صالح سويسي / تونس / الحياة
عاشت مدينة نابل التونسية على مدى ثلاثة أيام بلياليها على وقع نشاطات الدورة الثانية لملتقى الشعراء العرب الذي شارك فيها اكثر من ثلاثين شاعراً مثّلوا عدداً من الدول العربية، إضافة إلى تونس، وشهد البرنامج الكثير من النشاطات المهمة مثل «جلسات شعرية» استهلّها ضيف الملتقى الشاعر أدونيس بقراءات شعرية شملت قصائد له قديمة وجديدة، تلتها جلسة حوار معه حول الشعر وقضايا أخرى.
جابت الأمسيات الشعرية في اليوم الثاني معظم مدن محافظة نابل حيث التقى الجمهور بشعراء عرب، بعضهم يزور تونس لأول مرة، وبعضهم يعرفها وله فيها ذكريات وحكايات. أما اليوم الختامي فاحتوى جلستين شعريتين، الأولى صباحية وشارك فيها جلّ الضيوف، والثانية مسائية ضمّت بقية ضيوف المهرجان.
ورغم تنوّع برنامج الملتقى ونشاطاته، تبقى مشاركة أدونيس أبرز ما يُميّز الدورة الثانية التي شكّل حضوره فيها حدثاً أدبياً مهماً، لا سيّما أنه لم يزر تونس منذ سنوات. وفي هذه المناسبة، قدّمه الشاعر والناقد التونسي المنصف الوهايبي خلال اللقاء الذي نُظّم في القاعة الكبرى للمركز الثقافي نيابوليس بكثير من الودّ والتقدير. وقال الوهايبي في سياق حديثه عن تجربة أدونيس إنّ «نص أدونيس يقوم على نوع من قانون التناسب التواضعي التوالدي، وهو قانون يشمل شتى الفنون والعلوم في وحدة الثقافة العربية بمعنى أنّ لكلّ علم مصطلحاته وفضاءه وموضوعه ومجاله، إلاّ أنّه يظلّ مشرعاً على غيره من العلوم.
وأضاف الوهايبي في هذا الإطار: «فهم أدونيس ليس ضرورياً، فالصدارة ليست للفهم لأنّ الفهم يأتي في الشعرية الكلاسيكية بالدرجة الأولى ومن ثم يأتي الانفعال والتأثر، أما الآن فانقلبت المعادلة لأنّ المتلقي ينفعل ويتأثر ثم يفهم إن شاء».
وحول علاقة أدونيس بالقارئ، يجزم الوهايبي عدم وجود مفهوم محدّد للقارئ ويؤكد أنّنا عندما نقرأ لأدونيس نتعلّم أن لا وجود لمفهوم القارئ، بل كل ما في الأمر أن هذه النصوص يتخيّر قرّاءه ويرسم حدوداً لذلك، ثم إنّ هذا النص يتطلب منا معرفة بالشعر وتداخل الشعري بالفلسفي».
وتحدث الوهايبي عن التداخل بين الشعري والفلسفي أو المعرفي لدى أدونيس في المعنى الشامل للكلمة.
وأقرّ الوهايبي أنه لا يعرف شاعراً عربياً يمتلك ثقافة أدونيس، وهذا ما ينعكس في المركبات لا الثنائيات لأنّ الأمر لديه لا يتعلّق بتقابلات بل باِنصهارات، وهذا هو الأفق الأدونيسي، وربما يكون هذا هو السبب في أن يستشعر القارئ صعوبة في فهم نص أدونيس الذي يقوم على «ثقافة العين والمكتوب لا ثقافة الأذن والإطراب».
وفي اللقاء الذي جمع أدونيس بعدد من الشعراء والأكاديميين ومحبّي الشعر، قال حاتم الفطناسي إنّ «أدونيس بشعره ونثره ونقده هو نصّ إشكالي حتى النخاع، نص متسائل ومتحرك دوماً ومتحوّل أبداً. ومن فهم هذا السر فقد فهم الأفق الأدونيسي».
وعن الحالة التي أثارها حضوره في ذاك اللقاء، علّق أدونيس قائلاً: «ما استمعت إليه من مداخلات يمثّل الحالة الثقافية العربية اليوم بعامة. وسأشدد على قضايا عدة ومنها أنّ الأسئلة والنقاش دارا حول الشخص وليس حول النص، أي أننا نناقش الشخص والإشاعات حوله وانتماءاته أكثر مما نناقش النص ذاته الذي كتبه، وقضية أن النص في النهاية هو قراءة».
وعن أهمية القارئ بالنسبة إلى الشاعر أشار أدونيس إلى أنّ أعظم نص في العالم «إذا مرّ في عقل صغير يصغر، وإذا مرّ في عقل كبير يكبر، لأنّ المشكلة في الثقافة العربية ليست مشكلة كتابة بل مشكلة قراءة». وفي هذا السياق أكّد أدونيس أنّ في العالم العربي كتّاباً كباراً، ولكن لا أحد يعرف كيف يقرأهم ولدينا أفراد عظام ولكن أين تتفتح عبقرياتهم؟». وأشار أدونيس إلى «أننا في حياتنا اليومية والفكرية نرى أنّ الحاضر مجرد وظيفة لخدمة الماضي، لذلك ننسى تاريخنا الحقيقي».
وفي رده على ســؤال يتعلّق بموقفه من الثورة الإيرانية والخميني تحديداً، نفى أن يكون كتب عن الخميني كلمة واحدة في حياته، قائلاً: «أنا كتبت عن الثورة الإيرانية، كما كتب عنها كبار الكتّاب في الغرب والتي أعتبرها بعضهم ونموذجية، هذه الثورة التي قام بها شـــعب بأكمله، وبالنسبة إليّ حكم الشعب - أيّاً كان هذا الشعب - فهو أفضل من الأنظمة الديكتاتورية والعسكرية. إذاً أنا كتبت عن معنى هذه الثورة، لا أكثر».
وتحدث أدونيس عمّا سماه «الفرد» الذي لم يولد بعد، مشيراً إلى أنه ليس في المجتمعات العربية فرد سيد نفسه وسيد فكر وسيد مصيره وسيد إرادته، والمرأة ليست موجودة إلا بـ «الاسم»، مستثنياً المرأة التونسية التي اخترقت برأيه هذا الحاجز».
وأضاف أنّ عدم ولادة الفرد تعني استحالة الديموقراطية، بحيث يجب أن نتحدث عن إنسان معترف به أولاً قبل أن نتحدث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان. وأضاف: «البشر في المجتمعات العربية يموتون بطرق مهينة وبكثرة، بينما إذا مات إنسان واحد في العالم بطريقة مهينة للجسد والكرامة فكأنما ماتت البشرية كلها. يموت اليوم عرب من المحيط إلى الخليج ولا أحد يتكلّم إلا بينه وبين نفسه، لا نسمع بياناً واحداً يستنكر، الإنسان غير موجود كفرد بل هو موجود كأمة كمجتمعات، لا أكثر».
وأعلن أدونيس أنه بصدد مشروع متكامل قائم على إعادة قراءة الموروث العربي وانتهى فيه إلى مجموعة من القناعات. الأولى هي أنّ الهوية ليست وراثة لكنّها ابتكار، وقال: «صحيح أنا سليل التراث العربي ولكن لكي أكون عربياً يجب أن أعيد ابتكار هويتي داخل هذا الانتماء». والثانية هي أنّ «الحقيقة لا تأتينا من الوراء ولا من أي نص، بل تأتي من التــجربة وهي أمامنا وليست وراءنا». والثـــالثة هي «ما نسمّيه الواقع وهو جزء بســـيط من الواقع أما ما لا نراه فهو جزء أساسي مما نراه، ولا نفهم ما نراه إلا إذا وضعناه في إطار ما لا نرى».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق