*أسماء مصطفى الأسطى*
نشر بالشمس الثقافي
نشر بالشمس الثقافي
كلما زاد حجم كعب الكتاب، صار مملا
....كليماخوس القوريني
حلم راودني طويلا، وتعذر علي تحقيقه حتى شهر مضى، ففي كل مرة أزور فيها القاهرة لابد أن تكون دار الكتب والوثائق المصرية؛ من بين المقار التي أحرص على زيارتها، لكن مكتبة الاسكندرية التي ينسب الفضل في شهرتها قديما، إلى القرن الثالث قبل الميلاد مع ذيوع شهرة "كليماخوس البرقاوي" الشاعر والمؤلف غزير النتاج، الذي قام بوضع نظام لفهارسها وبتصنيفه الأبجدي للمعرفة؛ مما لا تزال مكتبات اليوم تنتهجه، إن زيارة المكتبة لها وقع خاص عند المكتبي كصرح يحتفي بالفكر الإنساني، وشمس تبزغ تجاه البحر بسطوح لامعة، وجدار دائري رمادي مزين بحفر من أبجديات اللغة قديما وحديثا، بناء يسبح في الماء، مزهوا بالسعة والبراح المضيء ، بما احتواه من أوعية المعرفة المتنوعة.
عندما شق القطار الأراضي الزراعية صوب الدلتا، تمتعت العيون بمرأى اخضرار الريف المصري، الذي يفضي لزرقة بحر وسماء، تشرف عليها عمارة المكان، المستوحى من موقعها الجغرافي بما يلفت الانتباه، من بينها جامعة الاسكندرية وكأنها سفينة راسية قبالة الشط، مرصعة الجدران بالقرميد الأحمر، يتوسط حديقتها الخلفية تمثال من صنع الفنان "أحمد عبد الوهاب" لعميد الأدب العربي "طه حسين" بوصفه أول رئيس لها، يجلس صامتا وشاهدا بثلاثة أصابع مقطوعة من كفه الأيمن بسبب التآكل؛ على ثلاث سنوات من منتصف القرن الماضي، تمتعت فيها أذنيه بسماع صوت البحر وهديره.
لاشك أن غرابة البناء وحداثته، توقف المارين لاستطلاع جموح الخيال وروعة التجسيد، أما الدهشة فهي رد الفعل الطبيعي لرواد المكتبة، التي تستقبلك بقاعة فنون الحداثة الجميلة، ولوحة عرض للبرنامج الثقافي الشهري، كما تساهم اللوحات الإرشادية في خدمات المستفيدين، الذين يخصص لهم موقع في كل طابق من طوابق المكتبة السبع، تسندها أعمدة لها شكل زهرة اللوتس تجمع مابين الأزرق والأخضر لراحة العين، أما عيون السطوح الزجاجية تحول رموش حوافها المتحركة دون تسرب أشعة الشمس.
صناديق زجاجية تعرض نماذج من حروف الطباعة، وأول عدد من "الوقائع المصرية" ومطبعة من المطابع الاميرية في عهد محمد علي، تتميز مطبعة "بولاق أبو العلا" حين تفتخر بدورها في نشر الثقافة منذ قرن ونصف، ما ذكرني بأقدم عدد من "طرابلس الغرب" احتفظ به عن والدي واحرسه من التلف، كما يحرس عمي "جبران" كنوزه من حروف الطباعة الحجرية ومطابع "بلينو ماجي" القديمة في مقرها، جوار مكتب الفنون والصنائع، منتظرا تحقق حلم تحول المقر إلى متحف للطباعة ذات يوم.
متحف أنيق للمخطوطات والبرديات والرق مع أقدم أناجيل ومصاحف عربية ولفائف عبرية، إلى جانب قطع من محمل كسوة الكعبة الشريفة، واستخدام تقني للرواد متمثلا في شاشات عرض مسموعة و مقروءة عن تخميس البردة للبوصيري، وموسوعة علوم القرن 18 بتأليف "عيسى بترو" وغيرها.
قاعة معرض "عالم شادي عبد السلام" كانت قد خصصت للاحتفاء بالفنان والمخرج الراحل الذي كان يرسم ويصمم، أزياء شخصيات روائعه السينمائية في الستينيات مثل:المومياء/واسلاماه/أمير الدهاء/رابعة العدوية...التي تعد من روائع السينما العربية، مع ما لم يمهله الموت لإنجازه عن عصر أخناتون بعنوان "مأساة البيت الكبير" وقد رسم أحد مشاهده في لوحة؛ تمثل قبائل المشواش بلباسهم الشهير، وقد ذيلت بعبارة "لوحة السفراء الليبيون في قصر الفرعون" التي لم يكن التقاط صورة لها أمرا متاحا، شأنها شأن بقية المعروضات التي تشمل مقتنياته ومكتبته.
"طه حسين" كان حاضرا هنا أيضا، ولكن كعنوان لمكتبة خاصة بالمكفوفين وضعاف البصر، مزودة بالمطبوعات المكتوبة بطريقة "برايل" والحواسيب ذات الحروف البارزة، إلى غير ذلك من أوعية المعرفة لذوي الاحتياجات الخاصة،أما الأطفال فهم يتمتعون بمكتبة ورقية والكترونية هي أقرب للحلم منها إلى الحقيقة، أعانتني بطاقة عضويتي للاتحاد العربي للمكتبات في الدخول إليها، فهي خاصة بالأطفال فقط دون ذويهم.
نقص المؤلفات عن تاريخ ليبيا
تحتوي المكتبة على حوالي 12 مليون كتاب من بينها 830 ألف كتاب عربي تبرعت لهذا المشروع دول عربية من بينها ليبيا وتلقت من باب الإهداء عبر أمانة الثقافة عام 2005 بعض المنشورات التي أخذت طريقها إلى الرفوف مثل مؤلفات: القويري/خشيم/عراب/التليسي ...وغيرهم
لكن اللافت للنظر أن الرف الخاص بتاريخ ليبيا، يحتوي على سبع عناوين عربية،بإهداء من أفراد مصريين، مع نسخة من الحوليات الليبية بالفرنسية، ومطبوعين بالانجليزية يعود تاريخ نشرهما إلى منتصف القرن الماضي، مع كتيب صغير نادر طلبت تصويره ثم أودعته في مكتبة مركز الجهاد، لعل أهمها "أيامي في ليبيا" للأديب "محمد فريد ابوحديد" و"رحلة في صحراء ليبيا " لمؤلفه "محمد احمد حسنين" وهو الكتاب الذي أعيد طباعته في مصر ثلاث مرات؛ آخرها في معرض الكتاب هذا العام.
قبل افتتاح المجلس الأعلى للصحافة، وأول مركز إقليمي لتدريب الصحفيين في الشرق الأوسط؛ بما يحقق خدمة المصالح المشتركة بين مصر والدول الأفريقية، غادرت القاهرة آملة في زيارة مقبلة لمركز المعلومات الصحفية، وما أن فتحت بريدي الالكتروني حتى وجدت رسالة شكر من مدير متحف المخطوطات الأديب "يوسف زيدان" الشغوف بالرق والمخطوطات عما أهديته من مؤلفاتي للمكتبة العظيمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق