القاهرة : خالد درويش
نشر بالشمس الثقافي
بكثير من اللغط وكثير من الإصرار والتحدي اندلعت قصيدة النثر في دورتها الثانية بعد مداولات كثيرة بين منظميها وبين اتحاد الكتاب في مصر ورغم التوقيت الموحد للمهرجانين في بادئ الأمر إلا أن الخلاف استمر والانقسام قد تم فاشتغلت نقابة الصحفيين باحتضان هذا الملتقى بينما أعلن اتحاد الكتاب أنه سيقيم نفس المؤتمر في نهاية هذا الشهر وبنفس الفكرة (الاحتفاء بقصيدة النثر وشعرائها) هذه اللجنة التي تضم شباباً متحمساً لمشروعه خصوصاً بعد أن خاض تجربة الصراع في الدورة الأولى لكي يحقق هذا التواجد ،، وبعيداً عن التراشق وما حدث بينهما فإن ما يهمني ويهم القارئ الكريم الشعر أو( الثقافي) حيث تم تقسيم الفعاليات بين القاعة الرئيسية وقاعة طه حسين بنقابة الصحفيين وبين أتيليه القاهرة وقاعة مشربية الأمر الذي أربك الملتقى خصوصاً في غياب الجمهور الذي ربما لا تستهويه قصيدة النثر التي لم تخلق أصلاً للمنابر فالجمهور العربي لازال سماعياً ويدوياً "تصفيق" . وجهت الدعوات إلى الكثير من شعراء مصر والوطن العربي فالرقم تجاوز 117 شاعراً وشاعرة وكانت تصريحات اللجنة وايميلاتها والبرنامج العام قبل بدء الملتقى تملأ الإنترنت حيث اكتسب الملتقى بعداً إعلامياً كبيراً وهو ما توّجهُ حفل الافتتاح الذي كان غاصاً بالجمهور ونجم نجوم الثقافة وكانت القنوات والفضائيات والصحافة والإعلام تملأ المكان ، هذا الحفل الذي كثرت فيه الكلمات وطال وبرز فيه السياسي عالي النبرة حيث لم تخلُ كلمة إلا وكانت تحمل رسالة أو تدافع عن موقف أو تبرر آخر أو توصية بالشكر خصوصاً لقناة المحور التي دعمت الملتقى ماديا في آخر لحظة متمثلة في رئيسها د. حسن راتب وأسامة الشيخ رئيس مجلس إدارة مجلة الشعر والفنان (نصير شمة) الذي تطوع بإحياء حفل الافتتاح مجاناً ، كلمة الافتتاح جاءت حالمة من الشاعر المصري عاطف عبد العزيز ومنها :( كان من اللازم أيضاً أن يقودنا ذلك إلى سؤال عن الإيديولوجيا بطبيعتها الاستاتيكية التقنية وعلاقتها بقصيدة النثر ذات الطبعة المتحولة الاحتمالية ).
أما كلمة علاء ثابت رئيس اللجنة الثقافية فقد اقتصرت على التحية للقادمين بفرح وحب إلى هذا الملتقى وإن أشار في بعض التلميحات إلى نوع من الخلاف السابق بقوله :" للعام الثاني على التوالي تستضيف نقابة الصحفيين الشعراء في بيتهم وما دام بيتكم فالمقام أكبر من الترحيب إنه فرح يستقبل به العائد إلى بيته بعد عام لم يكن عاماً من الغياب ولكنها أيام من الترتيب للملتقى الثاني لقصيدة النثر، في الملتقى الأول العام الماضي أظلتنا رحابة القصيدة فتوحدنا ولعل البعض قد استكثر النجاح فسعى إلى الاستئثار به ونحن نفتح قلوبنا للجميع فسماء القصيدة تمنح ظلالها لكل من يقترب ، أيتها الشاعرات أيها الشعراء لعلّي قد أطلت وفي حضرة الشعر يصبحُ كل شيء من نثر الحياة) ..
على مدى أربعة أيام تراصّ الشعراء العرب الحاضرون وتزاحموا كل يفرد نصوصه محلِقاً في سماء قصيدته ففي قاعة طه حسين المجاورة للقاعة الكبرى بنقابة الصحفيين وبتقديم من الشاعرة المصرية غادة نبيل توجه الشاعر اليمني علي المقري إلى المنصة ليقرأ من أحدث مجموعاته نصوصاً معمقة في شاعرية حزينة تلتقط الألم والليل ثم الشاعر اليمني أحمد السلامي بنصوصه التي فارق فيها بين اليساري الذي يجيد لعبة الشطرنج والذي يهتف للجنود الحمر وعن شاعر لم يختر قبيلته بل أراد أن يكتب رواية لكنهم منحوه كهفاً وبندقية متسائلاً في نهاية هذه القراءة عن السبب الذي يجعل العصفور لا يغرد بين أيدينا ولعل السبب واضح جداً فهو في رأيي أن أيدينا أصبحت فوهات بنادق وأقفاصا حديدية حين نضمها إلى بعضها صانعين منها شبكة . تلاه الشاعر الأردني من أصول فلسطينية عمر أبو الهيجا وهو صاحب دواوين كثيرة منها قبول الدم وأصابع التراب ومعاقل الضوء وقنص متواصل الذي قرأ نصوصاً عن المرأة التي تتقن فن العشق ويداها وردتان امرأة تركت حمرتها في المرآة وأنوثتها في القمصان ، ثم الشاعر المصري هشام صباحي الذي قرأ نصوصاً " بدون عنوان" واعتذر أنه لم يكتب منذ عام 97 إلى 2007 قائلاً أن ثمة قطيعة بينه وبين ما كتب حتى الآن ليسمعنا نصاً عن البنت القبطية التي لا فرق إلا علاقة الجمع المرسومة على زندها مندداً بشدة ما حدث لها على يد متطرف، ومن سوريا الشاعر محمود فؤاد الذي قرأ مقاطع من كتاب " أجزاء الحيوان" وهي قصائد في علم التشريح إذ يفصّل لكل عضو حالة معينة فالطحال هذا الصامت الذي تطبخ الأسرار في زواياه النائية ولا يسأل عما يدبره في العتمة وعن مصانع الشهوة التي تحتاج إلى ذكريات ولعاب وعن الزغب على البطن الذي هو عواء ذئب . أما الشاعر إلياس فتح الرحمن" السودان" فقد قرأ من ديوانه الأخير قصيدة في ذكرى الراحل " الطيب صالح" دليل أهله على حصته من جمالهم .. أما المصري عماد غزالي فقد كانت قصيدته عن الكلمات التي لا تكفي لأنها وحيدة ولكنها تخون مُقسِماً أنه يحبها لكنه ماكر يدعي الحب ونكران الذات أمام البنت التي تنظر إليه طويلاً في المترو ثم تخفض رأسها بارتباك ،، أما الشاعرة المفاجأة التي كسرت الوزن أي وزن الأمسية فكانت الشاعرة الأردنية بسمة أبوعياش التي قرأت قصائد عمودية قالت إنها موزونة مقفاة ولعمري لقد توفي الخليل مبكراً وتحدثت في قصيدتها عن أنثى تدخن سيجارة الكنت..
الأمسيات كثيرة والأوراق أكثر وما استطعت أن أتابعه أو بالأحرى أن ألاحقه خصوصاً حين تكون أمسية هنا وأمسية هناك مما جعلنا نجد صعوبة في التنقل بين قاعة مشربية وقاعة أتيليه القاهرة وبين نقابة الصحفيين لكن اللجنة المنظمة تدخلت لحل هذه النقطة حين قررت دمج كل الفعاليات في مكان واحد بدل تشتيتها وبالتالي تشتيت الجمهور وخيراً فعلت .
( مشاركة يمنية متميزة )
اليمن ذلك البلد الذي ولدت فيه حضارات وانطلقت منه رحلة الكلمة العربية، والجبال الناطقة بالحكمة والجمال ،، كان لليمن في هذا الملتقى حضوره القوي الفاعل عبر أسماء لشعراء مميزين أمثال الشاعر علي المقري والذي أنجز مؤخراً رواية " اليهودي الحالي" والتي رشحت إلى مسابقة البوكر العربية في لائحتها أيضا الشاعر أحمد السلامي والشاعر محمد عبد الوهاب الشيباني والذي يتهيأ لإصدار مجموعته الشعرية الرابعة " أقدام تتهيأ لركل الريح" والشيباني قد أصدر قبل هذه المجموعة " تكييف الخطأ – أوسع من شارع أضيق من جينز – المرقص" والشاعرة الرائعة هدى أبلان والشاعرة سوسن العريقي التي فاجأت الحضور بنصوصها التي تدهور فيها مع تلك الموجة الذاهبة إلى حتفها وعن الواقع الذي
لا ظل له حين يصبح كل شيء أكثر من اللازم والشاعر محي الدين جرمة والشاعر فتحي أبو النصر الذي قدم مؤخراً منشوره الشهري "انزياحات" والذي يُعنى بإبداعات وقضايا الأدب والفكر والفن وهي مجلة يحاول فيها أبو النصر مع مجموعة شعراء وكتاب اليمن الخروج إلى فضاء عربي وعالمي وإنعاش النشاط الثقافي فعدد فبراير هذا من انزياحات جاء حافلاً يضم بين دفتيه العديد من الأسماء المهمة التي شاركت في هذا الجهد. أما المشاركة الليبية فقد تمثلت في ثلاثة شعراء هم حواء القمودي وحنان محفوظ وخالد درويش رغم أن البرنامج قد ضم أسماء أكثر من 13 شاعراً ليبياً .. أشياء كثيرة قيلت وحوارات جانبية كان فرسانها شعراء ربما التقوا لأول مرة ، فبالنسبة لي الكثير من الأصدقاء الذين ربطتني بهم صداقات عن بُعد التقيت بهم هنا في القاهرة كالشاعر الصديق محمد النبهان والسعودي محمد حبيبي ..الملتقى أعلن عن جائزة الديوان الأفضل وقد فاز بها ثلاثة شعراء شبان هم : عزة حسين (مصر)، و خوشمان قادو وجوان تتر (سورية ) وقد تكفلت دار نشر "الكتابة الأخرى" بطباعة الأعمال الفائزة وأعمال الملتقى ولم ينس الشاعر هشام قشطة رئيس تحريرها أن يصدر عددا مميزا بمناسبة الملتقى وثق فيه لهذه القصيدة ونصوص شعرائها ، كما تبرع الفنان أحمد اللباد بتصميم كل مطبوعات الملتقى ، أما إدارة مجلة الشعر فآثرت أن تخفف من حدة الكلام والنصوص والنثر والنقد وغيره في جلسة لطيفة بنادي الإعلاميين جمعت فيها الشعراء العرب للعشاء على ضفاف النيل والأنغام الشجية لليل القاهرة الساحر ..
محطتي الثانية كانت البحر فلا بد من الخروج من ضجيج القاهرة ومن لزوجتها وقتامتها إلى متنفس آخر من أرض مصر الجميلة ، فالقاهرة تملؤك بسرعة إذ لا تطيق البقاء فيها أكثر من أسبوع أو عشرة أيام ، فقد اعتدت البحر ، البحر الطرابلسي الممتد والذي يمثل لي بعدا خفيا من الأمان لأنك وأنت في طرابلس لا تستطيع أن تهرب منه بزرقته الداكنة وأبوته الحانية لهذا وجب الانطلاق إلى الإسكندرية ، تلك المدينة التي تشبه طرابلس إلى حد كبير ، استضافتني مكتبة الإسكندرية في معرض كتابها الدولي في دورته الثامنة والذي يستضيف هذا العام فرنسا وموريتانيا كضيفي شرف رغم البون الشاسع بين الدولتين ثقافيا وهو السؤال الذي أثار انتباهي فتوجهت إلى جناح فرنسا وتوجهت إلى جناح موريتانيا وكلي شوق في أن أتعرف أكثر على بلد المليون شاعر ، ذلك البلد القصي من مغربنا العربي الكبير ، لكن خيبة الأمل أناخت بكلكلها عليّ كما يقول امرؤ القيس إذ لم أجد جناحا يليق بمليون شاعر فقط لافتة قماشية كتب عليها (معرض مكتبة الإسكندرية جناح الجمهورية الإسلامية الموريتانية ـ ضيف شرف) وبعض الكتيبات التي نشرت بدعم من التعاون الفرنسي ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق