في حضورهم ، وتألقهم الإبداعي ، وحصولهم حتّى على جوائز قيمة .. ،  بلْ تربطهم بهم ، ومازالت علاقات عميقة وحميمة .. كتابي (( عبد الرحمن الربيعي.. وأسئلة الزمن الصعب ))- دار المعارف – تونس 2004 يؤسّسُ للوفاء بين المبدعين في عصر الذئبنة – كما وصفته الكاتبة الكبيرة غادة السمان .. !!


5. أيّها الشعراءُ الأحبّة ُ الكبار ُ .. !!
إنّ مملكةَ الكلمات ِ قدْ نالتْ استقلالَها .. ، وهيَ الآنَ بلا شرطة ، ولا حُرّاس ، ولا نقاط تفتيش أوْ جمارك ، .. العصافيرُ والربيعُ والأطفالُ والأحلامُ يرفضونَ ذلك َ .. !! والشعرُ ضميرُ الأزمنة و ( السرّ ُ المقدسُ ) كما يرى – أوكتافيو باث ، لا عمرَ لهُ ، والشعراءُ عمرٌ واحدٌ ، يكملُ بعضهم البعض ،  مضيئون كالكواكب ، والإبداعُ لا شكلَ لهُ ، وهوَ شهادةٌ على عصور ٍ ذاهبة ٍ  وعصور ٍ قادمة ، .. وسلطة الكلمة ِ أزليّة  فلماذا هذا الخوف ؟؟ ولماذا هذا الرصاصُ الباردُ الذي يُطلَقُ من حين ٍ لآخر ، هُنا وهُناك ، أنّهُ لنْ يصيبَ أحدا ً ، ولنْ يُربكَ سيرَ قافلة الإبداع الماضية أبدا ً باتجاه ِ الفجر ِ ، والربيع ، والوردة ، والصباح ، والحبّ ، والإنسان الحالم .. !!

                                                             




ليست هناك تعليقات: